أبى أن يرحل الأسبوع الماضى دون أن تكون هناك كارثة جديدة بالمدينة الجامعية الخاصة بطالبات جامعة القاهرة، لتضاف إلى سلسلة الكوارث التى اعتدنا قراءتها مؤخرا عن المدن الجامعية، حتى أصبح الحديث عن معاناة الطلاب وحياتهم غير الآدمية باهتا ومكررا، فطالما تحدثنا وتحدث غيرنا عن الحياة القاسية والطعام غير الصحى، وكأن القدر يريد أن يبرهن كل مرة على صحة ما نقول فيأتى إلينا سريعا بواقعة جديدة فى مدينة مختلفة، حيث انطلق قطار الأغذية الفاسدة من المدينة الجامعية بالأزهر بتسمم خمسمائة طالب لينتقل مسرعا إلى مدينة جامعة القاهرة التى قرر المشرفون بها إحراق اللحوم الفاسدة بداخلها، ومن تكرار الحوادث بداأن سلسلة فساد الأغذية المقدمة للطلاب بالمدن الجامعية حلقاتها ضيقة وأقطابها معروفون، فمديرو التغذية بالمدن الجامعية والأطباء البيطريون وموردو الأغذية، هم ثلاثة أشخاص لابد لأحدهم على الأقل أن يكون قد اشترك بالتواطؤ والإهمال على أقل تقدير. نهى إحدى الطالبات المقيمات بالمبنى المجاور للمطعم، وهى إحدى الطالبات اللاتى عاصرن القصة من بدايتها حيث تقول، صعدت إلينا فى الغرف روائح كريهة منبعثة من المطعم، وعندما نزلنا لنستوضح الأمر فوجئنا بلحوم متراكمة وملقاة خلف المطعم، فبدأنا فى الاستفسار حول سبب إلقاء هذه الكمية الهائلة من اللحوم بهذه الطريقة، فصرح لنا أحد العاملين بعد مماطلة أن تلك اللحوم فاسدة وغير صالحة للأكل، فبدأ الشك يساورنا حول طبيعة الطعام الذى نأكله بشكل عام، وبدأنا نقوم بإبلاغ زميلاتنا وبالتالى زاد عدد الطالبات أمام المطعم، ولكن التوافد الحقيقى للطالباتحدث بعد أن قام عمال التغذية بإشعال النيران فى اللحوم الملقاة، فما كان من الطالبات إلا أن جئن من جميع مبانى المدينة ليتساءلن عن الحريق المشتعل وأسبابه، ومن ثم قامت إحدانا بإبلاغ الشرطة سريعا لإثبات الحالة، وعن وصول وزير التموين د.باسم عودة إلى المدينة تقول، قدوم الوزير إلينا هدأ من روعنا وأشعرنا أن هناك من يهتم لحالنا فى هذا البلد، فقد شاهد بنفسه آثار الحريق ووعدنا بمحاسبة المقصرين، وأعتقد لولا قدومه لما أُلقى القبض على كل من مدير التغذية بالمدينة والطبيب البيطرى المسئول عن الإشراف على صحة الغذاء الداخل إلى المدينة، للتحقيق معهم فى دخول تلك الأغذية الفاسدة
.
أسئلة مشروعة
من المؤكد أن استبعاد اللحم الفاسد عن غذاء الطالبات، وسرعة استجابة وزير التموين لاستغاثاتهن، واتخاذ إجراءات فورية تتعلق بوقف توريد اللحوم المجمدة للمدن الجامعية، وتوقيع غرامة على مورد اللحوم للمدن الجامعية، تعادل ضعف ثمن كمية اللحوم التى تم إتلافها والتى تزن 251 كيلو، لكن كل هذه الإيجابيات لا تعنى أبدا عدم طرح مجموعة من الأسئلة من قبيل، ما الذى يجعل إدارة التغذية بالمدينة الجامعية تقبل استلام لحوم تحوى فى أنسجتها درنات سل من الأساس أين دور مدير التغذية والطبيب البيطرى من القيام بدورهما بالكشف عن جودة الطعام المقدم للطلبة؟ وما الذى جعلهما يقومان بحرق تلك اللحوم داخل مقر المدينة على خلاف المتبع فى مثل تلك الحالات بإبلاغ الشرطة التى تقوم هى بدورها لإثبات التهمة على المورد ثم تعدم اللحم؟ وما الذى جعل عمال المطاعم يقومون بإضراب شامل يوم السبت الماضى بعدم تقديم الوجبات للطلاب، اعتراضا على حبس الطبيب البيطرى ومدير عام المطاعم حسن عبد الحى أربعة أيام على ذمة التحقيق؟ علما أن هذا الإضراب قد جاء بإيعاز من اللواء طارق تيرانة مدير عام المدن الجامعية، والذى سبق أن نشرنا ملفات تشير إلى مخالفات مالية ضده، توجهنا بكل تلك الأسئلة المشروعة إلى د.عز الدين أبو شتيت نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب الذى فاجأنا بقوله إن الإضراب حق مكفول للجميع، فمن حق العمال الإضراب خاصة إذا شاهدوا ظلماً وقع على رؤسائهم، فكيف لرجال أدوا دورهم على أكمل وجه وقاموا بالإبلاغ عن فساد اللحوم أن يتم حبسهم أربعة أيام، وبسؤالنا عن سبب استلامهم للحوم من الأساس يقول: الثلاجة الموجودة داخل المدينة هى عهدة المورد يستأجرها مقابل خصم 1٪ من التعاقد، وكل ما بداخل هذه الثلاجة هو ملك للمورد ولا سلطة لإدارة المطاعم عليه، حيث تبدأ المسئولية على إدارة التغذية بالمدن الجامعية بمجرد خروج اللحوم من الثلاجة وإذابة الثلج منها تمهيدا لطهيها، وهو ما حدث بالفعل، حيث كشف الطبيب البيطرى على اللحوم وصرح بعدم صلاحيتها ومنع العمال من طهيها فهل يكون جزاؤه بعد ذلك الحبس؟، وبسؤاله عن سبب إحراق العمال للحوم داخل المدينة يقول إن اللجنة المشرفة لجأت الى إتلاف اللحوم باستخدام الجاز والفينيك والديتول ونقلها مؤقتاً لنفايات الأغذية بالمدينة الجامعية حتى يتم رفعها من جانب المورد الذى تباطأ فى الحضور، وكان الغرض من الإتلاف بهذه الطريقة لمنع المورد من أن يستخدمها مرة أخرى فى أى جهة أخرى، أما إشعال النيران فى ذلك اللحم داخل المدينة فهو سبب المشكلة الأساسى رغم أنه تم بحسن نية حتى لا يأخذها المورد ويوزعها على أناس آخرين فتتسبب فى حالات تسمم، فهذا الإجراء أدى إلى تجمهر الطالبات وزاد من ذعرهن
.
خطة مستقبلية
وعن خطة جامعة القاهرة لتحسين مستوى المدن الجامعية التابعة لها وتجنب تكرار كارثة أخرى يقول، بداية قد قررنا وقف التعامل مع شركة «الباشا» التى تقوم بتوريد اللحوم المجمدة إلى المدن الجامعية، وبشكل عام، فالجامعة سوف تحرص فى الفترة القادمة على تحسين الخدمات المقدمة للطلاب فى المدن الجامعية، وبخاصة فيما يتعلق بنوعية الوجبات الغذائية التى يتناولها الطلاب وطرق تقديمها. وذلك عن طريق توفير موارد إضافية يمكن من خلالها توفير البيئة المناسبة لإعاشة الطلاب وتحسين الخدمات المقدمة، كما سوف يتم إعداد خطة للصيانة الدورية للمبانى وصالات الطعام وتجهيزات المطاعم مع المتابعة الأسبوعية لأوضاع الخدمات المقدمة للطلبة والطالبات.