ضربة جديدة تلقاها المواطن البسيط بعد اتجاه الحكومة لخصخصة عدد كبير من المستشفيات التكاملية ومنح شراكتها للقطاع الخاص من أجل تشغيلها بعدما ظلت مهجورة لسنوات عقب رحيل الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق. بعدما ضاق المواطن من قرار تعويم الجنيه والقيمة المضافة ورفع أسعار الوقود وفواتير الكهرباء والغاز جاء الدور على المستشفيات كى يجرى منحها للمستثمرين من أجل تشغيلها، وطالما قرر القطاع الخاص الدخول فيها فإنه حتما يبحث عن الربح والضحية هو المواطن الفقير.. ولجأت الحكومة إلى قرارات التضييق على المواطنين سواء بتحرير سعر الصرف ورفع أسعار الخدمات وقانون القيمة المضافة كى توفر حصيلة بعد ذلك من أجل دعم ملفى التعليم والصحة، ولكن الآن ظهر الاتجاه بأن القطاع الخاص الهادف إلى الربح قد يكون هو الآخر سيفا مسلطا على المواطن البسيط.. ويبلغ عدد المواطنين تحت خط الفقر 27.8% من السكان وفقا لتقرير صادر من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء يتركز أغلبهم فى القرى والنجوع والمناطق النائية والتى من المفترض أن تصل إليها المستشفيات التكاملية التى تهدف إلى خدمتهم بالأساس ومع منحها للقطاع الخاص ستزداد التكلفة لأن المستثمر لا يرغب فى الخسارة. • التكاملية وعكسها أصدر الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق قرارا رقم 166 لسنة 1997 ببناء المستشفيات التكاملية بمنحة أوروبية تقدر قيمتها 1.2 مليار يورو لتكون حلقة وصل بين القرى والمستشفى المركزى بحيث تقدم خدمات أولية تساعد فى إنقاذ حياة المرضى بدلا من السفر لمسافات تصل فى بعض الأحيان إلى 30 كيلو مترا وربما أكثر للوصول إلى أكبر مركز طبى عام فى المحافظة.. وكان الغرض من الإنشاء هو دعم المواطن صحيا فى القرى والنجوع وتقديم خدمات لهم تساعد فى تخفيف متاعبهم، وإذا اقتضى الأمر يجرى تحويله إلى المستشفى المركزى وجرى وقتها رسم سياسات المستشفيات التكاملية بحيث تحتوى على تخصصات الباطنة والأطفال والتخدير والولادة وغرفة عمليات وعناية مركزة.. ومع قدوم الوزير حاتم الجبلى قرر إيقاف المشروع على الفور وعدم استكماله وهو ما تسبب فى تهالك المستشفيات التى جرى بناؤها فيما كان هناك اتجاه إلى تحويل بعضها إلى مراكز لطب الأسرة لينتهى الغرض المخصص لها وهو خدمة المواطن البسيط فى القرى والمناطق المترامية الأطراف داخل القرى والنجوع. وبلغ عدد المستشفيات التكاملية التى جرى إنشاؤها 544 مستشفى فى 21 محافظة ووضعها الآن أن 15 منها تحول إلى مستشفى مركزى «ب» و80 مستشفى أصبحت مراكز لتنظيم الأسرة ووحدات للغسيل الكلوى وحضّانات للأطفال، بينما باقى المستشفيات غير مستغلة وجرى تشكيل لجنة منذ أكثر من عام داخل وزارة الصحة للوقوف على الوضع الحقيقى للبقية. وانتهت اللجنة إلى أن هناك خمسة مستشفيات يمكنها أن تعمل حيث لديها البنية التحتية من كهرباء ومياه وصرف صحى إضافة إلى سلامة المبانى.. بينما هناك 38 مستشفى تحتاج إما لإصلاحات هندسية أو مدها بالبنية التحتية كى تعمل.. وهناك 177 مستشفى يصعب العمل فيها حاليا وهناك 265 مستشفى غير صالحة للتشغيل. وتعمل الحكومة على البحث عن مشاركة مع القطاع الخاص لحوالى 370 مستشفى تكاملى فى الوقت الذى لن يكون بمقدور المواطن فى القرى والنجوع الاستجابة للأرقام المنتظر طرحها لتقديم الخدمة الصحية محملة بالأرباح. وفى الوقت نفسه فإن الدستور شدد على أن بيع المستشفيات الحكومية غير جائز فيما يجب أن يكون حجم الإنفاق على القطاع الصحى 3% من الناتج القومى الإجمالى أى أن النسبة حوالى 95 مليار جنيه فيما تبلغ ميزانية الصحة نحو 54 مليار جنيه يذهب جزء كبير منها إلى الأجور. كما أن هناك حلا على طاولة الحكومة يتيح للقطاع الخاص الدخول إلى المستشفيات الحكومة بنظام «PPP» أو المشاركة بين القطاعين العام والخاص ولكن يبقى الغرض الربحى من أداء الخدمة قائما ولكن سيكون تحت إشراف وزارة الصحة. • خط أحمر ومن جهته شدد الدكتور محمد حسن خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة وخبير النظم الصحية على أن لديه إحصائية تؤكد أن مصر بها 1.2 سرير حكومى لكل 1000 مواطن ونحتاج إلى ضرورة رفع هذا المعدل إلى نحو 2.2 سرير وهو الرقم الذى كانت عليه الدولة فى الستينيات من القرن الماضى. أضاف خليل أن الدول المتقدمة لديها ما بين 3.5 سرير إلى 4 لكل 1000 مواطن، وبالتالى علينا أن نعمل على رفع عدد المستشفيات فى القطاع العام لأنه يقدم خدمة صحية للمواطن دون النظر إلى الربح.. ووضح خليل أن أى إجراء لنقل ملكية المستشفيات الحكومية إلى القطاع الخاص هو ضد الدستور لأن المادة 18 تنص على الحفاظ على منشآت الدولة الصحية وتوسيعها لخدمة جميع المصريين، وبالتالى فإن هذه الفكرة مرفوضة شكلا وموضوعا.. وأكد خليل أن ميزانية الدولة للقطاع الصحى يجب أن تكون 3% من الناتج القومى الإجمالى أى نحو 95 مليار جنيه، بينما فى الوقت الحالى لا تتجاوز 54 مليار جنيه بأى حال من الأحوال فيما لجأت الحكومة إلى تجميل الرقم بضم المستشفيات التابعة إلى بعض الجهات الحكومية وتحميل القطاع بفوائد الدين العام حتى تصل إلى الرقم الذى ينص عليه الدستور. واستكمل خليل حديثه عن المستشفيات التكاملية أنه حين جرى فتح المستشفيات لم يكن هناك أطباء حديثو التخرج يرغبون فى العمل فيها نظرا لأن أجورهم وقتها كانت متدنية ولا تتجاوز 150 جنيها فضلا عن أن أماكنها تتركز فى المناطق النائية والقرى والنجوع، وبالتالى فإن فرصة الطبيب فى الحصول على عمل آخر يساعده بجانب عمله الأساسى فى المستشفى معدومة. وأضاف خليل أن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولى هدفهما هو عدم امتلاك الحكومة لأى مؤسسات تقدم خدمات صحية للمواطنين وبالتالى فإنه منذ فترة طويلة والاتجاه لخصخصة المستشفيات قائم وقد تصدينا له عبر القضاء فى السابق. واستكمل خليل حديثه بأن الغرض من المستشفيات التكاملية كان خدمة المواطنين ولكن الخطأ الذى وقع فيه وقتها القائمون على الإدارة الصحية داخل الحكومة هو أنهم اعتقدوا أن كل ما يحتاجونه هو أرض ومبنى وأجهزة وتجاهلوا العنصر البشرى المدرب الذى يمكن أن يقوم بالعمل وفقا للظروف الصعبة والأجر المتدنى. وقال خليل إن الأطباء فى مصر يرغبون فى السفر إلى الخارج لتحسين أوضاعهم الصحية وأنه يتذكر تصريحا لوزير الصحة السعودى حيث قال إن عدد الأطباء المصريين الذين يعملون فى بلاده أكثر من العاملين فى وزارة الصحة المصرية وهذا الكلام للأسف صحيح. • الجمعيات الأهلية ومن جهته أكد الدكتور محمد عز العرب المستشار الطبى لمركز الحق فى الدواء وأستاذ الكبد أن فكرة منح المستشفيات التكاملية للقطاع الخاص مرفوضة لأنه يجب أن تهتم الحكومة بالمريض غير القادر ولا تسلمه إلى المستثمرين. وأضاف عز العرب أن هناك بعض الحلول يمكن طرحها للمناقشة مثل مشاركة الجمعيات الأهلية الخيرية للحكومة بحيث تتسلم المستشفى وتنفق على تجهيزها مقابل سعر رمزى للمواطن البسيط لأنها فى النهاية غير هادفة للربح وتتلقى تبرعات باستمرار ولن تتاجر بالمرضى وألمهم. واختتم عز العرب حديثه بالتشديد على أن بيع المستشفيات الحكومية غير دستورى وفقا للمادة 18 من الدستور التى تشدد على الحفاظ على المنشآت الصحية الحكومة وتنميتها وتطويرها. واتفق النائب هيثم الحريرى عضو لجنة الصحة بمجلس النواب على أن الخدمات الصحية للمواطن البسيط خط أحمر ولا يمكن منحها للقطاع الخاص بنص الدستور، كما أن الفقراء لا يملكون القدرة على دفع المقابل المادى الذى يرغب فيه المستثمر فى القطاع الصحى. •