استخراج اسماء المشمولين بالرعاية الاجتماعية الوجبة الاخيرة 2024 بالعراق عموم المحافظات    تمويل السيارات للمتقاعدين دون كفيل.. اليسر    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    نيفين مسعد: دعم إيران للمقاومة ثابت.. وإسرائيل منشغلة بإنقاذ رأس نتنياهو من المحكمة    رئيس إنبي: من الصعب الكشف أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال للزمالك    «هساعد ولو بحاجه بسيطة».. آخر حوار للطفلة جنى مع والدها قبل غرقها في النيل    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    بيكلموني لرامي جمال تقترب من 9 ملايين مشاهدة (فيديو)    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    نائب محافظ بنى سويف: تعزيز مشروعات الدواجن لتوفيرها للمستهلكين بأسعار مناسبة    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    ملف يلا كورة.. إصابة حمدي بالصليبي.. اجتماع الخطيب وجمال علام.. وغياب مرموش    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف الإسلام الفقهى من الردة
نشر في صباح الخير يوم 07 - 07 - 2015

إذا كان الفقه فى اللغة هو الفهم مطلقًا، فإن الفقه فى اصطلاح جمهور الفقهاء هو: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة التفصيلية)،خلافًا لما ذهب إليه الظاهرية واختاره الصنعانى، الذين عرفوا الفقه بأنه: (معرفة الكتاب والسنة).
وبهذا يتضح أن الأحكام الشرعية العملية عند جمهور الفقهاء هى الأثر المترتب على الأحكام الشرعية عند علماء الأصول، فهى عند الفقهاء ما يدل عليه خطاب الشارع بالأمر أو بالنهى أو بالتخيير، أو بجعل الشيء سببًا أو شرطًا أو مانعًا. وترجع هذه الدلالة إلى فهم الفقيه واستنباطه، ومن هنا ذهب جمهور الأصوليين إلى أن الأدلة النقلية فى الكتاب والسنة تتضمن أدلة عقلية تكميلية لا يستغنى عنها الفقيه، مثل: القياس، والاستحسان، والاستصحاب، والاستقراء، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والعرف، ودلالة الاقتران، وأقل ما قيل.
تمهيد وتقسيم
قد يظن البعض أن الخلاف بين الأصوليين وبين الفقهاء فى تعريف الحكم الشرعى هو خلاف لفظى لا يترتب عليه ثمرة عملية؛ لأن الخطاب وما يترتب عليه متلازمان. والحق أن الخلاف بين الفريقين فى ذلك خلاف جوهرى يترتب على إهماله خلط فى المفاهيم الشرعية. ومن أهم أوجه هذا الخلاف ما يلى:
(1) من جهة الانتساب إلى الشرع: الحكم الشرعى بالمفهوم الأصولى تصدق نسبته إلى الشرع أصالة؛ لأنه خطاب الشارع. أما الحكم بالمفهوم الفقهى فتصدق نسبته إلى الشرع تبعًا لا أصالة؛ لأنه الأثر الذى فهمه المجتهد من خطاب الشارع. والمجتهدون متفاوتون، وقد يصيب بعضهم ويخطئ البعض الآخر. وخطاب الشارع معصوم. ومن ثم يمكن وصف الحكم الشرعى بالمفهوم الفقهى بأنه عمل بشرى.
(2) من جهة المقتضى: الحكم الشرعى بالمفهوم الأصولى يقتضى الاعتقاد؛ لأنه خطاب مجرد. أما الحكم الشرعى بالمفهوم الفقهى فيقتضى الامتثال؛ لأنه الأثر المترتب على الخطاب وفقًا لفهم المجتهد، أما أثر هذا الخطاب فى علم الله تعالى فليس لأحد الوصول إليه إلا عن طريق الوحى، وقد انقطع.
(3) من جهة نطاق المعنيين: الحكم الشرعى بالمفهوم الأصولى يقتصر البحث فيه على المجتهدين؛ لأنهم أهل إدراك الخطاب. أما الحكم الشرعى بالمفهوم الفقهى فيبحث عنه عامة المكلفين لملابستهم الوقائع.
(4) من جهة الثبات والدوام: الحكم الشرعى بالمفهوم الأصولى يتسم بالثبات والدوام لاكتمال الشريعة بانقطاع الوحى. أما الحكم الشرعى بالمفهوم الفقهى فيتسم بالتجديد لاختلاف رؤى المجتهدين باختلاف الأوضاع والمفاهيم. وقد أخرج أبو داود عن أبى هريرة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».
(5) من جهة عموم الحكم: الحكم الشرعى بالمفهوم الأصولى تجريدى، ففى جانب التكليف يعم جميع المكلفين، وفى جانب الوضع يعم جميع الأحوال. أما الحكم الشرعى بالمفهوم الفقهى فهو تشخيصى، ففى جانب التكليف يقول المجتهد: فلان المرتد مستحق للقتل وفلاناً آخر يحرم قتله. وفى جانب الوضع يقول المجتهد تحقق سبب القتل لهذا المرتد دون الآخر، وكذلك الشرط والمانع.
ولا يجوز إغفال تلك الفروق الجوهرية التى جعلت النبى، صلى الله عليه وسلم، يأمر أمراءه بإنزال الناس على الحكم الشرعى بالمفهوم الفقهى، وليس بما هو معروف عند الأصوليين، فقد أخرج مسلم من حديث بريدة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه فى خاصته بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا».
وبهذا يتضح أن الحكم الشرعى العملى واجب الامتثال على المكلفين هو ما عرفه الفقهاء وليس ما ذكره علماء الأصول.
وقد يقول قائل إن الفقهاء قد اختلفوا فى تعيين الحكم الشرعى العملى للمسألة الواحدة- كما فى الردة محل الدراسة- وهذا لا إنكار عليه بين الفقهاء المجتهدين؛ لإجماعهم على وجوب التزام المجتهد باجتهاده إلا فى حالى الضرورة أو إلزام ولى الأمر فى غير معصية، وأن من حق العامة أن يقلدوا أحدًا من المجتهدين المعروفين بحسب ما يرونه من مصلحة معتبرة أو بحسب ما يجدونه من طمأنينة، فقد أخرج الإمام أحمد والطبرانى بإسناد حسن عن وابصة بن معبد، أنه سأل النبى، صلى الله عليه وسلم، عن البر والإثم، فقال، صلى الله عليه وسلم: «استفت نفسك. البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس. والإثم ما حاك فى القلب وتردد فى الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك». كما أخرج الإمام أحمد والطبرانى بسند رجاله ثقات، عن أبى ثعلبة الخشنى، أنه سأل النبى، صلى الله عليه وسلم، عما يحل له وعما يحرم عليه؟ فقال، صلى الله عليه وسلم،: «البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون».
ولا يجوز لأحد من المكلفين أن يكون اختياره للأحكام الشرعية العملية حسب الهوى والتشهي؛ لأن العقل وغلبة الظن هما مناط التكليف، وليس الهوى. يقول الشاطبى: «إن الشريعة إنما جاءت لتخرج المكلفين من دواعى أهوائهم حتى يكونوا عبادًا لله، وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع فرض أن يكون وضع الشريعة على وفق أهواء النفوس وطلب منافعها العاجلة كيف كانت، وقد قال ربنا سبحانه: «ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن». (المؤمنون :71).
وبهذا يتضح أن الخلاف الفقهى أمر تقتضيه الطبيعة الفقهية الإسلامية. وأنه يوجب أن تكون العلاقة بين المجتهدين قائمة على الاحترام والتقدير والتكامل، كما أنه مظهر من مظاهر الرحمة الإسلامية لعامة الناس.
وبناءً على ما سبق فإن الحديث عن موقف الإسلام الفقهى من الردة سوف يشتمل على بيان التكييف الشرعى للردة، وبيان أنواعها، وموجبها الشرعى، وضوابطه عند الفقهاء. وذلك فى مبحثين بإذن الله تعالى.
المبحث الأول
التكييف الشرعى للردة وبيان أنواعها عند الفقهاء
أتكلم عن التكييف الشرعى للردة وبيان أنواعها فى مطلبين، كما يلى:
المطلب الأول
التكييف الشرعى للردة عند الفقهاء
التكييف فى اللغة: وصف الشىء على وضعه وحاله. وكيفية الشىء : حاله وصفته.
والمقصود بالتكييف الشرعى للردة: بيان حالها وصفتها الموضوعية عند الفقهاء.
وقد أجمع الفقهاء على أن الردة من أكبر الكبائر يوم القيامة؛ لعموم قوله تعالى : «إن الشرك لظلم عظيم» (لقمان : 13) وقوله تعالى: «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (النساء: 48) وقوله تعالى : «إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار» (المائدة: 72) وأخرج الشيخان عن ابن مسعود، قال: سألت النبى، صلى الله عليه وسلم، أى الذنب أعظم؟ فقال، صلى الله عليه وسلم،: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك».
واختلف الفقهاء فى التكييف الشرعى للردة، وإن كان اختلافًا غير متكافئ من حيث العدد والشهرة، إلا أن البحث الفقهى لا يعتمد تلك الحيثية فى ذاتها أساسًا للعلم بالأحكام الشرعية، وإن كان لتلك الحيثية تأثير لا يخفى عند الترجيح أو الاختيار من بين المذاهب المختلفة عند كثير من أهل الاختيار. ويمكن إجمال أقوال الفقهاء فى تكييف الردة فى اتجاهين، هما : العدوانية والعادية. وأبين ذلك فيما يلى:
الاتجاه الأول: يرى أن التكييف الشرعى للردة أنها عمل عدوانى.
ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الردة عمل عدوانى، وإن اختلفوا فى تعيين المعتدى عليه هل هو الدين أو جماعته أو هما معًا؟ ونوضح ذلك فيما يلى:
(1) يرى بعضهم : أن الردة عدوان على الدين. وفى ذلك يقول الشاطبى: «المنافع الحاصلة للمكلف مشوبة بالمضار عادة، كما أن المضار محفوفة ببعض المنافع، كما نقول إن النفوس محترمة محفوظة ومطلوبة الإحياء بحيث إذا دار الأمر بين إحيائها وإتلاف المال عليها،
أو إتلافها وإحياء المال، كان إحياؤها أولى. فإن عارض إحياؤها إماتة الدين كان إحياء الدين أولى، وإن أدى إلى إماتتها، كما فى جهاد الكفار وقتل المرتد».
ويقول الماوردى: «لم يجز أن يقر من ارتد عن الإسلام إلى أى دين؛ لأن الإقرار بالحق يوجب التزام أحكامه»، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: «من بدل دينه فاقتلوه».
(2) ويرى بعضهم: أن الردة عدوان على الجماعة، أى خروج عليهم كالحرابة. وقد نسب بعض المعاصرين هذا القول لمن قصر عقوبة الردة على حال الحرابة؛ استدلالا بأن آية الحرابة - وهى قوله تعالى: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض» (المائدة: 33) قد نزلت فى المرتدين من العرينيين، كما فى بعض الروايات. وعملا بظاهر ما أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث». وذكر منها: «المفارق لدينه التارك للجماعة»، وجاء تفسير ذلك فيما أخرجه النسائى والدارقطنى عن عائشة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زانٍ محصن يرجم، أو رجل قتل رجلا متعمدًا فيقتل، أو رجل يخرج من الإسلام يحارب الله عز وجل ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض». وبهذا تكون الردة خروجًا على جماعة المسلمين.
(3) ويرى بعضهم: أن الردة عدوان على الدين وجماعته. وهو وقول محتمل يرجع إلى الجمع بين القولين السابقين.
يقول الدكتور عبد العظيم المطعنى: «الردة هدف ذو خطر لأعداء الإسلام. ومن يرتد من المسلمين يحقق لأعداء الإسلام هذا الهدف الذى يلوح لهم كل حين، فيكون المرتد مثل جندى فر من معسكر قومه إلى معسكر عدوهم، ويصبح عينًا للأعداء عليهم. فإذا وقع هذا الخائن فى يد قومه فماذا يصنعون به؟ أيمنحونه الأنواط والنياشين أم يضربون عنقه فى الحال لدرء الفساد الذى ينجم عنه؟ وهكذا شأن المرتد الذى لا يرجى اهتداؤه: (1) إنه صار عضوًا فاسدًا أشنع ما يكون الفساد. (2) إنه صار قدوة سيئة أسوأ ما يكون السوء. (3) إنه صار محاربًا لله ورسوله ولجماعة المسلمين أشد ما يكون الحرب. من أجل ذلك كله قضى الإسلام عليه بالقتل؛ اتقاءً لشره، وقطعًا لفساده. وهذه هى حكمة التشريع الإسلامى فى عقوبة المرتد بالقتل، وإن ورمت أنوف وانتفخت أوداج».
ويقول الدكتور يوسف القرضاوى: «وسر التشديد فى عقوبة الردة: أن المجتمع المسلم يقوم - أول ما يقوم- على العقيدة والإيمان. فالعقيدة أساس هويته، ومحور حياته، وروح وجوده، ولهذا لا يسمح لأحد أن ينال من هذا الأساس، أو يمس هذه الهوية، ومن هنا كانت الردة المعلنة كبرى الجرائم فى نظر الإسلام؛ لأنها خطر على شخصية المجتمع وكيانه المعنوى، وخطر على الضرورية الأولى من الضروريات الخمس (الدين والنفس والنسل والعقل والمال) والدين أولها؛ لأن المؤمن يضحى بنفسه ووطنه وماله من أجل دينه».
الاتجاه الثانى: يرى أن الردة عمل عادى.
يرى بعض أهل العلم: أن الردة عمل عادى فى الدنيا؛ لأنها من اختيار المكلف فى دار العمل؛ لقوله تعالى: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها» (الكهف: 29) وغير ذلك من نصوص شرعية تقرر حرية الاعتقاد.
وينسب هذا الاتجاه لمن يرى تحريم إنزال العقاب بالمرتد لمجرد الردة، وهو قول نسبه ابن تيمية لبعض أهل العلم دون أن يسميهم، فقال: «قد يرى بعض العلماء واجباً ما يراه الآخر حراماً، كما يرى بعضهم وجوب قتل المرتد ويرى آخر تحريم ذلك».
ويمكن أن ينسب هذا القول للإمام النخعى، الذى قال : «إن المرتد يستتاب أبدا»ً، وأقر الإمام سفيان الثورى هذا القول فقال: «هذا الذى نأخذ به». قال ابن قدامة تفسيراً لهذا القول: «وهذا يفضى ألا يقتل أبدا».
ويرجع تأصيل هذا القول إلى قضية ارتباط عصمة الإنسان بالإيمان. حيث شذت طائفة فنسبت إلى الإسلام القول بأن الأصل فى الإنسان هدر دمه إلى أن يثبت العكس. ثم اختلفوا، فقال بعضهم: لا تثبت العصمة إلا بالإسلام. ونسب هذا القول لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقال بعضهم : تثبت العصمة بالإسلام أو الأمان. وهو وجه عند الحنابلة، وانتصر له من المعاصرين الأستاذ عبد القادر عودة. واستدلوا بظاهر الآية الكريمة: «فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم» (التوبة: 5) وبظاهر ما أخرجه البخارى من حديث أنس بن مالك، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله». وأخرجه الشيخان من حديث أبى هريرة بلفظ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله. فقد عصم منى نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله»().
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأصل فى الإنسان عصمة دمه، وأن عصمته هذه حق مقرر من الله تعالى بأصل الخلقة، ذلك أن الله تعالى لم يخلق الإنسان؛ ليقتل، وإنما خلقه؛ ليعيش أجله مكرمًا، كما قال تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم» (الإسراء: 70) لا فرق فى ذلك بين مسلم وغيره؛ لعموم قوله تعالى: «ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون» (الأنعام : 151) وقوله تعالى: «ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورًا» (الإسراء: 33).
ولا خلاف بين الفقهاء فى أن المراد بالحق المسوغ لقتل النفس هو الإتيان بجرم يستوجب القتل، واتفقوا على تعيين جرمين، وفقاً لضوابط خاصة، وهما التأهل للقتال فى الحرب المشروعة، وقتل النفس المعصومة. واختلف الفقهاء فى غير هذين الجرمين، ومن أشهر ما اختلفوا فيه: رجم الزانى المحصن، وقتل المرتد الواردان فيما أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود، مرفوعًا: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزانى، والمفارق لدينه التارك للجماعة».
وقد استدل ابن تيمية من قوله تعالى: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين» (البقرة: 190) على تحريم قتال من لم يتأهل للقتال، ونسب ذلك للجمهور؛ استدلالا بما أخرجه أحمد وابن حبان وأبو داود من حديث حنظلة الكاتب، قال : كنا مع النبى، صلى الله عليه وسلم، فى غزاة، فمر بامرأة مقتولة والناس عليها- وفى رواية عند أحمد: فوقفوا ينظرون إليها ويتعجبون من خلقها- فقال، صلى الله عليه وسلم،: «ما كانت هذه لتقاتل أدرك خالدًَا فقل له: لا تقتل ذرية ولا عسيفًا». وفى رواية أبى داود: «لا يقتلن امرأة ولا عسيفًا».
وقد أجاب الجمهور عن أدلة من يرى عدم عصمة حياة غير المسلمين بما يأتى:
(1) أن قوله تعالى: «فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم» (التوبة :5) وهى المعروفة بآية السيف، قد ذهب أكثر أهل التفسير منهم الضحاك والسدى على أنها منسوخة بقوله تعالى: «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منًّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها» (محمد : 4) ووجه النسخ: أن الآية الكريمة خيرت الإمام فى أسرى المشركين بين المن والمفاداة، ولم تحتم قتلهم كظاهر آية السيف.
(2) أن الحديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» لا يعنى القتال بالسلاح، وإنما المراد بمقاتلة الناس هو تحمل صدهم للدعوة، ففى اللغة: قاتل فى الدفاع عن رأيه- أى تحمل المشقة. وهذا المعنى يتفق مع قوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» (النحل: 125) ويحتمل أن يكون المراد بمقاتلة الناس فى هذا الحديث مقاومة من يصدون ويمنعون نشر الإسلام الحنيف برسالته الآمرة بالعدل والناهية عن الظلم، ولذلك كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوصى قائد الجيش بتقوى الله فى خاصة نفسه وعامته، ثم يأمره أن ينذر أعداءه من غير المسلمين بإحدى ثلاث، ولا يبادرهم بالقتل، فيقول فيما أخرجه مسلم من حديث عائشة: «وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن هم أبوا فاسألهم الجزية، وإن هم أبوا فاستعن عليهم بالله وقاتلهم».
المطلب الثانى
أنواع الردة عند الفقهاء
تنقسم الردة عند الفقهاء إلى أنواع مختلفة فهى من حيث موضوعها تنقسم إلى ردة بالكفر وردة بالزندقة. ومن حيث تمالؤ المرتدين تنقسم إلى ردة فردية وردة جماعية. ومن حيث تعديها تنقسم إلى ردة مسالمة وردة استقوائية. ومن حيث جنس المرتدين تنقسم إلى ردة الرجال وردة النساء. ومن حيث التوبة تنقسم إلى ردة معاودة وردة منتهية وردة تائبة. ومن حيث محلها تنقسم إلى ردة مجردة وردة مغلظة.
أولا: أنواع الردة من حيث موضوعها
تنقسم الردة من حيث موضوعها إلى قسمين: ردة بالكفر وردة بالزندقة. ويدل لذلك ما ذكره الشافعى فى «المختصر»، قال: «وأى كفر ارتد إليه مما يظهر أو يسر من الزندقة وغيرها ثم تاب لم يقتل، فإن لم يتب قتل امرأة كانت أو رجلا».
ويقول الشيخ النفراوى المالكى: «تنبيه : قتل المرتد ليس كقتل الزنديق المستتر؛ لأن الزنديق يقتل حداًّ، وأما المرتد فيقتل كفرًا». وقال ابن حزم: «قالت طائفة: من أسرَّ ردته قتلناه دون استتابة ولم تقبل توبته، ومن أعلنها قبلنا توبته». ونبين هذين النوعين فيما يلى:
(1) الردة بالكفر
الردة بالكفر هى أوضح أنواع الردة، وهى المقصودة عند الإطلاق، وتكون بالرجوع عن الإسلام رجوعًا صريحًا بعد ثبوت الإسلام صحيحًا بالإجماع.
ويتحقق الرجوع عن الإسلام بصور كثيرة منها():
1- إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان.
2- الإتيان بأحد المكفرات التى تخرج عن الملة، مثل: إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، مما أجمع المسلمون عليه بغير عذر، كوجوب الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وكتحريم الخمر والسرقة. يقول ابن فرحون: «جاحد الصلاة كافر باتفاق، وإذا لم يتب بعد ثلاثة أيام قتل كفرًا». يقول البهوتى: «لا شك أن تارك الشهادتين تهاونًا كافر بغير خلاف نعلمه فى المذهب».
(2) الردة بالزندقة
الزندقة مصطلح ليس له أصل فى الكتاب والسنة، وقد استحدثه الفقهاء فى زمن متأخر عن الصدر الأول للتصدى أمام كثرة المنافقين وشدة بأسهم على المسلمين؛ خاصة أن النفاق كان معروفًا فى زمن الوحى ولم ينزل بشأنه حد؛ خلافاً للسرقة والزنى والحرابة والقذف وشرب الخمر.
فقد أخرج الشيخان عن جابر بن عبدالله، قال : غزونا مع النبى، صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريًُّا، فغضب الأنصارى غضبًا شديدًا، حتى تداعوا. وقال الأنصارى: ياللأنصار. وقال المهاجرى: يا للمهاجرين. فخرج النبى، صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهلية». ثم قال: «ما شأنهم»؟ فأخبر بكسعة المهاجرى الأنصارى، فقال، صلى الله عليه وسلم،: «دعوها فإنها خبيثة». وقال عبد الله بن أبى بن سلول: أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال عمر : ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله. فقال، صلى الله عليه وسلم،: «لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه».
ويرجع تاريخ الزندقة، كما يقول ابن حجر نقلا عن أبى المظفر الإسفرايينى فى «الملل والنحل»، قال: «إن أصل الزندقة اتباع ديصان (بفتح الدال وسكون الياء) ثم مانى (بتشديد النون وقد تخفف والياء خفيفة) ثم مزدك ( بزاى ساكنة ودال مفتوحة). وحاصل مقالتهم: أن النور والظلمة قديمان، وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما. فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة، ومن كان من أهل الخير فهو من النور. وأنه يجب السعى فى تخليص النور من الظلمة فيلزم إزهاق كل نفس. وإلى ذلك أشار المتنبى حيث قال فى قصيدته المشهورة:
وكم لظلام الليل عندك من يد تخبر أن المانوية تكذب
وكان بهرام جد كسرى تحيل على مانى حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه، وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور، وقام الإسلام. والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك، وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل، ومن ثم أطلق الاسم على كل من أسر الكفر وأظهر الإسلام حتى قال مالك: «الزندقة ما كان عليه المنافقون». وكذا أطلق جماعة من الفقهاء الشافعية وغيرهم أن الزنديق هو الذى يظهر الإسلام ويخفى الكفر، فإن أرادوا إشراكهم فى الحكم فهو كذلك، وإلا فأصلهم ما ذكرت».
وقد اتخذ الفقهاء مصطلح الزندقة لإدخال أصحابه زمرة المرتدين للفتوى بقتلهم؛ لاستبعاد الفتوى بقتل المنافقين المسكوت عن عقابهم فى الدنيا، بل إنهم شددوا عقوبة الزنديق عن عقوبة المرتد بالكفر، فجعلوا للأول القتل حدًّا حتى لا تقبل توبته، وجعلوا للمرتد القتل كفرًا -فى الجملة- وله أن يتوب وأن يطلب مهلة للتوبة، كما سيتضح بيانه فى الحكم الشرعى للمرتد عند الفقهاء.
وتتحقق الزندقة بصور كثيرة، منها:
1- سب النبى، صلى الله عليه وسلم، أو أحد من الأنبياء أو الملائكة المجمع على نبوتهم وملكيتهم. قال الشيخ الصاوى المالكى: «ولا يعذر الساب للنبى، صلى الله عليه وسلم، بجهل؛ لأنه لا يعذر أحد فى الكفر بالجهل أو سكر حرامًا أو تهور، وهو كثرة الكلام بدون ضبط، ولا يقبل منه سبق اللسان أو غيظ، فلا يعذر إذا سب حال الغيظ بل يقتل إلا أن يسلم الساب الكافر الأصلى فلا يقتل لأن الإسلام يجبُّ ما قبله».
وقال الإمام النووى: «إذا ذكر الذمى الرسول، صلى الله عليه وسلم، بسوء وجهر به وطعن فى الإسلام ونفى القرآن، فالمذهب أنه كالزنى بمسلمة ونحوه يقام عليه الحد. وقيل: ينتقض العهد قطعًا كالقتال. ومن شتم منهم النبى، صلى الله عليه وسلم، قتل حداًّ؛ لأن النبى، صلى الله عليه وسلم، قتل ابن خطل والقينتين وزيفوه وقالوا: «إنهم كانوا مشركين لا أمان لهم».
(2) من قال: لا أصلى. عند الإمام مالك خلافًا لابن حبيب.
وقال الشيخ النفراوى: «من لم يرتد وأقر بالصلاة، وقال: لا أصلى. آخر حتى يمضى وقت صلاة واحدة فإن لم يصلها قتل حدًّا».
(3) من أقام على امتناعه عن الصلوات الخمس مستخفاًّ بها ومتوانيًا.
قال فى «الذخيرة»: «ويقتل عند مالك بترك الصلاة والصوم». وقال الشافعى والعراقيون من المالكية: لا يقتل بترك الزكاة؛ لدخول النيابة فيها فيمكن أخذها منه كرهًا».
ونص فقهاء الشافعية على أن: «من أخرج من المكلفين مكتوبة كسلا ولو جمعة- وإن قال: أصليها- عن أوقاتها كلها قتل حداًّ لا كفرًا». وقال صاحب البهجة: «ومن ترك الوضوء ثم صلى محدثًا استتيب، فإن لم يتب قتل حداًّ لا كفرًا».
وقال الشربينى الخطيب: «من ترك الصلاة جاحدًا وجوبها كفر، أو كسلا قتل حداًّ. والصحيح قتله بصلاة فقط بشرط إخراجها عن وقت الضرورة، ويستتاب ثم تضرب عنقه. وقيل : ينخس بحديدة حتى يصلى أو يموت».
وقال ابن مفلح الحنبلى: «من كتم ماله- لعدم إخراج الزكاة - أمر بإخراجها واستتيب ثلاثة أيام، فإن لم يخرج قتل حداً على الأصح وفى رواية: يكفر. كذا فى حكم الصوم والصلاة».
وقال البهوتى: «من ترك شيئاً من العبادات الخمس تهاوناً فإن عزم على ألا يفعله أبداً استتيب عارف وجوب كالمرتد ثلاثة أيام وضيق عليه ودعى إلى ذلك، وإن كان جاهلاً عرف وجوب ذلك. فإن أصر قتل حداًّ ولم يكفر..وتارك الصلاة إذا دعى إليها وامتنع فيقتل كفراً بعد الاستتابة».
وقال عبد الله بن شقيق: «لم يكن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرًا غير الصلاة».
ونص الحنابلة على أنه: «يستتاب تارك الصلاة كالمرتد ثلاثة أيام وجوبًا، فإن تاب بفعلها خلى سبيله، وإن أصر قتل كفرًا بشرطه، وهو الاستتابة ودعاية الإمام أو نائبه له. ويقتل فى غير ذلك المذكور من الصلاة وشرطها المجمع عليه كالزكاة والصوم والحج حدًّا».
كما نص الشيعة الزيدية والإمامية والإباضية على أن: الردة تتحقق بسب أحد الأنبياء أو بسب القرآن أو الإسلام أو الاستهزاء الصريح بالدين كإلقاء مصحف أو بعضه فى قاذورات قصداً ويكون مرتدًا أيضًا من أظهر الإسلام وأسرَّ دينًا من أديان الشرك.
يقول الترمذى: «اختلف العلماء فى تارك الصلاة عمدًا تهاونًا وتكاسلا مع اعترافه بوجوبها هل هو كافر أو مسلم؟ وهل يقتل كفرًا أو حداًّ أو لا يقتل؟ فذهب بعض أهل العلم إلى أنه كافر مرتد يستتاب فإن تاب فذلك، وإن لم يتب قتل كفرًا. وممن قال بهذا الإمام أحمد فى أصح الروايتين، وهو مروى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه. وبه قال ابن المبارك وإسحاق ابن راهويه، ومنصور الفقيه من الشافعية ويروى أيضًا عن أبى الطيب بن سلمة من الشافعية».
وقال أبو بكر الجزائرى: «المرتد يستتاب ثلاثة أيام وإلا قتل كفرًا أخذًا من قوله تعالى : «ثم آمنوا ثم كفروا» (النساء: 137).
يقول الشوكانى: «الردة من موجبات قتل المرتد بأى نوع من أنواع الكفر كانت. والمراد بمفارقة الجماعة مفارقة جماعة الإسلام، ولا يكون ذلك إلا بالكفر لا بالبغى والابتداع ونحوهما».•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.