معركة التنمية    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    «المدارس الكاثوليكية».. وبناء الإنسان    المقاطعة فرض عين    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    محافظ المنيا يوجه بمتابعة الالتزام بمواعيد العمل الصيفية بدءاً من اليوم الجمعة    استمرار مجازر الاحتلال وعدد الضحايا يتجاوز 111 ألفا    جماهير الأهلي تزين مدرجات استاد القاهرة قبل مواجهة مازيمبي.. صور    كلوب يعلق على تراجع المستوى التهديفي ل محمد صلاح: أحاول مساعدته    بيراميدز يهزم الزمالك برباعية ويتوج بدوري الجمهورية    بالصور | سقوط أعمدة الضغط العالي بقنا بسبب الطقس السيء    التعليم في أسبوع | إنشاء 8236 مدرسة منذ 2014 حتى الآن.. الأبرز    أحمد السقا يشوق جمهوره بمقطع فيديو جديد من «السرب»| فيديو    سيد رجب: شاركت كومبارس في أكثر من عمل    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    محافظ المنوفية: 25 فاعلية ثقافية وفنية خلال أبريل لتنمية المواهب الإبداعية    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    وكيل خطة النواب : الحوار الوطني فتح الباب لتدفق الأفكار    شركة GSK تطرح لقاح "شينجريكس" للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    رئيس «كوب 28» يدعو لتعزيز التعاون الدولي لتنفيذ اتفاق الإمارات التاريخي    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    مصرع طفل «غرقا» إثر سقوطه في مصرف ري زراعي بالفيوم (تفاصيل)    45 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    إيران والصين تتفقان على تعاون عسكري أوثق    البيت الأبيض يواصل مساعيه للإفراج عن المحتجزين فى قطاع غزة رغم رفض حماس    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    مواعيد صرف منحة عيد العمال للعمالة غير المنتظمة    الإسكان: 20 ألف طلب لتقنين أراضى توسعات مدينة الشروق    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    أرتيتا: لاعبان يمثلان صداع لي.. ولا يمكننا السيطرة على مانشستر سيتي    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    تعديل طارئ في قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحيتان.. وادى.. ومتحف.. وعشاق!
نشر في صباح الخير يوم 09 - 02 - 2016

مع كل كيلو تقطعه ستشعر بأنك تجتاز دهرًا.. تحديدًا مليون سنة!!.. وفى رحلة شديدة الخصوصية امتزج فيها الترحال من المكان مع السفر عبر الزمن وبعد 40 كيلو تقريبًا ستكتشف أنك فى زمن آخر يسبق زمننا هذا ب40 مليون سنة تقريبًا.. فأنت الآن قد سافرت فى رحلة عبر تاريخ كوكب الأرض.. حيث كانت هذه الصحراء التى تحيط بك من كل جانب- تحت سطح البحر.
وها أنت الآن فى ضيافة الباسيلوسورس.. أقصد حوت «الباسيلوسورس إيزيس» وحوت «دوريودون أتروكس»، وها أنت الآن ترى تجسيدًا حيًا لمعنى تغير المناخ وما يمكن أن يحدثه فعليًا فى الكون، وتشهد ملمحًا عن تطور الحياة على الأرض.. أنت الآن فى رحاب استكشافات لحفريات فقارية مذهلة يرجع تاريخها لأربعين مليون سنة واكتشاف رائع- عصرى.. وحصرى- لمجموعة من عشاق هذا الوطن.. الذين يجسدون تجربة علمية ومعمارية وإنسانية وبيئية جديرة بالإعجاب والاحترام.. أنت الآن فى وادى الحيتان.. وفى متحف هو الأول من نوعه بالشرق الأوسط عن الحفريات.. وتغير المناخ.. على بعد 170كم جنوب غرب القاهرة وبعدما تجتاز بوابة محمية وادى الريان بالفيوم وقبل أن تستغرقك المشاهد الخلابة بالمحمية سنتجه يمينًا لتبدأ السير بالسيارات أو الأتوبيس فى طريق ممهد- بعض الشىء- وغير أسفلتى يحده على الجانبين حجارة لا تسمح لك بأى تجاوز أو خروج عن المسار المحدد لمسافة 40كم فى عمق الصحراء المترامية الأطراف حتى تصل إلى الكنز!! إلى متحف هو الأول من نوعه من حيث مقتنياته النادرة فهو يحتوى على حفريات يرجع عمرها لملايين السنين، كما يمتاز المتحف بتصميمه المعمارى الفريد المتوافق تمامًا مع بيئة وادى الحيتان، ويعرض بالمتحف حوت «الباسيلو سورس إيزيس»، وهو أضخم حوت متحجر، بالإضافة إلى مجموعة فريدة من الحفريات والفقريات التى تم اكتشافها فى الفيوم خاصة وادى الحيتان، ويظهر للمرة الأولى الأطراف الخلفية «أرجل» لحوت «الباسيلوسورس إيزيس»، والتى تعود أهميتها إلى أنها تمثل الدليل القاطع على تطور الحيتان وانتقالها من كونها كائنات أرضية تعيش على اليابس إلى كائنات بحرية تعيش فى مياه البحار والمحيطات.. هذه الأطراف هى أيقونة وادى الحيتان.. وهى السبب الرئيسى لإعلان الموقع كتراث طبيعى عالمى عام 2005 لاحتوائه على همزة الوصل ما بين الحيتان البدائية.. والحالية.
افتتح المتحف الدكتور خالد فهمى وزير البيئة ود.أحمد زكى بدر وزير التنمية المحلية والمستشار وائل مكرم محافظ الفيوم والسيد «ما سارى» سفير إيطاليا بمصر، والسيدة «أنيتا نيرودى» الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى والسيد «أجناسيو» مدير برنامج الأمم المتحدة بمصر وعدد من ممثلى الجهات الدولية، وقد أشاد وزير البيئة بالدور المتميز للفريق الوطنى الأول من شباب العلماء والخبراء بقطاع حماية الطبيعة بجهاز شئون البيئة لما بذلوه من جهد متواصل لاستكشاف واستخراج الحفريات الفقارية باتباع أحدث الأساليب العلمية المتبعة عالميًا، وأكد أن إنشاء المتحف العالمى للحفريات وتغير المناخ بوادى الحيتان يعد انتقالاً من مفهوم «حماية الطبيعة» إلى «صونها» حيث أثبتت التجارب أن أسلوب «حماية الطبيعة» فقط لا يوفر الحماية المطلوبة بشكل كاف ولا يسمح بدمج السكان المحليين فى العمل البيئى لذا كان لا بد من التحول إلى أسلوب «صون الطبيعة» تحت شعار «استخدامها» أو «تفقدها» ويعد هذا الأسلوب هو محور استراتيجى تعكف وزارة البيئة على تبنيه حاليًا، حيث السياحة فى هذا المجال تحقق دخلاً اقتصاديًا يساعد على تنمية البيئة وتحقيق استفادة اقتصادية واجتماعية أكبر.
الزقازيق.. المنصورة.. ميتشجان
وادى الحيتان.. كان مجرد سطر غامض فى كتب الجيولوجيا حيث أشار المسح الجيولوجى لمصر عام 1902 إلى رصد وتسجيل بقايا متحجرة فى تلك المنطقة دون تحديد طبيعة هذه الحفريات أو حدود هذا المكان.
وفى عام 1989 أعلنت منطقة وادى الريان بالفيوم كمحمية طبيعية وفى عام 1998 أعلنت منطقة وادى الحيتان وهى جزء من وادى الريان كمحمية طبيعية جديدة وذلك على أثر اكتشاف الدكتور «فيليب جنجريش» حوتًا ظاهرًا مع وجود بقايا الأطراف والأقدام الخلفية مما أدى إلى اهتمام شديد بالوادى خاصة فى مجال تطور الحيتان إلى أن تم إعلان المنطقة كتراث طبيعى عالمى من قبل اليونسكو عام 2005.
وعلى يد الخبير والعالم الأمريكى «د.فيليب جنجريش» من جامعة ميتشجان تتلمذ وتدرب د.محمد سامح رئيس الفريق الوطنى الأول بقطاع حماية الطبيعة بجهاز شئون البيئة منذ عام 2000 ، وكان ثانى باحث مصرى ينال شهادة الدكتوراه فى مجال الحفريات الفقارية فى مصر.. حيث حصل على الدكتوراه من جامعة الزقازيق من خلال بروتوكول بالتعاون مع جامعة ميتشجان الأمريكية.
• النقاط العشر
يقول د.محمد سامح معاون الوزير لشئون المحميات ومدير إدارة الجيولوجيا والحفريات ورئيس الفريق الوطنى.. بدأت علاقتى بوادى الحيتان منذ عام 2000 ومنذ اليوم الأول كنت أحلم بعشر نقاط لهذه المحمية الرائعة والمتميزة والحمد لله الآن وبعد 16 سنة تحققت بالكامل هذه النقاط العشر بفضل الله وكل العاملين فى وادى الحيتان.
كان أولى هذه النقاط أن نحدد طريقًا واضحًا وسهلاً للدخول إلى الوادى دون أى إضرار بالموقع.. وهذا حلم لم يكن يسيرًا.. فالمحمية تقع فى وسط الصحراء على مسافة 200كم2 وقد عملنا على مدى 3 سنوات متواصلة حتى نستطيع تحقيق هذا «المدق» الآمن الذى تسير عليه السيارات الآن دون أن نضر بالوادى وحق الأجيال القادمة.
النقطة الثانية.. هى ضرورة إحكام السيطرة على المداخل والمخارج للوادى وهذا أيضًا كان أمرًا شاقًا فى ظل تعدد الطرق والمخارج والمداخل.
النقطة الثالثة هى الإقامة الدائمة فى الموقع.. ولقد أقمت أنا وسائقان وعامل لمدة 3 سنوات متواصلة فى خيام تقليدية بالوادى وكان أقرب منفذ للمياه على بعد 200كم!!
والنقطة الرابعة.. هى إشراك السكان المحليين وتعريفهم «يعنى إيه محمية طبيعية!!» الوعى ده.. هو كلمة السر لنجاح التجربة فلقد قامت ثورتان وهذا الموقع لم ينتهك أو يعتدى عليه بفضل هؤلاء السكان الذين صانوا الموقع وحافظوا عليه.. وحاليًا هناك 65 عيلة غيروا نشاطهم وأصبحوا مرتبطين بالوادى حيث يعملون كأدلة.. ومرشدين وأصحاب أنشطة وخدمات لصالح الزوار.
النقطة الخامسة.. كان حلمى أن نكون فريقًا وطنيًا يعمل فى مجال الحفريات الفقارية فحتى عام 2012 كنا نعتمد على الأجانب!! ولم نكن نملك معامل أو أدوات للبحث والتنقيب أو الترميم.. وكنا مجرد مساعدين لهؤلاء العلماء والأجانب وكانت العينات تسافر للخارج للترميم!!
حاليًا الفريق الوطنى هو الذى اكتشف حوت «الباسيلوسورس إيزيس» درة المتحف.. وهذا الفريق هو الذى جمع ورمم جميع أجزائه ونقلها وعرضها فى المتحف.
أما النقطة السادسة فقد كانت دعم التعليم والتثقيف فى مراحل التعليم لينشأ جيل يدرك ماهية المحميات، وأهمية محمية وادى الحيتان تحديدًا.. وهذا تحقق فى المناهج الدراسية للصف الرابع والخامس الابتدائى.
والنقطة السابعة كانت الحلم بمبان أساسية للزوار تتوافق بيئيًا مع المنطقة فتضيف لها وتشجع السياحة البيئية فى المنطقة دون الإضرار بها وهذا تحقق عام 2007 وذلك بعمل استراحات للزوار وكافتيريا ودورات مياه وكلها متوافقة بيئيًا.
وتمثلت النقطة الثامنة فى ضرورة دعم البحث العلمى فى مجال الحفريات الفقارية محليًا ودوليًا، وقد كانت جامعة المنصورة رائدة فى هذا التخصص وتم عمل معمل «الأحافير الفقارية» فى المنصورة وكذلك بروتوكول تعاون مع جامعة ميتشجان فى أمريكا وذلك لإعداد كوادر مدربة على مستوى علمى متميز.. وهذا تحقق بالفعل فأنا يعمل معى فريق رائع مكون من باحثة من وزارة البيئة و3 باحثين وباحثات من جامعة المنصورة و7 عمال من السكان المحليين للمنطقة تم تدريبهم وأصبحوا بالفعل عمالاً مهرة فى مجال البحث والترميم بالإضافة إلى زميل فاضل توفى قبل أن يتحقق الحلم.. وكذلك الدكتور «الجبيلى» وهو يعمل حاليًا فى جامعة جنوب الوادى.
النقطة التاسعة كانت فى أن نجعل وادى الحيتان مثالاً يحتذى به فى الإدارة والتعليم وذلك من خلال حسن التخطيط.. والإخلاص فى العمل.. وأن نحلم.. ونحقق حلمنا عندما نصدقه ونصدق إمكانية تحقيقه مهما كانت المعوقات وأن يطبق القانون على الجميع.
النقطة العاشرة وقد تحققت بحمد الله عندما أعلن اليونسكو وادى الحيتان باعتباره تراثًا طبيعيًا عالميًا سنة 2005.. كذلك عمل متحف مفتوح وذلك تحقق عام 2007 .. وتوج جهدنا بعمل المتحف المغلق المتميز للحفريات وتغير المناخ الذى تم افتتاحه مؤخرًا.
• مصر فخورة بكم!!
والحمد لله الفريق الوطنى عمل خريطة جديدة للوادى أوضح عليها 1500 موقع يضم حفريات بعدما كانت الخريطة السابقة التى أعدها د.فيليب لا تتجاوز 406 مواقع تضم حفريات حيتان وعرائس بحر.. واستطعنا أن نرسى قاعدة أن يحترم الجميع القانون بلا أى استثناءات فممنوع دخول السيارات مهما كانت تتبع هيئة أو جهة دولية عن المكان المخصص لها وممنوع استخدام مكبرات الصوت.. والتدخين فى الأماكن المخصصة له فقط.
كذلك الحفاظ على نظافة المكان وتوافق الخدمات به مع البيئة واستخدام الطاقة الشمسية ولقد وفقنا الله وكلل مجهودنا باكتشاف حوت كامل واستطعنا خلال 4 شهور فقط من إخراجه.. وترميمه.. وعرضه، فى حين أن الحوت الذى اكتشفه فريق ميتشجان سنة 2005 مازال قيد الترميم فى أمريكا حتى الآن وسيصل قريبًا ليعرض فى المتحف الجيولوجى بالقاهرة.. فالمتحف هنا فى وادى الحيتان يضم حوتين كبيرين و5 حفريات «حوت أصغر».. غير الأجزاء المتنوعة من حفريات عديدة.
وأتمنى أن ندعم الفريق بدماء شابة جديدة من الجيولوجيين حتى نستطيع أن نعد كوادر دائمة وصفًا ثان ًامتكاملاً، وأن تكتمل الخدمات على الطريق المؤدى للمحمية التى يتزايد أعداد زائريها يومًا بعد يوم.. يبتسم د.محمد سامح فى تواضع وأنا أسأله عن ردود فعل الزائرين والمتخصصين لمجهود الفريق الوطنى فى المتحف قائلاً: كانت ردود الفعل رائعة.. فالكل كان مبهورًا.. وعندما أرسلت الصور للدكتور «فيليب جنجريش» فى جامعة ميتشجان أرسل لى قائلاً: «أنا فخور جدًا بك.. ويحق لمصر أن تفتخر بك أيضًا».
• تجربة رائعة
إسراء صابر باحثة شابة بإدارة الجيولوجيا والحفريات بقطاع حماية الطبيعة وعضو الفريق الوطنى.. وهى التى تولت الشرح التفصيلى للزوار بمتحف الحفريات وتغير المناخ.. إسراء 30 سنة تخصص «بيولوجى بيئة قديمة».. وانضمت للفريق الوطنى منذ سنتين ونصف.. تقيم بالموقع فى معسكر الصحراء لمدة 3 أسابيع متواصلة من كل شهر وتنزل القاهرة إجازة أسبوعًا واحدًا نهاية كل شهر تقول إسراء فى اعتزاز: «النهاردة هو تتويج لعمل متواصل امتد على مدى سنتين ونصف.. كل قطعة فى المتحف هى حتة مننا.. والمتحف اتولد على ايدينا وكبر أمام عينينا إنها تجربة رائعة ورغم المشقة إلا أننا نشعر فى الصحراء بشىء مريح للنفس حيث الفطرة والنقاء.. والهدوء، أسرتى كانت فى البداية معترضة وخايفة علىّ لكن فى ظل ما استشعروه من طموحى ورغبتى فى عمل شىء حقيقى على أرض الواقع.. وجدت ترحيبًا منهم وعدم اعتراض بل دعمًا لطموحى ومجهودى، المنطقة هنا غنية جدًا بالحفريات لأنها مرت بعدة عصور جيولوجية وهذا المكان كان مغمورًا بمياه بحر «التيتيس» وهو الاسم القديم «للبحر الأبيض المتوسط» وكانت شواطئه ممتدة عبر الجزء الشمالى لمصر.. وخلال العصر (الأيوسيتى) وصل البحر جنوبا إلى الأقصر ثم تراجع شمالا بعد ذلك وكان وادى الحيتان خلال الحقبة الأخيرة من العصر الأيوسيتى ذات مناخ أكثر رطوبة فهطول الأمطار الغزيرة شكل أنهارا نقلت الكثير من الصخور والرواسب.. تفاعلت الأنهار الموسمية مع مياه البحر مما جعل المنطقة غنية بالغذاء وكانت منطقة ضحلة بها تيارات مائية ضعيفة جذبت الكثير من الكائنات البحرية المتنوعة المتفرسة.. بالإضافة إلى أن هناك منطقة جبل قطرانى والذى ينتمى لعصر (الألوجيسى) (30-35 مليون سنة) وهى منطقة تتمتع بخصائص بيئة برية متميزة.. حيث استطعنا التوصل إلى أجزاء كبيرة من حيوان الفيوم القديم والذى يشبه (وحيد القرن).. تبتسم إسراء فى اعتزاز قائلة:
وإن شاء الله سنكمل رحلة الاستكشاف حتى نبرز للعالم كله أهمية مصر من خلال الحفريات ويكفينا فخرا أننا استطعنا استكشاف الحوت الأكبر فى المتحف وقمنا بترميمه بأحدث الأساليب العلمية وترجع أهمية وجود أطراف خلفية للحوت إلى تأكيد تطور وتكيف الحيتان من الشكل البدائى إلى الحيتان المعاصرة التى تفتقد هذه الأطراف.
• عاشق المحميات
عند زيارتك لمتحف الحفريات وتغير المناخ بوادى الحيتان يستوقفك بالتأكيد- بالإضافة إلى المعروضات الفريدة من الحفريات- مبنى المتحف نفسه.. حيث يتناغم التصميم المعمارى مع الموقع البيئى.. وتتوافق اللغة.. وتتوحد الألوان فى شكل مميز.. فمعظمه يقع تحت الأرض وكأنه هو نفسه من كنوز الحفريات حتى بدا المتحف وكأنه جزء من المحمية الفريدة لا يحاكى الواقع بحسب ولكنه يمثل إضافة للمكان.. والمعروضات.. تمنح عمقا.. وتجسد قيمة مضافة له.. يقف وراء هذا التصميم المعمارى المهندس جابى توما.
يقول المهندس جابى: أعلنت الأمم المتحدة عن مسابقة لتصميم وتنفيذ المتحف وفزت فيها وأسند إلى عمل المتحف.. وأنا أساسا عاشق للمحميات وقد نفذت أفلامًا وثائقية وكتبًا وبنية تحتية ومراكز للزوار فى العديد من محميات مصر بالإضافة إلى أننى حاصل على الماجستير من أمريكا فى مجال تصميم المتاحف وعملت هناك فى هذا المجال 15 سنة.. ومنذ عام 1997 عدت لمصر وتحولت هوايتى إلى احتراف.
وفى وادى الحيتان صممت المتحف بحيث يختفى معظمه تحت الأرض ولا يبدو منه سوى القباب والمنحنيات فقط.. وقررت أن يكون على شكل دائرى فنحن فى هذا المتحف نحكى عن تطور شكل الأرض والعصور الجيولوجية التى مرت بها ثم عن الحيتان والحفريات التى تعود إلى ملايين السنين.. وبالتالى فالأنسب أن يكون المبنى تحت سطح الأرض ليعطى للزائر تمهيدا وانطباعا مثيرا لما سيراه فى المتحف كما أن البناء تحت الأرض يمنح المكان تبريدا طبيعيا.. والحمد لله اكتمل البناء بعد سنة وشهرين بفضل الله وبفضل السكان المحليين وهم عمالة فنية ماهرة ومدربة.. ويجيدون فن القباب وأعمال الحجر بالإضافة إلى أنهم من السكان المحليين المقيمين بالمنطقة وهذا جعل (قلبهم على الشغل) وشعروا بأنهم (أصحاب المكان) وبالتالى حافظوا عليه.. وتحملوا الكثير فى سبيل إخراج العمل على أرقى مستوى.. فلقد كنا نعمل فى عز الحر فى قلب الصحراء.. واتخذنا خطوات كثيرة من حفر وردم ودك لعدة شهور قبل أن نبدأ فى مرحلة البناء لذا حرصت على أن أسجل أسماءهم جميعا (150 اسما) فى لوحة الشرف احتراما لجهودهم.
• دخلت التاريخ
الحاج سيد عبدالستار (52 سنة) مقاول وكبير البنائين بالمتحف.. بدت على ملامحه علامات الفرحة والرضا وهو يقول فى فخر: أنا النهاردة فى منتهى السعادة.. فخور أنى شاركت فى هذا الحدث.. وفخور ببلدى وأنى عملت حاجة الكل معجب بها.. وستبقى العمر كله.. وبصراحة البركة فى الباشمهندس جابى.. من أول يوم اجتمع بالناس واتكلم معانا عن أهمية دور كل واحد منا وأننا مش بنؤدى عمل عادى.. لكنه عمل للتاريخ.. وبيحكى عن التاريخ فشعر كل واحد مننا بأنه (لازم يطلع أحسن ما عنده) خاصة عندما ربطت بينه وبيننا صداقة وأخوة وده شجعنا أكثر على تحمل مشاق العمل..
فرغم أننى من أهل قرية تونس.. وتتلمذت وتدربت على أيدى مهندسين تعلموا على يد المهندس الكبير حسن فتحى وعملت فى مناطق كثيرة كبناء قباء فى وادى النطرون والساحل الشمالى والواحات البحرية إلا أن العمل هنا كان مختلفًا.. فقد استخدمنا (الطفلة.. والحجر) بتوسع واستخدمنا الطوب الأحمر بنسب محددة وفى أماكن محدودة.
فقد قلدنا الطبيعة حتى نحافظ عليها وجهزنا الشكل الخارجى بما يماثل الصحراء ونشعر بأننا قدمنا للعالم ولبلدنا ما نفخر به ويعود بالخير علينا وعلى أولادنا.. بصراحة حاسس أنى دخلت التاريخ!! •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.