الخشت: حققنا قفزة كبيرة بتصنيف "كيو إس" بالتقدم 200 مركز خلال عامين بنسبة تطور 40%    الحكومة الجديدة، جمعة وشاكر وشكري والملا أكثر الوزراء المعمرين في الحكومة    وزير التجارة يترأس لجنة الاختبارات للمتقدمين للعمل بوظيفة ملحق تجاري بالوزارة    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الأربعاء 5 يونيو 2024 بأسواق الجمهورية    محافظة الجيزة: استقرار ضخ المياه بصورتها الطبيعية لمناطق حدائق الأهرام    وزير المالية: مصر تتخطى المتوسط العالمي في الشفافية المالية وإتاحة البيانات    الضرائب: عدم إصدار الفواتير الإلكترونية والإيصالات الالكترونية مخالفة للقانون    هيومن رايتس: إسرائيل استخدمت الفوسفور الأبيض بجنوب لبنان    سراج الدين: لهذا السبب لم نحصل على قرض لبناء استاد الأهلي.. وموعد الكشف عن التصميم    يورو 2024، يويفا يستعرض تألق حراس المرمى في تاريخ البطولات    نتيجة الشهادة الإعدادية بسوهاج بنسبة نجاح 85.83%    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 12 مليون جنيه خلال 24 ساعة    «معلومات الوزراء» يسلط الضوء على مخاطر المعلومات الخاطئة والمضللة على العالم    الفنون التشكيلية يفتتح معرض "البصيرة" للفنانة ناهد إسماعيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 5-6-2024 في المنيا    وزير الصحة يطلق المرحلة الثانية لمبادرة الكشف المبكر عن الأورام ب 9 محافظات    الرقابة الصحية: 5 إصدارات جديدة لمعايير المستشفيات والخدمة الطبية لضمان جودتها    عبد الغفار يثمن تقرير الصحة العالمية عن أسباب نجاح مصر في القضاء على فيروس سي    "تصفيات كأس العالم".. جدول مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة    الكشف عن موعد افتتاح الملعب الجديد للمصري البورسعيدي    صالح جمعة: كهربا أراد مغادرة الأهلي في يناير.. وإمام عاشور الأفضل    حمادة طلبة: الزمالك يحتاج صفقات سوبر.. وأرفض محاسبة جوميز بالقطعة    جامعة الجلالة تعقد ورشة عمل حول استثمار الإمكانيات التكنولوجية لتقليل الاستيراد    التربية الإيجابية أساس بناء الإنسان    جامعة باليرمو الإيطالية تقرر مقاطعة نظيراتها الإسرائيلية    صدمة وبكاء لطلاب الثانوية الأزهرية من امتحان الجبر والهندسة الفراغية.. فيديو    وفاة طفلة غرقاً في إحدى الترع أثناء اللعب ببورسعيد    تجديد حبس مسجل خطر ضبط بحوزته آر بى جى فى أطفيح بالجيزة 15 يوما    الجمعية الفلكية بجدة تكشف تفاصيل ميلاد ذى الحجة بالمملكة العربية السعودية    مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى.. و"الاحتلال" يشدد إجراءاته فى القدس    ل رجل برج الجوزاء.. كيف يمكن أن تكون جوزائيًا وناجحًا؟    هالة خليل وفريق "كايروتا" فى معكم منى الشاذلى.. الجمعة    300 عرض مسرحي تقدموا للمشاركة بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    «كله فى القهاوى» فن وسياسة وأدب وقصص أخرى    عمر هلال: كتبت فوي فوي فوي فى 3 سنوات والفيلم كوميديا سوداء تعبر عن الواقع    مجلس النواب الأمريكى يوافق على تشريع جديد يعاقب المحكمة الجنائية الدولية    تعرف على فضل العشر الأُوَل من ذي الحجة والأيام التي يُحرم فيها الصيام    ما هو السن الشرعي للأضحية وهل يجوز بالتضحية بالتي لم تبلغ السن المحدد؟    دار الإفتاء توضح أحكام ذبح الأضحية شرعا وشروطها    وزارة النقل: لم نلغ مشروع مد المترو لقليوب وندرس إنشاء ترام بالساحل الشمالى    إي اف چي هيرميس تنجح فى إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولى لمجموعة "فقيه للرعاية الصحية"    نبيل عماد يكشف دوره في انضمام أحمد حمدي للزمالك.. وكيف بكى قبل نهائي الكونفدرالية    صحة الوادى الجديد: تنفيذ قافلة طبية مجانية بقرى الفرافرة ضمن مبادرة حياة كريمة    خبير دولي: جهود مصر لدعم القضية الفلسطينية لم تنقطع لحظة واحدة    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    البرلمان العربي يثمن مصادقة البرلمان السلوفيني على قرار الاعتراف بدولة فلسطين    النائب طارق عبد العزيز ل"قصواء الخلالي": الرئيس السيسى ركز على مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى    أسعار البيض اليوم الأربعاء 5 يونيو 2024    "لوموند": الهند تدخل حقبة من عدم الاستقرار السياسي بعد الانتخابات التشريعية    صحيفة تسلط الضوء على الانقسام بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول الأصول الروسية    مصطفى الفقي: وزير التموين من أكفأ الوزراء في حكومة مدبولي    انطلاق فعاليات الاجتماع الفني لتطوير البنية التحتية للطاقة النووية في مصر بفيينا    5 نصائح من «الصحة» ل«الحجاج».. اتبعوها للوقاية من العدوى    "الناجح يرفع إيده" رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الأقصر    «الأهلي» يرد على عبدالله السعيد: لم نحزن على رحيلك    علماء الأزهر: صكوك الأضاحي لها قيمة كبيرة في تعظيم ثوابها والحفاظ على البيئة    البابا تواضروس يكشف كواليس لقائه الأول مع الرئيس السيسي    حظك اليوم برج الجدي الأربعاء 5-6-2024 مهنيا وعاطفيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقار إبراهيم رجب.. والله لبكره يطلع النهار ياخال
نشر في صباح الخير يوم 30 - 05 - 2017

فى أسرة غير ميسورة الحال بالمرة، وعدد كبير من الإخوة والأخوات، وأب يعمل «مكوجى» ولديه محل بشارع قصر العينى، وأم «ربة منزل»، فى تلك الأسرة الفقيرة، الغنية بالحب والود والدفء وُلد وترعرع الموسيقار إبراهيم رجب..
انطلق صوت التسجيل الذى كان بين يدى ابنته الصغرى دنيا إبراهيم رجب، وإذا بصوت الملحن والموسيقار الكبير إبراهيم رجب يقول :
عندما ولدت قالوا عنى إننى «وش فقر» على الأسرة، لأن والدى كان يعمل فى قصر «البرنس يوسف كمال» ابن عم الملك فاروق، ويتقاضى 12 جنيها ذهبيا، وكانت ثروة ضخمة جدا فى هذا الوقت، وبعد ولادتى مباشرة، مات البرنس يوسف كمال، وبالتالى انقطع المرتب، فاضطر والدى إلى فتح محل مكوجى.
وفى هذه الفترة كانت القاهرة من أجمل مدن العالم، وكان الناس يحبون التزاور والسهر، وكانت راحة البال والحب والرحمة هى المسيطرة على مشاعر المصريين، وأذكر أن والدى كان يجتمع بمجموعة من زملائه كل أسبوع فى منزلنا، يعزفون ويغنون، وحكت لى والدتى إننى فى سن الرابعة وفى أثناء تناول والدى وأصدقائه وجبة العشاء دخلوا على الغرفة بعد انتهائهم من العشاء فوجدونى أحاول أن أمسك العود مسكة صحيحة، فتنبأ أحدهم بأنه سيكون لى مستقبل فنى كبير.
ونظرا لحالة الأسرة البسيطة لم أكمل تعليمى، واضطررت للعمل فى أكثر من مهنة، مثل «صبى طرابيش» فى محل طرابيش، وصبى ميكانيكى»، وفى سن العاشرة اشتغلت «جروم»، وهذه مهنة انقرضت بعد سقوط الملكية، حيث كانت الأسر الملكية تستعين بطفل وسيم، وتجعله يرتدى بدلة سمراء اسموكن وبابيون، ويجلس بجوار السائق، وكل مهمته أن يفتح للأمير أو الأميرة باب السيارة بكل أدب.
ونظرا لوسامتى فى الصغر اشتغلت لدى الأميرة «حورية محمود حمدى»، لكننى لم أستمر كثيرا فى هذا العمل، وتم طردى! لأن السائق» داس فرملة «شديدة، فوقعت الأميرة من السيارة، فأعتقدوا إننى لم أغلق الباب جيدا، فطردونى!، بعدها وعن طريق أحد الأقارب اشتغلت فى المطبعة الأميرية أجمع الحروف، وطوال هذه السنوات كان حب الفن يلازمنى، حيث كنت دائم الاستماع إلى الإذاعة ومن خلالها حفظت كل الأغنيات التى كانت تتردد فى فترة الأربعينيات.
شرد قليلاً الملحن إبراهيم رجب لا أعلم ما الذى استدعى هذا الشرود أو فيم يفكر.. سألت دنيا فأجابت أنها لا تعلم، ولكننى علمت من كلامه الذى قاله بعدها.. استطرد التسجيل قائلاً:
• بداية المشوار
سأسرد لكم حكاياتى وكيف بدأت مشوارى الفنى، ولكن فى البداية، يهمنى أن أتوقف عند رجل ساهم كثيرا فى تعليمى وعشقى للموسيقى، ويعتبر مع الشاعر الكبير صلاح جاهين بمثابة المدرسة التى تخرجت فيها، هذا الرجل هو الموسيقار الكبير «الشيخ سيد مكاوى»، الذى تعرفت عليه بالمصادفة فى نهاية الأربعينيات، حيث كنت فى سن المراهقة، وفى هذه السن أحببت فتاة اسمها «ليلى»، وكنت أجلس على المقهى المقابل لمنزلها، وهناك تعرفت على الصديقين الشقيقين«محمود وكمال عبدالشافى»، وتوطدت علاقتى بهما.
وفى أحد الأيام ونظرا لجمال صوتى دعانى كمال لحضور«سبوع بنت أخته»، وبالفعل ذهبت ومعى عودى، وغنيت مجموعة كبيرة من الأغنيات، وفجأة وجدت شخصا اسمه «عبدالحميد الجزايرى» يصطحب شابا طويلا ونحيفا وكفيفا، وطلب منه الحضور للغناء، فغنى أغنيات سحرتنى، لم أسمعها من قبل، كان هذا الشاب هو الشيخ سيد مكاوى، وكانت الأغنيات التى يغنيها لعملاق الموسيقى الشيخ سيد درويش، الذى عدل قبلة الغناء العربى ووضع الصوت المصرى على البيانو، ويومها قال لى صديقى كمال عبدالشافى، لا تترك الشيخ سيد مكاوى فهو كنز، وبالفعل توطدت علاقتى بهذا الرجل، وكنت مثل ظله، أصطحبه فى كل مكان، ومنه عرفت وحفظت أغنيات وألحان الشيخ سيد درويش، وارتبطت بصداقة مع مجموعة من الفنانين مثل الملحن رءوف ذهنى، والفنان عبدالعظيم عبدالحق، والمخرج أحمد بدرخان، والناقد الفنى حسن إمام عمر وغيرهم، وفى هذه الفترة كان الشيخ سيد يغنى فى الإذاعة أغنيات التراث، بناء على طلب محمد حسن الشجاعى رئيس الإذاعة، وبعد فترة طلبوا منه أن يتجه للتلحين، ونظرا لأنه كفيف طلبوا منه أن يلحن أغنيات وقصائد دينية.
ولأنه ليس معروفا كملحن، فلم يجد من يتعاون معه من الشعراء مجانا، فاستعنا بدواوين كبار الشعراء القدامى من كل العصور القديمة، كنت أقرأ له وهو يلحن، وهذه الأشعار علمتنى حب الشعر، وحب الكلمة والتدقيق فيها فيما بعد، وتعلمت الكثير فى هذه الفترة التى كنت أعمل فيها صباحا فى المطبعة الأميرية، ومساءً مع الشيخ سيد مكاوى.
تأخرت فى البداية بعض الشىء، فبعد قيام ثورة يوليو عام 1952 قدمت فى المعهد العالى للموسيقى المسرحية، وكان رئيسه الرائد الموسيقى محمود أحمد الحفنى، ونجحت فعلا فى امتحان القبول، لكن نظرا لعدم وجود شهادات دراسية معى، كتبوا: ناجح لكنه غير مستوفى شروط الدراسة، حيث لا يملك شهادات دراسية.
ونظرا لعشقى للغناء والموسيقى تقدمت لمعهد خاص لتعلم الموسيقى، وهو معهد «أحمد شفيق» وفيه تعلمت قراءة «النوتة الموسيقية» وبعض الأشياء الأخرى، وفى عام 1953 قدم مجموعة من الزملاء الموسيقيين الذين تتشابه ظروفهم التعليمية مع ظروفى، مذكرة للبكباشى جمال عبدالناصر للموافقة على دخولهم معهد الموسيقى واستثنائهم من حكاية الشهادة العلمية، خاصة أنهم خاضوا امتحان القبول الموسيقى ونجحوا فيه، وبعضهم لهم أسماء شهيرة، فوافق عبدالناصر على المذكرة.
وتقدمت للمعهد الذى كان يرأسه محمد ثابت بعد الحفنى، وأمام لجنة الاختبار غنيت لهم أغنية بعنوان «يا جواهر بالمال يا عنب» كان الموسيقار محمد عبدالوهاب لحنها لصديقى المطرب والملحن فيما بعد رءوف ذهنى، لكنه لم يغنها، وكان يرددها أمامى بصفة مستمرة، وأعجبهم صوتى وثقافتى الموسيقية، والتحقت فعلا بالمعهد وتخرجت فيه عام 1958 .
فى أحد الأيام وبالتحديد نهاية الأربعينيات، ذهبت والشيخ سيد لمشاهدة فيلم فى سينما حديقة الحرية فى ميدان سعد زغلول المجاور لقصر النيل، فلفت انتباهنا قبل الفيلم إعلان عن منتج من السماد وبالتحديد «سماد أبو طاقية» على هيئة فيلم غنائى قصير، إخراج صلاح أبوسيف، كتبه شاعر جديد لم يكن معروفا على الإطلاق اسمه صلاح جاهين، وتلحين أحمد صدقى، كان فيلما غنائيا رائعا استمتعنا به جدا، وشعرت أن هذا هو الغناء الجماعى الذى أبحث عنه، وأهم ما لفت انتباهنا خفة ظل الكلمات التى مازالت معروفة حتى الآن.
وبدأنا نسأل عن صلاح جاهين، فعرفنا أنه شاعر شاب جديد لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وهذا الأوبريت هو أول عمل يقوم بكتابته، وبعد مرور فترة طويلة وفى عيد ميلاد «الريجسيير» الشهير قاسم وجدى، ذهبت للغناء مع الشيخ سيد مكاوى، وهناك تعرفنا على صلاح جاهين، وعلمنا منه أنه صحفى ورسام كاريكاتير فى مؤسسة روزا اليوسف، ومن يومها وحتى رحيله ظلت علاقتنا وطيدة.
• أنا .. وصلاح جاهين
بعد انتهائى من دراستى، وجدت عام 1958 إعلانًا فى الجرائد عن إنشاء «مسرح القاهرة للعرائس» فأخذت رأى صديقى صلاح جاهين فى التحاقى بهذا المسرح، فرحب جدا، وقال لي: «يا ريت ده فن عظيم»، وطلب جاهين من أصدقائنا المخرج توفيق صالح، والكاتب راجى عنايت تدريبى على مشهد تمثيلى للاختبار، وبالفعل اجتزت الاختبار، والتحقت بمسرح القاهرة للعرائس.
وكان أول عمل لى كلاعب مسرحية «الشاطر حسن» تأليف صلاح جاهين، وألحان على إسماعيل، وبطولتى مع صلاح السقا، وإخراج «درزينا تنارسكوفا»، وعرضت على مسرح معهد فؤاد بشارع رمسيس يوم 10 مارس، الموافق الأول من شهر رمضان عام 1959، وأذكر أن القائمين على المسرح يومها لم يتوقعوا نجاحنا!
وبعد «الشاطر حسن» توالت الأعمال، حتى واجهت حربا من المشرفين على المسرح فتركته وعملت كمدرس موسيقى فى مدرسة بقرية «مرصفا» فى بنها، نظير 8 جنيهات فى الشهر، وهناك وعلى مدى عامين غسلت نفسى وروحى، وقابلت ناساً لا يعلمون أى شىء عن الغناء الحديث، ولا يغنون إلا تراثهم الذى يردده الجميع، فاستمعت منهم لهذا التراث وحفظته، وعندما تم افتتاح التليفزيون عام 1960 شاركت فيه كلاعب عرائس نظير 4 جنيهات مقابل عشر دقائق، واستقلت من التدريس وتفرغت للتلحين لبرامج العرائس فى التليفزيون.
وولدت «الليلة الكبيرة» بين أحضانى على مسرح العرائس، ولم أشهد ولادتها فقط، ولكننى قمت بكتابة النوتة الموسيقية لها، وكنت أرددها فى كل سفرياتى مع فرقة مسرح العرائس عام 1958، وفى كل جلساتى، وهذا العمل أذيع أولا فى الإذاعة، وكانت مدته 8 دقائق فقط، وحقق نجاحا كبيرا، لأن ألحانه مصرية صميمة نابعة بالفعل من قلب الموالد التى كنا نحرص على حضورها أنا وسيد مكاوى وجاهين، وتم تقديمه على مسرح العرائس بعد إضافة عدة لوحات لم تكن موجودة مثل«أنا شجيع السيما» و«يا حضرة الأراجوز»، حيث أرتأى بعض المسئولين فى مسرح العرائس أنه يحمل ملامح الفن التشكيلى.
لكن هذا العمل العظيم ظلم مسرح العرائس وأساء له!!، لماذا؟! لأن مسرح العرائس يقوم على مبدأ وطبيعة خاصة به!
أول أعمالى الغنائية كان عام 1959 كان عبارة عن ثلاثة منولوجات هى «شنبات شنبات»، «روبابيكيا، هيلا هوب»، قام بغنائها شباب الجامعات، وبالمناسبة منولوج «شنبات» عرض على مكاوى ورفض تلحينه، لكننى اقتنعت به، أما أول أغنية فكانت مع بداية التليفزيون للمطرب إبراهيم حمودة، كلمات صلاح جاهين وكانت بعنوان «آخر غرام أو بحرى»، وقام المخرج الإذاعى فؤاد شافعى بتصويرها على هيئة فيديو كليب، واختفت فور إذاعتها، كما اختفت أعمالى الأخرى مثل«حلم حطاب»، ورائعة يوسف إدريس «النص نص» وغيرهما.
كأى ملحن فى بداية حياته يتأثر بعملاقة التلحين، تأثرت بعدة ملحنين رائعين، أبرزهم العبقرى محمود الشريف، والعظيم أحمد صدقى، والموهوب سيد مكاوى، وقبلهم وبعدهم وأهمهم سيد درويش، الذى حرر الأغنية المصرية من تبعيتها للموسيقى التركية، والغناء العثمانلى وقدم أغنيات جماعية غناها الشعب وأحبها لأن ألحانها بسيطة وكلماتها نابعة من احتياجاتهم، وتعبر عن انفعالاتهم الحقيقية.
وأتذكر أن الشيخ سيد مكاوى عندما كان يغنى ألحان هذا العبقرى فى السهرات التى كنا نحييها فى بيوت كبار القوم، كان الحضور من علية القوم يجلسون تحت أقدامه، حتى الشيخ زكريا أحمد، يأتى بعد هؤلاء محمد عبدالوهاب، ورياض السنباطى، ومحمد فوزى، وفريد الأطرش لكن ما يؤخذ على هؤلاء تبنيهم لموجة الغناء الفردى على حساب الغناء الجماعى.
صمت تام فى التسجيل ويسرح لثوانٍ ثم يقول بصوت واهن ونظرة بعيدة كأنه يتذكر شيئا قال: منذ بداية مشوارى وأنا ضد الغناء الفردى، لأننى أرى أنه ترفيهى، ويشتت، ولا يجمع، وسطحى لا يمس الوجدان، ولا يصلح فاسدا، ولا يقوم سلوكا، وكثير منه كان أغنيات استعمارية!، وأقصد أنها تسعد المستعمر الذى كان يدرك أهمية الأغنية فى تشكيل وصياغة وجدان أى شعب، وهناك مثال شهير يقوم بتطبيقه الاستعمار فى كل الأزمنة، هذا المثل يقول:«إذا أردت أن تعرف شعبا استمع إلى أغانيه»، وقد سأل الإسكندر الأكبر معلمه ذات يوم نصيحته بخصوص بلد يريد غزوه واقتحامه، ولكنه لا يستطيع جراء قوة هذا البلد، فنصحه معلمه بالبحث عن أصحاب البلد، وهم المؤلف والملحن والمطرب والممثل، عكس الغناء الجماعى، فعندما تغنى المجموعة تشعر بالزهو والقوة، كأن الشعب كله يغنى، وكنت أشعر أننى كلما أكثرت من تلحين أغنيات الجماعة أننى أعمل «ضهر» للناس الغلابة، لذا تحديت نفسى ولحنت أغنيات تغنيها المجموعة، لأثبت أن الأغنية ذات اللحن الجيد والكلمات المعبرة يمكن أن تنجح دون الاعتماد على شخصية أو حنجرة مطرب فقدمت أغنية « تعيشى يا بلدى» التى كتبها الشاعر محمد العجمى، وهى الأغنية التى استوحى منها الكاتب على سالم موضوع مسرحية «أغنية على الممر» التى تحولت لفيلم شهير، بعد أن استمع إليها، أخبرنى أنه استوحى عمله الجديد من هذه الأغنية.
بالتأكيد لأن أى مطرب ناجح وبدون تحديد أسماء عندما يجد مجموعة مثل الثلاثى المرح أو ثلاثى النغم،أو غيرهم تغنى أغنية ناجحة، يحاول طوال الوقت التعتيم عليها، وعدم التعاون مع ملحنها، لأن فى انتشار هذا النوع من الغناء خطرا وتهديدا لمستقبله الفنى، وبالتالى ابتعد عنى كثير من المطربين، وتم التعتيم على عشرات الأغنيات التى لحنتها وغنتها المجموعة سواء أغنيات وطنية أو عاطفية أو وصفية.
عندما ألحن يجب أن تكون كلمات لا أخجل منها، وأذكر أنه بعد وفاة جمال عبدالناصر كانت صدمتنا كبيرة، وعملت مع صلاح جاهين أغنية نقول فيها إن عبدالناصر عاد ولم يمت لأنه حى بأفكاره ومبادئه، وبعد أيام قليلة وجدت المخرج سعد أردش يطلب منى تلحين قصيدة كتبها الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى رثاء لعبدالناصر، وجدت كلماتها فى غاية اليأس والحزن والإحباط، فرفضتها، لأنه تتعارض مع الأغنية التى لحنتها من قبل!.
ونجاح ألحانى وترديد الشارع المصرى لها، شجع هؤلاء المطربين الذين ذكرتهم على التعاون معى، خاصة أننى كنت أدقق جدا فى كل ما أقوم به، وتعاونت مع كبار الشعراء مثل عبدالفتاح مصطفى، حسين السيد، صلاح جاهين، فؤاد حداد، عبدالرحمن الأبنودى، سيد حجاب وغيرهم، والحمد لله أن كل ما قدمته وصل للناس ويكفينى فخرا أن أغنيتى «والله لبكره يطلع النهار ياخال» التى تم تقديمها ضمن المسلسل التليفزيونى «الفلاح» فى نهاية الستينيات، كانت ترنيمة الشباب فى ميدان التحرير فى ثورة 25 يناير.
كانت الأوضاع فى مصر بعد نكسة يونيو 1967فى حاجة لما يشبه المراجعة وإعادة ترتيب البيت من الداخل، وبالأخص على الجانب التنظيمى والتشريعى والإدارى، وكانت هناك وثيقة مهمة فى هذا السياق تضمنت الرؤية العامة لهذه الأفكار التصحيحية، ولم تكن هذه الوثيقة سوى بيان30 مارس الذى صدر عام 1968، وأشار البيان إلى أن مصر استطاعت بعد كبوتها فى 67 أن تعيد بناء القوات المسلحة، وفى هذه الفترة كتب الأبنودى لى أغنية «يا بلادنا لا تنامى»، ردا على بيان 30 مارس، وكنت أغنيها فى كل مكان، وفى نفس الفترة كنت أغنى أيضا«من قلب المواكب» حيث كتبها الأبنودى بعد ثورة جامعة الإسكندرية ضد نسبة العمال والفلاحين وكان مطلعها قبل أن يغنيها عبدالحليم يقول:
أنا ليا يا طالب عندك حبة مطالب
باسم الشعب اللى راجع من غيطه فى المغارب
والواقفين فى المناجم.
وفى أحد الأيام جاءنى الأبنودى، وطلب منى مقابلة عبدالحليم فى بيته، وبالفعل زرت العندليب فى شقته، وطلب منى غناء الأغنيتين بعد تعديل كلمات أغنية «من قلب المواكب»، وبالفعل قام بغنائهما، وأثناء التسجيل كان يطلب منى غناء الأغنيتين قبله، لكنه لم يغن الأغنيتين كما كنت أغنيهما حيث أخذهما للناحية العاطفية، لكننى كنت أغنيهما بطريقة فيها حماس أكثر، لهذا كل من استمع إلى الأغنيتين بعد استماعهما بصوتى قالوا لي:«إن عبدالحليم بوظهم»!!
وليس هذا هو السبب فى عدم لقانا فى أغنياته العاطفية، ولكن لأننى وعبدالحليم لم نلتق إنسانيا، ولم تربطنى به علاقة صداقة، حيث كان ذا طبيعة مختلفة عنى تتناسب أكثر مع الأبنودى!
وعشان بلدنا يا وله/ وجمال بلدنا يا وله/ كله يهون، اعتقد بعض المقربين من الرئيس السادات أننا نمدح الرئيس جمال عبدالناصر، فقاموا بمنعها من وسائل الإعلام، رغم أن الشاعر سيد حجاب لم يقصد جمال عبدالناصر، ولكنه كان يتغزل فى جمال مصر، وكان هذا هو السبب فى منع إذاعة «ياما زقزق القمر».
عن طريق الشاعر صلاح جاهين، ولمعرفتى به قصة طريفة، ففى زفاف إحدى شقيقاتى، طلب منا جيراننا الصعايدة أن نسمح لشاعر شاب قريبهم أن يلقى قصيدة، فرحبنا بهذا، وصعد شاب ضئيل الجسد، وألقى قصيدة للأبنودى بعنوان «مجنون» لا تصلح أن تلقى فى الأفراح!، وفى أحد الأيام كنت أزور صلاح جاهين فى جريدة الأهرام، فقرأ لى قصيدة للأبنودى، فقلت له إننى أعرفه، فقال لى: ولكنه لم ينزل القاهرة بعد، فاستغربت! وأكدت له أنه حضر وألقى قصيدة فى فرح شقيقتى، فأستغرب واندهش هو الآخر! وتمر الأيام والشهور وفى زيارة ثانية لجاهين وجدت لديه شابًا طويلاً وأسمر، فسألنى تعرف من هذا؟ فقلت له: لا ، فقال هذا هو الأبنودى، فسلمت عليه وأنا أتساءل من يا ترى الشاعر الذى ألقى قصيدة فى فرح شقيقتي؟! المهم تعارفنا، وطلب منى أن أعرفه بملحن أغنيته الأولى حلمى أمين، وبالفعل حدث هذا، وتوطدت علاقتنا، ولحنت له العشرات من الأغنيات الناجحة، وفيما بعد عرفت أن الشاعر الذى ألقى قصيدة الأبنودى فى فرح أختى هو الشاعر الجميل عبدالرحيم منصور!!
أعمالى ليست قليلة ولكن ما ظهر منها هو القليل، فلدى رصيد ضخم من الأعمال الإذاعية والتليفزيونية والمسرحية، مثل البرنامج الإذاعي«شاعر عباد الله»أشعار فؤاد حداد، وإلقاء صلاح جاهين، الذى يتضمن 30 أغنية، وبرنامج «صور وحكايات»الذى يحوى 68 أغنية، المسرحية الغنائية «حلم ليلة صيف» «مسلسل الأطفال الغنائى» كان ياما كان» لصفاء أبوالسعود، هذا غير فوازير نيللى وشريهان وسمير غانم وغيرها من الأعمال الدرامية، فضلا عن أكثر من 50 لحنا لم يظهر أى منها للنور، كلمات الشاعرين عبدالرحمن الأبنودى، وصلاح جاهين.
أما بالنسبة للغناء الفردى فإننى كنت حريصا على انتقاء الكلمات التى تتوافق مع مبدئى والبعيدة عن السائد، وإذا وجدتها يمكن أن ألحنها مجانا، وحدث هذا فى أغنية «يا بيوت السويس»، كما أننى أرفض تلحين الكلمات التى تعبر عن ضعف أو ذل أو هوان الإنسان.
رحل عن دنيانا الموسيقار إبراهيم رجب منذ أيام قليلة، عن عمر يناهز 74عاما بعد صراع مع المرض.
بعد أن ترك لنا العديد من الألحان لنخبة من أشهر نجوم الغناء والتمثيل، حيث غنى من ألحانه الفنان أحمد زكى أغنيته الشهيرة «أنا بيه» فى فيلم «البيه البواب»، بينما أصر الفنان محمود عبدالعزيز على أن يقدم بمصاحبة شريف منير فى فيلم«الكيت كات» الأغنية التى استمع لها بالصدفة من الملحن الراحل وهى «يلا بينا تعالوا نسيب اليوم فى حاله».
وغنى عبدالحليم حافظ من ألحان إبراهيم رجب أغنية «يا بلادى لا تنامى»، وقدم معه محمد حمام أشهر أغانيه«يابيوت السويس»، بينما لحن «أنا عايز صبية»للمطرب محرم فواد،«مجاريح» للمطرب محمد رشدى، و«ياما زقزق القمر»للفنان ماهر لعطار.
يُذكر أن الملحن الراحل قدم أيضا ألحان فوازير الخاطبة ومسلسل «بوجى وطمطم». •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.