الاحتفال بالأُمّ بدأ منذ فَجْر الإنسانية هنا فى مصر، فقد تخيَّل أجدادُنا الفراعنة أن الرجلَ إلهُ الأرض «جب»، والسيدةَ الإلهة السماء «نوت» أنجبا أولادهما الأربعة: إله الخير والخصب «أوزير»، وإله الشر «ست»، ونفتيس، وإيزيس، وقد تزوَّج «ست» بأخته نفتيس وتزوَّج «أوزير» من أخته «إيزيس» وأنجب منها «حورس»، وهكذا أصبحت «إيزيس» الأم إلهةً فى تاريخ مصر القديم. وأقام الأجداد التماثيل لها، وأنشأوا المعابد، ومنها المعبد الكبير المعروف بأنَس الوجود على جزيرة فيلة فى أسوان. ويذكر كمال الملاخ فى مقالة له بعنوان «لا تنسَ أُمَّك.. صوت ينبعث من وراء آلاف السنين» «سيطرت قصة إيزيس وشخصيتها على الشرق القريب، وإثيوبيا فى الجنوب، وأوروبا فى الشمال حتى إنها لعبت دورًا خطيرًا فى اللاهوت اليونانى، والرومانى، ففى العصر الرومانى اتخذوا من إيزيس ربةً لكل مدينة، كما أصبحت إيزيس حاميةَ الإسكندرية والمِلاحة فى بحرها». نجم فى السماء وتخيَّل أجدادنا الفراعنة إيزيس على هيئة نجم فى السماء هو «سوتس»، وأمام تماثيلها، وفى المناسبات والأعياد كانوا يضعون القرابين والمصابيح والبخور». ويضيف كمال الملاخ: «وإيزيس كانت عذراء أيضًا إذ وَلَدتْ وَلَدها حورس عن طريق الرُّوح لا الجسد وكانت هناك أيضًا «حتحور» سيدة الخُضرة والأمّ فى ثالوث دندرة، وقد كان لكل أُمّ إلهة أناشيدُ تُتلَى ومنها نشيد لحتحور كان ينشده الأجداد أمام تمثالها على صدَى النغم والجلاجل والطبول «نحن نبتهج بمحياك ياربة دندرة / حتحور أيتها الخضراء اللامعة الجميلة / إن السماء وآلهتها تعزف لك وتُغنى / والأرض ترقص لك وتسعد / والبلاد الأجنبية حتى أركان الكون الأربعة تنحنى لك وتُمجدك / ياسيدة الخُضرة والرقص والفرح». احملها كما حملتك وتُعد وثيقة الحكيم «آنى» وثيقة مُهمة لأنها تبين سمو منزلة الأم عند المصريين القدماء، وتحض على رعايتها والحرص على رضاها، وهى وثيقة تنتمى إلى أدب الدولة الحديثة عند الفراعنة وفيه نصائح الحكيم «آنى» لابنه: «ضاعف مقدار الخُبز الذى تعطيه لوالدتك، واحملها كما حملتك، ولقد كان عبؤها ثقيلاً فى حملك، ولم تتركه لى أبدًا، وحينما ولدت حملتك كذلك ثانية بعد شهور حملك حول رقبتها وقد أعطتك ثديها ثلاث سنوات، ولم تكن متبرمة ولم تقُل «ماذا أفعل أنا؟»، ولقد ألحقتك بالمدرسة عندما تعلَّمتَ الكتابة، وقد وقفتْ هناك يوميّا خارج المدرسة بالخُبز والجعة من بيتها، وحينما تصبح شابّا وتتخذ لنفسك زوجة، وتستقر فى بيتك اجعل نُصب عينيك كيف وضعتك أمُّك، وكيف ربتك بكل الوسائل فليتها لا تضرك بألا ترفع أكف الضراعة إلى الله، وليته لايسمع عويلها» - وقد أورد هذه الوثيقة المهمة سليم حسن فى كتابه «الأدب المصرى القديم» .ص 238 عيد الأم فى العصر الحديث. وتُعَد «آن جارفس» الفتاة الأمريكية أول من فكَّر فى تخصيص يوم فى العام تقام فيه صلوات شُكر فى الكنائس تعظيمًا للأُمِّ، وكان ذلك عام 1907، وأن يرتدى المُصلون حُللاً بيضاء، وما لبث الاقتراح أن نجح نجاحًا كبيرًا فصار عيدا قوميّا فى الولاياتالمتحدة. وفى أوروبا يُكرِّم الأبناءُ والبناتُ أمهاتِهم فيحملون إليهن الزهور والهدايا فى الصباح الباكر، فى الأحد الثانى من شهر مايو فى كل عام، ولا يدعوهن يؤدين عملاً طوال هذا اليوم، ويقيمون لهن المآدب الفاخرة، ويخرجون معهن إلى المُتنزهات حيث يسمرون ويغنون أناشيد تُبَجل الأمَّ، أمَّا فى مصر فقد بدأ أول احتفال بعيد الأم فى 21 مارس 1956 بعد مقال نشره على أمين فى جريدة الأخبار يوم 6 ديسمبر 1955، وكان قد تناول قصة امرأة بذلت فى سبيل تربية ابنها الكثير من التضحيات لتجد نفسها آخر الأمر وحيدةً ومنسيةً بعد أن أصبح لهذا الابن أُسْرة، وقرأت هذه المقالة السيدة زينات الجداوى فتحدثت تليفونيّا إلى على أمين وسألته لماذا لا يُخَصَّصُ يومٌ لتكريم الأمهات فى مصر ليعرف الابن واجبه الأول، ولتشعر الأمهات مثيلات هذه السيدة أنهن غير منسيات؟، واستحسن على أمين الفكرة وأخذ برنامج الاحتفال مظهره النهائى فاجتمعت جمعية المرشدات برئاسة السيدة إنصاف سرى، وقررت تفويض لجنة الخدمة العامة بالجمعية فى الدعوة إلى الاحتفال بعيد الأم، وكانت مؤلفة من السيدات: زينات الجداوى، ومحاسن علوى، وزينب النجار، ويحى درويش، وسعد المحلاوى، وتم الاتصال بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الإرشاد القومى وغيرها من الجهات الرسمية والشعبية، وتألفت لجنة عيد الأم من ثلاثة وزراء: البكباشى حسين الشافعى وزير الشئون الاجتماعية والعمل، والصاغ كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم، والشيخ أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف، كما ضمت الكثيرين من المسئولين والمهتمين، وكان أول اجتماع للجنة يوم الاثنين 12 فبراير 1956 بمقر المجلس الأعلى لرعاية الشباب، وحملت الصحافة والإذاعة رسالة العيد إلى المواطنين الذى تم الاحتفال به يوم الأربعاء 21 مارس 1956 - كما يقول محمد كامل حتة فى كتابه «قصة عيد الأم» والذى أصدرته لجنة عيد الأم عام 1956. عهد الأمومة وفى الساعة الثانية عشْرة ظهر عيد الأم الأول، تلا وزير التربية والتعليم عهد الأمومة، وردده معه الملايين فى جميع معاهد التعليم فى مصر، ونصه: أعاهدك يا أمى أن أكون بارًّا بك، مُخلصًا لك، عاملاً على إسعادك، مراعيًا شعورك، مؤديًا حقوقك، حافظًا عهدك، معترفًا بفضلك، مؤمنًا بأن حقك عليّ من حق الله». وكان بدء الاحتفال بعيد الأم إذاعة خطبة الجمعة من مسجد الإمام الشافعى يوم 16 مارس، وكان موضوع الخطبة عن فضل الأم. ويذكر محمد كامل حتة فى كتابه: إن الأمين العام لجامعة الدول العربية فى ذلك الحين، وهو الأستاذ عبدالخالق حسونة ألقى كلمة حيَّا فيها هذا العيد، ودعا إلى تعميم الاحتفال به فى جميع البلاد العربية ليكون يومًا من أيام الوحدة على معنى الأمومة الكريم. احتفال سبعة أيام واحتفلت الإذاعة المصرية بعيد الأم سبعة أيام من 17 مارس إلى 23 مارس مُعبرة عن أجمل صوره ومعانيه فى الأحاديث والتمثيليات والأغانى وفى برامج الطفل، والمرأة، والشباب، والريف، والعمال، وفى برامج: جرّب حظك، وساعة لقلبك، ومجلة الهواء. الشِّعر والاحتفال بالأمومة ويُعَد البيت الشِّعرى الأشهر فى وصف الأم فى شِعرنا المعاصر بيت الشاعر حافظ إبراهيم وهو القائل: «الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتها / أعددت شعبًا طيبَ الأعراق». وقال خليل مطران أيضًا: «إن لم يكن أمّ فلا أُمَّة / وإنما بالأُمهات الأُمَم». وقال الشاعر محمود درويش فى قصيدة عذبة: « أحِنُّ إلى خُبز أمِّى / وقهوة أمِّى / ولمسة أمى / وتكبر فيّ الطفولة / يومًا على صدر يوم / وأعشق عمرى لأنى / إذا متُّ / أخجل من دمع أمى». ومن أبدع القصائد العامية عن الأم ما كتبه الشاعر حسين السيد وهى أنه نسى إحضار الهدية لها فى عيدها فتأثر لذلك وهداه خياله الشِّعرى الجميل أن يهديها قصيدة من قصائده فكانت أعذب أغنية تُعبرعن عيد الأم، وهى التى تغنت بها فايزة أحمد، وتقول كلماتها: « ست الحبايب ياحبيبة / يا أغلى من روحى ودمى / ياحنينة وكلك طيبة / يارب يخليك يا أمى / ياست الحبايب ياحبيبة». الهدية باقة من التشريعات ولاتزال كلمات الكاتبة أمينة السعيد، التى كتبتها فى أول عيد أم نحتفل به رسميًّا عام 1956، كلمات مَرَّ عليها أكثر من ستين عامًا لكنها ظلت فى حاجة للتأمل، وفى حاجة للتحقق، إذ قالت: أتمنى أن نتلقى هدية عيد الأم، باقة من التشريعات التى تثبت أقدامنا فى بيوتنا، وتؤمن مصيرنا مع فلذات أكبادنا، وتحدثت عن معاناة النساء من مشكلات الطلاق، وتعدد الزوجات، وغيرها، وهو الأمر الذى لاتزال تعانى منه المرأة حتى الآن. باقة ورد لكل أُمّ فى عيدها، وباقة تشريعات، وهذا كل ما نأمله.•
الأم المثالية فى بريطانيا هذا العام«لوران سلايب» نالت «لوران سلايب» ، 60 عامًا ، جائزة الأم المثالية لهذا العام من قبل جريدة «the sun» البريطانية.. «لوران» الممرضة المتقاعدة من مدينة بورتسموث، جنوب شرق إنجلترا، فقدت والدها العام الماضى، وتهتم بأمها المسنة وزوجها الذى يعانى من مرض نقص الخلايا المتعادلة «نقص خلايا الدم البيضاء». الأم التى ساعدت فى علاج وشفاء واحدة من أبنائها الاثنين والتى كانت تعانى من ورم فى المخ، احتضنت الأخرى وبصحبتها صغارها فى بيتها، بعد انفصالها عن زوجها.. لم تكترث لوران بمشاكلها الصحية الخاصة، ووقفت بجانب ابنتها «ناتالى كنجسميل»، 35 عاماً، خلال رحلتها لمحاربة الورم الذى استوطن جسدها قبل عامين.، وساعدت ابنتها «بيث»، 33 عامًا، فى الهروب من علاقة زوجية فاترة وغير سعيدة تسببت فى سوء حالتها النفسية والعصبية ورحبت بعودتها مع أولادها إلى منزل العائلة.. فقدت «لوران» والدها مؤخراً ونظمت مراسم جنازته من سريرها فى المستشفى، وهى بالكاد تتعافى من عملية جراحية خطيرة فى رئتها. تحكى «بيث»: « منذ أن تستيقظ أمى فى الصباح وحتى تذهب إلى الفراش، تفعل كل شىء من أجل الجميع، ضحت بكل حياتها من أجلنا و لنا - إنها أعز صديقاتى وليس لها مثيل فى هذا العالم، هى التى أنقذتنى من علاقة سابقة متعجرفة، ولم تجعلنى أشعر بالذنب بسبب صعوبة حياتنا خلال تلك الفترة».. فقدت الكثير من الوزن بشكل غير مسبوق، وكنت أرتجف طوال الوقت وغالباً ما شعرت بنوبات من الفزع الشديد، وقالت أمى إنها فقدت طفلتها الصغيرة لأننى تغيرت بالكامل ولم أكن سعيدة كما كنت من قبل. لم أكن أريد أن أتسبب فى إيذاء أمى أو أزعجها، ولكنها كانت داعمة لى منذ البداية لإنهاء هذه العلاقة، وكانت هى التى أعطتنى القوة لفعل ذلك فى النهاية بعد أن قامت باحتضانى أنا وأولادى سوياً.، مكنتنى أمى بالبقاء فى عملى كممرضة أسنان لرعايتها أولادى، وكأنها الأم الثانية لهم.. يذكر أن «بيث سليب» قد رشحت أمها «لوران» لخوض مسابقة الأم الرائعة والمثالية فى ضوء كل ما قامت به من أجلها هى وشقيقتها ناتالى وبقية أفراد عائلتها. •