غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    مواجهة بين أحد الصيادين ومؤسس حملة "خليها تعفن" تكشف أسباب ارتفاع أسعار الأسماك    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    شراكة مصرية إماراتية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والتقليدية    3 شهداء وعدد من الإصابات جراء استهداف الاحتلال لمنزلًا شرق رفح    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    مظاهرات لطلاب الجامعات بأمريكا لوقف الحرب على غزة والشرطة تعتقل العشرات (فيديو)    البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرانيا حتى نهاية 2024    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    ميدو ل لاعبي الزمالك «قبل مواجهة دريمز»: «الجماهير لن ترحمكم»    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول وفوز مانشستر يونايتد    كاراجر: محمد صلاح ظهر ظلا لنفسه هذا الموسم    "سنحولها إلى الجهات الرقابية".. الزمالك يكشف مفاجأة في قضية بوطيب وتحركات لحل الأزمة    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    بعد خسارة الأهلي ضد أويلرز الأوغندي.. موقف مجموعة النيل ببطولة ال«BAL»    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    الأرصاد تُحذر من حالة الطقس المتوقعة اليوم الخميس: درجات الحرارة تصل ل43    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أخبار الفن|طلاق الفنان أحمد جمال من زوجته سارة قمر.. وشريف منير يروّج ل«السرب».. وهذه الصور الأولى من زفاف ابنة بدرية طلبة    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    في حفل تأبين أشرف عبدالغفور .. أشرف زكي: فقدنا فنانا رسم تاريخه بالذهب    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    رئيسة «القومي للمرأة» تزور مكتبة الإسكندرية.. وتشيد بثرائها وأصالتها    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    سفير ألمانيا بالقاهرة: المدرسة الألمانية للراهبات أصبحت راسخة في نظام التعليم المصري    المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمطاعم والمولات والمقاهي    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    رئيس جامعة دمنهور يشهد فعاليات حفل ختام مهرجان بؤرة المسرحي    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    الهلال الأحمر المصري: إسرائيل تعطل إجراءات دخول الشاحنات إلى قطاع غزة    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    طريقة عمل الكبسة السعودي باللحم..لذيذة وستبهر ضيوفك    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. ومحتكر السلع خبيث    تحرير سيناء قصة كفاح نحو البناء والتنمية .. ندوة بمجمع إعلام قنا    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    البورصة تقرر قيد «أكت فاينانشال» تمهيداً للطرح برأسمال 765 مليون جنيه    العاهل البحريني ورئيس الإمارات يدعوان إلى تهدئة الأوضاع بالشرق الأوسط    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الطاقة المقدسة

فى 11 ديسمبر 1997 ومن داخل أعرق مدن الأرخبيل اليابانى (كيوتو) وافقت الدول الصناعية الكبرى على الحد من تركيزات غازات الاحتباس الحرارى فى الغلاف الجوى عند مستوى يحول دون إلحاق ضرر بالنظام المناخى، ومن ثم بدأت الدول الكبرى الاعتماد بقوة على الطاقة المنبعثة من الغاز بدل النفط.
وعلى عكس أوروبا التى اتجهت نحو الزيادة فى حجم وارداتها من الغاز، فإن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت أن توقع على الاتفاقية، بل رمت بكامل ثقلها من أجل منع أوروبا من أن تقيم وارداتها الغازية باليورو وليس بالدولار،حتى لا يتحول هذا الأخير إلى مجرد عملة عادية.
الثورات الملونة
وسريعاً بدأت حرب الطاقة المقدسة من أجل الغاز، وكان أولى إرهاصاتها الثورات الملونة فى 2004 واجتياح ابخازيا من طرف روسيا، والتى تؤكد احصاءات عام 2011 أن الأخيرة مسئولة عن إضاءة أوروبا، حيث تصدر 30 % من استهلاك أوروبا الغازى، وتسعى إلى الحفاظ على هذا الموقع واحتكاره عبر خط أنابيب أوكرانيا وبيلاروسيا، وفى الجانب الآخر تسعى الولايات المتحدة إلى جلب الغاز من تركمنستان وآسيا الوسطى وذلك عبر مشروع خط أنابيب «نابوكو».
وفى هذا السياق أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى معرض تحديد رؤيته لروسيا عام 2020 أن قتالاً ضارياً على الموارد الطبيعية يدور فى أنحاء العالم، وأن رائحة النفط والغاز تفوح فى كثير من الصراعات وتحركات السياسة الخارجية، ويجرى أحيانا تدمير سيادة دولة معينة ومناطق بأكملها تحت ستار تصريحات رنانة عن الحرية والمجتمع المفتوح، فى إشارة للسياسة الأمريكية فى المنطقة وحربها على العراق وأفغانستان.
وليس سراً أن الحرب التى تشنها الولايات المتحدة هى فى الأساس حرب طاقة تستهدف الوصول إلى مصادر الطاقة والسيطرة عليها من أجل إحكام قبضتها على النظام الدولى، إلا أن الدب الروسى الذى يعد أول منتج للغاز وثانى منتج للنفط فى العالم تمكن من استعادة التوازن الدولى بفضل عائدات النفط والغاز، حيث يعتبر عملاق الغاز الطبيعى الروسى «غاز بروم» الذى يقدم ربع موارد الخزينة الروسية من أضخم شركات الغاز العالمية، الأمر الذى مكنها من فرض سيطرة شبه كاملة على الغاز الطبيعى فى منطقة آسيا الوسطى.
ولم تكتف روسيا بذلك وإنما تعمل على تطويق أوروبا بإقامة خطوط إمدادات جديدة للطاقة مثل السيل الأزرق والسيل الجنوبى ونورد ستريم وغيرها، لتعزيز دورها وحضورها فى أوروبا وللحد من فاعلية الخطوط البديلة التى يسعى الغرب إلى توفيرها بهدف تأمين مصادر طاقة من جنوب القوقاز إلى أوروبا دون المرور بالأراضى الروسية، مثل خط باكو جيحان تبليسى، وخط من تركمانستان عبر بحر قزوين، الأمر الذى يثير صراعات مستمرة بين المعسكر الروسى من جهة وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى.
وبحسب الدراسة التى قام بها الكاتب والباحث الأمريكى «مايكل كلير» نشرها موقع «توم ديسباتش» الأمريكى التابع لمعهد «الأمة» بواشنطن والمتخصص فى الشئون السياسية والاستراتيجية، فإننا نعيش فى عالم مركزية الطاقة، حيث تترجم السيطرة على موارد النفط والغاز ووسائل نقلها، إلى نفوذ «جيوسياسى» لأولئك الذين يسيطرون عليها، وضعف اقتصادى بالنسبة للآخرين.
وبسبب أن الكثير من الدول تعتمد على واردات الطاقة، والتى لديها فوائض للتصدير، بما فى ذلك العراق ونيجيريا وروسيا، وجنوب السودان، فإنها تمارس فى كثير من الأحيان تأثيراً غير متناسب على المسرح العالمى، لأن ما يحدث فى هذه البلدان مهم بالنسبة لباقى الدول بنفس القدر لساكنيها؛ إذ إن مخاطر التدخل الخارجى فى صراعاتهم، سواء فى شكل من أشكال التدخل المباشر أو نقل الأسلحة أو إرسال مستشارين عسكريين أو عبر المساعدة الاقتصادية، تشكل أهمية أكبر مما يجرى فى أى مكان آخر، حيث يعاد تشكيل المشهد «الجيوسياسى» فى العالم بسبب الطلب المتزايد على موارد الطاقة من القوى الصاعدة، مثل: الصين والهند والقادة المتحكمين فيها كالولايات المتحدة وأوروبا. ما أدى إلى التوسع الهائل فى مشاريع تسليم النفط والغاز التى من خلالها تتم إعادة رسم خطوط المعارك والصراعات على الموارد من جديد، سواء كان من خلال الحرب بالأسلحة، أو الحرب الباردة، أو حتى عن طريق نهج الطرق الدبلوماسية، فهناك أكثر من 10 خطوط من النفط والغاز غيرت خريطة العالم الاستراتيجية، باعتبارها إحدى أدوات الحرب الباردة بين الدول الكبرى، وعلى رأسها خط الغاز «نابوكو» الذى سنتناوله فى الموضوع التالى تفصيلاً..
1 - TAPI
هو الخط الذى يربط حقول الغاز فى آسيا الوسطى بشبه القارة الهندية، وبعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى خاضت شركتا «يونوكال» الأمريكية و«بريداس» الأرجنتينية منافسة شرسة لمحاولة بناء خط الغاز، فى مشهد وصفه البعض بأنه تكرار حديث لصراع «لعبة الأمم» الشهير فى القرن التاسع عشر بين روسيا وبريطانيا من أجل السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية.
ومن جانبه أعلن الرئيس التركمانستانى، قربان قولى بردى محمدوف أن الأطراف المشاركة فى مشروع خط أنابيب غاز «تابى»، «تركمانستان، أفغانستان، باكستان، الهند»، ستواصل العمل على مد أنبوب الغاز على أراضى أفعانستان.
وأضاف خلال مؤتمر صحفى مشترك، عقب محادثات مع نظيره الأفغانى محمد أشرف غانى، الشهر الماضى، «إن تركمانستان تقوم فى الوقت الحاضر ببناء خط الأنابيب هذا على أراضيها، وتعمل الأطراف المشاركة معا لحل المسائل الفنية المتعلقة بمواصلة بنائه على أراضى أفغانستان»، فيما أعلن الرئيس الأفغانى، أن شعب أفغانستان يؤمن بهذا المشروع ويدعمه، معبرا عن أمله فى إنجازه.
وبدأت كل من تركمانستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند، فى ديسمبر 2015 ببناء خط أنابيب للغاز، يبلغ طوله 1814 كيلومترا ويمتد على طول أراضيها ويمر عبر مدينتى هرات وقندهار فى أفغانستان وكويتا ومولتان فى باكستان، وصولا إلى قرية فازيلكا على الحدود الباكستانية الهندية.
ووفقا للخبراء، فإن تنفيذ المشروع «تابى» سيسمح لتركمانستان بتنويع صادراتها من الغاز وتهدئة الأمور بين أفغانستان وباكستان والهند وتغطية الطلب المتزايد على موارد الوقود، إلا أن المشروع يواجه مشروع مخاطر أمنية كبيرة، بسبب الصراع الداخلى فى أفغانستان، إذ يمر بمناطق تعتبر أكثر إشكالية من الناحية الأمنية.
وفكرة خط أنابيب الغاز المنشود هذه لم تخمد أبداً، وتحتدم المنافسة فى الكواليس بين الولايات المتحدة وإيران لبناء خط أنابيب «تابى» البالغ طوله 1700 كلم، وتكون نقطة انطلاقه حقول الغاز فى «تركمانستان» وحتى الهند مروراً ب«أفغانستان»، و«باكستان» ومع سعى باكستان والهند المحموم للحصول على الطاقة اللازمة لضمان نموها الاقتصادى، يمكن لأفغانستان الفقيرة أن تربح مئات ملايين الدولارات من رسوم العبور.
فهذا الخط المدعوم من الإدارة الأمريكية بتكلفة 7.6 مليار دولار، ويأتى ضمن صراع واشنطن مع طهران، فالأولى تريد أن تعرقل المصالح الإيرانية فى المنطقة؛ إذ إن خط الأنابيب هذا من شأنه أن يحد من تطور خط غاز إيرانى، وبالتالى تخريب جهود دولة معادية للولايات المتحدة.
ويشكّل خط «تابى» مثالاً جيداً على كيفية قيام البيت الأبيض بالدفاع عن الأصول والموارد التى تحتاجها بعنف لمواصلة هيمنتها فى المستقبل، ووفقاً لصحيفة «إكسبرس تريبيون» الأمريكية، فإن الولايات المتحدة تدفع الدول الأربع إلى منح عقد خط الأنابيب المربح لشركات الطاقة الأمريكية العملاقة، كما أن الشركتين الأمريكيتين «شيفرون وإكسون موبيل» دخلتا فى سباق الفوز بالمشروع، وتمويل مد الخط المذكور.
وتمارس «شيفرون» بدعم من وزارة الخارجية الأمريكية ضغوطاً على كل من الهند وباكستان وأفغانستان للتوصل إلى اتفاق لتنفيذ استكمال الخط.
2 - White Stream
يعد خط أنابيب «وايت ستريم» أو«السيل الأبيض» أحد أهم الخطوط التى تحجّم سيطرة روسيا على الغاز فى المنطقة، حيث يطوق الهيمنة الروسية على أسواق الغاز ويصل إلى الاتحاد الأوروبى عن طريق جورجيا.
ويبدأ الخط بجورجيا وينتهى فى رومانيا، ثم يتجه نحو غرب أوروبا، وبدأ التفكير فى إنشائه عام 2005حينما طرحت أوكرانيا مشروعاً يسمى (السيل الأبيض) يهدف إلى تشييد خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعى إلى أوروبا دون المرور بروسيا، أو الاعتماد على غازها الطبيعى.
وكان هذا المشروع، المدعوم من قبل الغرب، بمثابة الرد الأوكرانى على الخطط الروسية لتقليص مرور الغاز الروسى عبر أوكرانيا إلى الأسواق الأوروبية، كما أنه كان يتناغم مع الدعوات الأوروبية المتصاعدة بضرورة تنويع مصادر الحصول على الغاز، وتقليل التبعية لروسيا فى هذا المجال، حيث كان يهدف إلى نقل الغاز الطبيعى غير الروسى عبر «القرم» الأوكرانية آنذاك، وعبر الأراضى الأوكرانية الأخرى، وجورجيا إلى بلدان الاتحاد السوفيتى السابق ودول شرق أوروبا.
وجرى التخطيط لنقل الغاز الأذربيجانى والتركمانى والأوزبكى وغيره عبر هذا المسار الأوكرانى، بهدف إضعاف الدور الكبير للغاز الروسى فى الدول السوفيتية السابقة، وأوروبا.
واستمر هذا المقترح يجول فى خاطر القيادات الأوكرانية المختلفة خلال السنوات الماضية، بما فيها الرئيس المخلوع «فيكتور يانوكوفيتش» على الرغم من كونه كان محسوباً بدرجة أو بأخرى على روسيا، ففى صيف 2013 أعلن يانوكوفيتش أنه يرى من المنطقى تماماً العودة إلى مشروع «السيل الأبيض» لنقل الغاز عبر الأراضى الجورجية وقاع البحر الأسود والأراضى الأوكرانية، دون المرور بالأراضى الروسية والاستعانة بتكنولوجيا تسييل الغاز فى مرحلة متقدمة من هذا المشروع، غير أن خلع يانوكوفيتش وضم القرم إلى روسيا العام الماضى أفسدا هذه الخطط، الأمر الذى رفع درجة معارضة الأوروبيين لمشروع «السيل الجنوبى» لنقل الغاز الروسى إلى جنوب أوروبا ووسطها. ولم يتوقف رد الفعل الروسى فى الصراع حول مسارات نقل الغاز الطبيعى إلى أوروبا عند هذا الحد، وإنما تجاوزه ليقفز إلى المسار التركى كبديل لمشروع «السيل الجنوبى».
3 - South Stream
بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، تزايدت الشكوك حول مصير مشروع خط الأنابيب البالغ طوله 2400 كيلومتر والمقرر مده من روسيا إلى جنوب أوروبا عبر البحر الأسود بدون المرور فى الأراضى الأوكرانية، حيث تواصلت التحركات الروسية لمواصلة الهيمنة على الغاز فى جميع أنحاء أوروبا، من خلال السيطرة على خطوط الأنابيب التى تقدم الغاز مباشرة إلى أوروبا، وتجاوز الوسيط الأوكرانى المزعج فى كثير من الأحيان، من خلال خط أنابيب الغاز «ساوث ستريم» أو(السيل الجنوبي).
ولاحقاً أعلن الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» أن بلاده ألغت مشروع إنشاء خط أنابيب غاز «ساوث ستريم» والذى كان يهدف إلى نقل أكثر من 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسى إلى أوروبا سنوياً بحلول نهاية العقد الحالى.
وكانت موسكو وقعت مع أنقرة اتفاقية خلال عام 2009 تسمح بمرور خط أنابيب غاز «ساوث ستريم» الروسى فى مياه البحر الأسود فى تركيا بدلاً من عبوره المياه الأوكرانية. ويعتبر هذا الخط منافساً لمشروع «نابوكو» الذى يدعمه الاتحاد الأوروبى، والذى ينقل الغاز من منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى إلى أوروبا عبر تركيا دون المرور بروسيا.
وبدأ العمل فى خط الأنابيب بالفعل فى الأراضى البلغارية عام 2013 واستمر عدة أشهر قبل أن ترفض المفوضية الأوروبية مؤكدة أنه ينتهك قوانين الاتحاد الأوروبى الخاصة بالمنافسة التجارية.
4 - Altai
يربط خط أنابيب «ألتاى» المعروف ب«الممر الغربى» بين صناعة الغاز الطبيعى الروسى والمشترى الصينى الذى سيؤمّن له الطاقة البديلة فى المرحلة المقبلة. وهذا شكّل عنواناً للعلاقة الاستراتيجية بين الطرفين، وقامت شركة «غاز بروم» الروسية وشركة النفط الوطنية الصينية «CNPC» بالتفاوض لتوقيع عقد لتوريد الغاز إلى الصين عبر هذا الخط، حيث من المتوقع فى المرحلة الأولى أن يبلغ حجم توريدات الغاز إلى بكين عبر هذا الممر نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، على أن يتم فيما بعد إنشاء أنبوب ثانٍ وثالث للوصول إلى قدرة إنتاجية بنحو 100 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.
ويضاف الاتفاق إلى اتفاق آخر طويل الأمد وقّعته موسكو وبكين فى مايو 2014 لتزويد الصين بالغاز الطبيعى عبر «الممر الشرقى» المعروف بفرع خط أنابيب «قوة سيبيريا» لمدة 30 عاماً، وقدر العقد من قبل الطرفين ب400 مليار دولار، ومن المقرر أن تبدأ توريدات الغاز بالتدفق فى عام 2018 بحجم 5 مليارات متر مكعب فى العام، على أن تجرى زيادتها لاحقاً إلى 38 مليار متر مكعب سنوياً تستخرج من حقول الغاز فى منطقة الأورال.
5 - keystone
يهدف هذا الخط لإدماج كندا والمكسيك فى حلف تقوده الولايات المتحدة فى سبيل نهضة الطاقة فى قارة أمريكا الشمالية من خلال تسريع استغلال الوقود الأحفورى فى جميع أنحائها، ما يكفل للجميع النمو الاقتصادى الكبير والذى يأتى فى إطار الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، فالإدارة الأمريكية قررت إنشاء هذا الخط العابر للحدود بهدف دعم الصادرات الأوكرانية من الغاز الطبيعى وتنوع أوروبا لإمدادات الطاقة وتطوير خطوط الأنابيب التى لا تمر عبر روسيا.
ومن جانبه وقع الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» على قرار بمواصلة بناء خطوط الأنابيب «كيستون إكس إل» و«داكوتا» اللذين حاول الرئيس السابق «باراك أوباما» إيقاف مدهما لأسباب بيئية.
وأشار «ترامب» إلى أن بناء الخطوط يجب أن يتم عن طريق مواد أمريكية وعمال أمريكيين، واضعا هذا كأحد الشروط الأساسية لاستكمال بناء الخطوط التى توقف بناؤها فى عصر الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما»، الذى أصدر قرارًا فى نوفمبر 2015 بإيقاف عمليات البناء بشكل نهائى.
6 - Nord Stream
استكمالاً للهيمنة الروسية، بدأت موسكو عام 2011 فى ضخ الغاز الطبيعى عبر خط أنابيب «نورد ستريم» إلى القارة العجوز عبر بحر البلطيق، حيث يتم ضخ الغاز إلى تشيكيا وسلوفاكيا فى مسار «السيل الشمالى» على مراحل عبر ألمانيا بدل أوكرانيا، ويتكون هذا الخط من فرعين، طاقة كل منهما 27.5 مليار متر مكعب فى العام، أما الطاقة الإجمالية فتبلغ 55 مليار متر مكعب. فيما بلغت التكاليف الإجمالية لإنشائه نحو 8.3 مليار دولار.
ويبدأ خط «نورد ستريم» للغاز البالغ طوله 1224 كيلومتراً، من بلدة «فيبورج» شمال غربى روسيا، وينتهى فى ألمانيا بالقرب من بلدة «جرافسفالد» وانتهى العمل به فى نوفمبر 2011 ويعتبر خطاً إستراتيجياً للغاز الروسى، فهو بمثابة علامة على وجود توسع فى شراكة بمجال الطاقة بين برلين وموسكو، وهذا يبقى روسيا فى المباراة الأوروبية بطريقة قوية، كما يعطى لهم صوتاً فى بروكسل عبر ألمانيا.
7 - IGI Poseidon
فى عام 2009 اتفقت شركة «أديسون» الإيطالية مع الشركة الحكومية «ديبا» لليونان لإنشاء خط الأنابيب بطول 212 كيلومتراً عبر قاع بحر «أدرياتيك» من منطقة «ستاوروليميناس» باليونان إلى منطقة «أوترانتوس» فى إيطاليا.
واتفق مساهمو المشروع مع «بوتاش» لتركيا فى إنشاء خط أنابيب الغاز الذى سيربط نظامى اليونان وتركيا، وقدرت تكلفة المشروع بنحو 1060 مليون دولار.
كما دعمت إسرائيل خططاً لبناء خط أنابيب غاز شرق المتوسط، وهذا المشروع يتطلب مد خط أنابيب تحت الماء يربط قبرص مع جزيرة «كريت» ثم مع البر اليونانى، عن طريق بناء وصلة مع خط بوسيدون IGI والذى يمكنه نقل 8 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز القبرصى والإسرائيلى إلى أوروبا. وفى أكتوبر 2013 أعلنت المفوضية الأوروبية اهتمامها بمشروع خط الأنابيب المزمع إطلاقه، وقالت إنه مؤهل للحصول على الدعم المالى.
8 - Kazakhstan -China
فى محاولة منها لتعزيز وجودها، تسعى الصين إلى بسط قوتها فى منطقة «آسيا الوسطى» التى تعوم على بحر من الموارد الطبيعية الغنية، خاصة «كازاخستان» التى تمتلك نحو 3% من احتياطات النفط فى العالم، ويحتوى حقل كاشاغان وحقول أخرى قريبة فى شمال بحر قزوين على نحو 35 مليار برميل من النفط.
وبلغت واردات النفط الخام الصينية عبر خط أنابيب النفط بين الصين وكازاخستان والذى يعد أول خط أنابيب للنفط عبر الحدود بالصين، 10.93 مليون طن فى عام 2011 بزيادة 10.3% سنوياً.
وينطلق هذا الخط من منطقة «أتاسو» فى كازاخستان غرباً، ويمتد إلى فرع «دوشانزى» للشركة الوطنية الصينية للبترول «بتروتشاينا» الذى يقع فى منطقة «شينجيانج الويغورية» ذاتية الحكم شرقاً، عن طريق ميناء «ألاشانكو» على حدود الدولتين، مع بلوغ طوله أكثر من 1200 كيلومتر.
9 - TransCaspian
يبدأ فى «تركمانستان» وينتهى فى «أذربيجان» وهما اثنتان من دول بحر قزوين الخمس للسماح بنقل الغاز من المنطقة مباشرة إلى أوروبا، وبعكس الخطوط السابقة، يعد خط أنابيب بحر قزوين بمثابة طريق آخر لبلدان آسيا الوسطى لتجنب المرور عبر روسيا للوصول إلى أوروبا لتقديم احتياطيات الغاز الطبيعية، ما يجعل للأسواق الأوروبية مصادر أخرى لتوفير الطاقة والحد من قبضة روسيا على القارة العجوز، خاصة أن هذا الخط، البالغ طوله 1580 كيلومتراً، ويدعم هذا الخط أيضاً مشروع خط أنابيب «نابوكو» الذى يدعمه الاتحاد الأوروبى ويهدف لبناء خط أنابيب بين تركيا والنمسا لخفض اعتماد الاتحاد على روسيا فى نحو ربع احتياجاته من الغاز.
10 - Pars
وقّعت إيران اتفاقاً بقيمة 1.3 مليار دولار لإنشاء خط أنابيب «بارس» لنقل الغاز إلى المستهلكين فى أوروبا عبر تركيا، بطول 1740 كيلومتراً.
وفى عام 2009 أعلنت تركيا عن خطط لإنتاج 20.4 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز من حقل «جنوب بارس» فى إيران باستثمارات تركية، وتصديره عبر أراضيها.
وتسعى تركيا وإيران لتعزيز تعاونهما فى مجال الطاقة، وكانت أنقرة تعهدت باستثمار 5.5 مليار دولار فى تطوير مرحلة لإنتاج ما بين 20 إلى 35 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من حقل بارس الإيرانى. وسيمتد خط بارس من تركيا إلى اليونان، ليصل إلى إيطاليا، ثم إلى دول أوروبية أخرى.
11 - Denali
أسسته شركة «بريتش بتروليوم» BP البريطانية العملاقة للنفط، بمشاركة «كونوكو فيليبس» الأمريكية لبناء وتشغيل خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعى من حقل «نورث سلوب» فى ألاسكا إلى أسواق أمريكا الشمالية، بتكلفة 35 مليار دولار.
ويمتد خط «دينالى» بمسافة 3217 كيلومتراً فى ألاسكا وما يقرب من 3 آلاف كيلومتر إلى أسواق أمريكا الشمالية، ويستهدف ضخ نحو 4.5 مليار قدم مكعبة يومياً من الغاز، حين يبدأ تشغيل الخط عام 2020. وثمة تقارير تحدثت عن مشاركة شركة الغاز الروسية العملاقة «غاز بروم» فى المشروع، وفقاً لموقع «بزنس إنسايدر» الإخبارى الأمريكى.
12 - ESPO
فى بداية عام 2011 بدأت روسيا تفكر فى إيجاد أسواق بديلة عن الأسواق الأوروبية، فقامت بتطوير أنبوب يربط النفط السيبيرى بمنطقة شرق آسيا، مستهدفة به أسواق الصين واليابان يعرف باسم «ESPO» الذى اُستكمل إنشاؤه عام 2014 من أجل ربط الصين وتصبح شريكاً استراتيجياً لروسيا. ويبلغ طول خط الأنابيب الجديد حوالى 4 آلاف كيلومتر، وتبلغ القدرة السنوية لهذا الأنبوب 30 مليون طن من النفط.
13 - Mozdok
أكملت روسيا فى 2010 خط «موزدوك» للغاز الطبيعى، والذى ينطلق من أذربيجان وينتهى عند شمال أوستيا؛ ودخلت روسيا الحرب فى المنطقة عبر الشيشان عام 2008 لأن هذه المنطقة تعتبر منطقة نفوذ غاز بالنسبة للدب الروسى.
من جهة أخرى، كان الصراع على موارد الطاقة عاملاً واضحاً فى الكثير من النزاعات الأخيرة، بما فى ذلك الحرب بين إيران والعراق خلال الفترة بين عام 1980 وحتى عام 1988وحرب الخليج خلال عامى 1990 و1991والحرب الأهلية السودانية التى استمرت لأكثر من عقدين (1983 وحتى 2005).
وللوهلة الأولى كان عامل الوقود الأحفورى السبب فى اندلاع التوترات الأخيرة، وربما يبدو ذلك غير واضح، إلا أن نظرة عن كثب تكشف بجلاء أن حرب الطاقة هى المحرك الأساسى لإدارة الصراعات.
نيجيريا وجنوب أفريقيا
لعل القاسم المشترك فى الصراعات فى جنوب السودان، ونيجيريا هو عدم الثقة تجاه المسئولين الحكوميين الذين تعاظم ثراؤهم وفسادهم واستبدادهم بفضل الحصول على عائدات النفط الوفيرة.
ففى نيجيريا، تقاتل جماعة «بوكو حرام» من أجل الإطاحة بالنظام السياسى القائم وإقامة دولة ذات حكم إسلامى متشدد، على الرغم من أن معظم النيجيريين انتقدوا الأساليب العنيفة للجماعة بما فى ذلك اختطاف المئات من الفتيات فى سن المراهقة من المدرسة التى تديرها الدولة، حيث اتسمت قواتها بانتهاج العنف فى الجزء الشمالى الفقير من البلاد بعيداً عن الحكومة المركزية فى العاصمة البعيدة «أبوجا».
ونيجيريا أكبر منتج للنفط فى أفريقيا، حيث تضخ نحو 2.5 مليون برميل يومياً، ومع بيع النفط عند حوالى 100 دولار للبرميل الواحد، يفترض أن يشكل هذا مصدر ثروة هائلاً للأمة، حتى بعد حصول الشركات الخاصة على حصتها مقابل العمليات الاستخراجية، ومع أن هذه الإيرادات، التى تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً، كان يفترض لها أن تستخدم لتحفيز التنمية وتحسين الأوضاع الاجتماعية بالنسبة لبلد يشهد نمواً سكانياً هائلاً، ويساعد على جعل نيجيريا منارة للأمل كبيرة فى أفريقيا، ولكن بدلاً من ذلك، فإن الكثير من المال يختفى فى جيوب الحسابات المصرفية الأجنبية التابعة للنخب فى نيجيريا.
ففى فبراير 2014 قال محافظ البنك المركزى النيجيرى «لاميدو سنوسى» للجنة التحقيق البرلمانية إن (شركة النفط الوطنية النيجيرية) المملوكة للدولة، لم تسدد 20 مليار دولار من عائدات مبيعات النفط إلى الخزانة الوطنية، كما يقتضى القانون، وكان من الواضح أنه تم تحويلها إلى حسابات خاصة.
وبالنسبة للكثير من النيجيريين وحتى فى العاصمة «أبوجا» فإن الأغلبية منهم يعيشون على أقل من دولارين يومياً، وعندما يقترن ذلك مع بطش قوات الأمن الحكومية الوحشى، فهو مصدر يسبب الغضب والاستياء، ويولد المجندين المستعدين للانتماء للجماعات المتمردة، مثل «بوكو حرام» والإعجاب بها. وقال مراسل «ناشيونال جيوجرافيك» جيمس فيرنى، إنهم يعرفون جيدًا أن الإحباط من شأنه أن يدفع الأشخاص لحمل السلاح ضد الدولة.
أما الصراع فى جنوب السودان، فالصراع يدور حول مصادر الطاقة، فتكوين جنوب السودان أساساً جاء كمنتج للسياسة النفطية، واستمرت الحرب الأهلية فى البلاد من الفترة 1955 إلى 1972 بين الشمال والجنوب من أجل السيطرة على أصول الطاقة المتوافرة فى الجنوب. وانتهت عندما وافقت الحكومة التى يهيمن عليها المسلمون فى الشمال، لمنح مزيد من الحكم الذاتى لشعوب الجزء الجنوبى من البلاد، والممارسين إلى حد كبير من الديانات الأفريقية التقليدية أو المسيحية.
ولم يمر وقت طويل على تأسيس الدولة الجديدة فى الجنوب، حتى تم اكتشاف النفط فى الجنوب، إلا أن حكام الشمال السودانى تنصلوا من الكثير من وعودهم السابقة، وسعوا للسيطرة على حقول النفط، مما أثار الحرب الأهلية الثانية، التى استمرت من عام 1983 إلى عام 2005 بعد أن أدت إلى مقتل مليونى شخص.
وفى النهاية، تم منح الجنوب الحكم الذاتى الكامل والحق فى التصويت على الانفصال. وبعد استفتاء يناير 2011 الذى جاءت نتائجه بموافقة 98.8 % من الجنوبيين على الانفصال، أصبحت دولة مستقلة فى 9 يوليو من العام ذاته، واندلع القتال بفعل تفاقم الخلاف بين الدولتين حول وضع الحدود المشتركة بينهما وتبعية الأراضى المتنازع عليها، ومقدار الرسوم التى يتعين على دولة الجنوب التى ليس لديها منافذ بحرية دفعها مقابل تصدير خامها عبر أراضى الشمال.
وحقق الانفصال لجنوب السودان وفرة من النفط، حيث فقد السودان ثلاثة أرباع إنتاجه النفطى، ودخلت الدولتان فى نزاع بشأن رسوم عبور النفط من الجنوب لتصديره عبر الشمال، فالخط الوحيد الذى يتيح للدولة تصدير طاقتها يمر عبر شمال السودان إلى البحر الأحمر، وقد جعل ذلك جنوب السودان معتمداً على الشمال كمصدر رئيس للإيرادات الحكومية، وبسبب الغضب على فقدان الحقول، فقد احتسب الشماليون رسوماً باهظة على نقل النفط داخل أراضيهم، ما عجل بقطع شحنات النفط من الجنوب، بعد أن أوقف الجنوب إنتاجه النفطى بالكامل البالغ 350 ألف برميل يومياً، فى يناير 2012 لمنع الخرطوم من مصادرة بعض نفطه مقابل ما تقول إنها رسوم عبور لم تسدد.
واستمرت أعمال العنف بشكل متفرق بين البلدين والتنازع حول الكثير من المناطق الحدودية، وكانت «هجليج» التى تقع قرب الحدود مع دولة جنوب السودان، وتبعد نحو 45 كلم إلى الغرب من منطقة «أبيى» بولاية «جنوب كردفان» السودانية، أكبر المناطق التى تشهد الصراع بين السودان وجنوب السودان لوجودها فى عمق الأراضى السودانية بالولاية، والمنطقة غنية بالنفط ويوجد بها قرابة 75 بئراً من النفط تغذى الاقتصاد السودانى بإنتاجية تتجاوز 20 ألف برميل يومياً.
وتضم هذه المنطقة المحطة الرئيسية للنفط، والتى تضخ نفطاً للجنوب والشمال معاً، كما توجد بها محطة معالجة خام النفط الرئيسية لكل النفط السودانى والجنوبى، وخزانات للوقود الخام بسعة تزيد على 400 ألف برميل، ونحو 19 معسكراً لموظفى الشركات العاملة فى مجال النفط المحلية منها والأجنبية، بجانب محطة كهرباء تغذى جميع حقول النفط فى المنطقة.
وفى يوليو 2012 قامت جنوب السودان بسحب قواتها من منطقة «هجليج» التى تسهم بنحو نصف إنتاج السودان النفطى البالغ 115 ألف برميل يومياً. ويمتد أنبوب نفطى بطاقة 450 ألف برميل يومياً لمسافة 1000 ميل من حوض المجلد إلى قرب ميناء التصدير، بورسودان، ناقلاً النفط من «هجليج» و«الوحدة» والحقول الصغيرة المجاورة لهما، حيث تمتد الحقول النفطية داخل أراضى البلدين، بينما يقع حقل «الوحدة» بأكمله فى الجنوب.
وفى أغسطس 2012 اتفق الجانبان على صيغة لتقاسم الثروة واستؤنف تدفق النفط. ومع ذلك، استمر القتال فى بعض المناطق الحدودية التى يسيطر عليها الشمال، ولكن تسكنها جماعات مرتبطة بالجنوب.
ويغذى هذا الصراع عوامل كثيرة، منها التفاوت الاقتصادى بين السودانيين، والعداء بين الجنوبيين والشماليين، ولكن النفط والعائدات التى يجلبها يظل جوهر القضية، فمع تدفق عائدات النفط سعى زعيم جنوب السودان، الرئيس «سلفا كير» إلى تعزيز سيطرته على جميع البلاد وعائدات النفط، وذلك بدعوى محاولة انقلاب وشيك من قبل منافسيه، بقيادة نائب الرئيس «رياك مشار» ومن ثم قال بحل حكومته متعددة الأعراق فى 24 يوليو 2013، وقرر اعتقال حلفاء «مشار».
وسرعان ما تحول الصراع على السلطة، والاستئثار بعائدات النفط إلى حرب أهلية، مع أقارب الرئيس «كير» الذى ينتمى إلى «الدينكا» المتقاتلة مع جماعة «النوير» التى ينتمى إليها «مشار» وعلى الرغم من عدة محاولات للتفاوض على وقف إطلاق النار، تجدد القتال فى ديسمبر 2013ما أسفر عن مقتل الآلاف وفرار مئات الآلاف من ديارهم/ واحتلت قوات من «جنوب السودان» مركز «هجليج» فقام الشماليون المتمركزون فى الخرطوم بتعبئة قواتهم، وطردوا السودانيين الجنوبيين، حيث اندلع القتال حينئذ على طول الحدود المتنازع عليها بين البلدين، مصحوباً بغارات جوية على بلدات فى جنوب السودان.
بحر الصين الجنوبى
فى كل من بحرى الصين الشرقى والجنوبى، تتنازع الصين وجيرانها على الجزر المرجانية المتنوعة والجزر التى تجلس على احتياطات كبيرة للنفط والغاز تحت البحر، وكان كلا البحرين مسرحاً للاشتباكات البحرية المتكررة على مدى السنوات القليلة الماضية، مع تسليط الضوء، مؤخراً على بحر الصين الجنوبى، حيث تقع الكثير من الدول الغنية بالطاقة الواقعة فى غرب المحيط الهادى، والتى تحيط بها كل من (الصين وفيتنام وجزيرة بورنيو وجزر الفلبين)
وفى مايو 2014 بلغت التوترات ذروتها عندما نصبت الصين منصة الحفرHD -981 لتابعة لها فى المياه العميقة، وبدأت فى الحفر قبالة السواحل الفيتنامية حوالى 120 ميلاً بحرياً، بينما كانت «فيتنام» تتنازع مع «بكين» حول عائدية هذه المياه لها، ومن ثم محاولة قوات خفر السواحل الفيتنامية منع القوات الصينية مواصلة الحفر، غير أن السفن الصينية أجبرتها على التراجع، وهو ما أدى إلى أعمال شغب مناهضة للصين فى فيتنام، رداً على المواجهات البحرية.
ويصر الصينيون على أن الجزر الصغيرة المتعددة فى بحر الصين الجنوبى كانت تحكم من قبل بلادهم، التى تسعى للتغلب على الصراعات الإقليمية التى عانت منها على يد القوى الغربية واليابان الإمبريالية. والفيتناميين.
ويحتل بحر الصين الجنوبى المركز الرابع فى البحار فى العالم بعد خليج المكسيك وسواحل البرازيل وسواحل غرب أفريقيا، من حيث احتياطى النفط المستحق للتنقيب، فالاحتياطى النفطى المتوقع فى البنية الجيولوجية بالأحواض المنتشرة فى عموم قاع بحر الصين الجنوبى بلغ ما يتراوح بين 23 مليار طن، و30 مليار طن، بينما بلغ احتياطى الغاز الطبيعى نحو 16 تريليون متر مكعب، وهو ما يمثل ثلث إجمالى موارد النفط والغاز فى الصين، وتشكل الكنوز النفطية فى أحواض البحر ثلث مجمل الاحتياطى الصينى البرى والبحرى.
من ناحية أخرى، يحتل الاحتياطى النفطى فى المياه العميقة بالبحار الصينية، مثل بحر الصين الجنوبى بمساحة 1.5 مليون كيلومتر مربع، حيث يتجاوز عمق المياه 300 متر فوق قاع البحر، يحتل نصيب الأسد من المجمل أو 70%.
وفى يونيو 2014 أعلنت الصين عن نشرها للحفر الثانى فى المياه المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبى، وهذه المرة عند مصب خليج «تونكين».
وفى الشهر الماضى حثت وزارة الخارجية الصينية على وقف الحفر للتنقيب عن النفط فى جزء متنازع عليه من بحر الصين الجنوبى، حيث تعمل شركة ريبسول الأسبانية بالتعاون مع فيتنام.
وهددت الصين بمهاجمة القواعد الفيتنامية إذا استمرت فى التنقيب عن النفط والغاز فى المياه المتنازع عليها. وقد استقبلت فيتنام هذا التحذير بجدية وأمرت شركة Repsol الإسبانية بالتوقف عن الحفر ومغادرة المكان.
وبدأ الحفر فى منتصف شهر يونيو فى المنطقة 136-3 الفيتنامية المرخص بالعمل فيها لشركة النفط الحكومية الفيتنامية وشركة ريبسول الأسبانية وشركة مبادلة للتنمية الإماراتية.
وكانت الشركة الإسبانية قد بدأت عمليات الحفر فى منطقة تبعد مسافة حوالى 250 ميلا عن جنوب - شرق فيتنام. بيد أنها توقفت عن العمل بطلب من السلطات الفيتنامية بعد التهديد الصينى بمهاجمة مواقع فيتنام فى جزر سبراتلى، التى تعدُّها الصين ملكا لها.
وتقع المنطقة الجارى التنقيب فيها داخل منطقة على شكل حدوة حصان تطالب بها الصين من مياه بحر الصين الجنوبى وتتداخل مع ما تقول إنه امتيازاتها النفطية.
وفى المقابل، لا تزال الاستراتيجية الأمريكية تكتفى بإرسال السفن والطائرات الحربية إلى المناطق المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبى، حيث أعلنت واشنطن أنها ليست طرفا فى النزاعات الحدودية بين الصين وجيرانها، وأن واشنطن تسعى عبر إرسال السفن والطائرات إلى المنطقة لضمان حرية الملاحة فيها. وبحسب خبراء فإن هدف الولايات المتحدة حرمان الصين من شرعية توسعها، لذلك تحاول واشنطن جذب اليابان وأستراليا وحتى الهند التى تنتهج سياسة الحياد شكليا إلى المشاركة فى دوريات المراقبة البحرية.
ولقد كانت الولايات المتحدة تقوم بدوريات المراقبة البحرية فى ولاية أوباما بيد أنه بعد فوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية، ظهرت معلومات بأنه سيتخلى عن القيام بهذه الدوريات لكيلا تسوء العلاقات مع الصين. لكنه بحسب موقع Breitbart News الإلكترونى صدق على خطة البنتاجون بشأن إرسال السفن والطائرات إلى الجزر التى تعدُّها الصين ملكا لها.•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.