عندما كانت الكلمة رسالة، واللحن رسالة، والفن ضمير المجتمع الواعى، الراقى الذى كان يسمع جيداً ويميز الصالح والطالح، وعندما كانت فى البدء الكلمة، كما كانت الموسيقى والنغمة، حيث تجلى هذا فى كل شىء خلقه الله سبحانه وتعالى، الموسيقى الربانية، موسيقى الكون، وتناغم أصوات الطبيعة، عندما كان التعبير عن حب الحبيب لحبيبته هو أن يصطحبها معه لحضور حفل من حفلات سيدة الغناء العربى، ولحن جديد لعبدالوهاب، أو موشح من الشيخ سيد مكاوى وعبدالحى سلامة، وعندما تغضب منه يصالحها بمسرحية على خشبة «سانتى» لسلامة حجازى. وقتها وليس تحديداً هذا الزمن لأنى ذكرت أزمنة مختلفة ولكن يجمعها الرقى الفنى.. وقتها كان هناك لحن وجملة موسيقية ونغمات تطرب الآذان وملحن يدعى عبدالعظيم محمد. عبدالعظيم محمد الصعيدى الأصل حيث وُلد وتربى وترعرع فى المنيا، عروس الصعيد، هذا الصعيد الذى دائماً أقول إنه تربة خصبة للإبداع ومن ثم المبدعين، حفظ القرآن الكريم منذ الصغر مما كان له أثره الكبير فى حياته من تواضع وحب الناس وقربه من الله وابتعاده عن الأضواء. جاء عبدالعظيم القاهرة شاباً فى الثامنة عشرة من عمره، ليتعلم العزف على آلة العود ويلتحق بالمعهد العالى للموسيقى، الذى تخرج فيه فى عام 1950م.. سمع الأستاذ محمد حسن الشجاعى اللحن الذى لحنه عبدالعظيم للمطرب جلال فكرى، وهو لحن أغنية أنغام وذكرى، وأعجب بلونه الجديد فى التلحين وبصفته مراقباً للموسيقى والمسئول عن الغناء فى الإذاعة أعطاه فرصة تقديم أول أغنية بالإذاعة وهى «باسم الله كلنا نتعاهد على دستور المجد الخالد» غناء عصمت عبدالعليم. ومن هنا كانت انطلاقة عبد العظيم محمد فى عالم التلحين لمدة زادت على الخمسين عاما قام فيها بالتلحين للعديد من المطربين والمطربات فلحن لمحمد قنديل أكثر من المائة لحن منه: ماشى كلامك ومداح وبهية وياسين وأحلف لك بالماضى وهات يا تاريخ، كما لحن لأحلام أكثر من عشر أغنيات منها: تسابيح واوعدنا يارب.. وتعاون مع مها صبرى فى الكثير من الأعمال منها: الليلة دى ليلة حلوة وفيها جون، وكان تعاونه الأكبر مع محمد رشدى حيث لحن له أكثر من أربعين أغنية منها: يا ليلة ما جانى الغالى وسلاسل فضة والصابرين بخير وأفراح، ولحن لوردة عدة أغنيات منها: كل أطبا القلب، ولحن لفايزة أحمد حوالى عشرين أغنية منها هذه الصخرة. عاصر عبدالعظيم محمد الكثير من عمالقة الموسيقى والألحان مثل محمد عبدالوهاب ورياض السنباطى ومدحت عاصم وأحمد صدقى ومحمود الشريف وعلى فراج وعطية شرارة وعبدالحليم نويرة ويوسف شوقى ومحمد فوزى وحسين جنيد وعبدالروؤف عيسى وعبدالفتاح بدير وجلال حرب وخليل المصرى وبليغ حمدى وإسماعيل صديق وعبدالمنعم الحريرى ومنير المليجى ومحمد غنيم ومحمد الموجى وكمال الطويل وفؤاد حلمى ومحمود كامل وعبدالحميد توفيق زكى وعبدالعظيم عبدالحق وعبدالمنعم البارودى ومحمد قاسم وسيد مكاوى وغيرهم. لحن لأحمد سامى وشك حلو عليا، وفدوى عبيد عدة أغنيات منها: جانا الحب ونورت الشموع، وكارم محمود: الرزق للشغالة وسبع ليالى، كمال حسني: عند بيت الحل والحليوة الأسمرانى. كما لحن لليلى مراد عدة أغنيات منها: وياك يا وطننا يا غالى، ولماهر العطار وحياة الحب، ولمحمد حمام العديد من الألحان منها عابر سبيل ووسط الزحام. كما كان له تعاون مع الشيخ محمد عمران، حيث لحن له ابتهالات وتواشيح. لا تكلنى لسواك غنت له المطربة آمال حسين: ايه غير لقائك والنظرة والبسمة من نظم محمد إسماعيل وغنى له إسماعيل شبانة أشهر أغانيه لو غبت عنى ولو شوية لزين العابدين عبدالله وبقاله كتير لصلاح فايز ورد السلام لكرم شلبى، غلالة نور لعمر الطوانسى الحب فى الله لأحمد عبداللطيف بدر ولاتكلنى لسواك لعبدالفتاح مصطفى وغنى له أحمد سامى بحبك طول زمانى لعبدالوهاب محمد ووشك حلو عليه وعيونك سهتانين وشوف يا حبيبى لعبدالوهاب محمد. كما غنى له الثلاثى المرح التليفزيون ده لعبدالعزيز سلام وعودة رمضان لمحمد فكرى، وغنت له أميرة سالم من كل مكان من نظم علية الجعار، وغنى أحمد إبراهيم ربيع الهدى لكمال عمار، ولحن لإبراهيم حمودة حكاية ومن ليالى الحب لعلى التركى وأفراح مصر لعبدالوهاب محمد، وغنت أحلام أوعدنا يارب لفتحى قورة حياتى وعنيه ونفوت النهارده لمين لمحمد على أحمد، وتسبيح سبحان الله لعبدالفتاح مصطفى وياليالى الفرح لمرسى جميل عزيز وياوابور البحر لكمال منصور ونور على نور لحيرم الغمراوى واوعدنا يارب لفتحى قورة وأنا لسه صغيرة لعبدالسلام أمين وصدقت كلام عزالى لعبدالعزيز سلام وغنت المطربة الكبيرة بديعة صادق خاصم شهر وصالح يوم، كما غنى له الموسيقار بليغ حمدى عندما كان مطربا فى منتصف الخمسينيات ياليل العاشقين لفتحى مهدى. إنك لاتهدى الأحبة وغنى له الكثير والكثير من مطربى الساحة الفنية وأعظم الأصوات التى شدت فى مصر والوطن العربى أجمع مثل عبدالحليم حافظ ومحمد قنديل الذى غنى له: ماشى كلامك وعابد المداح والعقل زينة والصلاة يا مؤمنين وحمد الله ع السلامة وحبيبتى عمان وخلينا ع البال وعيدنا الكبير وصلى ع المصطفى وسبحان الذى أنعم ولما وصلنا من نظم المؤلف السكندرى مصطفى عبده ومركب حبيبى ومافيش حلاوة من غير نار ومصر فى جبينك ويا راجع من اليمن وياليل يا عين وموعود بالعيون السود لعبدالفتاح مصطفى ويابو ورد ع الجبين لمحمد إسماعيل و3 أدعية دينية من نظم الشاعر السكندرى عبدالمنعم كاسب. كما غنت له وردة الجزائرية: كل أطبا القلب ومن سنين فاتت والعمل الوطنى 3 إخوة من دير ياسين. وغنى له محمد قنديل ومحرم فؤاد وعبدالغنى السيد وفايدة كامل وسعاد محمد وشهرزاد. كما لحن 4 أغنيات من فيلم الشيماء، للفنانة سعاد محمد وهى (إنك لا تهدى الأحبة - طلع البدر علينا - يا محمد- أشرقت شمس الهدي)، أقبل العيد نقسم بمصر ومارد أسمر لعلى الفقى - استحملت كتير لسمير الطائر - أكرم عيد لمصطفى عبدالرحمن - وعدى وأبعت سلام لعبدالفتاح مصطفى وضيعوك لعبدالسلام أمين وموكب الأفراح لمعروف سويد ونور تالق لعلية الجعار وهلا بالورد لإبراهيم زكى وباعت لك جواب و يا نازلين البحر لعبدالرحمن الأبنودى وشىء غريب لعبدالوهاب وعلى بابك لأحمد شفيق كامل. وأغنية حطه يا بطه من فيلم بياعة الجرايد وأغنية التليفزيون فاهمينك وعارفينك فى فيلم (صغيرة على الحب) وأغنية بصت لى بصة فى فيلم (دلال المصرية)، وموسيقى مسرحية (لوكاندة الفردوس)، مسلسل نورالدين زنكى لتليفزيون قطر، مسلسل نسور البحر وصور غنائية عديدة، ومجموعة أغانى دينية بالتعاون مع الشاعر الكبير (بشير عياد)، وأعمال أخرى كثيرة لكل من محمد فتحى ومحمد الحلو ومحمد ثروت وعلى الحجار، وهانى شاكر وإيمان الطوخى وطارق فؤاد وأحمد إبراهيم وغيرهم الكثير. فى عام 1966 كتب جليل البندارى فى أخبار اليوم مقالا بعنوان «أم كلثوم وشرارة الكهرباء» يقول فيه: «إن حبى وعواطفى وعبادتى لأم كلثوم لا تمنعنى من أبوح لكم بسر رائع، فأنا ميكروفون حتى بالنسبة لعائلتى، إن أم كلثوم تعد وتصنع بيديها وأذنيها ملحناً جديداً نصف معروف، إن هذا الملحن هو عبدالعظيم محمد».. إلى آخر المقال الذى شكر فيه موهبة الموسيقار عبدالعظيم محمد، والذى كان وقتها شاباً ربما حديث التخرج وأعجبت به سيدة الغناء العربى ولكن لم يحدث أى تعاون بينهما. لم يأخذ حقه أنجب الموسيقار عبدالعظيم محمد إيمان وطارق. حيث كان لمجلة «صباح الخير» هذا الحوار مع ابنته إيمان. • كيف كان عبدالعظيم محمد الأب؟ - كان مثله مثل أى أب حنون جداً ويخاف عليّ أنا وأخى، ولكنه كان قليل الكلام . • وماذا عن طفولتك ونشأتك فى هذا المنزل الموسيقى هل تأثرت بتلك النشأة؟ - كنت استيقظ أيام الإجازات الدراسية على صوت أنغام تطرق أذنى فتنساب بين جوانجى فتأثرت بها حتى يومنا هذا، ولم أكن أعرف قيمة عمل والدى وأنه مبدع موسيقى إلا عندما كان عمرى تقريبا 10 سنوات سمعت ألحان فيلم الشيماء لسعاد محمد فأدركت حينها قيمة والدى كفنان وكيف أنه ينسج ألحانه وتشدو بها موسيقى السماء فهو يحمل فوق عاتقه رسالة سامية هدفها إرساء الذوق والمعانى والقيم الجميلة. • وما طقوسه فى التلحين؟ - عندما كان يقرأ كلمات وتعجبه كان يدخل غرفته ويغلق الباب، لا يفتحه إلا حين الانتهاء من اللحن، كان يكتب النوتة الموسيقية بنفسه لأنه درسها فى المعهد العالى للموسيقى المسرحية، وكان يحب الالتزام فى المواعيد والدقة والإتقان فى العمل ويكره النفاق والكذب والتسيب المهنى والأخلاقى والإسفاف. • ومن كانوا أقرب الناس إلى قلبه؟ - من الأصدقاء المقربين لوالدي: محمد قنديل ومحمد رشدى وكمال حسنى ومحمد فتحى والمطربة السورية سهام إبراهيم، ومن الشعراء :محمد حمزة وعبدالرحمن الأبنودى وعبدالرحيم منصور وعبدالوهاب محمد وكان صديقه الصدوق الذى حزن كثيرا لوفاته والشاعر على مهدى وكان والدى يحب إبراهيم حفنى المذيع فى إذاعة الأغانى . • وماذا عن الجينات الفنية لكِ؟ - أنا أعشق الكتابة وعندما بدأت أكتب قصصا قصيرة أخبرت والدى وأخذنى للشاعر محمد حمزة وقال له «اقرا وقولنا تنفع تكتب ولا نقعدها فى المطبخ يا عم حمزة» فضحك حمزة وقال له بعد أن قرأ «لا مطبخ ايه دى لازم تكتب».. وبالفعل استمررت فى الكتابة إلى يومنا هذا، وقمت بنشر أولى رواياتى بعنوان الممر الضيق فى صيف 2008 والثانية فى أواخر عام 2014 وكتبت 3 سيناريوهات سينمائية وأحاول التسويق لها: الخروج من مصر (فانتازى تاريخي) وعابد المداح (اجتماعى غنائي) ولآلئ فى أصداف (اجتماعى رومانسي) مأخوذة عن روايتى بنفس العنوان وكتبت مسرحية غنائية باسم كوكتيل آراب فى مطلع عام 2009 والعديد من القصص القصيرة. • هل أخذ هذا العظيم عبد العظيم محمد حقه أم لا؟ - لا بالطبع لم يأخذ أبى نقطة من محيط ما يستحق، فلم تكرمه الدولة ولم يتذكره الناس برغم ترديدهم أغانيه الكثيرة والتى تعيش معنا فى كل المناسبات، وأتمنى أيضاً إذاعة الأغنيات التى لحنها والدى وهى بالمئات لأن إذاعتها تعد الحفاظ على تراثه الذى نعتز ونفتخر به، حرصاً على الهوية المصرية والأجيال الصاعدة، تذكروا من أعطى هذا البلد، تذكروهم وعرفوا بهم الأجيال الصاعدة التى لا تعلم شيئاً.•