شهدت ميلاد مجلة «صباح الخير» وأسهمت فى التحضير للأعداد الأولى قبل صدور المجلة بستة أشهر.. وأصبحت من أبرز كُتّابها.. الكاتبة المبدعة فوزية مهران التى تألقت بكتاباتها القصصية: «بيت الطالبات»، و«أغنية للبحر»، و«فنار الأخوين»، وكتاباتها الروائية «جياد البحر»، و«حاجز أمواج»، و«السفينة». نشرت قصصها الأولى على صفحات «صباح الخير» وأسهمت بمقالاتها وكتاباتها الصحفية منذ عام 1956 فى إرساء فكرة التنوير، وتطوير المجتمع، وخلق روح جديدة تميزت بها المجلة متمثلة فى شعارها: للقلوب الشابة والعقول المتحررة». رسالة لتطوير المجتمع فوزية مهران الحائزة على جائزة الدولة التقديرية للآداب - وابنة مجلة «صباح الخير» فهى صاحبة أول عقد للعمل بالمجلة وتحكى لى قصة التحاقها بالعمل فيها فتقول: «كنت فى المرحلة الثانوية فى محافظة المنصورة بعد أن انتقلنا إليها من دمياط إذ لم تكن هناك مدرسة ثانوية للبنات هناك حينذاك، وفى المنصورة وعند بائع الجرائد تعرفت على مجلة «روزاليوسف» وكنت أشتريها من مصروفى الخاص لأن أبى لم يكن يشتريها ضمن ما يشتريه من صحف ومجلات، لكنه ضبط معى أحد أعدادها وغضب لذلك غضبا عارما لأن مجلة روزاليوسف حينذاك كانت تهاجم حزب الوفد، وكان أبى وفديا، وتهاجم النحاس باشا، وكان ذلك السبب الرئيسى فى عدم دخول المجلة إلى بيتنا، وعندما صاح أبى قائلا: «روزاليوسف فى بيتي؟!.. كيف تشترينها»؟ فقلت له بثبات، وبصوت واثق: «أقرأها لأعرف، وليس من الضرورى أن أقتنع بكل ما أقرأ وإنما أناقشه بينى وبين نفسي» أعجبت إجابتى أبى، وتخلى عن موقفه، وصار يشترى لى مجلة «روزاليوسف» أسبوعيا وعندما ارتحلت إلى القاهرة للالتحاق بالجامعة وتخرجت فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية كنت أتابع «روزاليوسف» المجلة وأقرأها باستمرار حتى وجدت إعلانا عن مجلة جديدة على صفحاتها، وكان اسم المجلة «صباح الخير» فتوجهت إلى الدار - دار روزاليوسف التى أحسست بأنها دارى، وأحببتها كثيرا، وقابلت أحمد بهاء الدين الذى أسس مجلة صباح الخير بفكره المستنير ووافقت السيدة روزاليوسف على تعيينى بالمجلة، وكان أول عقد عمل بالمجلة لى فى عام 1956، وكان راتبى الشهرى حينذاك خمسة عشر جنيها، لم تكن الرواتب أو النقود قضيتنا، كنا نشعر أننا سنقوم بدور كبير فى تطوير المجتمع، وأننا نحمل رسالة، ولم يكن شعار المجلة الذى ابتكره أحمد بهاء الدين «للقلوب الشابة والعقول المتحررة» مجرد شعار بل كان فلسفة وجود المجلة، والأساس الذى قامت عليه، كان علينا أن نزرع القيم التقدمية النبيلة فى وجدان الناس فالذى لا يستطيع شراء كتاب كان يمكن أن يتطور بقراءة مجلة قيمة تقدم المعرفة للناس، وكانت هذه المجلة هى «صباح الخير». ثورة اجتماعية حقيقية كان شعارها كالفكرة الأساسية فى العمل الفنى، والمايسترو كان أحمد بهاء الدين، وتضيف فوزية مهران: «كنا نحاول أن نغيَّر فى المجتمع، كنا نريد لصباح الخير طابعا اجتماعيا، وأن تنزل السياسة من عليائها إلى قلب المجتمع على صفحاتها. قلت لها: لقد كتبت فى العدد الأول من «صباح الخير» عن الحب عند الأدباء، وحملت كتاباتك عنه وجهة نظر جديدة ثائرة، أحببت ثورة «نورا» كامرأة شعرت أنها زوجة مثل الدمية تدور فى فلك زوجها فى رائعة «إبسن» «بيت الدمية»، وانتقدت نظرة بعض أبطال محمد عبدالحليم عبدالله للحب فى بعض أعماله. قالت: «كان المجتمع فى ذلك الوقت يعانى من التضييق على المرأة، وتزمت التقاليد وقسوتها لذا انتقدت النظر إلى المرأة كجنة إذا دخلها الرجل وتمتع بشهدها خفت البريق وكان هذا يمثل وجهة نظر معظم الرجال وقتها ولذا أحببت «نورا» التى تمردت على وضعها كدمية يحركها الرجل فى رائعة «إبسن» «بيت الدمية، كانت نورا تريد أن تكتشف حقيقتها وتحس بأنها إنسانة لا مجرد أنثي. كنا نريد أن نكتشف المرأة ذاتها، وأن تكون الفتاة فى ذلك الوقت عام 1956 نموذجا حديثا ترفض الرجل سيدا عليها، وإنما يكون سيدا على نفسه وأفكاره ومواقفه. قلت لها: ولذا أخبرتنى أنك كتبت تحقيقا موسعا عن الفتاة موديل 1956 ولم تمهريه باسمك؟ قالت: «لقد حررت موضوعات عديدة فى العدد الأول، ولم أمهر إلا مقالا واحدا بإمضائى وهو «الحب عند» ، كان ذلك تقليدا صحفيا، وعندما أجريت تحقيقا عن الفتاة موديل 1956 فوجئت بمشكلة حدثت لإحدى فتيات الجامعة اللواتى تحدثت إليهن بعد نشر التحقيق الصحفى فى «صباح الخير» فقد قرأه عمها فى الصعيد، وحضر إلى القاهرة لنزعها من أمها واصطحاب الفتاة إلى الصعيد لأنها تحدثت عن الحب على صفحات المجلة إن وكان والدها متوفيا - لكن أمها تصدت له وقالت له: وهل الحب حرام؟؟! ابنتى ستظل فى القاهرة لتستكمل دراستها الجامعية، فانصرف العم لقد أسهمت المرأة المصرية إسهاما حقيقيا فى تقدم المجتمع ووقفت إلى جانب فكرة التقدم والتنوير وبدا هذا جليا فى موقف هذه المرأة الصعيدية القوية التى انتصرت لقيمة العلم وحرية الرأي. التجديد فى كل شيء! لقد كنا ننادى بالتجديد فى كل شيء وفى كل أبواب المجلة حرصنا على ذلك فلقد كان الفنان أبوالعينين يقدم بابا اسمه: «نصف حياتك فى المنزل» ينادى فيه بالتخلى عن تأثيث البيوت بالصالونات المذهبة الضخمة التى تصبح عبئا على أصحابها فيما بعد ويدعو للتخلى عن الأثاث ذى الوجاهة الاجتماعية لكنه غير عملى وغير مستخدم كانت المجلة ثورة اجتماعية حقيقية». روح التنوير سألتها: وهل واجهتم صعوبات فى تقديم أفكار التجديد خاصة على الصعيد الاجتماعي؟ قالت: «نعم.. كانت تفاجئنى رسائل عديدة تشكو من قسوة التقاليد، والانغلاق أو التزمت الفكرى، وصعوبة التواصل بين جيل الأمهات والآباء من جهة، وجيل الأبناء والبنات من جهة أخرى، اكتشفت ذلك من خلال باب كنت أحرره بعنوان: «العيادة النفسية»، وكنت أحاول الرد على المشاكل بروح التنوير روح صباح الخير - القلوب الشابة، والعقول المتحررة. وتضيف: كان للكاتب ولا يزال قيمة كبيرة فى تطوير مجتمعه، وعلى سبيل المثال نشر يوسف إدريس قصته «نظرة» فى ذلك الوقت، وكانت فى حد ذاتها ثورة على الظلم الاجتماعى، عن فتاة تريد أن تستمع بطفولتها لكنها لا تستمتع بسبب ما يقع عليها من أعباء وكانت هناك كتابات مهمة لعبدالرحمن الشرقاوى مثل روايته «الأرض» وغيرها، كان المجتمع يتغير برؤية كتابه، وقد لعبت الصحافة دورا كبيرا فى ذلك. كوبرى جديد نحو المستقبل سألتها عن تأثير المجلة وقت ظهورها فى مجتمع الكتاب والفنانين والناس. قالت: «لم ننتظر العدد الأول من صباح الخير أمام المطبعة وإنما سهرنا طوال الليل نجوب القاهرة، ونذهب لمحطة مصر لنرى قطار الصحافة وهو يحمل «صباح الخير» إلى الصعيد لإحساسنا أن تجربة ميلاد مجلة تعادل إنشاء كوبرى جديد للمستقبل من آخر مكان فى الصعيد إلى المستقبل. لقد كانت المجلة ذات هدف وليست مجلة لتسلية القراء أو إزجاء وقت الفراغ، كانت تعمل على تجديد الأفكار وفيها كتبنا واعتقدنا أن الكتابة عقد ثابت ما بينك وبين الحقيقة لأن الكتابة موصولة بالإيمان بالحقيقة والنور، حيث العقل يجوب الآفاق. ثم تضيف فوزية مهران: «صباح الخير زهرة حياتي» فتعطرنا معا بذكريات أعدادها الأولى بل بكل أعدادها التى أصبحت فى حياتنا شجرة حب وارفة ورسالة عطاء.