جدل واسع.. أثارته المادة 15 من قانون الخدمة المدنية الذى ينص على أن الدولة يمكن أن تعامل الدول العربية بالمثل وتقوم بتعيين جنسيات عربية فى الحكومة، وهو ما يفتح الباب أمام مشاكل قد تحدث نتيجة دخول عناصر قد لا تعمل لصالح مصر ولا يمكن ضمان ولائها خاصة أن قطر لاتزال تكنّ الكثير من العداء لمصر. وتنص المادة 15 من قانون الخدمة المدنية الذى تم إقراره مؤخرا على «من شروط التعيين فى الجهاز المدنى بالدولة أن يكون المتقدم للوظيفة متمتعًا بالجنسية المصرية أو جنسية إحدى الدول العربية التى تعامل المصريين بالمثل فى الوظائف المدنية»، وهو ما يعنى أنه قد يأتى الوقت الذى تصل فيه بعض الشخصيات فى مناصب قيادية من غير المصريين.. وهو ما أثار مخاوف البعض بشأن سلامة الأمن القومى المصرى. ولا يخفى على أحد أن هناك الكثير من الجهات الخارجية تعمل من أجل إضعاف الدولة المصرية لتنفيذ مخططات خاصة بها لا تمت إلى العروبة بصلة، فهل ستكون المادة سببا لمخاوف كثيرة بهذا الشأن فى ظل بعض التصرفات التى تقوم بها دولة بعينها على اتصال بجماعة الإخوان الإرهابية وتؤوى الكثير من عناصرها على أراضيها؟! • اعتراض اعترض كمال أبوعيطة، وزير القوى العاملة والهجرة السابق على القانون برمته وليس المادة 15 فقط، حيث أكد أن القانون لم ينل الوقت الكافى للمناقشة المجتمعية حتى يتم إقراره سريعا، لاسيما أن الموظف العام هو مواطن مصرى بالدرجة الأولى، وعلى الدولة أن تراعى الكثير من الأبعاد قبل إقرار مثل هذا القانون الذى يمس ملايين المصريين. وأوضح أبوعيطة أن من أهم مكاسب الثورة هو خضوع القوانين للكثير من المناقشات المجتمعية قبل إقرارها، وهو ما يوفر حالة من الرضاء عن القانون، ولكن ذلك لم يحدث بالشكل الكافى لأن المواطن المصرى يعد طرفا أصيلا إلى جوار الحكومة وهما المخاطبان بأغلب مواده. وأكمل أبوعيطة حديثه بأن سر رفضه للقانون أنه يتنافى مع مبادئه العمالية، حيث كان من الأولى أن يُعقد الكثير من الجلسات قبل إقراره حتى لا تحدث أى مشاكل فى المستقبل، لاسيما أن الموظف المصرى عانى على صعيد الأنظمة المختلفة من ارتفاع الأسعار ووضعه دائما فى شرائح محدودى الدخل. • ضوابط اعتبر اللواء رفعت عبد الحميد، خبير العلوم الجنائية أن المادة لا تمثل أى خطر على الأمن القومى مادام تم تطبيقها وفقا للضوابط التى لا تسمح بأن تدخل بعض الجنسيات فى أماكن حساسة بالدولة. وأشار عبدالحميد إلى أنه ليس هناك ما يمنع من وجود عناصر عربية فى النظام الوظيفى المصرى المدنى مادام يؤدى أعمالا نادرة وملموسة ويسهم فى تقدم الاقتصاد، وهو أشبه بما يسمى بالاستعانة بالخبراء العرب أو الأجانب، وذلك بشرط أن يكون حسن السمعة وتنطبق عليه شروط قانون العاملين المدنيين بالدولة بشأن الأهلية وانطباق الشروط اللازمة لشغل الوظيفة. وأضاف عبدالحميد أن الحق فى العمل ليس حقا وطنيا فقط، بل عالميا بدليل أن كثيرا من الجنسيات العربية تعمل فى مختلف الدول لأكثر من 20 عاما، وبالتالى فإن تطبيق القانون كفيل بحماية مصر من أى مشاكل قد تطرأ لا قدر الله فى المستقبل. وأوضح عبدالحميد أنه لا يسمح بأى حال من الأحوال بعمل غير المصريين فى السلطتين التشريعية أو القضائية نظرا لحساسية تلك المناصب وتعلقها بالأمن القومى المصرى أو الأجهزة السيادية التى تعمل على حماية الأمن القومى المصرى بشقيه الجنائى والسياسى. وأكمل عبدالحميد حديثه بأن هناك بعض الحالات منتشرة داخل المجتمع المصرى مثل الزوج العربى الذى تزوج من مصرية ويريد العمل فستكون هذه المادة بمثابة الطريق للحصول على رزق مشروع مادام مقيما فى مصر، كذلك الحق بالنسبة لمزدوج الجنسية الذى يحمل الجنسية المصرية وأخرى لإحدى الدول العربية. • معاملة بالمثل أكد الدكتور رأفت فودة أستاذ القانون الإدارى والدستورى بجامعة القاهرة أن المادة 15 من قانون الخدمة المدنية لا تمثل الخطورة التى يظنها البعض، فالغرض الرئيسى منها هو فتح المجال أمام دول تعاملنا بالمثل من أجل التعاون العربى فى مختلف المجالات. وتطرق فودة إلى القاعدة الراسخة لدى مصر بشأن قدرتها على احتواء جميع العرب من خلال فتح المجال أمام العرب للمعاملة بالمثل فى مصر شأنهم شأن المصريين مادام المواطنون يلقون نفس الاهتمام. وأضاف فودة، أن الدول العربية لا تعامل المصريين على أن لهم نفس حقوق الموظف العام الراسخة فى مصر، حيث إن من ضمن شروطها عدم الفصل أو إنهاء الخدمة من طرف واحد، ولكن ما يحدث عكس ذلك تماما حيث إن الدول العربية تتعاقد مع المصريين بنظام التعاقد المحدد المدة ويمكن لها الاستغناء عنهم فى أى وقت، وهو ما يتنافى تماما، مع المفهوم الذى رسخه القانون المصرى للوظيفة العامة التى تعتبر أن الموظف له الكثير من الحقوق أهمها تحصينه ضد الفصل التعسفى وإنهاء مدة خدمته من طرف واحد دون الحاجة إلى سند قانونى واضح فى هذا الخصوص. وأوضح فودة أن الجيوش على سبيل المثال بدأت تستعين ببعض المستشارين الأجانب من أجل الاستفادة منهم والحصول على خبرات واسعة فى هذا المجال، وهذا أمر معلن متعارف عليه بين دول العالم ولا يوجد أى مشاكل من تلك المادة، لاسيما أن هناك الكثير من الضوابط التى تتيح للدولة مطلق الحرية فى اختيار العناصر اللازمة لجهازها الإدارى.. كذلك فإن الجيش المصرى يمكن أن يعمل لديه مستشارون أجانب، ورغم ذلك فإن الأمن القومى يكون محفوظا نظرا للخبرات الواسعة التى تتمتع بها القوات المسلحة. وأكد فودة أنه عمليا من الصعب على الجنسيات الخليجية القدوم إلى مصر والعمل بها وفقا للأوضاع المالية التى نص عليها القانون بالنسبة للأجر نظرا لارتفاع المعيشة فى تلك الدول ولا يتبقى إلا دول مثل سوريا التى زاد عدد سكانها فى الوقت الحالى داخل مصر نتيجة الأوضاع السيئة هناك، ولكن ذلك لا يعنى أن الوظائف المدنية غير العسكرية تمثل خطرا بشكل كبير على الأمن القومى، كذلك فإن الدولة تجمع دائما تحرياتها عن أى جنسيات غير مصرية قبل أن تقدم على تلك الخطوة. واختتم فودة حديثه بالقول: إن المادة 15 كان منصوصا عليها فى القانون القديم، ولكن الواقع العملى يثبت أن المناصب الحكومية هى للمصريين ولا يوجد إلا القليل للغاية الذى يشغل مناصب من العرب فى الحكومة. واتفق فى الرأى الدكتور محمود كبيش أستاذ القانون الجنائى وعميد كلية الحقوق السابق بجامعة القاهرة بأن الدولة لديها مطلق الحرية فى اختيار العناصر اللازمة للتعيين فى الجهاز الإدارى، وبالتالى فلديها الدراية الكافية من أجل اختيار المناصب التى تراها ملائمة للجنسيات العربية الأخرى التى يمكن أن تتعامل بالمثل معنا. وتابع كبيش قائلا: إن النص موضوع فى القانون ليؤكد أنه ليس هناك ما يمنع من شغل العرب لوظائف داخل الجهاز الحكومى المصرى مادام هناك معاملة بالمثل، لاسيما أنهم أيضا يقومون بوضع عدد كبير من المصريين داخل النظام الحكومى لديهم، وليس معنى ذلك أنهم لا يقومون باختبارهم ومعرفة مدى التزامهم وكفاءتهم، كما أن تنظيم المؤتمر الاقتصادى أثبت متانة العلاقات المصرية العربية فى هذا الشأن ووقوف كثير من الدول إلى جوار أرض الكنانة أثناء الأزمة المالية التى كانت تعانى منها. •