على مدى أسبوعين متتالين كشفت الزميلة «هبة محمد» فى «صباح الخير» مأساة عدد من ضحايا الإهمال الطبى القاتل فى مستشفى دار الفؤاد المملوك لوزير الصحة الأسبق د.حاتم الجبلى آخر وزير صحة لمبارك، وذلك ضمن ملف الإهمال الطبى الذى تعانى منه المستشفيات الخاصة والاستثمارية الكبرى رغم حصولها على مئات الملايين من المصريين نظير تقديم خدمة طبية يفترض أنها ممتازة، والذى تنشره مجلة «صباح الخير» على حلقات. ورغم أن المجلة نشرت بالوثائق والأسماء والتقارير الطبية الرسمية عن الإهمال الطبى فى دار الفؤاد والذى أدى إلى تدهور صحة عدد من المرضى ووفاة عدد آخر منهم والد الزميل «سامح محروس» نائب مدير تحرير جريدة الجمهورية، فإن وزير الصحة الحالى د.عادل العدوى لم يفتح أى تحقيق فى هذا الإهمال أو تلك المخالفات الطبية للمستشفى الاستثمارى الكبير ولا ندرى ما السبب فى ذلك، فهل وزير الصحة يقدر حساب الزمالة، بحاتم الجبلى باعتباره وزيراً أسبق للصحة، فتغافل عن التحقيق فى شكاوى ضحايا مستشفى الوزير؟! أم أن د.عادل العدوى يخاف من فتح تحقيقات فى الإهمال الطبى لدار الفؤاد وأخواتها بقية المستشفيات الخاصة الكبرى الأخرى والتى لا يقل الإهمال الموجود فيها عن دار الفؤاد وربما يزيد، وهو ما شاهدناه مؤخرا من إهمال طبى قاتل فى مستشفى مصر الدولى أدى لوفاة الزميلة «نادين شمس» مما يغضب علية القوم الذين يملكون هذه المستشفيات على وزير الصحة فيستخدمون نفوذهم واتصالاتهم الواسعة لإقالة الوزير!
ونسأل الوزير الصامت لماذا لا يكون تحرك وزارة الصحة إزاء ما ينشر عن إهمال طبى قاتل، إلا إذا حدث هذا الإهمال فى المستشفيات الحكومية فقط، أو مستشفيات خاصة صغيرة مثل تلك المستوصفات المنتشرة فى الأحياء الشعبية.. ولكن حينما تتعلق مخالفات الإهمال الطبى بالمستشفيات الاستثمارية الكبرى التى يملكها بارونات المستثمرين فى القطاع الطبى المصرى، فتصمت الوزارة وكأن الأمر لا يعنيها، ولماذا لا نرى نشاط إدارة التراخيص الطبية والعلاج الحر فى وزارة الصحة إلا تجاه مخالفات عيادة خاصة فى أبوالنمرس أو مستشفى خاص فى بولاق الدكرور؟! ما هى الحصانة التى تتمتع بها المستشفيات الخاصة الكبرى فى الشارع الطبى المصرى وأسبابها؟!
هل يستطيع وزير الصحة الإجابة عن هذه الأسئلة أم أنه سيتبع سياسة سابقيه ويصمت تجاه مخالفات مستشفيات الكبار فى هذا البلد؟!
∎ الخاصة أنواع..
وتنقسم المستشفيات الخاصة الموجودة فى مصر حاليا إلى ثلاث مجموعات، الأولى: مستشفيات استثمارية كبيرة والتى من المفروض أنها أنشئت وتدار وفق مقاييس جودة كبيرة وتقدم خدماتها فى كل فروع الطب وفى جميع التخصصات بداية من الأنف والأذن والحنجرة وحتى جراحات القلب الدقيقة وزراعة الأعضاء البشرية وأهمها فى مصر الكبد والكلى.
والثانية: المستشفيات الخاصة المتخصصة فى جراحات اليوم الواحد أو جراحات التجميل، وقد انتشرت هذه المستشفيات بصورة لافتة للنظر فى الأعوام الأخيرة حتى أصبح هناك مستشفى تجميل فى كل شارع وحارة خاصة فى القاهرة والجيزة والإسكندرية.
أما النوع الثالث: فهو عبارة عن مستوصفات أو مجموعات طبية صغيرة تتضمن بعض العيادات الخارجية وعدداً محدوداً من الأسرة، وهذا النوع من المستشفيات لا يعتبرها الكثيرون مستشفيات خاصة حقيقية لصغر حجمها، رغم أنها الأكثر انتشارا فهى تقدم الخدمات الطبية للقطاع الأكبر من المواطنين خاصة فى فترة ما بعد الظهر عندما تصبح مستشفيات وزارة الصحة خارج نطاق الخدمة، وهى التى تراقبها وزارة الصحة وترسل إليها بمفتشيتا وتحقق فى أى شكوى تخصها سريعا ويتباهى مديرو الشئون الصحية ووكلاء الوزارة بالمحافظات بإغلاق عدد منها لمخالفتها شروط تقديم الخدمة الصحية أو إهمالها الطبى تجاه المرضى المترددين عليها!!
∎ أحكام القضاء لا تنفذ!!
ورغم أن هناك قرارا صريحا من وزير الصحة الأسبق د.إسماعيل سلام بإلزام المستشفيات الاستثمارية بإعلان تسعيرة محددة للخدمات الطبية التى تقدمها وفقا لما حددته اللجنة التى شكلها الوزير لهذا الغرض، فإن الكبار أصحاب هذه المستشفيات تحدوا قرار الوزير ولم يلتزموا بأسعار اللجنة الطبية التى شكلها ولجأوا إلى مقاضاة الوزير لإلغاء قراره بعدم إطلاق يده فى تحديد أسعار العلاج فى مستشفياتهم، ورغم أن القضاء الإدارى رفض طعن أصحاب المستشفيات الخاصة ضد قرار وزير الصحة وإن هناك حكما قضائيا نافذا بإلزام بارونات المستشفيات الاستثمارية بتحديد أجور العمليات الجراحية والخدمات الطبية وأسعار الإقامة فيها، وذلك عن طريق لجنة من الوزارة تضم ممثلين عن وزارة الصحة ونقابة الأطباء وأصحاب المنشآت الطبية لتحديد هذه الأسعار والالتزام بها، إلا أن أباطرة هذه المستشفيات لم يلتزموا بهذا الحكم القضائى، ولم يستطع وزير الصحة بجلالة قدره «التعظيم للصفة وليس للشخص» منذ عام 2002 وحتى الآن فى أن يلزم هؤلاء بقرار الوزارة رغم تتابع 01 وزراء على وزارة الصحة وهم د.إسماعيل سلام، د.عوض تاج الدين، د.حاتم الجبلى، د.أحمد سامح فريد، د.أشرف حاتم، د.عمرو حلمى، د.فؤاد النواوى، د.محمد مصطفى، د.مها الرباط وأخيرا د.عادل العدوى.
∎ اعتراف وعجز!! الغريب أن المسئولين فى وزارة الصحة يعترفون فى غرفهم المغلقة عن بحقيقة أن المستشفيات الاستثمارية الكبرى تغالى بصورة كبيرة ومبالغ فيها فى أسعار العلاج، وأن تكلفة السرير تضاعفت مرات عديدة فى السنوات الأخيرة، ورغم الاتفاق أن هذه المستشفيات أقيمت بغرض استثمارى لتحقيق أرباح لحملة الأسهم فيها وليس لأهداف قومية خيرية ويجب أن تحقق أرباحا كبيرة حتى المستشفيات شبه الخاصة التابعة للجامعة مثل قصر العينى التعليمى الجديد والفرنساوى وعين شمس التخصصى، لابد أن تكسب ولكن مطلوب أن يكون هذا المكسب فى حدود، فلا تأتى الخدمات الفندقية على حساب الخدمة الطبية، فتحاسب المريض وكأنه يدخل فندق 5 أو 7 نجوم، كما يجب أن يوضح المستشفى للمريض طبيعة أسعار خدماته الطبية حتى يعرف هل ستوافق إمكانياته أم يذهب إلى أحد مستشفيات الدولة أو الجامعية أو المؤسسة العلاجية أو هيئة المستشفيات التعليمية والتأمين الصحى، وبعضها يقدم خدمات طبية مذهلة، حيث إن جميعها ليس دون المستوى كما قد يظن البعض، وأحيانا يكون الإهمال الطبى فى المستشفيات الاستثمارية الشهيرة أكبر وأكثر خطورة على المرضى من مستشفيات الحكومة والتأمين الصحى، ولكن تسليط الأضواء عليها ومحاسبتها ليس كثيرا بل نادر جدا، بل إن بعضها معروف بالتجارة فى الأعضاء البشرية وأغلقت غرفة العمليات فيها أكثر من مرة، لكن يعاد فتحها بفعل نفوذ أصحابها وحملة الأسهم فيها، وعدم قدرة وزير الصحة «أى وزير للصحة» على الوقوف ضدها أو إخضاعها للرقابة الكاملة لوزارة الصحة أسوة بباقي المستشفيات العامة والحكومية والمراكز الطبية المملوكة للدولة.