تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة يقام مهرجان المسرح الجامعى بمشاركة 12 جامعة خلال الفترة من 12 أغسطس وحتى 26 من نفس الشهر ويشارك بالمهرجان الطلاب المبدعون من جامعات (عين شمس، سوهاج، دمياط، بورسعيد، قناة السويس، الفيوم، المنصورة، الزقازيق، المنوفية، طنطا، سينا، وأكاديمية الفنون والأكاديمية البحرية). ويعقب كل عرض ندوة لمناقشته. حضرت (صباح الخير) مسرحيتين هما (عفوا لقد نفذ رصيدكم.. وأنشودة غول لوزيتانيا). على الرغم من اختلاف المكان والزمان واللغة فى كل مسرحية (فنفذ رصيدكم) باللغة العامية وهى من نوعية الكباريه السياسي، بينما (الغول) باللغة العربية الفصحى إلا أن القاسم المشترك بينهما هو ثورة الشعب المقهور المضحوك عليه من الحاكم الظالم الذى يتغذى على دماء الغلابة فيبيع الوهم أحيانا مرتديا عباءة الدين وأحيانا يحبو كحيوان مفترس لا ينتبه لشراسته أحد حتى ينقض على الفريسة. المهرجان افتتح فعالياته بمسرحية (عفوا لقد نفذ رصيدكم) لجامعة دمياط، العمل من إخراج محمد والى وتأليف عبده الحسيني، ديكور عادل عبدالغنى، إضاءة حسن النجار، موسيقى كريم خليل، ماكياج خلود أبوالعينين، تمثيل: محمد موسي، خالد حبيب، حسن العدوي، محمود خالد، إيمان بدير، دعاء جاويش، منى محمد، محمد المنير، أحمد حليمة، حسام الشرقاوى. وقد حاز مخرج العمل من قبل على الجائزة الأولى فى الإخراج من مهرجان إبداع 2 الشارقة عن نفس العمل. العمل يناقش قضية الوهم وهى تلخص قصة المواطن المصرى خلال الثلاثين عاما الماضية، الذى كان يعيش فى وهم اسمه الخوف وعندما كسره وتحرر من القيود شعر بأنه يستحق الحياة
بيكا والمستقبل بدأت المسرحية بصلاح بيكا الرسام الموهوب، رسما تخيليا للمواطنين المصريين فى المستقبل وكل منهم يعلق على صدره عداد هواء.. فى صورة تخيلية لحياة الإنسان التى أصبحت مليئة بكروت الشحن ويصبح هو الآخر مجرد آلة تعمل بالكارت. يشحن كى يتمكن من الكلام، من الحركة، من الانفعال. من المطالبة بالحق، من الحصول على متع الحياة. ولكى يحافظ على (شحنه) ولا يسمع أبدا جملة (عفوا لقد نفذ رصيدكم) عليه دائما أن يكون مغيبا، يدور فى مجاهل الوهم والحيرة،.
الوهم وليد بطل العرض يقرر أن يشحن ب 10 جنيهات ليواجهه المسئول، ليتحدث بحرية دون، قبل أن يشكو نقص الخدمات فى المدن الجديدة وارتفاع الأسعار ينفد شحنه، ويسمع الجملة المخيفة (عفوا، لقد نفذ رصيدكم)، ينفض الجميع من حوله، ويتصور أنه مات، لكنه يكتشف خدعة الحكومة له ولغيره طيلة ثلاثين عاما، وهى أنه يستطيع أن يعيش دون شحن. وليد يحاول أن يخبر باقى الناس بالحقيقة لكن لا أحد يصدقه، الجميع خائف. وقبل انتهاء العرض بثوانٍ يقدم المخرج أغنية (جيفارا مات) كاملة لشاعر العامية الكبير أحمد فؤاد نجم. بصوت أبطال العرض من الشباب. لكنه يأبى أن تكون هى النهاية، فوسط الظلمة لابد أن يكون هناك نور حيث يصر الجميع على خلع عصابات العيون السوداء من على وجوههم وإزاحة عدادات الهواء من فوق صدورهم فى إصرار على الحياة رافضين للاستسلام.
مبدعون (على هامش العرض المسرحى التقيت بأبطال العمل شباب جامعة دمياط الذين جاءوا لتقديم عرضهم والاستماع للنقد ثم مغادرة القاهرة والرجوع لمحافظتهم فى نفس اليوم). محمد والى مخرج العرض شاب أنهى دراسته بكلية العلوم يقول: أعشق الإخراج المسرحى وقد جئت من دمياط إلى القاهرة لأستمع للنقاد كى استفيد منه بعد ذلك فى مشوارى الفنى. محمد أخرج أربع مسرحيات قبل مسرحية (عفوا لقد نفذ رصيدكم) وهو أيضا ممثل. سألت محمد أنت خريج علوم فهل ستعمل فى تخصصك أم ستغامر من أجل تحويل الهواية إلى حرفة؟ فأجاب: سأعمل فى تخصصى ولكن سيكون لى أيام محددة أعمل فيها فى المسرح، لن أتركه حتى أحقق ما أتمنى من تقديم أعمال متميزة. دعاء جاويش بطلة العرض، فتاة مرحة منطلقة تحدثت بحماس قائلة: أنا أدرس فى الفرقة الرابعة من كلية العلوم. أحب التمثيل منذ طفولتى لكنى بدأت فعليا فى التعامل مع الموضوع بشكل جدى منذ عامين. دعاء من محافظة كفر الشيخ سألتها: هل ستكملين فى مجال التمثيل؟ أغمضت عينيها فى تمنى وتمتمت بصوت هامس: (ياريت)، وأردفت: أنا من الفلاحين من كفر الشيخ يعنى التمثيل عندنا عيب كبير، أهلى سمحوا لى بذلك لأنى وسط فرقة الجامعة ولكنهم يرفضون امتهانى للتمثيل أتمنى أن أجد دورا فى عمل كبير وقتها من الممكن أن أقنعهم لكن إذا لم أجد فرصة مناسبة اعتقد وقتها أن الزواج وتكوين الأسرة ستكون هى البديل بالنسبة لى. إيمان بدير مشاركة فى العرض، فى الفرقة الرابعة من كلية علوم تقول: بدأت العمل فى فرقه مسرح الجامعة منذ عامين فالتمثيل حلم لازمنى منذ أن كنت صغيرة. إيمان من سألتها عن الخطط المستقبلية لها ؟ أجابت فى حزن: للأسف لن أكمل كممثلة، فأهلى يرفضون موضوع التمثيل هم وافقوا عليه لأن العروض تعرض على مسرح الجامعة لكن احتراف التمثيل كمهنة أمر مرفوض. محمد موسى بطل العرض أنهى دراسته بكلية تجارة دمياط، يشارك فى العرض باعتباره من طلبة الدراسات العليا. محمد موهبة ملفتة. واثق من أدائه ملامحه مختلفة تجعل أدائه لافتا للنظر، يمثل منذ 4 سنوات. (غول لوزيتانيا) من كل دنيء يتكون ..... من خزى العار يتلون.. من فزع العامة والبسطاء.. من كل قبيح يأتى الغول. هذه الكلمات من العمل الثانى المميز والذى قدمه طلبة كلية الهندسة بجامعة بور سعيد وهى مسرحية بعنوان (أنشودة غول لوزيتانيا) للكاتب الألمانى بيتر فيس حيث قام بإخراجها محمد المالكى وبطولية الطلبة، أنس مردان والذى قام بدور الغول، وأحمد أسامة رجل الغابة الساحر وشروق عبد العال والتى قامت بدور (أنا) المرأة المسكينة التى يعذبها الجنرال بينما قام بدور الجنرال خالد عبدالجواد. وتحكى المسرحية قصة الغول الذى نصنعه بخوفنا وصمتنا فتدور القصة حول بلدة لوزيتانيا فى أنجولا والتى بدعوى التبشير ونشر المسيحية ساد فيها الظلم والقهر والتعذيب وطالتها يد الاستعمار فقهرت الرجال واستعبدت النساء تحت شعار (الإنسان لا يقود نفسه بل يحتاج دوما من يقوده) حتى تقزمت أحلام أهل البلدة وظلوا قابعين فى الظلام، ثم ثار واحد من أهلها وتمرد على الظلم والطغيان فأجتمع مع أهل البلدة وقرروا تحطيم قلعة (بيتشن) التى يستوطنها الغول، وتمكنوا من تنفس نسمات الحرية. أنس مردان الذى قام بدور الغول يدرس فى الفرقة الثالثة بكلية الهندسة يتميز بصوته الأوبرالي، والذى يعتبر إضافة مهمة للعرض قال لي: أعجبنى الدور فالغول يرتدى ملابس الرهبان، يقمع العامة تحت شعار الدين هو حالة موجودة فى مجتمعاتنا، فكرة حاضرة. مردان أكد أن اكتشافه جاء بالصدفة فهو يمثل فى المسرحية منذ عامين عندما كان يدرس إعدادى هندسة لكنه كان يؤدى دورا أخر غير دور البطل وبعد تخرج البطل اتجهت الأنظار إليه لحلاوة صوته وقدرته على توصيل الكلمات المكتوبة بالفصحى بطلاقة. مردان سيعمل فى مجال الهندسة وفقا لدراسته لكنه سيواظب على التمثيل لأنه يحبه وسيعمل جاهدا للبحث عن فرصة مناسبة له.
عصا وخروب بجانب اللغة الفصحى المكتوبة بها المسرحية والتى تعتبر أحد مكونات الجمال فى العرض كان هناك إيقاع مميز، متوازن يعطى جوا من الغموض والإثارة يتواكب مع البيئة والعصر اللذين تتحدثان عنهما المسرحية. عبقرية الإيقاع لا تكمن فى ملاءمته فقط للنص لكنها تكمن فى شدة بساطة الأدوات المستخدمة وهى عصا خشبية وقطعتان من نبات الخروب، يمسك بهما أحمد أسامة طيلة مدة العرض ليحدث إيقاعا مميزا بطريقة بسيطة غير مكلفة. سألت أحمد: كيف تعلم ضبط الإيقاع بهذه الحرفية؟ ففاجأنى بأنه لم يتعلم قط العزف على أى آلة وأن العزف تم بدون تدريب مسبق. أحمد يدرس فى الفرقة الثالثة من كلية الهندسة ويتمنى أن يكون ممثلا مشهورا موضحا أن لوزيتانيا ليست العمل الأول الذى يشارك فيه فلقد شارك مع فريق الجامعة فى ثلاث مسرحيات قبل ذلك. شروق عبدالعال تدرس فى الفرقة الثانية بكلية الهندسة تقول: أحب التمثيل منذ صغري، أول مرة أمثل فيها كنت فى الصف الأول الثانوى على مسرح المدرسة وعندما دخلت الجامعة كانت عينى على المسرح وانضممت للفريق وأنا فى إعدادى هندسة. شروق تشير إلى أن أهلها يرفضون احترافها للتمثيل، هذا بالإضافة لكونها محجبة وليست على استعداد لخلع الحجاب. شروق قالت: أمثل لأنى ضمن فريق الجامعة، لكن الوضع سيختلف بعد التخرج، سأعمل بشهادتي، أحب المسرح وكلما أتيحت لى فرصة لمتابعه الجديد لا أتردد ولكن الاحتراف بعيد عن تفكيرى. محمد المالكى مخرج العمل قال: إنه سعيد بتجربته مع الشباب وأنه استفاد من حماسهم وطاقتهم الإيجابية مشيرا إلى أن إشادة كل من الدكتور أيمن الشيوى والدكتور علاء قوقة عقب العرض المسرحى تعتبر جائزة للأولاد موضحا أن العمل شارك من قبل فى مسابقة إبداع 2 ولم يحصل على جائزة نظرا لعدم تخصص لجنة المسابقة فى هذا النوع من المسرحيات.
تطويل وأخطاء لغوية أعقب كل عرض ندوة شارك فيها كل من الدكتور أيمن الشيوى الناقد المسرحي، وعادل عبدالغنى الكاتب المسرحى والفنان علاء قوقه، حيث دار الحوار بينهم وبين الطلبة عن الفكرة وتقييم الأداء وقد أبدوا إعجابهم بالديكور والملابس وأثارت أغنية (جيفارا مات) كثير من الجدل فى المسرحية الأولى ولاقى السيناريو بعض الانتقادات بسبب التطويل الأشبه بالخطابة. بينما تجاهل البطولة الفردية ووجود بعض الأخطاء فى اللغة العربية الفصحى كانت أهم الانتقادات فى لوزيتانيا.