مستشار ترامب يدعو إلى فرض عقوبات على مسؤولي الجنائية الدولية    رصدنا جريمة، رئيس إنبي يهدد اتحاد الكرة بتصعيد أزمة دوري 2003 بعد حفظ الشكوى    جوميز يتحدى الأهلي: أتمنى مواجهته في السوبر الأفريقي    حلمي طولان: مستاء من سوء تنظيم نهائي الكونفدرالية.. وأحمد سليمان عليه تحمل الغرامات    أهالي سنتريس بالمنوفية ينتظرون جثامين الفتيات ضحايا معدية أبو غالب (فيديو وصور)    متحدث "مكافحة الإدمان": هذه نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة    برقم الجلوس.. موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 الترم الثاني (الرابط والخطوات)    بالصراخ والبكاء.. تشييع جثامين 5 فتيات من ضحايا غرق معدية أبو غالب    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    سيراميكا كليوباترا : ما نقدمه في الدوري لا يليق بالإمكانيات المتاحة لنا    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    إبداعات| «سقانى الغرام».... قصة ل «نور الهدى فؤاد»    تعرض الفنانة تيسير فهمي لحادث سير    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    لعيش حياة صحية.. 10 طرق للتخلص من عادة تناول الوجبات السريعة    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    هتنخفض 7 درجات مرة واحدة، الأرصاد الجوية تعلن موعد انكسار الموجة شديدة الحرارة    قناة السويس تتجمل ليلاً بمشاهد رائعة في بورسعيد.. فيديو    شارك صحافة من وإلى المواطن    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 22 مايو 2024    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال تطوير شارع صلاح سالم وحديقة الخالدين    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    أول فوج وصل وهذه الفئات محظورة من فريضة الحج 1445    عمر مرموش يجرى جراحة ناجحة فى يده اليسرى    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    بعبوة صدمية.. «القسام» توقع قتلى من جنود الاحتلال في تل الزعتر    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    محمد حجازي ل"الشاهد": إسرائيل كانت تترقب "7 أكتوبر" لتنفيذ رؤيتها المتطرفة    ضد الزوج ولا حماية للزوجة؟ جدل حول وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق ب"كلمة أخيرة"    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة بعيون أمي
نشر في صباح الخير يوم 18 - 07 - 2017

ظلت شهادات المصريين، خاصة النساء اللاتى عاصرن ما قبل وما بعد ثورة يوليو 1952، بعيدة عن أغلب كتابات التاريخ الرسمى والأكاديمى، لم يسمع أحد تلك الأصوات النابضة بمفردات الحياة اليومية، والمشاعر المتناقضة بين الخوف والظلم والقهر والاطمئنان والفخر والأمل.. أحلام الزوجات.. وأحاديث النساء عن ملابس ناصر وحديث عينيه، استعدادات البيوت قبل خطبة فى ذكرى الثورة أو أثناء افتتاح مصنع، صوت الراديو.. وشنطة التموين .. وكوبون الجاز.. وقطار الرحمة الذى يستقله الفنانون لجمع تبرعات الناس للفقراء، فيخرج بسطاء الزقازيق للتبرع بجلابية أو شبشب العيد.. منتظرين الفنانين على محطة القطار ليروهم لأول مرة وجها لوجه فى 1954.
عندما يتحدث الأبناء عن أمهات الستينيات المتعلمات والمشاركات فى الوظائف المهمة بفخر، وعندما يتذكر الفنان الطيب أمه عاملة التراحيل قبل الثورة، وعن أبنائها المرموقين بعدها، يتجاوز الأمر الأرقام الرسمية عن المتعلمات والوزيرات، والانحياز الأقتصادى للطبقة الوسطى.
عبير صلاح الدين
سماح عبدالله: جدى خرج فى جنازة عبدالناصر
لا تنسى سماح عبدالله، مدير شركة سياحة شابة، ما ترويه أمها عن حب الناس لجمال عبدالناصر، و«إن الناس كانت مبسوطة أيام حكمه، وعن حزنهم يوم وفاته، ومشاركة جدى فى الجنازة ووداع عبدالناصر مع الجموع».. حكايات أمى عن إلغاء الألقاب وتحقق العدالة الاجتماعية، وعن الناس اللى كونت ثروات فى عهده، مع إنهم كانوا بسطاء فى بداية حياتهم.. لكن عندما كبرت سماح، لم تستطع أن تتقبل تأميم السيرك وفرقة رضا، ومازالت تتساءل: ما علاقة هؤلاء بالثورة، وما فائدة أن تؤخذ أرض الأغنياء لتعطى لفقراء يبيعونها، لينزحوا للقاهرة؟!•
مارجريت عازر: عن أمى والسد العالى
«حديث أمى الذى لا أنساه عن أن الفلاح المصرى الذى كان يزرع الأرض ولا يمتلك شيئا لابد أن يمتلك أرضه كى يشعر بخيرها»، هو أول ما سمعته النائبة مارجريت عازر وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب عن ثورة يوليو.
تتذكر كيف روت لها أمها بفخر عن السد العالى، و«إن الشعب كان فرحان لأنه قدر يقهر أمريكا اللى رفضت تمنح مصر قروضًا لبناء السد، وإن السد فى النهاية اتبنى بإرادة مصرية وإيد مصرية، والمهندسين اللى كانوا فى السد من العائلة والجيران، وكيف كانت عائلاتهم تعاملهم باعتبارهم فى مهمة وطنية».
تتذكر مارجريت أيضا حديث أمها عن القلعة الصناعية التى ظهرت فى مصر، «اللى كانوا بيقولوا عليها دولة زراعية، وتحولت بعد الثورة لتكون دولة صناعية، فوط وملايات وأقمشة وأصواف المحلة وكفر الدوار، كانت فى كل بيت، وكانت الناس بتستخدمها وهى عارفة قيمتها».
تقول مارجريت: العائلة بأكملها كانت متحمسة للثورة، لأنها كانت تحمل شعارات قوية، مثل المساواة واسترداد الأرض، وكان أهالينا يرون أنها انتصار للشعب، وأنه من العدل أن يحكم البلاد أبناؤها. •
خالد حنفى: أمى والضباط الأحرار والخلفاء الراشدون
من مواليد الثمانينيات، خالد حنفى- مسئول شبكة تكنولوجيا معلومات- يقول: «بصراحة أمى كانت دائما تتكلم عن أن جمال عبدالناصر أكثر إنسان عنده شعبية كبيرة وحب من الجماهير، وإن الضباط الأحرار هم الخلفاء الراشدون، اللى أنقذوا مصر من الحكم الملكى، وإن أحسن فترة عاشها الشعب المصرى هى من ثورة يوليو لغاية النكسة».
يبتسم خالد ويكمل: لما كنت أسمع كلام أمى عن فرحة الناس وازدياد حبهم للضباط والجيش، كنت أتأثر بها جدا، لكن لما عشت ثورة يناير واللى حصل بعدها، بقى عندى وعى سياسى مختلف، وبدأت آخد الكلام ده وأفكر فيه كتير. •
غادة شادى: أمى والثورة المجيدة
من مواليد الثمانينيات، غادة شادى- باحث تنمية إدارية- تؤكد أنها لم تتأثر بكلام أمها عن أن ثورة يوليو كانت ثورة مجيدة، لأن متابعتها لبعض الأفلام الوثائقية، وحكايات الأجداد، ومنهم والد زوجها، الذى يتحدث دائما بأسى عما كان مع محمد نجيب والنهاية القاسية التى تعرض لها. •
ناجى الشهابى: أمى لم تعرف القراءة وتحفظ خطابات ناصر
يقول ناجى الشهابى رئيس حزب الجيل: والدتى كانت محدودة التعليم لا تعرف القراءة ولا الكتابة، لكنها كانت متحمسة لثورة يوليو والزعيم الوطنى الذى نقل مصر نقلة كبيرة، وكان يقف ضد إسرائيل وضد أمريكا.
«والدتى اسمها إقبال، وسميت ابنتى على اسمها، كنا نسكن فى المحلة التى كانت تضج بالعمال ومشاكلهم، تنتظر أمى خطابات جمال عبدالناصر كما تنتظر حفلات أم كلثوم، وتستمتع بكلماته كما تستمتع بصوت عبدالحليم وعبدالوهاب، خطابات عبدالناصر بالنسبة لها هى غذاء الروح، وتحفظ بعض كلماتها، فهو زعيم جسور يحارب الإقطاع ويقف ضد أمريكا وإسرائيل وهو منقذ القارة الإفريقية».
يتذكر الشهابى يوم تنحى عبدالناصر، وكان لايزال فى المرحلة الابتدائية، وكيف خيمت أجواء الحزن على المنزل، مأتم وبكاء من الجميع، الأم ونساء الجيران، والمشهد نفسه تكرر يوم وفاته.
الشهابى لا ينكر أن قرارات عبدالناصر كانت ثورية، انحاز للبسطاء وكان هذا محل فخر للكثيرين، واستفاد الكثير من الأسر من مجانية التعليم والعلاج، وانتقلت بعض الأسر من الطبقة الفقيرة للطبقة المتوسطة، التى اعتمد عليها عبدالناصر فى حرب الاستنزاف وفى حرب التحرير فيما بعد. •
طارق الخولى: أمى من شبرا
والدتى كانت من الطبقات الفقيرة التى استفادت من الثورة، هكذا يؤكد النائب طارق الخولى أمين سر لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان، «لم تكن جدتى متعلمة، لكنها استطاعت أن تعلم والدتى، فحصلت على قسط من التعليم، لم تكن لتحصل عليه لولا قيام الثورة».
يحكى طارق عن والدته المولودة فى الخمسينيات، وعاصرت حلم القومية العربية وتجربة عبدالناصر القريبة من كل المصريين، خاصة البسطاء «والدتى من مواليد شبرا الحى الشعبى الذى تسكنه الطبقة الوسطى المتعلمة، كانت هذه المنطقة فى قلب أحداث الثورة، والتحام الشعب بأبطالها».
يتذكر طارق صوت والدته، وهى تتحدث عن لحظات كثيرة مرت بعد يوليو وحتى وفاة عبدالناصر، كانت وسط الجموع الغفيرة وهى تودع عبد الناصر باكية، رغم أنها كانت فى الحادية عشرة من عمرها فقط.. «حببتنى أمى فى ثورة يوليو عندما كنت طفلا، قبل أن أقرأ عنها بنفسى فيما بعد»، يعترف طارق بأن ما يحمله من أفكار ومشاعر عن الثورة، وصله من والدته، ومن حبها لرموز الثورة، ومن امتنانها لمجانية التعليم التى لولاها لما تعلمت بنت فقراء مثلها».•
النائب مجدى ملك: نساء الصعيد يفخرن بعبدالناصر
النائب مجدى ملك نائب المنيا، لم يخص والدته فقط بحبها لعبدالناصر وفخرها به، كابن من أبناء الصعيد، لكنه يؤكد أن نساء الصعيد كلهن أحببن عبدالناصر، صاحب الشخصية القوية والمؤثرة.
هؤلاء السيدات جعلن أسر الصعيد كلها ترتبط وجدانيا بعبدالناصر، حسب تعبيره، فهو من حول مصر من الملكية للجمهورية، لكن مجدى يرى أن ثورة يوليو سببت تراجعا كبيرا فى الناحية الجمالية والمعمارية فى مصر، بعد أن كانت تسابق دول أوروبا فى الجمال.•
ثريا الشيخ: إنصاف ومعاش الموظفين
«إنصاف سيدة عاشقة لعبدالناصر، سياسية أبا عن جد، تعلمت حتى الابتدائية فقط، لكنها أحبت السياسة» تصف النائبة ثريا الشيخ والدتها، التى سميت إنصاف بسبب قانون المعاش الذى صدر للموظفين، بديلا لمكافأة كان يتقاضاها الموظف فور وصوله سن المعاش، ليصبح معاشا شهريا، ففرح والدها واسماها إنصاف.. سافرت إنصاف لحضور إحدى خطب عبدالناصر، من بلدتها الباجور بالمنوفية للإسكندرية، حاملة شقيقى الأكبر الذى لم يكمل أسبوعا، والتقطت لها صورة صحفية وقتها، نشرت بجريدة الأهرام وظلت محتفظة بها فترة طويلة من عمرها.
كانت تفخر بعبدالناصر وترى فيه الزعيم البطل، مثقفة وتقرأ الصحف يوميا بعد أن تنهى أعمال البيت ورعاية أطفالها السبع، وتواظب على قراءة مجلة روزا ليوسف، وتقرأها لعمدة البلد الذى لا يجيد القراءة ولا الكتابة، ويسألها عن أحوال البلد وتوقعاتها.
تتذكر ثريا كلام أمها وحبها لعبدالناصر، وكيف حقق العدالة الاجتماعية وشغل المصانع وحقق مجانية التعليم وبنى السد العالى، كانت تحب أن تشبهه بوالدى، ويوم أن تنحى بكت، عن وفاته قالت: «راح الزعيم والاحتلال الانجليزى هيرجع».. وعن شقيقتها التى تكبرها ب13 عاما، تقول: كانت تبلغ الثالثة عشرة عند تنحى عبدالناصر، خرجت مع نساء البلدة الفلاحات، اللآتى وضعن التراب على رءوسهن، رافضات للتنحى، وعندما رجعت للبيت لم يستطع أحد أن يفك شعرها فقصته حزنا على عبدالناصر.•
د. كمال زاخر: أمى زرعت فينا الثورة على كل معتد آثم
أما المفكر كمال زاخر- رئيس جبهة العلمانيين الأقباط، فقال: «أمى كانت من الجيل الذى يهتم أكثر بالأسرة والعائلة، وتنشئة الأولاد أكثر من اهتمامه بالسياسة، لكن لديها الحس الوطنى وزرعت بداخلنا الانتماء والثورة على كل معتد آثم».. الآن يرى زاخر يوليو شأنها شأن كل حركة غيرت فى التاريخ، أخفت طبقات وأظهرت طبقات أخرى، اختفت انحيازات وظهرت انحيازات جديدة، لكن الأكيد أنها لم تستمر بعد ذلك على منهجها أو الأسس والقواعد التى قامت من أجلها، فحتى الرئيس عبد الناصر خرج عن مسارها للنظام الاشتراكى وخرج من بعده السادات واتجه للنظام الرأسمالى، ومن بعدهم مبارك جمد النظامين وسارت الأمور بالفعل ورد الفعل بعيدا عن الاتجاهين. •
ميرنا عبد العزيز: أمى لا تحب ثورة يوليو
ميرنا عبدالعزيز- خريجة اقتصاد وعلوم سياسية من مواليد الثمانينيات - ترى أن أمها ليست من مؤيدى فكر جمال عبدالناصر، وتتحدث دائما عن أن ما فعله مع الأغنياء لم يكن عدالة اجتماعية بالمرة، لأنه تسبب فى تدمير حياتهم لحساب الفقراء، وأن هذا ليست له علاقة بالاشتراكية.. لأنه ظلم ناس على حساب ناس.•
المستشار رمسيس نجيب: جميلة ومثقفة مثل أمهات الأفلام
بشوق محمل بالفخر يتذكر المستشار رمسيس نجيب- محامى الكنيسة الأرثوذكسية والدته قائلا: كانت أمى ربة منزل، جميلة ومثقفة مثل الأمهات فى المسلسلات والأفلام القديمة، ربتنى وعلمتنى أنا وإخوتى أن ثورة يوليو قامت ضد الإقطاع والملكية، وتهميش الشعب.
«لا أنسي نبرة الفخر التى كانت تملأ كلامها وهى تتحدث عن تلك الثورة هى وأبى أيضا الذى كان من مؤيدى الثورة، كانت تقول إن العبودية انتهت بطرد الملك، وإن المجتمع المصرى بكامل أطيافه هو الذى ثار ضده».
بعد هذه السنوات يرى رمسيس، أن ثورة يوليو لم تستمر فى تحقيق ثمارها، وحدث بها بعض الانحرافات والخلل والتجاوزات، حدث بها اهتمام ببعض الدول العربية مثل اليمن أكثر من الاهتمام بمصر نفسها، وكنت أسمع عن ميثاق الثورة لكنى عندما كبرت لم أجده.•
الفنان إبراهيم البريدى: عاملة التراحيل
الفنان التشكيلى إبراهيم البريدى، الذى تتحول بين أصابعه قطع القماش إلى لوحات ترسم البهجة وتجسد روائع تراثنا الشعبى، يحكى عن فرحة والدته وكل امهات قريتهم «صرد» بمحافظة الغربية بثورة يوليو: «مازالت أمى تتحدث عن الثورة وعن جمال عبدالناصر حتى الآن، لدرجة جعلتنى اتخيل وأنا صغير أن إحدى رجليه ثابتة فى محافظة الغربية والرجل الأخرى فى إسرائيل من عظمة الكلام عنه».
تحتفظ والدة البريدى بصورة عبدالناصر وبجانبه عبدالحكيم عامر، وتضعها فى مكان بارز فى المنزل، ومن الحكايات التى ترويها: إن الفلاحين قبل الثورة كانوا يخفون حصة من القمح فى سراديب داخل البيت، لتلبية احتياجاتهم، قبل أن يأخذ ناظر الأرض المحصول كله ويورده للباشا الكبير.
والدة البريدى، كانت تعمل قبل الثورة بأجرة قرشين صاغ ونصف ضمن عمال التراحيل، وكان هذا الأجر زهيدا جدا مقابل ما كانت تبذله من مجهود طوال اليوم الذى يبدأ فجرا.. يقول البريدى: بعد الثورة تغير الحال ليس لأمى فقط، بل لفلاحى أهل القرية جميعا، نقلتهم الثورة نقلة كبيرة عندما وزع جمال عبدالناصر حصصا من الأراضى عليهم، ولم يعودوا فى حاجة لهذا العمل، بل أصبح لديهم أرض، لهم خيرها بالكامل يزرعون فيها ما يريدون من محاصيل غير مجبرين على زرع أنواع خضار أو فاكهة معينة.
ما أسعد أمى كثيرا أنه كان لها أخ مجند فى ثورة اليمن، ولم ينس الرئيس الراحل جمال هؤلاء الفلاحين المجندين، بل خصص لكل فرد حسب أقدميته فى التجنيد ما يزيد على الفدانين. وعندما عاد خالى من التجنيد وجد أرضه الجديدة بانتظاره.. أما والدى فاستفاد من الثورة بتعيينه «كخفير نظام»، بخلاف فرحة القرية بدخول الكهرباء عام 79 أى بعد ما يقرب من عشر سنين على قيام الثورة، وبعد استخدامهم لمصابيح الجاز، وتمنت والدتى كثيرا لو أن والدى كان لا يزال على قيد الحياة ليشهد هذا الإنجاز الكبير على حد وصفها، لكن تشاء الأقدار أن يتوفى والدى فى سن صغيرة عام 69 وكان عمرى حينها أربع سنوات.. غيرت الثورة مفاهيم كثيرة عند الفلاحين وخاصة عند إتاحة مجانية التعليم، التى استفدت منها أنا شخصيا، كما أتيحت الفرصة لأختى لتلقى تعليمها مع أغلب بنات القرية.•
د. عاطف الشيتانى: الحياة فى أسرة تعشق عبدالناصر
أمى فلاحة من قرية محلة أبوعلى، بمركز دسوق، محافظة كفر الشيخ، والدها حاصل على الشهادة العالمية من الأزهر، ويمتلكون أرضا زراعية.. لم تحصل على شهادة عليا، لكن كانت تعرف القراءة والكتابة وشاطرة، تذاكر لنا الدروس وتنتظر خطب عبدالناصر، لتراقب شكله وطريقته فى الكلام، حين يخرج عن سياق الخطبة.. ويتذكر د. عاطف الشيتانى، عن والدته، نظرات الامتنان التى كان يراها فى عينيها تجاه عبدالناصر، لأن أولادها الصبيان السبعة قد دخلوا جميعا المدرسة، يعنى محدش خايف من الفقر، لأن الغنى والفقير بيتعلموا جنب بعض، وكانت أمى تدعو للمدرسين، لشعورها بالمجهود الذى يبذلونه.. بالإضافة إلى إحساس الأمان، الذى توفره حصة التموين الغذائية الشهرية، وحصة الجاز التى أضيفت للأسر فى 1967 يكمل عاطف: عشان كده لما مات كل الستات فى البلكونات كانت لابسة أسود وبتصوت، كنت فى ثالثة إعدادى، وحسيت بالخوف، وجنازة كبيرة خرجت فى دسوق.. وعن استعداد والدته ووالده لخطاب عبدالناصر، بالحلوى والمسليات، والالتفاف حول الراديو، وبعدها فى التليفزيون، وكأنه فتى أحلام سيدات العائلة، وكل سيدات مصر وقتها، يرتفع صوت الراديو عندما يغنى عبد الحليم لأبوخالد «شوف لابس الصديرى الصوف تحت البدلة زينا، بيتحرك ويتكلم زينا، ويقول الجدع راح..الجدع ده، زى ما بنتكلم، عينيه فيها حاجة، مش زى بتوع السيما، بس واثق من نفسه» تعليقات النساء.. عاطف المولود 1956 كان بدأ يعى مشاعر عائلة والده المتناقضة تجاه عبدالناصر، بسبب فقدهم لمحلج القطن إثر قرارات التأميم، كان الجد والأعمام يعملون فى المحلج، ويمتلكون السيارات ولديهم خادمات وسائقون، كل فى بيته، واختفى كل هذا فجأة، وإن ظل لدى الجميع أمل طوال الوقت فى أن يتراجع عبدالناصر عن التأميم، أو يعوضهم عن المحلج، بعد أن يكتشف ما أصابهم.. عاش عاطف وسط أسرة عاشقة لعبدالناصر، تتحدث عنه كأنه محامٍ، وعائلة لا تحبه، «ومازلت أعيش هذا التناقض حتى الآن». •
الإذاعية آمال فهمى: شجعتنى على المشاركة فى مظاهرات ضد الملك
من داخل غرفتها بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى، تعود الإعلامية الكبيرة آمال فهمى، بذاكرتها إلى وقت ثورة 23 يوليو، حيث كانت لاتزال شابة يافعة تمضى أولى خطواتها فى مجال العمل الإذاعى، كانت اجتازت وقتها مشوارًا طويلاً فى مجال العمل السياسى: «لم تمنعنى أمى قط من النزول فى مظاهرات ضد الملك فاروق، فقد كنت وفدية الهوى والتوجه، كما كنت ابنتها الوحيدة بين ثلاثة ذكور».. كانت والدتها تشعر بالقلق خشية أن يتم اعتقال آمال أو إيذاؤها.
قبل قيام الثورة بعامين طالبت كعضوة فى الحزب النسائى الوطنى بحق الانتخاب للمرأة، وناضلت كثيرا من أجل ذلك، «لم تقف فى طريق عملى السياسى مطلقا، كانت ربة منزل ووالدى كان وكيل وزارة الحقانية وقتها، وإخوتى جميعا طلبة فى كلية الحقوق، لم تعارضنا وكانت مستمعة جيدة لما نقول».
بعد أن طلب من العاملين فى الإذاعة البقاء فى منازلهم لمدة أسبوع، عادت آمال ببرنامج بعنوان (ما يطلبه قادة الثورة)، وكان عبارة عن لقاءات مع أعضاء مجلس قيادة الثورة كصلاح سالم، وكمال الدين حسين، وعبد الحكيم عامر، وحسن الشافعى، وكان من يعد معها البرنامج والدها بنفسه.
لم تكن الأسر وقتها تتحدث فى السياسة، كما تقول آمال، «لكن كان المجتمع متحمسًا وسعيداً بانتهاء عهد فاروق، وكان شغله الشاغل إنهاء الاستعمار الإنجليزى، وكانت أمى جزءًا من مجتمعها».•
الإذاعية نادية صالح: أيدتنى فى تمثيل دور الرئيس محمد نجيب
تتذكر نادية صالح مقدمة برنامج (زيارة إلى مكتبة فلان) على شبكة البرنامج العام، على مدى الثلاثين عامًا الماضية، أنها كانت طفلة فى المدرسة عندما قامت ثورة 23 يوليو، وكيف جسدت دور محمد نجيب فى مسرحية على مسرح المدرسة، وارتدت بدلة عسكرية وألقت خطابه ضمن أحداث المسرحية.
كانت والدتها تجلس فى صفوف الجمهور تصفق لها وتشجعها، كانت تتقن الإنجليزية والفرنسية، لكنها بحسب وصف الابنة نادية «ككل سيدات جيلها، كانت أمينة ووالدى كان سى السيد، لكنها مستمعة ومتابعة جيدة لما يدور فى المنزل من حوارات سياسية».
الأب كان مستشارا، يطلع الابنة أحيانا على حيثيات الأحكام التى يحكم بها على المتهمين، فتعرف الكثير من المعلومات عما يحدث فى المجتمع، كما كان «سعديا»، ويرتبط بعلاقات نسب مع عتاة الوفديين.
الآن تقول نادية بعد مرور السنين: رغم حماس أسرتنا لثورة يوليو، فإننى الآن أعتقد أننا ظلمنا فاروق، واستسلمنا لفكرة شيطنة عهده التى كانت سائدة بعد الثورة، ورغم أخطاء الملكية الكثيرة، فإن لكل عصر مميزاته وعيوبه.•
الإذاعى إمام عمر: حكايات أمى عن شاشات ميادين الثورة
«كنت فى الثانية عشرة من عمرى، مع أسرتى نقضى عطلتنا الصيفية بالإسكندرية، لم أدرك وقتها ما معنى جملة (أن فاروق وحش والجيش ثار عليه) لكن كل ما فكرت فيه يومها، أننى لن أشاهد الملك الذى كان يجوب الشوارع بسيارته الحمراء مرة أخرى».
يتذكر الإذاعى إمام عمر رئيس الإدارة المركزية للإنتاج الإذاعى الأسبق، وأحد مؤسسى إذاعة الشرق الأوسط، لحظة خروج الملك فاروق، وشكل المصطافين الذين كانوا يتحدثون فى السياسة على شاطئ البحر لأول مرة، حيث كنا نشاهد الطائرات تحلق فى الجو، ونعلم جيدا أننا أمام حدث مهيب، وكانت أمى تشاركنا هذه المشاعر.
كانت أسرتى تتابع الحدث بترقب، لم نكن نعرف ما الذى سيحدث، لكننا كنا ننتظر جلسات عمى الإذاعى القدير حسن إمام عمر، كان يعمل فى محطة الشرق الأدنى، ويكتب فى الصحافة، ومرتبطاً برجال الثورة، أسس مع أنور السادات جريدة الجمهورية.
أستطيع أن أقول إن من شكل وجداننا بشكل حقيقى تجاه الثورة هو الأغانى الوطنية، حفلات حديقة الأندلس التى يتم بثها عبر الإذاعة المصرية، والتى كانت تحرص أمى على الاستماع إليها، وبعد ظهور التليفزيون فى الستينيات، كانوا يضعون لنا فى ذكرى الثورة شاشات كبيرة فى الحدائق والميادين العامة حتى نشاهد ما يبثه التليفزيون من برامج، حيث لم تكن شاشات التليفزيون قد دخلت كل بيت، وكانت أمى تطلب منى أن أقصص عليها كل ما أراه.•
جواهر الشربينى: فلاحة المنصورة التى تعلمت بناتها فى الجامعة
«أنا فلاحة أبا عن جد، ونشأت فى أسرة ريفية، بالنسبة لها قرارات الإصلاح كانت ثورة حقيقية، ولولا مجانية التعليم أسر كثيرة ماكانتش قدرت تعلم أولادها» تتحدث النائبة جواهر الشربينى الشهيرة ببنت الريف.
تصف والدتها: والدتى ست ريفية بسيطة، من بندر محلة دمنة مركز المنصورة محافظة الدقهلية، وكفلاحات نفخر بعبدالناصر لأنه أصدر قوانين الإصلاح الزراعى وقضى على الإقطاع وأقام عدالة اجتماعية وحياة ديمقراطية لا تنكر.. فرحت أمى لأننا استفدنا من مجانية التعليم العالى، ثورة يوليو هى العصر الذهبى للطبقة العاملة المطحونة التى عانت من الظلم وفقدان العدالة الاجتماعية، وأصبح أبناء الفقراء قضاة وأساتذة جامعة وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين، وتحررالفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعى.•
د. محمد عفيفى: عندما قالت: شكله هزل كده ليه
«فى منزل العائلة بالقاهرة، لا تزال أمى حتى الآن تحتفظ بصورة جمال عبدالناصر معلقة على حائط غرفة الصالون، وكانت هناك صورة أخرى فى الصالة لكنها سقطت وانكسرت منذ سنتين أثناء أعمال دهان الشقة». يتحدث دكتور محمد عفيفى أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة. «وجهه مريح» هكذا كانت ترى أمى الرئيس محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية بعد الثورة، لكن حبها للزعيم عبدالناصر بدأ تدريجيا بعد توليه الرئاسة سنة 54، مع قوانين الإصلاح الزراعى والجلاء ومجانية التعليم الجامعى وربطه بالتعيين، إلى أن أصبح فى وعيها مثل أغلب المصريين «بطلا» مع حرب 1956.
أمى اقنعت مع والدى بشراء التليفزيون عند ظهوره سنة 60 وكانت سعيدة لأنها سترى فيه عبدالناصر وهو يلقى خطبه، فى 67 وبعد الهزيمة كنت أسمع أمى وهى تقول بحزن على عبدالناصر «هو شكله هزل كدا ليه» واهتزت تلك الصورة الأبوية للرئيس فى عين أمى وانكسرالحلم، وأصبحت صورة المستقبل ضبابية، وعرفنا فيما بعد أنه كان يعانى من مرض السكر والضغط والقلب.•
كابتن شوقى غريب: عندما شعر المصريون بأن مصر بلدهم
يعتبر شوقى غريب المدرب الأسبق للمنتخب الأول لكرة القدم أن ثورة يوليو كانت عاملا رئيسيا فى توزيع الأراضى على الفلاحين، ومنحهم الكثير من حقوقهم.
غريب المولود فى 1959 يتذكر صوت والدته، وهى تقول له وهو طفل «أن ثورة يوليو هى سبب طرد الاحتلال من مصر، وهى اللى خلت المصريين كلهم يحسوا إن مصر بلدهم، مش بلد حد تانى».
كنت والدته تحكى عما تعرضت له مصر من ضياع لثروتها على يد أغنياء الإقطاع، وكان ضروريًا أن يشعر الشعب بالمساواة بحيث لا يوجد فارق بين غنى أو فقير وبين فلاح أو إقطاعى.•
أحمد الخميسى: قدمت جمال الغيطانى للجمهور
فى عام 1946، أى قبل الثورة بخمس سنوات، تقدم عبدالرحمن الخميسى لخطبة فتاة أحلامه، فرفض والدها لأن الخميسى صحفى وشاعر، والأب يفضل أن يكون زوج ابنته صاحب وظيفة مضمونة فى الحكومة، لكن الفتاة هربت وتزوجت عبدالرحمن الذى أحبته وآمنت بموهبته فى بيت خالتها وأكملت تعليمها بعد الزواج.
هذه القصة التى ظلت والدة الكاتب أحمد الخميسى تحكيها له، لتؤكد على ثورة مكنت البنت من حقها فى اختيار شريك حياتها والزواج ممن تحب.
بعد الثورة علت الأفكار التى تؤيد حرية المرأة، خاصة بعد تعيين أول وزيرة فى حكومة الثورة، حكمت أبو زيد، والتى كانت رسالة لجذب النساء للعمل السياسى والاجتماعى.
يتذكر أحمد دندنة والدته بأغنية نجاة، «كانوا بيقولوا الست هتفضل زى ما هى، ييجوا يشوفوا الست أهى نجحت مية المية».
أمى كانت تعمل فى هيئة الكتاب التى كانت تعرف باسم «دار الكتاب العربى» وكانت تدعم أعمال الكتاب الشبان، فهى أول من قدمت الروائى الكبير جمال الغيطانى للجمهور، وأول من دعمته عندما تقدم لها بمجموعة قصص وهو فى الثالثة عشرة من عمره.
يتذكر أحمد حرصها على تعرفه بالغيطانى، ليصبحا صديقين، وكانت تذكرهما دائماً بأن يريا الجوانب الجميلة فى الوطن، ويريا أثر الثورة التى نسيتها الأجيال الجديدة الآن، فى أن البلد كان محتلاً، وأنه كان ملكيًا. •
الإعلامية نهال كمال: عائلة ثورية
تتذكر الإعلامية نهال كمال زوجة الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودى، كيف كانت والدتها تشجع والدها، عندما تطوع فى الجيش فى حرب 56، ليصبح ضابط احتياط، رغم أنه كان مهندسا وقتها، كما كان رئيس حركة المقاومة الشعبية بالسويس، حيث كانوا يقيمون.
«آمنت أمى بمبادئ الثورة، وكانت تقول لأبى ولنا إننا على حق وسننتصر» تقول نهال وتتابع: «لم أشاهد أمى يوما خائفة من غارة أو من غياب أبى، وكان لديها إيمان بأن كلاً منا له دور فى إعلاء وطنه ولابد أن يؤديه».. لم يكن غريبا على نهال كما تقول، «التقت تربيتى مع أب عشق النضال وأم دعمته مع شخصية الأبنودى الثورية».•
بهيجة حسين: رائحة طعامها فى استقبال عيد الثورة
«نحن أطفال الثورة، وهى بالنسبة لجيلى منبع ذكرياتنا، ذكريات دافئة وإحساس بالوطن والكرامة والقوة، وبأنى طفلة قوية، لأن الثورة وفرت لى كرامة وتعليما وعلاجا».
تتذكر الروائية بهيجة حسين، مشاهد الاحتفال بالثورة، التى عاشتها خلال فترة إقامتها بمنطقة الدقى بالجيزة، وهى تراقب القادمين من أهلها بكفر صقر بالشرقية، بالجلاليب للاحتفال بالثورة، وإحساسهم بالفرح والقوة. تفاصيل الاحتفال المتمثلة فى شراء «بونبون» عليه صور الزعيم جمال عبدالناصر، وأكواب الشاى المرسوم عليها أيضًا صورته، كانوا يشترون هذه الهدايا التذكارية من المعرض الذى كان يقام مكان دار الأوبرا حاليا.. لا تنسى بهيجة جملة أمها «عايزين نجهز البيت عشان العيد جاى»، لم يكن عيد الفطر، أو عيد الأضحى، بل كان عيد الثورة. وكان «تجهيز البيت» يعنى إعادة ترتيب البيت لاستقبال الوافدين، وتغيير المراتب والوقوف فى المطبخ لتحضير الطعام، وغيرها من التفاصيل النسائية الدافئة مع أمها.. يتفتح وعى الطفلة بهيجة على أنغام الراديو «يا بنت بلدى زعيمنا قال.. قومى وجاهدى زى الرجال» فكانت تخرج من بيتها وتشترى بمصروفها المُكون من خمسة تعريفة زجاجة لبن بالكاكاو، وبسكويت من شركة مصر للألبان، التى صممت خصيصاً للأطفال، فكانت تشعر بالقوة وأنها تملك فى هذا الوطن.. «عاشت أمى طفولتها فى العصر الملكى، جيلها لم يتأثر بالثورة مثلما تأثرنا بها، جنينا نحن ثمار الثورة من تعليم وثقافة وصحة وعدالة اجتماعية» تقول بهيجة «إحساس أمى تجاه الثورة كان فى الأمان، كانت مطمئنة أن أبناءها سينالون حظهم من التعليم وأنهم سيدخلون الجامعة ويحصلون على تعليم أفضل مما حصلت عليه.. كان حلم كل أمهات العائلة أن تكمل بناتهن التعليم ويتخرجن فى الجامعة لأن جيل الأمهات كان كل همهن أن يزوجن بناتهن، لكن الثورة جددت حلم الأمهات، ولم تعد قيمة البنت فى الزواج وال«الكوشة»، بل تحول إلى تيتر برنامج ربات البيوت فى الإذاعة «كونى وزيرة، كونى سفيرة، كونى كل اللى تحبيه».
فتح وجود أول وزيرة فى حكومة الثورة حكمت أبو زيد باب الأمل للأمهات أن تصبح بناتهن أفضل مما كن عليه، كما تقول بهيجة، أكثر ما كان يميز تلك المرحلة أن البيت المصرى يكاد يحمل وجدانا واحدا، ورؤية واحدة، ويشعر باستقرار الحياة وبالأمل والكرامة.. قيمة العلم والتعليم وأفكار الثورة هى التى أنتجت علماء عظماء مثل أحمد زويل وغيره من العلماء، فى رأى بهيجة، التى تتذكر مشاهد المجمع الزراعى والوحدة الصحية الخاصة فى قريتها، والإرشاد الزراعى وهو يوجه الفلاحين ويمنحهم الأسمدة، والوحدة الاجتماعية التى كانت تجمع أطفال القرية لتكون فرقا للتمثيل والمسرح والغناء من أجل نشر التوعية. •
د. طلعت حكيم: سر برواز البابا كيرولس مع عبدالناصر
تحكى لى أمى التى تزوجت فى 1966 كيف كانت تشعر بالاطمئنان لأنها فى مستشفى حكومى، عندما تعرضت لإجهاض فى أول حملها، «لأن المستشفى الحكومى فيه كل حاجة».. يتحدث أستاذ الصحة النفسية بآداب عين شمس، عن مشاعر والدته ربة المنزل، المولودة فى الأربعينيات، وتعيش فى شبرا، «ما كانش فيه فرق بين مسلم ومسيحى، أيام عبدالناصر كان الواحد يعيش معاك سنين وبعدين يكتشف إنك مسيحى».. تحكى أم طلعت «خالك الكبير اتعلم على كبر، لما بقى فيه مجانية، رغم إن عيلتنا بتشتغل فى الصاغة، كان فيه عائلات تبيع أرضها عشان تعلم ابن من عيالها، وناس كتير كانت تمشى حافية من الفقر، خاصة فى القرى أيام الملك».. مازالت أم طلعت تضع بروازًا لصورة البابا كيرولس مع عبدالناصر، فوق تليفزيون البيت، وتتذكر السنوات الثمانى التى قضاها أبى فى الجيش بعد الزواج من 1967 وحتى 1974، وكانت تشعر خلالها بأن هناك وطنًا يرعاها، وتقول عن الستينات: «كانت أحلى أيام». •
د. خالد عزب: أيام توقفت عن الطبخ
مثل أبناء الريف فرحت والدة دكتور خالد عزب مدير عام المشروعات بمكتبة الإسكندرية، بالثورة ومع تولى جمال عبدالناصر رئاسة الجمهورية، نقل طموحات طبقة أسرتها الوسطى من الحلم إلى الواقع.
كانت والدته التى تعيش بإحدى قرى كفر الشيخ، ترى أن عبدالناصر أعطى الأمل فى إمكانية الصعود والترقى الاجتماعى والاقتصادى لأبناء القرية، لأنه مثلهم، وأصبح رئيسا، كما اهتم بتعليم البنات والتوسع فى مدارس الريف.
يتذكر خالد اهتمام أمه بسماع احتفالات أعياد الثورة التى كان يحضرها عبدالناصر وتغنى فيها أم كلثوم وعبدالحليم، واستمتاعها بالأغانى التى تقدم فى الحفل.. ويقول: عندما وقعت نكسة 67 لم تطبخ أمى لنا لمدة أكثر من 10 أيام، وكنا نأكل جبنة وعيش من شدة حزنها، كما هو الحال فى الريف أوقات الحزن على المتوفى.
أتذكرها بعد ذلك وهى تجلس أمام الفرن تخبز لنا العيش وهى تغنى أغنية عدى النهار لعبدالحليم وموال لمحمد رشدى، محاولة تجاوز الحزن.
يقول خالد: أتفق مع أمى فى حبها للثورة ومنجزاتها، ففى ذلك الوقت نما الاقتصاد المصرى بنسبة 100% بين عامى 1955 و1956، حيث نفذت الخطة الخمسية الأولى والثانية وحققت مصر أعلى نسبة نمو اقتصادى فى العالم 6.5%، ونفذت مشاريع عملاقة كالسد العالى والحديد والصلب، إلا أن تأميمات سنة 65 أضرت بالصناعة المصرية حيث دمر رجال أعمال وطنيين كان بإلامكان أن يقودوا الصناعة المصرية، وإن كان هذا لا ينفى إيجابيات التأميم التى نقلت الاقتصاد من ايدى الأجانب إلى المصريين كتأميم قناة السويس والبنوك. •
د. عبدالمنعم عمارة: لو عاشت لأيدت الثورة
ماتت والدة الدكتور عبدالمنعم عمارة وزير الشباب والرياضة الأسبق، وهى فى سن صغيرة، «ولو طال عمرها لأيدت مثل والده وأسرته الإطاحة بالملك وإصلاح ما أفسده بقيم ومبادئ الثورة».
والدة عمارة مثل والده وأشقائه عانت من الاحتلال الإنجليزى، وكانت تتمنى أن ترى اليوم الذى يكتب فيه النجاح لمن يصرخون ضد الظلم». لم يمنعه والده من الخروج فى مظاهرات الطلبة، عندما كان طالبا فى المدرسة الثانوية من أجل المناداة باستقلال مصر عقب الثورة «يوليو قصة شعب حاول الحصول على حقوقه». •
د. هانى درويش: أمى مدرسة العلوم أدخلت الثورة إلى بيتنا
«لا ولدك ولا زرعك تغضب عليه» يعنى تقبل الإنسان كما هو، وليس كما ينبغى أن يكون، هذا هو الدرس الأول الذى تعلمه الطفل هانى من والدته، مدرسة العلوم، المغرمة بأسرة عبدالناصر، التى تراها مثل أسرتها، فهى تشبه زوجته، وترى أن أطفالها يشبهون أولاده.
د. هانى درويش الأستاذ بالمركز القومى للامتحانات والتقويم التربوى، يتذكر كلمات والدته عن عبد الناصر «شوف آدى ريس لابس زينا، ويتكلم زينا»، تحفظ كلمات من خطبه، وتردد جملا من «الميثاق»، الذى كان يدرس فى المدارس وقتها.
إيمان والدة هانى ووالده بمبادئ الثورة، لم يكن شعارات، بل كان يوميات يعيشونها، والد الدكتور هانى، كان مدير إدارة نزع الملكية فى الإصلاح الزراعى، من المكلفين بتطبيق قانون من يملك أكثر من 100 فدان، ينزع منه ملكية باقى الفدادين، ويتعرض الأستاذ درويش خلال عمله لعروض رشاوى من أصحاب الأراضى الكبيرة، من أجل أن يقلل من ملكياتهم على الورق.
كما تعرض لإطلاق نار عليه، من أصحاب أراض فى الإسكندرية، لا يقبلون بفكرة نزع الملكية، وفى كل الأحوال كان الدرس الذى يتعلمه الأبناء من حكايات الأب، إن المال وسيلة وليس غاية، وأن شرف الإنسان أغلى من أى شىء.. اضطر والد هانى للاستلاف من المعاش، من أجل زواج ابنته الكبرى فى 1956، وهو يفخر أمام ابنه «سمعة الإنسان أكبر منه وبتسبقه يا هانى» يعنى أنها ستستمر بعد وفاته.
الحياة براتب رب الأسرة والزوجة دون أى اعتماد على مصادر أخرى، كانت تصل إلى الأبناء فى أنها قدرة على التحمل، والرضا، «كانت أمى تقول بعد كل وجبة طعام»: الرضا لمن يرضى، الحمد لله، كده رضا وأقل من كده رضا».
كان هانى يسمع نفس هذه الكلمات فى أسر أصدقائه، وأسر العائلة، ويعتقد أن إحساس الرضا هذا جاء من العدالة التى عاشها جيل الثورة، حتى إن كل البيوت كان بها نفس الغسالة الإيديال المصانع، والتليفزيون نصر، والسيارة نصر ورمسيس، والملابس كلها من نفس الخامات والتصاميم.
يتذكر د. هانى يوم زيارتهم للتقدم لخطبة فتاة الأحلام، قال والده لأهل العروس: «جئت لأبارك وليس لأوافق»، يعنى أن مسئولية الاختيار والحياة الزوجية للشاب، وليست للوالد، أعطت الثورة الشباب الثقة فى النفس، فمن قاموا بها كانوا شبابا. •
أنسى أبوسيف: عندما اكتشفت الفلاحين وخاف أبى عبدالناصر وحققت أمى ذاتها
الأب الروحى لمهندس الديكور السينمائى: أنسى أبوسيف، عاصر ثورة بجانب والديه: «كان عمرى حينها 8 سنوات تقريبا، وكنا نعيش فى مدينة أسوان وسط الفلاحين، وشاهدت بنفسى أثر الثورة عليهم، وكلما كبرت أثناء المرحلة الدراسية أدرك وجود ثورة جرفت أعداءها وبلعتهم بين موجاتها، من خلال الأحاديث المتداولة داخل المدرسة».
يقول أنسى: «أحببت الرئيس محمد نجيب، لتشابه ملامحه مع ملامح والدى، بعدها اكتشفت وجود رئيس عبقرى اسمه جمال عبدالناصر، أسرتى كان لديها موقف متناقض من الثورة، والدتى فرحة بها، عكس والدى تماما الذى شعر فى بدايتها بحزن شديد».. أنا من طبقة برجوازية متوسطة، والدى شبة إقطاعى، وكان دائم النقد لجمال عبدالناصر لأنه ألغى الأحزاب، ورغم أن عبدالناصر لم يأخذ من أرض والدى شيئا، لكنه كان قلقا وخائفا من أن يحدث ذلك.
لكن بعد سنوات تغيرت مشاعر والدى، وشعر أن الثورة كانت لمصلحته أيضا، بعد أن لمس الاستقرار النفسى للفلاحين أصحاب الأملاك الجديدة، عكس شعوره بكسرتهم وانهزامهم قبل الثورة، مما حسن من التعاون بينهم وبين أبى، خاصة أنه لم يكن إقطاعيا كبيرا.. أمى كانت سيدة مجتمع، تشارك فى الأعمال الخيرية والمناسبات الاجتماعية، تغيرات ما بعد الثورة كانت مبهرة بالنسبة لها، رغم نشاطها الخيرى فى الهلال الأحمر الذى أنشأه الملك فاروق، فقد توسعت دائراتها الاجتماعية وضمت فئة جديدة من الفلاحين والفلاحات، فعملها الخيرى حببها فى التعاون مع فئة أقل منها اجتماعيا أو ماديا، مما أعطى لنشاطها الخيرى مصداقية أكبر.
نشاط أمى هذا جعلنى أرى الكثير من الفلاحين يتواجدون داخل بيتنا، فى علاقة ودية لم تكن موجودة بهذا الشكل من قبل، وشعرت أن هذه الأجواء ساعدت أمى كثيرا على تحقيق ذاتها.. يتوقف «أبو سيف» عند جانب لم يلتفت إليه الكثيرون، وهو أن محاولة عبدالناصر لمساندة الفلاحين كانت تحتاج للحماية من الفسا.د أتذكر عم ديرانى، العجوز المحب لعبدالناصر، الذى لم يستطع الاستفادة من الخمسة فدادين الممنوحة له، بسبب عدم استطاعته الحصول على أى تقاوى زراعية من البنك الزراعى، فبارت أرضه بجانب مطالبة البنك له بتسديد ضرائبها، فتحولت أرضه إلى حمل ثقيل عليه، والسبب حقد بعض الموظفين، مثل موظفى البنك الزراعى، على طبقة الفلاحين الممنوحة أراضى مجانية.
غيرت الثورة فى خبرة ووجدان «أبوسيف»، فخلال دراسته الابتدائية التحق بالمدارس بعد الثورة صفوف من الفلاحين بعد مجانية التعليم وتلاحموا معنا فى نفس الفصول والمقاعد «وجدناهم فى غاية الذكاء والتفوق، وكنا نلجأ لهم أحيانا فى إعادة شرح بعض الدروس، وحينها تأكدنا من أحقيتهم فى التعليم».. مادة التربية العسكرية التى يتعلم فيها كل التلاميذ، الرماية والفنون القتالية، مرتديين زيا يشبه زى العسكر، ويشاركون فى العرض االعسكرى الأسبوعى فى وسط البلد، «ويطالبنا الشاويش بخطوات قوية تهز الارض، فنشعر بالفخر ويعزز من وطنيتنا جميعا مجتمعين فى حب وطن واحد». •
الإعلامى د. عبدالحليم قنديل: أسرتى أحبا عبد الناصر
أمى وأبى كانا فلاحين فقيرين من قرية طويلة بالدقهلية، كل ما يربطها بعبدالناصر هو حب هذه الطبقة له.. وحكاية حدثت لى مع أبى عندما زار عبد الناصر الدقهلية وأم كلثوم فى العربة المكشوفة، أخذنى أبى هناك لنراه وكنت ذرة وسط طوفان ممن أحاطوا سيارته.. كفلاحين فقراء لم نستفد من التأميم أو الإصلاح الزراعى، ولكن أنا وإخوتى كنا سبعة، تعلمنا جميعا واستفدنا من مجانية التعليم، بل كنا من المتفوقين، وكان ذلك طريقا للترقى اجتماعيا.
عبد الناصر لم يعرفه أحد من عائلتى بشكل شخصى ولكنه كان الحلم، وظل كذلك، ظل الفكرة، الرجل الذى لم يهزم كاملا ولم ينتصر كاملا، وهذا سر بقائه حتى الآن. •
ماجدة موريس: أحبت الثورة من حماس أولادها
الكاتبة والناقدة ماجدة موريس التى رحلت والدتها عن عالمنا منذ أيام قليلة، قالت: والدتى كانت ست بيت وليس لديها أى اهتمامات سياسية ولكن كانت توافقنا نحن على انحيازاتنا وحماسنا، سواء والدى أو أنا ابنتهم الكبيرة.
لم يكن لأمى رأى سياسى خاص، لكنها كانت سعيدة بحماسنا وسعادتنا بالثورة، أتذكر أنها تلقت خبر تنحى عبدالناصر بحزن شديد، لأنها كانت تعرف كيف كنا نراه بطلا وما الذى كان يمثله بالنسبة لنا، وقد حكيت لها عن خروجى فى الشوارع أثناء عودتى من الجريدة وكيف مشيت مع أفواج الناس وكيف اختلطت بهم إلى أن استطعت العودة إلى مصر الجديدة، فشعرت بقلق لكنها قالت لى معك الحق، فعبدالناصر يستحق كل الخير وكل هذا الحب من الشعب.•
سحر نوح: جدتى لا تحب ثورة يوليو
جدتى أطلقت على أمى اسم فريال، على اسم ابنة الملك، ولهذا لم تكن حكايات جدتى مؤيدة للثورة، بل تسميها انقلابا على الملك، رأيها أن مصر قبل الثورة كانت راقية، حتى أصحاب الطبقة الوسطى كانوا يعيشون فى أفضل حال، هكذا تتذكر سحر نوح، الأستاذة فى الكونسرفتوار، وابنة الفنان محمد نوح قصص جدتها.
جدتى كانت ترى أن الله خلقنا طبقات والكل فى مجاله، يعمل لصالح البلد، لكن الثورة جعلت الناس لا تعمل بل وتتكبر على العمل، كل فرد أصبح يسعى ليكون صاحب العمل، كما أرست مبدأ عدم الرضا عن الحال.
سحر كبرت على هذه الحكايات، وعندما كبرت وقرأت فى التاريخ، قارنتها بحكايات جدتها ورأت أن جدتها كان لديها الحق فى أن يوليو رجعت بمصر للخلف فى طريقة الملابس وأسلوب الكلام والحديث والعلاقات بين الناس.•
د. كمال مغيث: ويوم أن لبست أحلى فستان وأطلقت زغرودة حيانى
نشأت فى قرية الباجور بالمنوفية لأم ربة منزل لها 10 من الأبناء، باع والدى أرضا ليكمل تعليم 3 من إخوتى الكبار فى الجامعة، وكنت أنا وإخوتى نتحمل مصاريف الذهاب إلى المدرسة الإعدادية والثانوية بالمركز، لأن قريتنا مثل معظم قرى الريف، كانت تشكو من عدم وجود مدارس.
يصف دكتور كمال مغيث الأستاذ بالمركز القومى للبحوث التربوية، حال أسرته، وذات يوم فى عام 64 عندما بلغ 10 سنين، انفجر خبر القرية أن جمال عبدالناصر سيمر بقريتنا ومعه زعيم الثوار بأمريكا اللاتينية «تشى جيفارا» أثناء زيارتهما لعمال مصنع النسيج بشبين الكوم.
استيقظت على صوت أمى «معقول جمال عبدالناصر هيمر من السكة الزراعية وممكن أشوفه»!! وتذهب وتتفق مع جيرانها من السيدات وتجهز أحلى فستان، وبالفعل تقف من الصباح الباكر على الطريق الزراعى الوحيد الذى سيمر من خلاله الموكب.
لتحكى لنا «أنا شفت عبدالناصر والله وشاورلى وابتسم لى وأنا أزغرد له زغرودة عفية حيانى» أيام وسنوات تحكى هذه القصة.
شجعت أمى أخى الأكبر الذى أراد التطوع فى الجيش وقت العدوان الثلاثى فى 56، وكنت أسمعها دائما وهى تغنى الأغانى الشهيرة فى حب عبدالناصر خاصة «ياجمال يامثال الوطنية أجمل أعيادنا المصرية بنجاتك يوم المنشية».
أحبت أمى جمال عبدالناصر صاحب مشروع نهضة الفقراء وإنقاذ الريف الغارق فى الفقر والجهل، الذى توسع فى بناء المدارس لتصبح قى قريتنا مدرسة إعدادية وأخرى ثانوية، ووفر لى وإخوتى التعليم المجانى فى الجامعة.
جدتى هى الأخرى أحبت ثورة 23 يوليو وجمال عبدالناصر، قالت لى عندما أخذتنى لأحمل معها بعض الحجارة من بقايا منزل قديم بقريتنا الباجور لنستخدمها فى بناء منزلنا الجديد.
«البيت ده ليه قصة ياكمال، أنا أخدونى سخرة زمان عشان أشيل الحجارة دى وأساعد فى بناء بيت العمدة الجديد، بدل بيته القديم إللى كان مبنى بالطوب، إحنا الفقراء مكانش عندنا فلوس نديها للعمدة الظالم».
فى الخمسينات وبعد الثورة ألغيت العمودية فى الباجور لتصبح مركزا، وهو المعنى بتطبيق القانون عن طريق الضباط والمأمور، وانتهت بلطجة العمدة الذى يحكم بقانونه ولا أحد يحاسبه.
يقول مغيث: رغم أن ثورة يوليو كان لها الكثير من الإيجابيات، فهناك ثلاث ملاحظات عليها، أن جمال عبدالناصر وضع نظام «أنه الرجل الأول فوق الدستور والقانون»، وأن المواطن لا قيمة له أمام آلة الدولة، وأن الأمن له اليد العليا فى جميع شئون المجتمع. •
محمد فاضل: فرحت بمجانية التعليم
استقبلت والدتى الثورة بحماس وسعادة شديدين، لأن نتائجها انعكست بشكل فورى علينا، كنت وقتها تلميذا، وخفضت مصاريف المدارس فى نفس العام، ثم أصبحت مجانية، والأمر كان بالنسبة لأهالى القرى أكثر أهمية، خاصة مع قانون الإصلاح الزراعى.. ويكمل المخرج الكبير محمد فاضل: كنا فى الإسكندرية، والتف الناس حول جيشهم ووثقوا فى قراره، فهو جيش الشعب من أيام عرابى حتى اليوم وغد.
أشعرتنا ثورة يوليو بتقليل الفوارق بين الطبقات، وكان لإلغاء الألقاب تأثير نفسى على أسر الطبقة المتوسطة مثلنا. •
د. مختار الكسبانى: أكلت البسلة والبرتقال أبو سرة لأول مرة
«ما شفتش يا بنى البسلة ولا البرتقال أبوسرة إلا بعد ثورة يوليو، البسلة كانت أكل الأغنياء، والبرتقال إللى كنا ناكله كان أبو حسنة سودا» - وهو برتقال بفطر أسود على القشرة الخارجية.
هكذا كانت تصف والدة أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، مختار الكسبانى، حال الأسواق الشعبية «الإمام الشافعى والخليفة» التى لا تتوافر فيها إلا الدرجة الثانية من الفاكهة والخضروات، التى تتناسب أسعارها مع القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة، التى لم تكن تترقى اجتماعيا ولا اقتصاديا.
فرحت أم مختار التى لم تكن تعرف القراءة والكتابة، بتوافر ثلاث فرص عمل لثلاثة أبناء من أولادها العشرة، بعد أن وفرت لهم الثورة العمل فى وظائف حكومية أو غيرها لمن لم يكمل تعليمه.
مازال يتذكر جملتها التى قالتها بفخر فى أواخر الستينيات «إخواتك قدروا بشغلهم يتجوزوا ويصرفوا على بيوتهم، كنا قبل الثورة الشاب من دول لما يبقى عنده عشرين سنة، كان لازم يتجوز، يبقى كبر خلاص، ويتجوز مع أهله فى البيت، وأهله يصرفوا عليه وعلى عياله، عشان ما كانش فيه شغل ولا تعليم، ما كانش فيه حد فى شارعنا موظف إلا محمود أفندى، وكان واخد الابتدائية بس، وكان ليه شنة ورنة فى الشارع».
الدكتور مختار - 69 سنة - مازال يتذكر حديث والدته عن أعمال أغنياء مصر قبل الثورة، وتبرعاتهم وأعمالهم الخيرية التى ملأت الحى، مثل المانسترلى باشا، الذى كان يقدم وجبات ساخنة لفقراء الحى، وحسن باشا طاهر، الذى كان يوزع كسوة الشتاء والصيف على الفقراء، ومطعم محمد محمود باشا فى المغربلين، الذى كان يقدم ثلاث وجبات للفقراء أيضا يوميا.. وكان لهذه الأعمال الخيرية الفضل فى احتضان هؤلاء الفقراء لأصحاب هذه التبرعات، بعد قيام الثورة، وخوف بعضهم من التعرض للأذى.
يوافق مختار على كل ماقلته أمه، فقد عاش الكثير منه، واستطاع الالتحاق بالتعليم، مع تطبيق المجانية، وأصبح هو واثنان من إخوته أساتذة بالجامعة، لكنه يرفض ما حدث من تأميم مبانى وسط القاهرة، وقصور العصر الملكى، لأنه سمح بتأجير هذه المبانى دون إلزام المستأجرين بقانون لصيانتها، وحمايتها، دون اعتبار لقيمتها التاريخية والمعمارية.
كما أن قوانين الإيجار التى صدرت فى تلك الفترة، وحتى السبعينيات، قد أضرت العلاقة بين المالك والمستأجر، لتصبح علاقة عدائية لم تحل حتى الآن. •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.