فى العام الدراسى الماضى تعرضت الطفلة «م- ع» ذات الست سنوات، لواقعة اغتصاب من مدرسها «س- ب» البالغ من العمر 52 عاما، داخل الفصل بمدرسة حاجر المويسات الابتدائية التابعة لمركز إدفو بمحافظة أسوان، وما كان من والدها مدرس اللغة العربية بإحدى المدارس الإعدادية بإدفو، إلا أنه ذهب إلى إدارة المدرسة، ليشتكى المدرس ليحصل على حق ابنته. وهناك اكتشف الوالد أن إدارة المدرسة، لفتت نظر المدرس لتحرشه بالتلميذة قبل واقعة الاغتصاب بنحو 15 يوما، وأن المدرس المعتدى كان منقولا من مدرسة أخرى بسبب واقعة مماثلة، وأنه كان يفعل ذلك مع فتيات وأولاد ذكور أيضا من نفس الفصل! حاولت إدارة المدرسة إثناء الأب المفجوع عن الإبلاغ عن الواقعة خوفا على اسم المدرسة، لكن الأب حرر محضرا بالواقعة، وحولت النيابة الطفلة للطب الشرعى لإثبات الاغتصاب، وتعرفت على الجانى فى النيابة.
وهنا تبنت المحامية أسماء إسماعيل مديرة مؤسسة كارت أحمر، رفع دعوى قضائية ضد المدرس المتحرش، لتكشف هذه القضية الكثير من العقبات التى تواجه أولياء الأمور، حين يريدون إثبات مثل هذه الوقائع والحصول على حق بناتهم أو أبنائهم الذكور.
فى مؤسسة كارت أحمر التى أنشئت فى عام 2011 بأسوان، للدفاع عن قضايا حقوق الأطفال، تحكى أسماء تفاصيل القضية التى حكم فيها بعد أكثر من عام على الواقعة، وتحديدا منذ شهرين فقط، حيث قضت المحكمة بالسجن 10 سنوات ضد المدرس المتحرش.
تقول أسماء: عقوبة المتحرش المؤتمن على الأطفال أكبر من هذا الحكم بكثير، حيث تصل عقوبة الاغتصاب إلى الإعدام، ولو تم التخفيف تكون العقوبة هى المؤبد، والمشكلة أن أصابع الاتهام تشير إلى عدد آخر من المدرسين داخل المدرسة نفسها يمارسون التحرش ببعض الطلاب، كان آخرها الأسبوع الماضى، عندما دخل رجل يرتدى النقاب، وأراد أن يخطف طفلة وعندما عرف أنه رجل، فر هاربا.
وتتساءل أسماء: أين العقوبة التكميلية التى تنسحب على مدير المدرسة، وكل مسئول فيها، والتى يجب أن يعاقبوا بها حتى لا تتكرر حوادث الاغتصاب مرة أخرى؟
سألتها: وكيف سارت الأمور بعد أن رفعت المؤسسة الدعوى ضد المتحرش؟
- البداية كانت بتقديم بلاغات إلى مديرية التربية والتعليم بأسوان، ضد مدرسة حاجر المويسات الابتدائية، لكن المديرية اعتبرتها شكاوى كيدية، ولم تحرك ساكنا، وهو ما أطالب وزير التعليم بالتحقيق فيه لأن الطفلة «م» ليست الأولى ولا الأخيرة التى وقعت ضحية التحرش والاغتصاب داخل المدرسة.
∎ وكيف استطاعت أسرة الطفلة المغتصبة التعايش بعد وقوع التحرش والإبلاغ؟
- تعرضت أسرة الفتاة للتهديدات، من قبل المدرس وأقاربه، وزادت هذه التهديدات بعد صدور الحكم ضد المدرس، مما اضطرهم إلى ترك المدينة بأكملها، والانتقال للعيش فى القاهرة، وهو ما يدفع الكثير من الأهل الذين تتعرض بناتهم أو أبنائهم إلى التحرش إلى الصمت خوفا من وصمة العار التى تلحق بالابنة، خاصة فى قرية يعرف فيها الأهالى بعضهم البعض جيدا، وتسعى المدارس لإخفاء هذه الوقائع وطمس أدلتها، لإخلاء مسئولية المشرفين بالمدرسة عن هذه الوقائع، التى لا يعاقب فقط فاعلها عند ثبوت الشكوى، بل تطال بعض المسئولين أيضا، لإهمالهم فى الإشراف المدرسى.
∎ لكن هل حصلت الطفلة « أو مثيلاتها على الدعم النفسى بعد تعرضها لهذه التجربة المؤلمة فى سن 6 سنوات، وفى بداية حياتها المدرسية؟
- الكثير من هذه الوقائع تدفع فيها الضحية الثمن مرتين، فهى تتعرض لتجربة الاغتصاب أو التحرش، وفى الغالب لا تحصل على التأهيل النفسى المطلوب فى تلك اللحظات، فضلا على وصمها بجريمة لا ذنب لها فيها، كما أنها فى الكثير من الأحيان تحرم من الذهاب إلى المدرسة نهائيا، وتترك التعليم بسبب طول أمد نظر الدعوى والتلاعب فى الأحراز والتقارير الطبية، وحتى بعد أن تثبت أركان القضية فى قناعة القاضى إلا أنه يحكم بأخف العقوبة، ولا ينظر إلى تبعات القضية وما تتركه من آثار سلبية على الطفل الضحية ونظرة المجتمع، بل هجرة الأهل من المكان فى بعض الأحيان، وهو ما يشجع على ارتكاب جرائم التحرش وزنى المحارم والاغتصاب تجاه الأطفال بشكل عام.
والنتيجة أن القليل جدا من هذه الحوادث، هو ما يصل إلى الإعلام، لأن الناس تخشى الإبلاغ، كما أن إجراءات التقاضى التى تجرى بداية من أقسام الشرطة والنيابة يسعى المسئولون فيها إلى إيجاد حلول ودية بعيدا عن القضاء.
وتتابع أسماء: أرى أن بداية الكشف عن مثل هذه الواقائع يجب أن تكون بتدريب الإخصائيين الاجتماعيين على اكتشاف هذه الممارسات، وتشجيع الطلاب والطالبات على الإفصاح عما يحدث لهم، فلابد أن نوعى الأطفال الصغار فى المدارس، ونكثر من حصص التوعية المدرسية، عن طريق الإخصائيين الاجتماعيين، ونبسط لهم الأمر، بحيث يشعرون بالخطر إذا ما تعرض لهم أحد، ونعرفهم كيف يواجهون ذلك بسرعة.
∎ وكيف تصل هذه المعلومات للطلاب؟
- نفكر الآن فى المؤسسة فى إنشاء تحالف من أجهزة أمنية وقضائية وجمعيات أهلية، ونعمل من أجل البحث عن طرق لإيصال هذه المعلومات للطلاب وتدريبهم على طرق المواجهة، وأيضا الضغط من أجل سرعة الفصل فى مثل هذه القضايا التى تؤثر على مستقبل الطلاب وأسرهم، بالإضافة إلى التواصل مع خط نجدة الطفل.
وتتابع أسماء: الصعيد له خصوصية فى مثل هذه القضايا، ومن هذا مشكلة قضايا الاتجار بالأطفال، الذى تتبناه عصابات الجريمة المنظمة فى منطقة بحيرة ناصر، وأخوار العلاقى، ومنطقة المقلوبة، والوصول إليها يستغرق 3 ساعات عبر بحيرة ناصر، لأنها جزر، حيث تستغل هذه العصابات الأطفال الفقراء ويتم استدراجهم، أو خطفهم ويباعون بأسعار تبدأ من 500 إلى 2000 جنيه، ولايزال الإعلام بعيدا عن هذه القضايا.
∎ عقوبة المتحرش فى القانون
∎ مادة 96 من قانون الطفل:
يعاقب كل من عرّض طفلا للخطر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
∎ مادة 114 من قانون الطفل:
«يعاقب بغرامة لا تقل عن 200 جنيه ولا تجاوز ألف جنيه من سلم إليه طفل وأهمل فى أداء أحد واجباته إذا ترتب على ذلك ارتكاب الطفل جريمة أو تعرضه للخطر .
مادة 291 من قانون الطفل
«يعاقب بالحبس المشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه كل من باع طفلا أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسلمه أو نقله باعتباره رقيقا، أو استغله جنسيا أو تاجر به، أو استخدمه فى العمل القسرى، أو فى غير ذلك من الأغراض غير المشروعة، ولو وقعت الجريمة فى الخارج».