أجرت الصحافة الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية مقارنة غير مباشرة بين الفريق أول عبدالفتاح السيسى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، والرئيس الأمريكى باراك أوباما وذلك فى محاولة لرصد تطور العلاقات المصرية - الأمريكية فى الفترة الأخيرة. ولعل عرض ما نشرته بعض من هذه الصحف يساعد - على الأقل - فى تبين وجود تأرجح وربما خلاف داخل دوائر صناعة القرار فى الإدارة الأمريكية تجاه حليف استراتيجى فى الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد - بطبيعة الحال - أننا نحتاج إلى الاهتمام كثيراً بمخاطبة الآخر بدلاً من الاستمرار فى التحدث لأنفسنا!
إدارة غير فعالة
وأبدأ بكلمات صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) التى أشارت إلى أن إدارة أوباما وإن كانت قد شددت وصعدت من لهجتها ضد مصر، إلا أنها لم تعلن عن عقوبات.. مما جعل منتقديها يؤكدون أن السياسة الأمريكية (غير فعالة)، حتى إنها قللت من أهمية الغاء مناورات النجم الساطع بين الجيشين المصرى والأمريكى.
وفى هذا الصدد ذكر جوشو شناتشير - الأستاذ بجامعة كينت والمهتم بالشأن المصرى - أن إلغاء المناورات - التى كان من المزمع البدء فيها خلال شهر سبتمبر المقبل- ليست ذات خطورة كبيرة فى مسيرة العلاقات المصرية - الأمريكية، خاصة أن هذه المناورات - فى الأساس - هى استعراض تجارى لمعدات الجيش الأمريكى، وإن كان إلغاؤها سيؤثر على الصناعة العسكرية الأمريكية، موضحاً أنها ليست المرة الأولى التى يتم فيها إلغاء المناورات المشتركة فقد سبق من قبل إلغاؤها عام 2011، مشدداً أن هذه المناورات كان من المرجح إلغاؤها نظراً للاضطرابات الأمنية فى مصر خلال الفترة الأخيرة.
وذكرت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) أن الاضطرابات فى مصر دمرت هيبة ومصداقية أوباما فى الشرق الأوسط، بل إنها جعلت البيت الأبيض بلا سلطة أو نفوذ على مصر.
وأوضحت الصحيفة أن قرار تعليق مناورات (النجم الساطع) يحمل حفنة من المخاطر التى تؤثر على إشكالية العلاقة بين واشنطن والقاهرة.
ونظرت الصحيفة لمحاولات واشنطن البقاء على الحياد تجاه الجيش ومناصرى الرئيس المعزول بأنها أدت إلى انعدام تأثير إدارة أوباما على الأوضاع فى المنطقة - خاصة بعد الكلمة التى وجهها العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود- مما جعل البعض ينظر إلى سياساتها باعتبارها (بلا مبادئ)!.
واعتبرت صحيفة (نيويورك تايمز) أن أوباما استخدم أحد أساليب الضغط ل (توبيخ) الحكومة المصرية، موضحة أن الإدارة الأمريكية تواجه خياراً صعباً بين دعم جنرالات الجيش المصرى والإعلان صراحة أن العلاقات المصرية - الأمريكية لا يمكن الدفاع عنها.
وفى مقال ل مارك لينش - أستاذ العلوم السياسية - بمجلة (فورين بوليسى) قال «إن جهود الإدارة الأمريكية فى حفظ قنوات الاتصال مع الجيش المصرى ومحاولة التوسط لحل الأزمة وتمهيد الطريق لعملية سياسية ديمقراطية جديدة باءت بالفشل»، مشدداً على أن «النظام العسكرى الجديد جزء كبير من الشارع المصرى وهم يريدون من الولاياتالمتحدة أن تتركهم وشأنهم، وعلى واشنطن - هذه المرة - أن تحقق لهم رغبتهم».
أما مجلة (نيوزويك) فأعلنت صراحة أن أوباما (فقد نفوذه فى مصر) واصفة البيت الأبيض بأنه فقد سلطته على الجيش المصرى وهى الأزمة الأولى من نوعها - على حد وصف المجلة الشهيرة - التى تواجه العلاقات الثنائية بين البلدين خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
* الجنرال القوى..
وعلى ذكر مجلة (نيوزويك) وتحليلاتها، فإنها أفردت أيضاً تقريراً إنسانياً مطولا تحت عنوان (الجنرال الهادئ..) عن الفريق السيسى ونشأته، ورؤيتها لشخصيته وأسلوب حياته قائلة «بعد أكثر من شهر على الإطاحة بمرسى، لايزال السيسى غامضاً مثل نظارته الداكنة، لكن لاشك أن مصر تملك الآن رجلاً قوياً جديداً».
ورصدت المجلة المعروفة انتشار صور الفريق السيسى فى شتى ربوع مصر حتى أنها باتت أكثر من هدايا أبوالهول التذكارية، على حد وصف المجلة.. مؤكدة أن فهم شخصية السيسى ضرورة للإجابة عن سؤال (إلى أين تتجه مصر؟).
وذكرت المجلة أن السيسى نشأ فى حى الجمالية بوسط العاصمة المصرية وسط أسرة متدينة - شأنها شأن الغالبية العظمى من المصريين - حيث كان والده يمتلك بازاراً فى منطقة خان الخليلى التاريخية يحمل اسم (السيسى) ويديره الآن شخص يدعى حسين والذى تحدث عن والد الفريق السيسى الذى عاصره لفترة طويلة، وهو يرى أن وزير الدفاع نسخة من والده الذى كان يحب القراءة خاصة فى التاريخ والقانون والاستماع الى أغانى أم كلثوم، وهو شخص محافظ لكن غير متطرف وكان لديه 3 أبناء و5 بنات وكلهم جامعيون.
وقالت المجلة إن أسرة السيسى كانت تطلق على ابنها لقب (الجنرال) منذ صغره وأن الابن أخذ عن والده كيفية الحديث مع أى شخص دون تفرقة، فقد كان يعرف كيف يتعامل مع العامل والطبيب، وفى نفس الوقت كان قادراً على استنتاج ما يريد أن يقوله الشخص بمجرد أن ينظر فى عينيه، ولكنها أوضحت أن وزير الدفاع - على عكس والده - نادراً ما يمزح ويمكنه الجلوس لفترة طويلة دون أن يتحدث، أى أنه مستمع جيد للآخرين.
وأشارت المجلة إلى أنه فى مايو الماضى اجتمعت نخب من المثقفين والصحفيين والفنانين مع السيسى فى مناسبة عسكرية وشجعوه على التدخل لكنه طالبهم بعدم التعجل.. حتى جاءت اللحظة المناسبة ليعطى السيسى مرسى والإخوان الحبل الذى شنقوا به أنفسهم.
ونقلت 77 فى تقريرها المطول عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن المشير محمد حسين طنطاوى ذ وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكرى السابق، اختار السيسى لخلافته بعد إحالته للتقاعد وانتخاب مرسى رئيساً للبلاد، حيث انطلق الرئيس الجديد لتغيير قيادات الجيش، حتى إن المراقبين للمشهد المصرى تعجبوا من عدم مقاومة القيادة العليا للجيش لقراراته، دون أن يدركوا أنه كان تغييراً فى الأجيال أو ثورة داخل المؤسسة العسكرية نفسها بقيادة السيسى والذى عينه مرسى وزيراً للدفاع معتقداً - على ما يبدو - أنه لا هو ولا غيره من الجنرالات سيختلفون معه طالما أنه يحترم امتيازاتهم الاقتصادية»(!!).
وأوضحت المجلة أنه فى الوقت الذى بدأ فيه مرسى الحصول على سلطات ديكتاتورية وممارسة إقصاء لمعارضيه واندلاع أعمال شغب دموية ودخول البلاد فى مرحلة الفوضى مع انخفاض شعبية النظام، بدأ السيسى فى التصرف فى العلن كلاعب مستقل عن حكومة مرسى ودعا لاجتماع لإجراء حوار بين قوى المعارضة لنظام مرسى وجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة - الذراع السياسية للجماعة - إلا أن مساعى الحوار باءت بالفشل.
وختمت المجلة تقريرها بجملة تقول «فى الخلفية، انتظر السيسى اللحظة المناسبة بصمت، ثم خرج أخيراً - مثل والده - من بازاره إلى النور ليكشف ما كان يبنيه بعناية».
عموماً فإن تحليل المجلة الأمريكية الشهيرة فى رؤيتها للفريق السيسى يكشف بصورة أو بأخرى أن فضيلة الصمت والاستماع التى تمتع بها هذا الرجل كانت السلاح الأقوى فى دراسة اتجاهات الشارع المصرى الذى ضاق ذرعاً بتصرفات الجماعة والتى لم يكن لديها مشروع أو خطة للنهضة وانتشال مصر من كبوتها، فقد كانت مجرد ذراع لآخرين لتنفيذ مشروع تم التخطيط له منذ زمن، ولايزال المخططون يحاولون بشتى الطرق إنقاذ هذه الجماعة وبالتالى إنقاذ خططها فى منطقة الشرق الأوسط كله، فهى تعلم جيداً أن سقوط الجماعة فى مصر يعنى سقوط المشروع فى المنطقة بأسرها، لذا فإن الطريق لايزال طويلاً وصعباً ولكنه ليس مستحيلاً طالما استوعب الجميع هذه المخاطر وتلك المشروعات التقسيمية.