ازداد المشهد تعقيدا خلال الأسبوع الحالى فى الجامعات المصرية، بعد أن شهد الفترة الماضية حالات تسمم لطلاب المدن الجامعية فى الأزهر والقاهرة، واشتباكات فى المنصورة. لتمتد حالة العنف إلى جامعة عين شمس بشكل عنيف ومتكرر، استخدمت فيها الأسلحة البيضاء والمولوتوف، واعتدى فيها على طلاب وأساتذة، بل رئيس الجامعة ونوابها.
وبعد أن كانت الأصابع تشير إلى الفساد الإدارى والإهمال داخل الجامعات المصرية، باعتباره المتهم الأول فى الأحداث، تمتد الاتهامات الآن إلى ما هو أبعد من ذلك. صباح الخير تحاول البحث عمن وراء ما يحدث فى الجامعات المصرية، التى يراها البعض مؤشرا لما ستسفر عنه الأيام القادمة فى الشارع المصرى.
ويربط البعض الآخر بينها وبين دعوات تطهير القضاء، وما نجمت عنه خلال الأيام الماضية.. فى بعض الجامعات المصرية كما حدث فى جامعة الأزهر والقاهرةوالمنصورة، فوجئ الكثيرون بتفاقم الأحداث فى جامعة عين شمس الأسبوع الماضى، والتى بدأت كأحداث عنف اندلعت يوم الأحد بين الطلاب ومجموعات من البلطجية داخل الحرم الجامعى لتنتهى هذه الأحداث بإعلان رئيس الجامعة قرارا بتعليق الدراسة بها لحين عودة القيم والأعراف الجامعية من يوم الخميس الماضى.
يقرأ المحلل السياسى د. نبيل عبدالفتاح، المشهد بقوله: عندما تجتاح الجامعات بعض القوى السياسية، وتستخدم العنف ضد التيار المنافس، يؤدى ذلك إلى مزيد من الاضطرابات والعنف المادى، على نحو يؤدى الى وقوع ضحايا، فى إشارة إلى جماعة أحرار حازمون الذين اقتحموا جامعة المنصورة.. ويربط نبيل بين أحداث العنف الواقعة فى الجامعات الآن وبين إخفاق الطلاب المنتمين إلى تيار الإسلام السياسى فى انتخابات الاتحادات الطلابية، الذين يحاولون الآن اختلاق أحداث العنف، لتفرض القوى السياسية الإسلاميةسيطرتها على الجامعات، لأنها مصانع لإنتاج الطبقة الوسطى والوسطى الصغيرة فى مصر، وبالتالى تتمكن من السيطرة عليها، وأن تفرض على الطلاب وعلى أعضاء هيئة التدريس برامجها وأفكارها.
وبناء على ذلك يرى نبيل أن القوى الإسلامية سوف تحدد هى برامج تعليم الطلاب، لتتحول الجامعة إلى مصانع لإنتاج العقل الإخوانى والسلفى، ويتراجع مستوى الطلاب إلى الحفظ والتلقين، وإلى برامج ليست لها علاقة بالواقع الاقتصادى والاجتماعى فى البلاد.
ويستبعد عبدالفتاح أن يكون ما يحدث فى جامعاتنا شبيها بما حدث فى الجامعات السودانية، فى بداية حكم الحركات الإسلامية، التى استطاعت تجنيد طلاب فى الجامعات والمدارس الثانوية، كانت تشتبك مع الطلاب الآخرين، فيؤدى ذلك لتعطيل الدراسة بالجامعات، حتى استقر فى النهاية حكم تلك الحركات، مؤكدا أن الحالة السودانية تختلف عن حالة حكم الإخوان المسلمين فى مصر، كما أنهم لو حاولوا تكرار نفس السيناريو فلن ينجحوا.
مدللا على ذلك بأن تركيبة القوى الإسلامية فى السودان مكنتها من تجنيد وإقناع الشباب بآرائهم وأفكارهم، لامتلاكها لخبرات سياسية كبيرة، اكتسبتها من خلال الجدل والحوار والتسامح السياسى، بخلاف العقلية السياسية للإخوان المسلمين، التى تفتقر إلى الخبرة السياسية، وتعتمد فقط على خبرتها التنظيمية.. ويتفق مع رأى عبدالفتاح، المنسق العام للقوى الوطنية الثورية بالجامعات د. ياقوت السنوسى، مؤكدا أن ما يحدث فى الجامعات من أحداث عنف وانفلات أمنى يأتى ضمن مسلسل ممنهج بهدف تغيير بعض القيادات الجامعية، وتعيين أخرى تتبع السلطة الحاكمة، مدللا على ذلك بمحاولة وزير التعليم العالى، ربط حصول أساتذة الجامعة على البدلات بتقارير فنية، لكن تصدى الأساتذة لذلك.
ويطالب اتحادات الطلاب وأعضاء هيئات التدريس بضرورة التصدى لهذه المحاولات، وأساليب العنف التى تتبعها بعض التيارات الإسلامية، والبعيدة والغريبة عن طبيعة الجامعة المصرية وطلابها، فالجامعة ملك للشعب، ولم تكن ملكا لتيار بعينه.
ومع هذا يتخوف السنوسى على حال البحث العلمى، والدراسة بشكل عام، بل الامتحانات داخل الجامعة فى ظل هذه الأحداث، مطالبا بإعادة تأهيل الأمن الجامعى الخاص، ورفع قدراته التأمينية، والتنسيق مع الأمن العام لحماية أسوار وبوابات الجامعة.
كما يشير السنوسى إلى أهمية تفعيل دور المرشد الأكاديمى، وهو عضو هيئة التدريس المكلف بالتواصل مع مجموعة من الطلاب، من خلال الأنشطة الطلابية والعلمية، ليكون بذلك حلقة الوصل بين إدارة الجامعة والطلاب، والبحث عن آلية جديدة فى اختيار رؤساء الجامعات، تعتمد على المعايير العلمية والكفاءة، بدلا من نظام الانتخاب الحر المباشر، الذى أثبتت التجربة أنه لا يأتى دائما بأفضل العناصر، ليقود الجامعات من يستطيع القيام بهذه المهمة بالفعل.
∎ تطهير الجامعات
ويرى عالم الاجتماع بجامعة عين شمس د. محمود عودة، أن ما يحدث فى بعض الجامعات المصرية الآن، هو جزء مما وصفه بالفوضى العامة، التى نراها فى كل مكان، كنتاج لسياسات الدولة الرخوة، وغياب سيادة القانون، الذى انتهك من قبل السلطة الحاكمة، محملا مسئولية ما يحدث على هذه السلطة، التى بادرت بازدراء القانون، وهى أول من أعطى المثل والفرصة لانتهاك القانون، عندما سمحت بحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى.
ويطالب عودة بسرعة التحقيق فيما جرى من أحداث عنف فى أحداث عنف فى جامعة عين شمس، ومعرفة من وراء هذا العنف، وهل هو نتاج صراع سياسى، أم دينى، ومن صاحب المصلحة؟ ويتخوف عودة من أن تنسحب فكرة تطهير القضاء، إلى تطهير الجامعة، لتكون أحداث العنف مقدمة لتعليق العمل بقانون الجامعات، وفرض الحكم الفاشى عليها، تحت شعارات التطهير.
∎طلاب الطرف الثالث
ويتبنى عالم النفس السياسى بجامعة عين شمس د. قدرى حفنى، نظرية المؤامرة تجاه من يقف وراء أحداث العنف.
ويؤكد حفنى أن من قام بأحداث العنف فى عين شمس، ليس له مرجع أيديولوجى أو دينى، حيث لم ترفع أى شعارات دينية أو سياسية، مدللا على ذلك بأن المتعارف عليه أن يفصح من يقوم بالعنف السياسى عن هويته، على غرار إفصاح الجماعات الفلسطينية عن مسئوليتها فى تنفيذ بعض العمليات.. ولم يبد قدرى قلقه على تعطل الدراسة بالجامعة، لأنه يرى فى تعليقها حماية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والعاملين فيها، وأن هذا التعليق لن يؤثر على التعليم، لأنه لن يستمر طويلا.
وفى المقابل يرصد قدرى شيئا إيجابيا فى تلك الأحداث، عندما اتحد طلاب قوى التيار الإسلامى، مع طلاب قوى التيار الليبرالى، فى مواجهة ما وصفه بطلاب الطرف الثالث، الذين يسمون أنفسهم «نيو فيجن»، وهو الدرس الذى يقدمه قدرى لتتأمله القوى السياسية، لتدرك أن أحدا لا يمكنه أن يلغى الآخر، فهى دعوة إلى التوافق.
∎ضعف الإدارات والمجهولون
ويقول د. هانى الحسينى الأستاذ بعلوم القاهرة، وعضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات: من يتحمل المسئولية هو رئيس الجامعة، لأنه المسئول عن فرض الأمن بحكم القانون.. ويعود هانى إلى بداية أحداث العنف فى الجامعات المصرية، عندما بدأت فى أكتوبر الماضى بجامعة حلوان، عندما قتل طالب نتيجة مشاجرة، ولم يتحرك أحد، لتظهر بعد ذلك أحداث عنف فى المنصورة وعين شمس.. هذا فى الوقت الذى مازالت فيه بعض إدارات الجامعات تؤمن بأنها مسئولة فقط أمام الأجهزة الأمنية، التى ترفع لها التقارير، فى حين لم تعتد أن يحاسبها الطلاب أو أساتذة الجامعة أنفسهم، بل إن بعض هذه الإدارات كانت تستخدم مجموعات من البلطجية قبل الثورة لمواجهة مجموعات الطلبة المنتمية للتيارات الدينية بالتعاون مع الجهات الأمنية،للسيطرة على الطلبة، ومواجهة من يقاوم السلطة الحاكمة ويطالب باستقلال الجامعات، ضاربا المثل بما حدث لجماعة 9 مارس، عندما تعرضوا للضرب من قبل بعض البلطجية داخل الجامعة، خلال مطالبتهم بإلغاء الحرس الجامعى.
ويعلق أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة د. محمد عفيفى على قرار تعليق الدراسة بجامعة عين شمس لأجل غير مسمى، قائلا: عبر التاريخ المصرى كانت الجامعات المصرية تغلق نتيجة لمظاهرات الطلاب المصريين فى مواجهة الاستعمار والأخطار التى كانت تحيط بمصر، فى إطار الحركة الوطنية. ولكنها اليوم تغلق بسبب البلطجية، الذين يصفهم المسئولون فى الداخلية فى تعبيرات جديدة بأنهم «مجهولون»، واصفا حالة الجامعات المصرية بأنها تشبه حالة المجتمع كله الذى يعيش لحظة ارتباك تاريخى، مؤكدا أن بعض قيادات الجامعات المصرية قد نجحوا فى قيادة جامعاتهم، رغم تلك الظروف، فلم تحدث بها أحداث عنف أو تعليق للدراسة، مثل جامعات: القاهرة، والإسكندرية والمنيا وغيرها