سألنى الطبيب.. كيف تحمل هذا الضعف بدنك؟!.. لم أجب.. تذكرت أننى منذ وقت قريب نظرت فى المرآة.. تساءلت.. من هذه التى فى المرآة؟! لست أنا.. رددت كلمات من أشعار «لوركا» الإسبانى.. «وإذا أنا.. لم أعد أنا». سألت الطبيب عن العلاج.. وكان الرد.. ضرورة دخولى مستشفى.. ليضخوا لى بعض الدماء ويعوضوا هذا العنصر المهم الذى نقص.. دون أن أدرى، وسبب لى هذا الضعف المسمى علميا بالأنيميا. يا طبيبى.. أرجو أن تتأكد أن الدم الذى سيضخونه فى عروقى.. ليس دم حمار.. ابتسم من كلامى ظن أننى أمزح، لما لاحظ جديتى.. سألنى من أين جئت بهذه المعلومات! •• الحكاية من سنين قالوا لى.. إن اللبن قد جف فى ثدى أمى فأحضروا لى امرأة حمقاء من البيت المجاور كانت ترضع طفلها الأهبل.. وتعجبوا أننى كنت أرفض لبن الحمقاء.. بكت أمى كما قالوا لى.. وفجأة بعد شهرين أو أكثر.. وجدت لبنها يخر من صدرها نادت على أبى فحملنى إليها.. أنبها الطبيب المعالج فقد حذرها ألا تطعمنى من صدرها لمدة أسبوعين أو أكثر بعد العلاج الذى أعطاه لها ربما الدواء يؤثر على لبنها وتمرض الطفلة.. ولم تسمع كلام الطبيب.. وكما حكوا لى.. أننى فعلا مرضت من أول رضعة.. فامتنعت عن رضاعتى.. ولم يجدوا بدا من عودتى لامتصاص لبن المرأة الحمقاء. لم أستمتع بلبن أمى إلا بعد شهور.. لكنى وكما أظن أنا.. أن لبن المرأة الحمقاء أثر فى تكوينى المبكر.. وقد اكتشفت هذا من تصرفاتى.. فالإنسان مجموعة أعصاب مجموعة انفعالات.. مجموعة علاقات إنسانية.. بهذه العلاقات يشعر بالأمان والاطمئنان.. بهذين الشعورين يخدم مجموعة أعصابه وانفعالاته ويستطيع أن يعيش سويا.. ربما رضاعتى الحمق من امرأة حمقاء أفقدتنى شعور الأمان والاطمئنان ولاحظت توتر أعصابى.. وبالتالى انفعالاتى.. لم أدر أن هذا العنصر المهم الناقص أو الذى نقص من دمى.. كما قالت التحليلات يسبب هذا التوتر.. لكنى فهمت أن تبادل هذا النقص فى الدماء مع الحالة النفسية التى تعترينى من وقت لآخر بسبب رضاعتى من امرأة حمقاء. • أحكى لك عن أكبر حماقاتي عندما فقدت أبى وأنا فى مرحلة الشباب تعلقت برجل يكبرنى بسنين كثيرة حتى أعوض فقدان الأب .. لكنه لم يعاملنى مثل أبى.. بل مثل عاشق غيور.. فسوّد عيشتى بالحمق الذى شربته من لبن المرأة الحمقاء، كما قررت الارتباط به بالرغم من اعتراض الأهل.. قررت الانفصال عنه بالرغم من الإغراءات التى عرضها عليّ. لا أريد أن أحكى لك كل ما فعلته فى حياتى من حماقات.. حقيقة استطعت أن أتغلب على معظم حماقاتى حتى أعيش فى أمان لكن وكما قالوا فى الأمثال.. كل داء له دواء إلا الحماقة أعيت من يداويها. هل فهمت يا راعى المرضى لماذا أنا تحملت هذا الضعف فى بدنى.. لأنى رضعت من امرأة حمقاء.. هل فهمت لماذا سؤالى عن دم الحمار؟!.. لأنى عشت الجزء الأكبر من حياتى بتأثير لبن الحمقاء، فلا أريد أن أكمل مشوارى فى الحياة بتصرفات حمار! كان الطبيب يبتسم من وقت لآخر وأنا أحكى.. إلى أن وصلت إلى نهاية الحكاية ضحك بصوت مرتفع.. ولأن الضحك يعدى.. فلم أستطع كتم ضحكاتى. • الضحك يعدى.. ويشفى أيضا فى النصف الثانى من القرن العشرين اقتنع العالم بأهمية الضحك فى حياة الإنسان.. وقد انتشرت فى الستينيات أسطوانة ضحك إيطالية.. يتحدث رجل عدة كلمات ثم يضحك وينغم ضحكاته حتى يجعل من يسمعه يضحك.. فالضحك يعدى.. وأيضا يشفى من الآلام وأحيانا من الأمراض العضال.. فقد ظهر فيلم سينمائى كما أعتقد أنه إنجليزى عن قصة حقيقية لصحفى كبير، أصابه مرض عضال فى ظهره وقرر الأطباء أنه سيرقد فى فراشه بقية حياته. لم يقتنع الرجل بقرار الأطباء.. وقرأ فى كتب الطب عن هذا المرض وعن وظائف الأعضاء فى الجسم البشرى، وطلب كل الأفلام الكوميدية التى ظهرت فى ذلك الزمن وما قبله.. وقبل أن ينام يشاهد فيلما ويضحك.. وكثيرا كان يدعو أحد الصحفيين من مرءوسيه فى الجريدة لمشاهدة فيلم معه.. حتى ظنوا أن الرجل أصابه الجنون.. وكانت المفاجأة لهم وللأطباء المعالجين أنه بعد عدة أشهر استطاع أن يمشى ويزاول عمله.. ولما تساءلوا كيف حدث هذا.. أخبرهم أنه شفى بالضحك. نفهم من هذه القصة الحقيقية أن الضحك له آثار فسيولوجية لا تقل أهمية عن الآثار النفسية ألم نسمع من أمثالنا الشعبية «أن الضحك يجرى الدم فى عروقنا» وبالمعنى الطبى.. أنه ينشط الدورة الدموية للإنسان. • لم نعد نضحك معا فى الأفلام الرومانسية الأمريكية التى كانت فى زمن السبعينيات لفتت نظرى عبارة قالتها البطلة عندما سئلت لماذا تطلب الطلاق من الشاب الذى تزوجته عن حب.. قالت ببساطة.. إننا لم نعد نضحك معا. وفى زمن التسعينيات شاهدت فيلما إنجليزيا عن رجل فى منتصف العمر يهجر زوجته التى فى مثل عمره منجذبا لامرأة شابة.. لكنه مع الوقت يكتشف أشياء كثيرة لا يتوافقان فيها أهمها أنها لا تضحك على نكاته السخيفة.. وتلجأ الزوجة المهجورة لطبيب نفسانى للعلاج.. فتقع فى حبه.. لكنها تكتشف مع الأيام أنه لا يضحك لتعليقاتها الساخرة.. ويلتقى الزوجان المنفصلان فى حفل زواج ابنتهما ويسترجعان ذكريات حفل زواجهما.. وكانت المرأة الأخرى مع الزوج.. حاولت أن تسحبه ويخرجا من المكان.. فيعتذر لها ويبقى مع زوجته.. ويسألها هل سمعت آخر نكتة سخيفة.. ويقولها.. يضحكان معا.. ويفهم المشاهد أنهما سيعودان لبعضهما. قديما قال الفيلسوف الفرنسى.. فولتير.. إذا لم تبق لنا ضحكاتنا.. لشنق الناس أنفسهم.•