احترام الكبير والعطف على الصغير والعمل بروح الفريق، وحب الوطن والانتماء واحترام الآخر.. غلق صنابير المياه بعد الانتهاء من استخدامها. كلها وغيرها من القيم التى نفتقر إليها فى مجتمعنا، تحاول وزارة التربية والتعليم إعادتها للمجتمع، من خلال مبادرة لتدريس الأخلاق والسلوك من الصف الأول الابتدائى وحتى الثالث الثانوى، فى العام الدراسى المقبل.. فهل تدريس منهج للأخلاق يعيدها فعلا للمجتمع؟.. صباح الخير تحاول الإجابة عن هذا السؤال مع خبراء فى التربية والاجتماع.
قبل أسابيع قليلة وخلال أول لقاء صحفى له عقب توليه الوزارة بعد ثورة 30 يونيو، أصدر وزير التربية والتعليم د.محمود أبو النصر، قرارا، بأن بتدريس منهج للأخلاق والقيم لكل المراحل الدراسية فى مصر.
وفى تصريحات خاصة لصباح الخير، أكد الوزير أنه سيتم تدريس كتيب قامت بتأليفه مجموعة من خبراء التربية ليعلم الطلاب بعض سلوكيات وأخلاق غابت عن المجتمع، ونحن فى حاجة إلى استعادتها الآن، بعيدا عن الاختلاف السياسى والتربية الدينية.
الكتيب الجديد سيتم تدريسه خلال الجزء الأول من حصص اللغة العربية والمواد الاجتماعية. وتؤكد د. نادية جمال الدين، الأستاذ فى معهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة، أن الطلاب الآن فى حاجة إلى تعلم السلوك المتحضر الذى يرضى عنه الجميع، ويقرب بين الجميع، ويهذب النفس، «نحن فى حاجة إلى أن نلتف حول الوطن، وأن نحتفل معا، لنمسح المشاهد الصعبة التى مازلنا نعيشها، لنستعيد الروح الوطنية، لنعبر الصراعات التى طغت على الحياة فى مصر».
وتطالب د. نادية كل مؤسسة تعليمية بالبحث عن وسيلة لتحقيق الوئام، واحترام الآخر والتسامح، وأن يساعد الإعلام المرئى والمسموع فى التأكيد على الروح الوطنية، بمجموعة من الاحتفالات الوطنية، واستثمار كل الأعياد القادمة لخدمة هذا الهدف.
∎مدرس الأخلاق
«نحن بحاجة إلى إعلاء القيم الأخلاقية والإنسانية وإعادتها إلى المجتمع خاصة الآن» يقولها العميد الأسبق لتربية عين شمس محمد المفتى، مؤكدا أهمية تدريس منهج للأخلاق، لافتا إلى أنه قد تم تدريس نهج شبيه للأخلاق، لسنوات قليلة خلال وزارة الدكتور حسين كامل بهاء الدين فى التسعينيات، ولم يعرف لماذا تم التوقف عن تدريسه فجأة.
لكن المفتى يؤكد فى الوقت نفسه أن التدريس النظرى ليس كافيا لغرس قيم وأخلاقيات للنشء وطلاب المدارس.ئ
ولكنه سيساعد فقط فى شرح معنى بعض القيم، مثل الوطنية والديمقراطية وغيرها، لذلك لابد أن تصاحب التعليم النظرى أنماط سلوكية تكون فى مقدمتها إعلاء قيمة «القدوة» التى يجب أن يجسدها المعلم الذى سيدرسئمنهج الأخلاق، حتى تتسق سلوكياته وتصرفاته وأقواله مع ما يدرسه للطلبة ليؤثر فيهم سلوكيا.
ويكمل المفتى: يجب أن يتم اختيار مدرس الأخلاق من بين المدرسين، المتسمين بصفات الصدق والشجاعة وإنكار الذات بحيث يفعل مايقوله.
ويرى المفتى أن القدوة يجب أن تنسحب أيضا على كل من يشغل منصباً قيادياً فى العملية التعليمية، بل فى كل قيادات المجتمع والمؤسسات المختلفة، هذا بالإضافة إلى أهمية أن يتعايش الطالب مع مواقف عملية داخل المدرسة من شأنها أن تغرس فيه القيم الحميدة، مثل قيمة الالتزام بموعد بداية ونهاية الحصة الدراسية والثواب والعقاب داخل الفصل.
ولا ينكر د. المفتى الدور الذى يقوم به كتاب التربية الدينية فى إعلاء القيم الإنسانية والأخلاق، ويراه مكملا لكتاب الأخلاق والسلوك، ويؤكد أهمية أن يتضمن منهج التربية الدينية شرحا لنماذج حياتية وتطبيقية لما يقدمه من قيم، ولا يكتفىئبشرح الآيات والأحاديث ومعانى الكلمات.
ويربط المفتى بين عودة الأخلاقيات والسلوكيات الحميدة إلى النشء وتلاميذ المدارس واقتدائهم بها، وبين عودتها للمجتمع ككل، الذى لابد أن تتسق فيه أقواله مع أفعاله، بحيث لايرى النشء الصغير من يتحولون ويغيرون آراءهم ومواقفهم دون أسباب مقنعة.
فى المقابل يتساءل الأستاذ مختار حسن مدرس اللغة العربية بمدرسة الحوياتى الثانوية بنات والحائز على لقب المدرس المثالى، عن الكيفية والزمن الذى سيخصص لتدريس كتاب الأخلاق، فى الوقت الذى لايوجد فيه وقت كاف لتدريس المناهج الدراسية المقررة الأصلية، ولماذا لم تأخذ الوزارة آراء المدرسين حول تدريس مادة السلوك، فى حين أنها تأخذ آراءهم فى المناهج الأخرى؟! بينما يستحسن عبد الناصر إسماعيل المتحدث باسم اتحاد المعلمين المصريين، قرار وزارة التربية، بتدريس الأخلاق واصفا الكتاب بالمهم، ولكنه يرى أن تدريس هذا المنهج لابد أن يتم فى بيئة مدرسية ترسخ سلوكيا للقيم والأخلاق، وتطبق فيها الكرامة الإنسانية، وتعود فيها العلاقة بين الطالب والمعلم إلى الاحترام، بعيدا عن علاقة «الزبونية» والمصلحة الموجودة الآن فى أغلب الحالات.
ويوصى عبد الناصر بأن تختفى مظاهر التمييز بين الطلاب داخل المدارس، ومنها إخراج الطلاب المسيحيين من الفصل خلال تدريس التربية الدينية الإسلامية، لتكون المدرسة مركزا إشعاعيا للقيم والمثل الأخلاقية.
∎علاقة غير مؤكدة
ويكشف أستاذ علم الاجتماع بآداب القاهرة د. أحمد زايد، عن أنه يقود فريق عمل، لوضع دليل عمل للمعلمين فى مرحلة رياض الأطفال، والمرحلة الابتدائية، لغرس القيم الإيجابية فى نفوس النشء، بالتعاون مع منظمة الأممالمتحدة للطفولة اليونيسف، وثمانية من كبار علماء النفس والاجتماع.
يمكن أيضا للأسرة الاستعانة بهذا الدليل، لتربية أبنائها، كما يؤكد د.أحمد، لأنها تعتمد على الأنشطة والألعاب الترفيهية، خاصة فى غرس قيم التسامح والإيثار ونبذ العنف والوسطية، والثقة بالنفس والعفو والاحترام، التى يحتاجها المجتمع الآن أكثر من أى وقت مضى، ليعرف الطفل الفرق بين الخلاف والاختلاف، وتقبل وجهة النظر الأخرى، واستيعاب كل الأفكار المطروحة.
أما الدكتور كمال مغيث الأستاذ بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنميةئفيرى أن البداية يجب أن تكون بأنئتحكم العملية التعليمية بمنظومة من القيم، تبدأ من تطبيق قانون التعليم، وطريقة وضع المناهج الدراسية والامتحانات والأنشطة، حتى تتسق مع الدعوة للتحلى بالأخلاق.
ويؤكد مغيث أهمية أن يحكم النشاط التعليمى مجموعة من السلوكيات تتسق مع القيم الإيجابية، بحيث لا يفرق بين الولد والبنت فى ممارسة النشاط، كما تنقى المناهج من كل ما هو ضد المرأة والمواطنة.
ويرى مغيث أن أفضل طرق تدريس الأخلاق أن تكون عن طريق الأنشطة، لتكون بعيدة عن أساليب التلقين التى يتبعها أغلب المعلمين فى تدريس المقررات الدراسية، مع إمكانية دمج هذه القيم فى مقررات اللغةالعربية والتربية الدينية ومادة المجتمع.
وفى النهاية يشير مغيث إلى أنه ليس فى مصر أى دراسات جادة موثوق بها، تؤكد وجود علاقة طردية بين ما يدرسه الطلاب من مقررات دراسية، وبين سلوكياتهم.