مياه المنوفية تستعرض الاجراءات اللازمة لضمان التداول الآمن للصرف الصحي    رغم تهديده للأمن القومي المصري..احتلال الجيش الصهيوني لمعبر رفح بضوء أخضر من السيسي    مانشستر يونايتد يعود للانتصارات بثلاثية أمام نيوكاسل    استعدادًا لمواجهة بيراميدز| الإسماعيلي يتعادل مع بور فؤاد وديًا    رسمياً.. السد القطري يعلن رحيل بغداد بونجاح بنهاية الموسم    تأجيل محاكمة 4 متهمين في حريق ستوديو الأهرام    هكذا هنأ احمد العوضي ياسمين عبد العزيز بإعلانها الجديد    ماجد خير الله: مقال طارق الشناوي «المال أم النفوذ أم الموهبة» يصلح لنقد تلك الفنانات    وزير التعليم العالي ينعى الدكتور هشام عرفات    «حياة كريمة» تضفي رونقا على قرى مركز ناصر ببني سويف    كيف تلاحق وزارة الكهرباء المخالفين وسارقي التيار بالمحاضر القانونية؟    مجلس عمداء كفر الشيخ يبحث استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    مرتكب الحادث رجل سبعيني.. تحليل لمحاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا    بعد رحيله.. مسيرة عطاء وزير النقل السابق هشام عرفات    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية وبيطرية بقرى مطوبس    نصائح مهمة يجب اتباعها للتخلص من السوائل المحتبسة بالجسم    مستشفى الكلى والمسالك الجامعى بالمنيا.. صرح مصري بمواصفات عالمية    رئيس "رياضة النواب": نسعى لتحقيق مصالح الشباب حتي لا يكونوا فريسة للمتطرفين    أمين الفتوى يكشف عن طريقة تجد بها ساعة الاستجابة يوم الجمعة    21 ضحية و47 مصابا.. ما الحادث الذي تسبب في استقالة هشام عرفات وزير النقل السابق؟    ضبط عاطل بحوزته كمية من الحشيش في قنا    23 شركة مصرية تعمل بالمشروع.. وزير النقل: القطار الكهربائي يصل لمطروح    أمير عيد يكشف ل«الوطن» تفاصيل بطولته لمسلسل «دواعي السفر» (فيديو)    «أونروا»: نحو 600 ألف شخص فرّوا من رفح جنوبي غزة منذ تكثيف بدء العمليات الإسرائيلية    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    «جوزي الجديد أهو».. أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على ظهورها بفستان زفاف (تفاصيل)    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    بتوجيهات الإمام الأكبر ..."رئيس المعاهد الأزهرية" يتفقد بيت شباب 15 مايو    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    وزير النقل: تشغيل مترو الخط الثالث بالكامل رسميا أمام الركاب    أحمد موسى: برلمان دول البحر المتوسط يسلم درع جائزة بطل السلام للرئيس السيسي    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    لسة حي.. نجاة طفل سقط من الدور ال11 بالإسكندرية    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    يلا شوت.. مشاهدة مباراة مانشستر يونايتد ونيوكاسل في الدوري الانجليزي الممتاز 2024 دون تقطيع    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    صباحك أوروبي.. كلوب يتمشى وحيداً.. غضب ليفاندوفسكي.. وصدمة لمنتخب إيطاليا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبع جنات الحلقة 7


«11»
«جنّات» و«سماء»
• فوجئت بحضور الدكتورة «سماء» إلى غرفتك فترة..
• وأنها حاولت أن تستولى عليك، وتحرّرك منّى ومن الأخريات
• ولم أتصوّر- بسبب ما أعرفه عن حدّتها وعصبيّتها - أنها ستظهر مرة أخرى.
• فهى بانسحابها ومقاطعتها لك، ولى، أعلنت - ضمنّا - هزيمتها، وفشلها، وخروجها من سباق المسافات الطويلة مع أنها الوحيدة فينا نحن ال«سبع جنّات»- كما تسمّينا- التى تبحّرت فى بحث حالتك، واتصلت - كما قالت لى أثناء إعدادها الدكتوراه - بكل «حريم السلطان» - كما تطلق علينا جميعا، وهى معنا.
وفى رسالتها، التى أطلعتنى على نسخة منها، قبل أن تناقشها، ودعتنى لحضور جلسة المناقشة، تقول إن الحالة التى يمثّلها «سلطان»- طبعا لم تذكرك بالاسم أو بأى صورة - تعكس مظهرا من مظاهر الخلّل فى الأنساق القيمية والنفسية، داخل الأسرة المصرية.
تسميّها هى بلغتها الأكاديمية «حالة الهوّس الجنسى والاضطراب النفسى، المتمثّلة فى الجمع بين علاقة الحب وعلاقات أخرى».
وبحكم دراستى لعلم النفس والمفاهيم التربوية الحديثة، ناقشتها، فى نتائج بحثها، قلت:
- اسمحى لى يا «سماء».. الأغلبية العظمى من الرجال ماعندهمش هوس جنسى، ومع ذلك أنت بتعممى أحكامك؟
ردّت بعصبية:
• يا«جنّات» أنت ماعملتيش بحث ميدانى، ولا درستى حالات كثيرة زيّى.. بتقولى كلام نظرى.
أحيانا كنت أشك فى أن «سماء» اندفعت لوضع هذه الرسالة، ليس لباعث علمى، ولكن لغرض شخصى.. ظنّت أنها ببحث حالتك والاطلاع على المراجع واستشارة الأساتذة وبحث العيّنات والحالات.. و.. و.. ستتمكّن من حل المعضلة وفكّ اللغز.. والوصول إلى العلاج السحرى، الذى يحقق لها الفوز بك!
كانت تردّد على مسامعى بفخر، يستفزنى، أنها تعدّ دكتوراه عن «سلطان»!
وعقدت معى عدّة مرّات جلسات بحثية - كما تسمّيها - سألتنى خلالها أسئلة شديدة الخصوصية فى أمور سرّية، بينى وبينك.. وفشلت فى استدراجى لإفشاء أسرار وخفايا علاقتنا التى لايعرف عنها أى إنسان أى شيء.. لكننى كنت أجاريها فى الأمر.. كانت بى رغبة عارمة فى معرفة ما لا أعرفه، عنك يا «سلطان» وعن الأخريات.. بما فى ذلك «سماء» نفسها.
وقبل وقت قصير من مقاطعتها لنا، وكانت قد أصبحت تحمل لقب الدكتورة «سماء نور» المدرس المساعد بآداب عين شمس، جلسنا معا..
وفهمت أن «ما شاء الله» تعكس- فى تفسير الدكتورة «سماء» - «عقدة أوديب» حسب مفهوم «فرويد» عن رغبة الرجل المكبوتة فى عقله الباطن، فى معاشرة أمه.
و«هدى» هى الحاجة إلى الأمان المادى.
و«لحظة».. الرغبة فى الشباب الدائم.
و«سماء».. نزال عقلى وتحريك للخيال.
و«راجية».. الإعجاب بالأنثى فى معركة الحياة.
و«نادرة».. الرغبة فى أنثى مثالية بلا متاعب.
.. وأنا «جنّات».. التواصل مع تاريخه الشخصى، وذكريات الجسد.. والعواطف البكر.. البراءة والإثم.. الجنّة والنار.
كنت أستمع فى صمت.. ولما انتهت من تفسيراتها العجيبة، وجّهت لها ملحوظة أعتقد أنها كانت قاسية عليها:
- كل ده تحليل ل«سلطان» بس.. لكن كل علاقة هى بين طرفين.. قطبين، فين القطب التاني؟!
ضحكت «سماء» ضحكتها الهستيرية التى احتفظت بها رغم السنين وقالت:
• صحيح.. لازم نبصّ للمسألة من زاوية كلّ واحدة من ال«سبع جنّات»..
وفكّرت قليلا.. رفعت رأسها إلى السماء.. وخلعت نظارتها، ومسحتها بمنديل من الورق.. ثم أعادتها لمكانها، وبدت على عينيها علامات قلق وإرهاق.. وواصلت:
- شوفى ياستى..
واحدة محتاجة لراجل.. دى «ما شاء الله» وواحدة محتاجة لراجل برضه ودى «هدى».. الفرق أن واحدة فقيرة وعاجزة ماديا، ومحدودة اجتماعيا.. والثانية غنية ومثقفة وقادرة، لكن كل واحدة منهما محبطة نفسيا. ومهزومة إنسانيا.
أما «لحظة» فهى الضياع والعدوانية والعبث.. وأيضًا العنفوان، والشبق. و«سماء» اللى هى أنا.. تعكس- ولامؤاخذه.
« أغمضت عينيها خلف النظارة ثم همست»: شوق المرأة للرجل، من فوق.. ومن تحت، يعنى لّذة الفكر مع لّذة الجنس.
و«راجية» هى رغبة المرأة فى التساوى بالرجل.
و«نادرة».. إحساس المرأة بأن أنوثتها تكفى.. وأن الأنوثة هى كلّ شيء.. وأن ما تحتاجه هو فقط التمتّع برجولة الرجل، مقابل إمتاعه بأنوثتها.
- وأنا؟!
سألتها كما لو كنت أخاف أن يفوتنى قطار العمر.
سكتت قليلا.. وتنهّدت، وتحاملت على نفسها- كما بدا لى- وقالت:
• أنت.. بطلة سباحة المسافات الطويلة.. أنت كلّ النساء، أنت «حواء».. أنت حالة غير طبيعية.. أنت المرأة فى الجنة.. يا«جنّات».
لم أفهم هل ما قالته عنى مدح أم ذمّ؟!
لكن شعورا قويا بأننى أكسب نقاطا فى سباق المسافات الطويلة، ملأنى غبطة.. وفكّرت أننى سأستعيدك يا «سلطان» ليس لأننى مثلها، أفكرّ فى تحريرك منهن والفوز بك ومعالجتك مما تسمّيه هى «مرضك» أو«عقدتك».. لأن نظريّتى فى الفوز بك لا تقوم على أنك مريض أو مصاب بعقدة، فأنا أعتقد أننى أعرفك أكثر من أى إنسانة غيرى.
وطبعا أشعر بالغيرة من علاقاتك هذه، وأتعّذب، وأتمنى أن تنتهى.. تختفى.. تتلاشى. وكانت أمنيتى الكبرى، ألاّ تكون موجودة من الأساس.
لكننى أنا لا أريد الاستحواذ عليك.. لا أريد أن أحاصرك، وأضايقك، وأفرض نفسى عليك.. لا.. لا.. لا. أنا أحبّك فعلا..
ولا أحبّ لك إلاّ كلّ ما يُسعدك.
ولم أفرض نفسى عليك، ولا أنت فرضت نفسك عليّ.. أنت رجل حرّ وأنا امرأة حرّة، فى علاقة حرّة، غير مقيّدين، إلا بمشاعرنا الحقيقة.
ومع أننى لا أعرف تفسيرًا محدًدا لحالتك يا«سلطان» ولم أتفرّغ لدراستها ونيل الدكتوراه عنها بدرجة امتياز، فلديّ بعض التفسيرات أو التخمينات، وأعتبر نفسى وعلاقتى بك، من أسباب حالتك هذه، إلا أننى لا أعتبرك خائنا.. وقد اختلفت مع «سماء» فى هذه النقطة أيضا.. فهى تراك خائنا.. وتعتبرنى «عبيطة»!
وماذا عن الأخريات؟
تقول «سماء:
• زيّ ما اتفقنا، أى علاقة لابد أن يكون لها طرفان.. وقصدى أن «سلطان» لا بيحكم ولا بيتحكّم فى كل العلاقات دى.. هو طرف فيها.. قطب من قطبين.
وكل واحدة من ال«سبع جنّات» فى العلاقة معه، هى القطب التانى، ولمّا درست الحالات، وراجعتها على أصول ونظريات علم النفس، والقيم اللى بتحكم المجتمع، وظروف نشأة الجنسين، وفكرة كل جنس عن الآخر.. والأنساق النفسية والتربوية والقيم اللى نشأوا عليها فى المراهقة.
كل ده وصّلنى إلى أنها ليست مشكلة «سلطان» لوحده، أو أى رجل مصاب بذات الهوّس.. المشكلة عندنا إحنا كمان يا «جنّات».. أنا وأنت وكل البنات والستّات.. تربيتنا لم تكن سليمة ولا قويمة، ولاعصرية.
الهوّس الجنسى ليس مرضا رجاليا.. هو مرض اجتماعى تربوى نفسى يعكس الخلل فى المفاهيم.. اضطراب القيم.. النفاق الاجتماعى، الخوف من المصارحة والوضوح.. الخوف من الآخر.. الخوف من الحقيقة.. الخوف من المواجهة، اللّف والدوران.. التمويه.. الكذب.. الغش.. النفاق.. التلوّن والتزييف.. والتحايل والتلاعب.
وكمان المنع.. الحرمان.. التقييد.. الكبت. التعجيز.. التعقيد.. تأزيم الحياة.. خنق الحياة.. قتل الحياة.
بانفعال عبّر عنه صوتها وحركة عينيها من خلف النظارة، وكذلك حركة عصبية من اليدين والجسم كله، واصلت:
- عمرك حدّ فى أهلك يا«جنّات» شرح لك يعنى إيه الحبّ؟!
عمرك عرفتى بطريقة سليمة ومحترمة، وتربوية حاجة عن الرجل..
أوعن المرأة.. وليه فيه رجل وليه فيه مرأة؟!..
وبيعملوا إيه؟!
وليه بيعملوا اللى بيعملوه ده؟
وإزاى يعملوه صح؟
عمرك عرفتى مثلا، أنت ليه لك «صدر»؟!
وإيه هى وظائف أعضائك.. ووظائف أعضاء «سلطان» أو أى راجل؟!
إحنا ما اتربيناش صح يا «جنّات».. ومن هنا بتيجى كل المشاكل والعقد والأمراض النفسية والعصبية والاجتماعية.. ده غير الأمراض البدنية والعقلية.
طبعا كلام كثير مما تقوله «سماء» منطقى، لكن معظمه كلام «الشاعرة مضطربة المشاعر» وهذا الوصف لم أطلقه أنا عليها لكن ردّده أحد الشعراء الكبار فى ندوة من ندوات كلية الفنون، زمان.
والآن.. هل جاءت «سماء» لتعيد محاولاتها الفاشلة؟.. خاصة بعد طلاقها من زوجها.. أم أنها تغيّرت، ونضجت، وأصبحت أقل اضطرابا فى مشاعرها؟..
لا أدرى.. سأحاول أن استكشف الأمر.. المهم الآن، هو أن يقول لنا الأطباء أخبارا جديدة وسارة عن تطورات غيبوبة حبيبى..
«12»
«سمير»
الغيبوبة هى الحل!
كم أنت ماكر وداهية ياعزيزى «سلطان»..
عندما ضاقت كل السبل، ولم تفلح كل الوسائل، وفشلت المحاولات.. وانهارت الآمال.. وجدت أنت الحل.
• أنت فقط تعرف الحل..
تركتنا جميعا نتطاحن ونتقارع ونثور ونثرثر.. ونتفلسف وننظّر.. واخترت الحل.. ربما هو الحل الوحيد.. الحل الذى لم نفكّر فيه.
ولكن هل غيبوبتك استسلام لليأس؟
أم أنها استراحة المحارب؟!
اسمع يا«سلطان».. خذنا معك فى الغيبوبة، ربمّا تمكننا من بناء تنظيمنا السرّى، ووضع خطط عملنا وتوزيع المسئوليات وتدريب الكوادر لتحرير مصر من البلاء الذى أصابها.
طبعا لن يستطيع أحد اكتشافنا أو القبض علينا أو حتى التلصّص على ما نفعله.. فنحن فى الغيبوبة.
عفوا ياعزيزى.. أعذرنى، أخوك يخرّف..
ماذا يمكننى أن أفعل سوى التخريف.. والخرف، مادمت لا أنا ولا غيرى قادرين على فعل أى شيء؟!
أكتب؟!..
كتبت من سنين وسنين.. ولاشيء يحدث، لاشيء يتحرّك.. الأحوال تسوء، وكلما تصوّرنا أنها بلغت قاع القاع، وأنه لا يمكن أن يكون هناك أسوأ مما هو الآن، نفاجأ بالأسوأ.. والأكثر سوءا.. وما هو أسوأ مما هو أكثر سوءا!
هوّة سحيقة، بئر بلا قرار!
نحن ننحدر بقوة انحطاط ذرّية.
وكنت دائما أشعر بمعاناتك بسبب هذا الانحدار، تسمّيه أنت الانحطاط..
وينتهى بنا النقاش عند نقطة واحدة هى العجز.. عجز النخبة المثقفة عن الفعل.
وعجزها عن التواصل مع الناس.. وعجزها عن التخلّى عن منافعها ومطامعها، وتطلّعاتها غير المشروعة.
عجزها أساسا عن فهم نفسها، كنخبة وفهم مهمتها، ومسئوليتها.. وبالطبع عجزها عن أى فعل.. أى حركة.. يقول المعلم «إنجلز»:
إن «أوقية» حركة تساوى طن نظريات!
اعذرنى ياصديق العمر، فأنا غير قادر حتى على الوقوع فى الغيبوبة.. عاجز!..
• المهم كيف الحال عندك؟!
هل تعرف طريقة توصّلنى عندك؟..
هل حتى هذه المسألة، محتاجة لوساطة أو رشوة؟!
ماذا أفعل يا «سلطان».. تعبت من المهاتيّة، ولا من سمع ولا من قرأ.
طبعا أنا أحسدك على الراحة التامة التى تنعم فيها الآن..
لكن من ناحية ثانية، أفتقدك يا أخى.. فأنت أكثر من أخ.. وأكثر من صديق.. أنت رفيق الطريق.
اعذرنى، فأنا لم أعرف البكاء طوال حياتى، لكننى أبكى الآن.
أتذكّر بكاء «أبى عبدالله» آخر ملوك «الأندلس» لحظة ضياع كل شيء.
لا تقلق.. سأهدأ بعد قليل، وأواصل الإرسال.
تعرفنى يا «سلطان» وأعرفك، من أيام المدرسة الثانوية، ذاكرنا سويّا.. واختارونا فى معسكرات التفوّق فى الإسكندرية سويّا، وعملنا مجلات حائط مدرسية، ودخلنا الكلية نفسها وعملنا- أيضا- مجلات حائط..
فاكر يا «سلطان» لمّا العميد اضطر يطلع سطح الكلية عندنا فى «إعدادى فنون» ليقرأ المجلة التى عملناها أنا وأنت وانتقدناه على لسان الحمار «حو حو»؟!
ومع ذلك تقبّل الرجل النقد - وكان دكتورا وأستاذًا كبيرًا فى العمارة، كما تعلم - برحابة صدر، واعتبرها «حريّات» - كما قال - وعاتبنا بأبوّة، وشكرنا لجدّية اهتمامنا بإصلاح أحوال الكلية، مع أننا كنا لسه داخلينها إمبارح بس!
• أين مثل هذا الرجل الآن؟..
الرجل قعد معنا وناقشنا فى ما كتبته أنا ورسمته أنت، ووصل لنتيجة، وفكّر فى إجراءات وإصلاحات، ونفّذها.. كان يمكنه أن يبلّغ عنا مباحث أمن الدولة، أو المخابرات العامة، أوالحربية، ويتخلّص منا، ويلفّق لنا تهمة..
وأيامها كانت الدولة قوية ولها هيبة، مع أن البلد كان على مشارف نكسة.
فاكر لمّا كان زملاؤنا فى الدفعات الأقدم يسمّوننا «دفعة النكسة»..
لأننا دخلنا الكلية من هنا.. وحصلت الهزيمة المرّة من هنا؟
فاكر لمّا قبضوا علينا واعتقلونا لأشهر، لأننا كنا نفكّر فى عمل شيء ما.
فاكر لمّا الأستاذ «عبد السلام الشريف» أخذنا من يدينا وسلّمنا للمجلة.. وكنا لانزال فى «إعدادى فنون».
فاكر لما حوّلنا الكلية لمركز ثقافى، وكلّ يوم ندوة أومناظرة أومسرحية أوفيلم أومعرض أو.. أو.. أو.
.. ولما عملنا مشروعاً لعرض لوحات وأعمال الطلبة والمعيدين فى 10 مواقع فى «السويس» تحية لشعبها بعد الحصار، وجعلنا الفن التشكيلى يتواصل مع الناس. فاكر لمّا رحنا للمهاجرين من مدن القنال فى قرى «الجيزة»..
قلت لك يومها:
- المرّة دى ماتشيلش دفتر اسكتشات، مش عايزين المهاجرين يفتكرونا بنتفرّج عليهم. دى كانت أول مرة تخلّى عينك زى الكاميرا، وتحفظ المناظر، وبعدين ترسمها..
وكانت أول مرة تكتشف فيها قدرتك على رسم موضوعات صحفية حية غير لوحات الغلاف الملونة الأنيقة.
فاكر لمّا رفضنا الانضمام لمنظمة الشباب.. لكن سمحوا لنا بالاشتراك فى تحرير مجلتها!
فاكر مسرح ال 100 كرسي؟
وقهوة «إيزائيفيتش»، و«عمّ جمعة» وقهوة «ريش» و«عمّ ملك» و«عمّ فلفل».. وندوة «نجيب محفوظ» كل يوم جمعة.
فاكر أيام مكتبة الاستماع الموسيقى فى متحف الفن الحديث؟
ولما أستاذنا ««ناجى كامل» صمّم عرايس «الليلة الكبيرة».
فاكر كم كنّا نحبّ صحبة أساتذتنا جمال السجينى.. وحامد ندا وكمال أمين.. والحسينى فوزى.
كل ما افتكر الحاجات دى.. أحزن على مصر.
فاكر صحبتنا للأبنودى ومجدى نجيب وعبدالرحيم منصور وسيد حجاب وسمير عبدالباقى.. ويحيى الطاهر عبدالله وأمل دنقل ونجيب سرور.
فاكر خليل كلفت ومحمد عبدالعظيم.. وسيد شحم.
فاكر فاروق عبدالقادر.. وعمر الفاروق وعبدالسلام رضوان.
فاكر أول مرة نقابل الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، فى غرفة فوق سطح عمارة، فى حى الزمالك.. مسالك مسالك. وأصبحنا من دراويشهم.
أنا إيه اللى بيخللينى أفكّرك بالعالم دي؟..
ربّما أريد أن أوصّل لك رسالة أن: «مفيش جهد بيروح بلاش»..
وأن: العجز، مرحلة.. وإن طالت.
يا«سلطان».. سامعنى، ولاّ عامل نفسك فى الغيبوبة؟! يا بختك ياعم.. مش حاسس بالبلاوى اللى إحنا غرقانين فيها.. هربت من حياتنا العشوائية.. والسحابة السودا.. وصفر المونديال.
عموما كلّها أمور تحدث عندما يروح البلد كلّه فى الغيبوبة، ويتم تغييب المواطن.. واحتواء النخبة، وهدم القيم والمبادئ..
ويكون الحاكم مستندا على الولاء لقوى الخارج.
فلو كان الحاكم منتخبا فعلا.. لعمل للشعب الذى انتخبه ألف حساب.
و«إحنا طبعا لا انتخبناه ولا عايزينه أصلا».
لا أريد أن أوجع قلبك وأثقل عليك بكلام السياسة، الأحسن أن نتكلّم عن المرأة.. لأنها موضوع مهم.. وطبعا بعد الغيبوبة، ظهر كل «حريم السلطان»..
اللى اختفت من حياتك من سنين، واللى سايقة التقل اليومين دول، واللى.. واللى. وما أنساش أن «سماء» أختى كانت ضمن حريمك. لكنها فاقت لنفسها، وخرجت أو أخرجت نفسها من الحرملك.
توهّمت أنها ستتمّكن من إقناعك بكونها الوحيدة التى تناسبك..
وبصراحة.. أعترف لك أننى كنت أحّذرها منك.. وأكشف لها عن طبيعتك الخاصة، حتى لاتصدم فيك.. لكن كانت لها نظرة أخرى.
لم تلتفت إليك أيام كنت تذاكر معى فى البيت فى «عابدين».. فاكر يا«سلطان»؟..
• قالت لى إنك واد سهتان..
لكن فات وقت، ولقيتها تتكلم عنك كفنان طليعى..
وقلت لى أنت إنها معجبة بك رغم علمها بعلاقة الحبّ بينك وبين «جنّات»..
ولمّا «سماء» أعدّت رسالة الدكتوراه، لاحظت أنها تتناول حكايتك، وميولك، وكشفت لى هى وقتها أنها تعرف حكاية «الحريم».. وقالت إن الدكتوراه تدور حول حالتك.
وتعجّبت أن تقدم هى على دراسة هذا الأمر..
لم أناقشها، أو أعارضها، لكن قلت لنفسى إن «سماء» حصل لها شيء..
ما هو؟.. لاتسألني؟!
طبعا أنا أخوها الأكبر منها وأعرفها وأعرف جنونها..
ولمّا اشتغلت أنت على قصائدها ورسمتها.. أحسسّت أنا أن شيئا ما يحدث بينك وبينها، لكن لا أنت كشفته لى، ولاهى..
ولما انشغلت هى بموضوع الدكتوراه، شعرت أنا أنها تهرب من شيء ما.
وبعد ما أصبحت الدكتورة «سماء» وجدت أنها ابتعدت عنك!
ولم أعد أسمع منها سيرتك، ولم تعد أنت تشير إليها فى أحاديثنا معا.
وأنا فى هذه الأمور - كما تعلم عنى- لا أحبّ التدخّل.
لكن المفاجأة، أننى لمّا أخبرتها بماحدث لك.. وأننا ذهبنا بك فورا للمستشفى، فوجئت بتأثّرها الشديد.. وتصميمها على أن تأتى لزيارتك.
يخيّل لى أنها مازالت تحبّك..
ولم تسمع كلامى وتحذيراتى لها من البداية.
مع أنها كما تعلم، تزوّجت من زميلنا السابق المهندس «يوسف السحراوى».. «يوسف» زميلنا فى قسم العمارة، وكان معنا فى العملية التى اعتقلنا بسببها، ثم اتضح أنه هو الذى أبلغ عنّا.
يقول أنه لاخائن ولاجاسوس ولاحاجة.. يقول إنه إنسان طبيعى، وأنه كان مشتركا معنا بحماس، لكن الخوف ملأ روحه، فراح، وكشف العملية كلها..
وكانت مكافأته أنه لم يعتقل.. ثم أصبح من قيادات «منظمة الشباب»، وطبعا تعرف أنه من فترة عين مديرا لإسكان «الجيزة».
لكن بعدها بقليل وقع الطلاق بينهما..
فهل الدكتورة «سماء» تريد معاودة ما انقطع بينكما؟
أسأل نفسى.. وأظن أنك تسأل نفسك، السؤال نفسه. •
ملخص ما نشر
«سماء» التى قطعت علاقتها بالفنان «سلطان» بعدما أعدت رسالة دكتوراه فى علم النفس عن حالته الغريبة.. يحب «جنات» ويعشق ست نساء أخريات!.. تزوره فجأة بينما هو راقد فى المستشفى.. فى الغيبوبة!
تعترف له بفشل خطتها للاستحواذ عليه بأشعارها وأسلوبها فى التحليل النفسى، ومحاولة السيطرة عليه.. واستغلال صداقته الأخوية القوية لأخيها «سمير نور» - زميله الكاتب فى مجلة «الوعد» - فى محاولة لمحاصرته والاستحواذ عليه، وعزله عن «حريمه» كما تسميهم!
«سلطان» يرجو أن تكون زيارة الدكتورة «سماء» له إعلانا منها عن انتهاء مقاطعتها له، ويكشف لها أنه يفتقدها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.