كشفت التفجيرات الأخيرة التى شهدها محيط جامعة القاهرة الستار عن قصور أمنى فى عمل رجال الحماية المدنية وخبراء المفرقات الذين فشلوا فى الكشف عن عبوة ناسفة ثالثة انفجرت بعد مرور أكثر من ساعة على انفجارين سابقين مما كاد يودى بحياة العشرات من المواطنين الأبرياء من ناحية، وقيادات الداخلية وأفرادها أنفسهم الذين هرعوا إلى موقع الحادث لمعرفة أسبابه وملابساته وآثاره من ناحية أخرى. كما كشفت هذه التفجيرات عن تطور نوعى فى خطط واستراتيجيات منفذى مثل هذه العمليات الإرهابية التى يتوقع كثيرون أن تزداد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بينما لا تزال وزارة الداخلية تعانى نقصا فى التسليح ربما يجعلها غير قادرة على ملاحقة هذا التطور الخطير.
الواضح أن وزارة الداخلية تواجه الآن مجموعة من التحديات والأعباء الأمنية الأشبه بالعبوات الناسفة فى طريقها المحفوف بالمخاطر، أبرزها استمرار مسلسل استهداف رجال الشرطة، وعدم القضاء بشكل نهائى على شغب الإخوان اليومى فى الجامعات والأسبوعى «كل جمعة» فى المدن والمحافظات، وفقدان السيطرة على سيل الشائعات التى تؤثر سلبا على معنويات المؤسسة الأمنية ورجالها وغيرها من الأمور التى تؤدى فى نهاية الأمر إلى تأخر الشرطة فى استعادة عافيتها من ناحية، واستعادة الأمن والاستقرار للبلاد من ناحية أخرى. «صباح الخير».. وضعت كل هذه الأمور وغيرها أمام القيادات الأمنية المعنية كما استطلعت آراء ووجهات نظر المختصين والخبراء الأمنيين من خلال هذا التحقيق.
∎ أساليب حديثة فى التفجير
فى البداية، أفاد مدير إدارة المفرقعات بمديرية أمن الجيزة العميد هشام يوسف أن العناصر الإرهابية بدأت فى استخدام أساليب حديثة لتنفيذ عملياتها التى تستهدف بها قيادات الشرطة وأفرادها، مبينا أنه فى الماضى كانت تلك العناصر تستخدم أساليب بسيطة، أما الآن فإنها تستخدم السيارات المفخخة والقنابل التى يتم تفجيرها عن بعد ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل زرعها «حديثا» داخل بالوعات المجارى وفوق الأشجار مثلما حدث فى واقعة تفجيرات محيط جامعة القاهرة الأخيرة.
وأوضح يوسف أنه فى مقابل ذلك هناك عمليات تطوير واستحداث لمنظومة المفرقعات بالإدارة العامة للحماية المدنية، كما أن هناك العديد من الدورات التى يتلقاها خبراء المفرقعات لمتابعة كل جديد فى هذا المجال.
ولفت الانتباه إلى أن خبراء المفرقعات يتعاملون مع أجسام قابلة للانفجار ويتعرضون للموت فى كل مأمورية عمل لكنهم فى الوقت ذاته يسابقون الزمن لإبطال القنابل والعبوات الناسفة خوفا على أرواح المواطنين الأبرياء، معربا عن استغرابه من النداءات التى تشير إلى وجود تقصير أمنى رغم التضحيات والجهود المبذولة من رجال المفرقعات الذين تمكنوا - من قبل - من إبطال مئات القنابل والعبوات الناسفة.
من جانبه، استنكر مدير أمن الجيزة اللواء كمال الدالى الحوادث الإرهابية الآثمة التى تطال رجال الشرطة أثناء أداء واجبهم فى حماية أمن واستقرار مصر، مؤكدا أن تلك الحوادث لن تثنى رجال الشرطة عن أداء مهامهم ولن تزيدهم إلا إصراراً فى مواجهة العمليات الإرهابية والعناصر التخريبية.
ونوه مدير أمن الجيزة إلى أن منظومة الأمن رغم أنها لا تزال تتعافى لكنها قادرة على المواجهة وإعادة بناء نفسها بنفسها بما يتفق مع الواقع وإعادة بناء فكر الأفراد وتدريب الضباط وتطوير أساليب تسليح قوات الشرطة وغيرها.
وأوضح الدالى أن الأمن سلعة ضرورية ومهمة وتكلفته مرتفعة للغاية تدفع ثمنها الدولة لتعويض الخسائر المادية، تدفع الداخلية ثمنها من أرواح أبنائها الطاهرة ناهيك عن التأثير على الروح المعنوية لرجال الأمن والخسائر المادية التى تتمثل فى حرق وإتلاف المعدات الشرطية.
مخاطر وتحديات
من جانبه، قال مساعد وزير الداخلية لشئون الإعلام اللواء عبدالفتاح عثمان: إن «استهداف رجال الشرطة يعد استمرارا لمسلسل خسيس يهدف إلى تعطيل خريطة المستقبل من ناحية، والتأثير على معنويات رجال الأمن وكسر همتهم وإثنائهم عن أداء واجبهم الوطنى فى خدمة الوطن من ناحية أخرى».
وأكد مساعد وزير الداخلية لشئون الإعلام أن الأجهزة الأمنية قادرة - بإذن الله - على الانتصار بمؤازرة الشعب المصرى الذى يعلم حجم المخاطر والتحديات التى تواجهها البلاد، داعيا المواطنين فى الوقت ذاته إلى اتخاذ موقف إيجابى فى حال ملاحظة أى تحركات غريبة لمساعدة رجال الشرطة.
وخلص مساعد وزير الداخلية لشئون الإعلام إلى القول: «لقد أصبح لزاماً علينا تطوير الخطط الأمنية لتطهير البلاد من عناصر الشر والإرهاب».
من جهته، أفاد مصدر أمنى مسئول بوزارة الداخلية أنه تجرى الآن دراسة تسليح الضباط بأسلحة حديثة ومتطورة تمكنهم من التعامل مع الإرهابيين بحيث يتم تزويد الضباط بنحو 051 ألف مسدس متطور وأمناء الشرطة بنحو 100 ألف مسدس خاصة العاملين فى إدارة البحث الجنائى ومديريات الأمن الذين يتعرضون لهجمات وتهديدات من العناصر الإرهابية.
وأضاف المصدر أنه يجرى أيضا دراسة التأمين على حياة الضباط مع إحدى الشركات الكبرى خاصة بعد سقوط أكثر من 460 شهيدا وأكثر من 10 آلاف مصاب بخلاف الخسائر المادية التأثير السلبى على الروح المعنوية.
∎ تعديل قانون العقوبات لمواجهة الإرهاب
وقال الخبير الأمنى اللواء فؤاد علام : الجماعة الإرهابية باستهدافها لرجال الشرطة تحاول أن تفقد وزارة الداخلية ثقتها بنفسها للكف عن الملاحقات الأمنية التى تتم ضد أعضائها، منبها إلى أن كل هذه المحاولات لن تفقد الشرطة ثقتها.
وأشار الخبير الأمنى إلى أهمية تطوير خطط التأمين وتنشيط أجهزة المعلومات داخل وزارة الداخلية للكشف عن القائمين بمثل هذه العمليات الإرهابية التى تستهدف قيادات الشرطة ورجالها، والقبض عليهم.
وبشأن قرار مجلس الوزراء الأخير بتشديد العقوبة على الجرائم الإرهابية وتشكيل دوائر متخصصة لها وتعديل قانون العقوبات والإجراءات الجنائية لمواجهة الإرهاب، أكد أن الأهم من إصدار القرارات هو تنفيذ مثل هذه القرارات حتى لا تصبح حبرا على ورق، معربا عن أمله أن تتلافى الشرطة أخطاءها من خلال إجراء عمليات تفتيش دورية للمناطق التى تشهد أعمال عنف يومية بما فى ذلك جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر وتمشيط تلك المناطق لمنع الجرائم قبل وقوعها.
∎ ضربات استباقية
والتقط أطراف الحديث، الخبير الأمنى اللواء مجدى بسيونى قائلا إن المرحلة الحالية تحتاج إلى الشدة والحسم لحماية أمن واستقرار البلاد من العابثين بها من ناحية، واتخاذ الأساليب العلمية الحديثة لمواكبة تطور الخطط الإجرامية التى تتخذها تلك الجماعات الإرهابية من ناحية أخرى.
وطالب بسيونى بقبضة أمنية حقيقية تعيد الأمن والاستقرار للبلاد من خلال تطوير المنظومة الأمنية بشكل كلى والاستعانة بالخبرات الأمنية التى لها دراية بالتعامل مع الإرهاب والقيام بضربات استباقية على نطاق واسع بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات تأمينية كبيرة من خلال تفعيل أجهزة الكشف المبكر عن المفرقعات وزرع كاميرات ذات تقنيات حديثة على المنشآت الحيوية، وذلك للوصول إلى أكبر درجة من الأمن والأمان.
فيما اعتبر الخبير الأمنى اللواء سامح سيف اليزل أن حجم تضحيات رجال الشرطة يعكس مدى إصرار وزارة الداخلية على تحقيق رسالة الأمن وخوض المواجهات مع العناصر الإرهابية وتغليب معايير أمن المواطنين على معايير سلامتهم الشخصية.
وأشار اليزل إلى أنه كان متوقعا أن تقوم الجماعة الإرهابية بتصعيد أعمال العنف قبل الانتخابات الرئاسية وبالتالى يجب توخى الحذر بأكبر قدر ممكن من جانب رجال الشرطة، لافتا الانتباه إلى أهمية الدعم الشعبى لهم، بالإضافة إلى أهمية الدعم الحكومى بأسلحة متطورة وتقنيات حديثة مثل أجهزة ال «جى بى إس» وسواتر ودروع واقية ضد الرصاص فى مواجهة العناصر الإرهابية.