احتفلت مصر منذ أيام بيوم اليتيم، وكالعادة تعالت الأصوات التى تدعو للاهتمام بالطفل اليتيم على مدار العام، وألا يقتصر الاهتمام به فقط على يوم واحد فى السنة، ولكن ماذا عن باقى الأطفال، ولا سيما أطفال الصعيد الذين يعانون أشد المعاناة من الفقر ونقص الاحتياجات الأساسية، ومؤخرا أصبح هاجس الخطف يخيم على بيوتهم، بعدما انتشرت حوادث الخطف التى يستخدمها الجناة للتربح السريع، حيث يطلبون فدية مبالغاً بها، فيصبح أمام الأهل إما الدفع أو العثور على طفلهم جثة هامدة فى إحدى المناطق المهجورة، لتضاف تلك الكارثة إلى حوادث الاغتصاب التى بدأت تطفو على السطح هذه الأيام، بينما يحدث ذلك كله فى غفلة عن عيون الشرطة وأجهزة الأمن. ∎ فدية كبيرة
فى البداية توجهت إلى سيمون نسيم منسق جبهة مستقبل الصعيد الذى أكد أن حوادث خطف الأطفال زادت بشكل كبير جدا، لاسيما بعد ثورة 03 يونيو، مشيرا إلى أن جميع الأطفال فى «ملوى» العائدين بعد الاختطاف دفعت أسرهم فدية كبيرة تتراوح بين 300 ألف وتصل إلى مليون جنيه، وليس للشرطة أى فضل فى عودتهم، فهى دائما تقف مكتوفة الأيدى أمام تلك الحالات، أما عن الشريحة المستهدفة بالخطف فى المجتمع الصعيدى فيقول: الاغنياء والأقباط أكثر فئتين يتعرض أبناؤهما للاختطاف، وإذا أردنا إنصافا فالأقباط يقعون فى المركز الأول، والدليل أنه فى الأشهر القليلة الماضية تم خطف ثلاث عشرة حالة من بينهم تسعة أقباط، آخرهم الطفل بيتر ناجى، الذى عاد إلى أهله بعد أن دفعوا أربعمائة ألف جنيه للخاطفين، والذى ثارت حوله ضجة إعلامية منذ حوالى الأسبوع، والغريب فى قصته أن الجناة عاودوا الاتصال مع الأهل بعد انقطاع دام يومين، حيث وافقوا على تخفيض المبلغ إلى أربعمائة ألف جنيه بعدما كانوا مصرين على ستمائة ألف جنيه، لكن يبدو أن إثارة ضجة إعلامية أخاف الجناة، وقرروا إتمام الصفقة سريعا حتى لو تساهلوا فى المبلغ.. وعن طرق تسليم الفدية للجناة، يقول إن ذلك يتم عن طريق وسيط يشترط به ألا يكون من أقارب الطفل المخطوف، ويكون مكان التسليم فى منطقة نائية أو صحراوية يحددها الجناة قبل التسليم مباشرة، حتى يضمنوا عدم افتضاح أمرهم، حيث يتسلم الجناة منه المبلغ ويعطونه الطفل، ويقوم الوسيط بإعادته إلى ذويه، وعن أسباب انتشار العصابات بعد الثورة، يقول: هذه العصابات كانت موجودة قبل الثورة، لكنها كانت تقوم بفرض إتاوات، أو اقتحام المنازل غير المأهولة وعدم الخروج منها إلا بعد الدفع من قبل مالك المنزل، لكن نستطيع أن نقول إن ماحدث لهم «تغيير نشاط»، لما هو أربح وأضمن، زاد عليهم مجموعة من الشباب حديثى الإجرام، الذين فكروا فى خطف الأطفال كمهنة يمتهنونها، طالما لايوجد حسيب أو رقيب، فلا أحد يقبض عليهم رغم أننا أحيانا نتعرف على الجناة بالاسم.. وعن أسباب ذلك يقول: هناك تواطؤ أمنى لايمكن إغفاله، وفى بعض الأحيان يتم القبض على الخاطف، ويعترف الأهل عليه، لكن سرعان ما تأتيهم مكالمة هاتفية يتم تهديدهم خلالها بخطف طفلهم مرة أخرى إذا لم يقوموا بتغيير أقوالهم، ولخوفهم من تكرار المأساة يخضعون لهذا الابتزاز، ويفلت المجرم بجريمته.. وعن الحالة النفسية للمختطف بعد عودته يقول: تكون سيئة للغاية، حيث يداوم المختطفون إخافته، عن طريق ضرب طلقات الرصاص بجانب رأسه وإذلاله، ويبذل الأهل مجهوداً كبيراً فى إعادته للحياة الطبيعية مرة أخرى، أما عن حال أهالى ملوى بصفة عامة فيقول: جميع سكان مركز ملوى فى حالة هلع رهيب، وبعض الأهالى منعت أطفالها من الذهاب للمدارس، بينما البعض الآخر ينتظرهم على باب المدرسة حتى انتهاء اليوم الدراسى.
ويشدد سيمون على أن العدد الذى ذكره حول المختطفين لا يمثل سوى الحالات التى وصلت لجبهة مستقبل الصعيد، خاصة أن مركز ملوى يحتوى على أكثر من أربع وسبعين قرية، جميعها يعانى من نفس المشكلة، خاصة فى ظل اقتصار الشرطة على تأمين البندر والقسم وفض المظاهرات.
∎ اضطهاد دينى
تزايد الخطف على أساس دينى فى الصعيد هو أيضا ما أكده لى مينا مجدى المستشار القانونى لرابطة ضحايا الاختطاف والاختفاء القصرى، حيث يقول: نعمل بشكل أساسى على حالات الاختطاف التى ترجع أسبابها إلى الاضطهاد الدينى، فالمختطف على أساس مادى سهل إعادته بدفع مبلغ الفدية المطلوب، لكن المختطف على أساس دينى كيف يمكن إعادته، وما يقصده مينا هنا بالخطف على أساس دينى كما وضح لى هو الخطف الذى يتم للأطفال والقاصرات ويتم إجبارهم على تغيير ديانتهم بالمخالفة للقانون، وعن مدى انتشار ذلك يقول: هذه النوعية من الاختطاف منتشرة بكثرة وآخرها حالة خطف لقاصر بعد خروجها من المدرسة قيل إنها خُطفت وأجبرت على تغيير ديانتها، وعندما سألنا فى الأزهر لم نجد لها أى بيانات، كما خُطفت أم وطفلاها وعمرهما خمس سنوات، وثمانى سنوات وتم تغيير ديانتهم بالمخالفة للقانون، ويرجع مينا أسباب انتشار تلك الظاهرة إلى الغياب الأمنى، وتعصب البعض، وهو الاتجاه الذى نما وترعرع وقت حكم الإخوان، وعن الخطوات التى تقوم بها الرابطة عند إبلاغهم بوجود مختطف يقول: خطوات تقليدية ولا تأتى بأى نتيجة للأسف، وهى عبارة عن عمل محضر فى الشرطة بعد الاختفاء بأربع وعشرين ساعة وكالعادة، نواجه نفس السيناريو فى كل بلاغ، حيث يتم تحويله إلى النيابة، التى تقوم بحفظه، ثم بعد ذلك نبحث مع الأسرة فى عدة جوانب، كالاهتمام بالنواحى القانونية أو محاولة تتبع الهاتف المحمول.
∎ أمن مجتمعى متراجع
ومما سبق من آراء تتضح الصورة التى عليها الصعيد الآن، حيث حالات خطف متزايدة بشكل ملحوظ لطلب فدية، تحولت لتجارة رابحة نظرا لعدم وجود محاسبة أو عقاب، وبالتوازى حالات أخرى تحدث على أساس دينى زادت بشكل ملحوظ بعد 30 يونيو.
كل ماسبق دفعنى للتوجه إلى الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية ليشرح لنا تلك الظاهرة، حيث يقول: الثورات دائما ما يعقبها انتشار لمثل تلك الظواهر، وهو لا يعنى أبدا عدم وجودها قبل الثورة، لكن نسبتها تزيد وتصبح ملحوظة جدا بعد الثورة، خاصة فى ظل الغياب الأمنى الذى يعقب كل الثورات، وليس هناك أبلغ من حالة ليبيا الذى خُطف بها رئيس الوزراء شخصيا، فالأمن المجتمعى بعد الثورات يتراجع فى مقابل الأمن السياسى، وهذا ما يفسر انتشار كل الظواهر السلبية وتفاقمها، كما أن المناطق الصعيدية هى مناطق شبه قبلية، أحيانا يكون الخطف بها وسيلة من وسائل الانتقام، أو حسم الصراعات، أو الإذلال والإجبار، فضلا عن زيادة نسبة البطالة والفقر، وانتشار السلاح، مما تسبب فى انتشار العصابات، أما فكرة الخطف على أساس دينى فهو أمر منطقى جدا لأن الأقباط فى الغالب هم الفئة الأغنى ماديا، كما أن اختطافهم يعنى إرباك الحكومة واتهامها بعدم قدرتها على حماية المسيحيين، ليستغل ذلك كورقة ضغط دولية عليها تستخدم فى الضغط للإفراج عن أعضاء الجماعة الإرهابية المحتجزين فى السجون.