أثرنا فى العدد الماضى من «صباح الخير» قضية إهدار الطاقة فى الصناعة المصرية كأحد أسباب أزمة الطاقة والكهرباء الحالية حيث تستهلك المصانع أكثر من 40٪ من منتجاتنا من الطاقة التقليدية «غاز ومازوت وسولار» بالإضافة إلى 33٪ من إنتاجنا من الكهرباء ولاتتبع فى معظمها أى خطط أو مشروعات طموحة لتحسين كفاءة الطاقة التى تستخدمها مما يجعلها تحقق هدرا كبيرا فيها لدرجة أن المصانع المصرية تستهلك طاقة تفوق مثيلاتها العالمية حتى إن مصانع الزجاج تستهلك طاقة تزيد عن المعدلات العالمية بنسبة 25٪ عن الأقل فى حين تصل نسبة الزيادة فى صناعة الحديد والصلب إلى 20٪ أما مصانع الأسمنت فتبلغ زيادة استهلاكها للطاقة عن المعدل العالمى نسبة 11٪. أشرنا إلى وجود تناقض بين إحصائيات برنامج ترشيد استهلاك الطاقة فى الصناعة الذىيتبناه مكتب الالتزام البيئى والتنمية المستدامة باتحاد الصناعات الذى يرأسه المهندس شريف الجبلى عضو مجلس ادارة الاتحاد وبين أهداف وحدة ترشيد الطاقة وحماية البيئة بمركز تحديث الصناعة، حيث تشير أرقام المكتب إلى رفع كفاءة الأداء الصناعى وتقليل تكلفة الإنتاج بخفض استهلاك الطاقة فى أكثر من 300 مصنع فى عام 2011 بنسبة تتراوح بين 30٪ و 40٪ وهو ما حقق عائدا اقتصاديا مباشرا لهذه المصانع بلغ 7 مليون جنيه سنويا بينما أهداف الوحدة المعلنة والتى تهدف إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة فى المنشآت الصناعية بما يؤدى إلى تخفيض الكمية الكلية المستخدمة من الطاقة فى الصناعة تبشر بتحقيق نسبة خفض تصل إلى 3,8 ٪ فقط بحلول عام2022.
∎حقيقة نسب وفر الطاقة
المهندس أحمد كمال المدير التنفيذى لمكتب الالتزام البيئى يرد على ما نشرناه قائلا: لا يوجد تناقض بين أرقامنا وبين أهداف وحدة ترشيد الطاقة وحماية البيئة بمركز تحديث الصناعة لأن الأخيرة تحسب نسبة الوفر العام فى الطاقة بالنسبة للصناعة المصرية ككل، أما مكتب الالتزام البيئى فيحسب نسبة الوفر وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة فى كل مصنع على حدة تبعا لكمية الطاقة التى يستهلكها وخطوط الإنتاج والتنكولوجيا التى يستخدمها وإجراءات ترشيد الطاقة التى يأخذ بها، وتبعا لذلك تحدد نسبة الوفر الذى سيحققها هذا المصنع ونتيجة لكل ما سبق حددنا نسبة خفض استهلاك الطاقة فى ال 300 مصنع التى عملنا معها والتى تراوحت بين 30٪ و40٪ وهو ما لا يتعارض مع الهدف العام لتقليل نسبة استهلاك الطاقة على مستوى الصناعة المصرية بصناعاتها المختلفة والذى تتبناه وحدة ترشيد الطاقة بمركز تحديث الصناعة وهى 3,8٪ .
سألت المهندس أحمد كمال: لماذا تأخر مكتب الالتزام البيئى فى الاهتمام بقضية ترشيد وتحسين كفاءة استخدام الطاقة فى المصانع حيث لم يهتم بهاإلا فى عام 2005 ولم تظهر النتائج إلا فى عام 2011 رغم أن المكتب بدأ عمله فى عام 2001 فقال: تم إنشاء مكتب الالتزام البيئى بقرار من اتحاد الصناعات فى عام 2001 للعمل فى مجال حماية البيئة فقط ولم يكن له أية علاقة بالطاقة حيث تركز عمله فى توفيق أوضاع المصانع مع القوانين البيئية، ولكن بعد الاحتياج إلى ترشيد الطاقة بعد ذلك بسنوات استحدثا إدارة ترشيد الطاقة فى عام 2005 والتى بدأت عملها لتحقيق هدفين رئيسسيين الأول مساعدة المصانع على ترشيد الطاقة والثانى مساعدتها على تحقيق آلية التنمية النظيفة طبقا لاتفاقية كيتو، وفى عام 2008 أدخلنا الطاقة المتجدة مع ترشيد الطاقة حتى لا يتركز جهدنا فقط على مصادر الطاقة التقليدية العادية فأضفنا إليها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وأية مصادر طاقة أخرى مثل توليد الطاقة من المخلفات الصلبة، والمكتب يحاول تطوير نفسه مع احتياجات المصانع، فمنذعامين ظهرت مواصفة جديدة فى التصدير اسمها «البصمة الكربونية» هى مواصفة خاصة بالمنتج الصناعى منذ بداية تصنيعه وحتى وصوله للمستهلك وتحسب نسبة عوادم الكربون التى أخرجها هذا المنتج بداية من خط الإنتاج فى المصنع ووسيلة نقله فى الخارج والداخل ووسيلة حفظه إذا كان منتجا غذائيا، فالمجتمع العالمى أصبح يتعامل مع المنتجات الصناعية عن طريق هذه البصمة الكربونية وكم الانبعاثات الكربونية والتلوث التى قد تنتج عنها.
ويوضح المدير التنفيذى لمكتب الالتزام البيئى أن برنامج تحسين كفاءة استخدام الطاقة التى يتبناه المكتب يركز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لأن المصانع الكبيرة تملك العقليات الهندسية والإمكانيات الكافية التى تمكنها من ترشيد الطاقة إذا أرادت، لكن المشكلة الأكبر لبرامج ترشيد وتحسين كفاءة استخدام الطاقة تكون فى المصانع المتوسطة والصغيرة لأن صاحب المصنع يكون فى معظم الأحيان هو مديره العام والمسئول عن الإنتاج فلا يكون عنده الوقت أو الامكانيات التى تساعده على تحقيق كفاءة الطاقة فى مصنعه، وقد قمنا فى المكتب أولا بتحديد الصناعات الأكثر احتياجا لترشيد الطاقة فكانت فى البداية أربع صناعات هى الصناعات الكيماوية والهندسية والمعدنية والغذائية، وأضفنا إليها حاليا صناعات الأخشاب ومواد البناء والجلود والدباغة، حيث نعمل على إعطاء العاملين فيها الوعى والتدريب الكافى بطرق تحسين كفاءة استخدام الطاقة فيها واللمييزات التى سيحصلون عليها فى حالة ترشيد الطاقة فى مصانعهم.
ويضيف المهندس أحمد كمال: إن مكتب الالتزام البيئى بالتعاون مع جهاز مرفق تنظيم الكهرباء وحماية المستهلك واللجنة المصرية الألمانية عالية المستوى للطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة وحماية البيئة قام بتنفيذ الدورة الأولى من البرنامج التدريبى المعتمد دوليا لإعداد مراجعى الطاقةللعاملين الممثلين لشركات توزيع الكهرباء والشركة القابضة للكهرباء ومشروع تحسين كفاءة الإضاءة وذلك بالاستعانة بخبراء متخصصين من مصر وألمانيا والتى بدأت بورشة عمل لتأهيل مهندسين شركات الكهرباء على مواصفة الأيزو 50001 الخاصة بنظم إدارة الطاقة، ويهدف البرنامج التدريبى إلى نشر الوعى والتعريف بمفاهيم وتقنيات ترشيد الطاقة ورفع كفاءة العاملين بشركات توزيع الكهرباء وإعدادهم كمراجعين طاقة معتمدين وصقل خبراتهم فى مجالات نظم إدارة الطاقة وإيجاد حلول لخفض تكاليف الطاقة من خلال تحسين كفاءة استهلاكها.
∎حصر الطاقة المهدرة
وتقول المهندسة وفاء إسماعيل رئيس قطاع الطاقة بمكتب الالتزام البيئى والتنمية المستدامة: بدأنا فى عام 2005 بدراسة على مقدار الطاقة المهدرة فى المصانع من خلال حصر لاستهلاكات الطاقة فى المصانع والمعدات التى تستخدمها وتحديد مراحل الإنتاج التى تهدر فيها الطاقة.
ومدى استعداد أصحابها للتعاون معنا لإيقاف هذا الهدر ببدء إجراءات ترشيد الطاقة، ونحن نحاول تطبيق إجراءات ترشيد وتحسين كفاءة استخدام الطاقة فى اكبر عدد من الصناعات الصغيرة والمتوسطة، فمثلا لمواجهة أزمة السولار والمازوت نعمل على تحويل المصانع إلى الاعتماد على الغاز الطبيعى وقد نجحنا فى تحويل 35 مصنع من الاعتماد على المازوت والسولار فى الإنتاج إلى الغاز الطبيعى وهو ما يوفر 25٪ من فاتورة الطاقة، بل إنه كان يوجد عدد من المصانع تعمل بالفحم فى الشرقية كمصدر للطاقة فى الصناعة وما له من تأثير ضار على البيئة فحولناها فى البداية إلى الاعتماد على السولار، حيث لم يكن الغاز الطبيعى متوفرا فى المدينة وبعد توفره حولنا المصانع لتعمل بالغاز ويذلك خفضنا فاتورة الطاقة من جانب وخفضنا الانبعاثات الحرارية المؤثرة على البيئة من جانب آخر.
وفى أفران صهر السيليكات استخدمنا موفر الطاقة الذى يأخذ درجة الحرارة الخارجة من المدخنة لتسخين هواء الاحتراق فيحسن كفاءة النظام ويقلل استهلاك الغاز بنسبة 30٪.
وفى مصانع الغزل والنسيج التى تستخدم غلايات البخار تمكنا من خلال تحسين كفاءة الاحتراق فى توفير7٪ من استهلاك المازوت والسولار فإذا علمنا أن أسعار المازوت زادت بنسبة 50٪ مؤخرا حيث ارتفعت من 1000 جنيه إلى 1500 للطن ندرك مدى الفائدة التى ستحققها هذه الصناعة من وفر الطاقة خاصة إذا أضفنا إليها الوفر الذى يمكن أن نحققه فى عملية استخدام الإضاءة فى اختبار المنتج العام للملابس الجاهزة باستخدام الإضاءة الموفرة للطاقة والتى تخفض استهلاك الكهرباء بنسبة 40 و50٪، وهناك أيضا المواتير المستخدمة فى هذه الصناعة ولا تتعدى كفاءتها 60 أو 65٪ واستبدالها بأخرى كفاءتها أعلى تقلل من استهلاك الطاقة.
وفى الصناعات الكيماوية التى تستخدم المضخات ومراوح الهواء هناك موتور متعدد السرعات يوفر 51٪ من الطاقة المستهلكة لأنه يتحكم فى كمية الهواء الداخلة فيعطيه كمية الهواء التى يحتاجها فقط للعملية الانتاجية التى يستخدمها، وهناك أيضا تكنولوجيا ضبط نسبة الهواء للوقود التى توفر كثيرا فى استهلاك الطاقة، لأننا ندخل كمية هواء عند درجة حرارة منخفضة ونخرجها عند درجة حرارة أعلى، فإذا أدخلنا كمية هواء أكبر فمعنى ذلك وقوع هدر كبير فى الطاقة وهى العملية التى نطلق عليها كمهندسين «مقبرة الطاقة» لأنك تخرج طاقة كبيرة جدا فى الهواء بدون أى استخدام، وعلى فكرة بعض إجراءات ترشيد الطاقة لا تحتاج إلى أية استثمارات إضافية ولكن ضبط إجراءات الصيانة والتشغيل مثل الحد من تسريبات مصايد وخط البخار والعزل الحرارى لمواسير نقل البخار.
وفى مصانع المواد الغذائية التى تستخدم البخار فى حفظ وتجفيف الخضروات كانت عندهم مشكلة كبيرة جدا وهى أن كمية كبيرة من البخار تضيعبدون استخدام ومياه تفوير الغلايات يتم إلقاؤها فى الصرف رغم محتواها الحرارى الكبير لذلك اقترحنا عليهم استخدام الفلاش تانك الذى يأخذ هذه المياه الساخنة ويستفيد من درجة حرارتها فى أية عملية إنتاجية أخرى بدلا من تسخين مياه جديدة وإهدار طاقة إضافية.
وتضيف المهندسة وفاء إسماعيل: ومن أهم المقترحات التى تهدف إلى ترشيد الطاقة فى الصناعة والتى تم تطبيقها على عن طريق مكتب الالتزام البيئى فى أكثر من 150 مصنعا بعد عمل مراجعات مبدئية وتفصيلية للمصانع فى مختلف القطاعات هو خفض الفاقد من الطاقة الكهربائية المنقولة عبر الشبكة القومية إلى مراكز الأحمال ومنها إلى المستهلكين من خلال تركيب مكثفات تحسين معامل القدرة على الجهدين العالى والمتوسط لتحسين كفاءة النقل والتوزيع والذى يؤدى إلى تحسين معامل القدرة وتخفيض فقودات الشبكة وزيادة نصيب الاستخدامات الناتجة فى طاقة التوليد المتاحة حيث ساعدت هذه المشروعات فى خفض فاتورة الكهرباء والحصول أحيانا على حافز مالى.
∎غياب الصناعات الكبيرة
ورغم أن برامج تحسين كفاءة استخدام الطاقة فى الصناعات الصغيرة والمتوسطة يعتبر من الأمور الإيجابية، لكن عدم القيام ببرامج مماثلة تستهدف كفاءة الطاقة فى الصناعات الكبيرة كثيفة الاستهلاك للطاقة يجعل نسبة وفر الطاقة فى قطاع الصناعة ككل ضعيفا جدا، فمصانع الحديد والصلب والأسمنت والأسمدة مازالت تستخدم معدات وأجهزة قديمة جدا مهدرة للطاقة وهى المصانع التى تحصل على النسبة الأكبر من دعم الطاقة الذى تقدمه الحكومة حتى أن ديونها لوزارة البترول تعدت ال 3 مليارات جنيه، ورغم الحديث الحكومى عن إلغاء دعم الطاقة بعد سنوات قليلة إلا أن المستثمرين فى هذه الصناعات والمهتمين بها يتصرفون وكأنه لا يوجد أى أزمة أو حتى نقص فى إمدادات الطاقة وكأن دعم الحكومة لأسعار الطاقة التى يستخدمونها مستمر للأبد.
فمثلا هناك تكنولوجيا جديدة تختصر خطوات صناعة الحديد إلى أربع خطوات بدلا من خمسة.
وهذه التكنولوجيا توفر جزءا كبيرا من الطاقة اللازمة فى عملية الصهر، وذلك برفع القدرة الإنتاجية لكل ميجا وات من 1.5 طن حديد / ساعة إلى 2.7 طن حديد / ساعة، وهناك طريقة جديدة لاستهلاك الطاقة المفقودة لتوفير 40٪ من طاقة صهر الخردة المهدرة.
وكذلك الحال فى الصناعات الأخرى الكثيفة الاستهلاك للطاقة هناك تكنولوجيات حديثة تم التوصل إليها عالميا توفر كثيرا فى الطاقة التى تستهلكها ورغم أنها مكلفة جدا إلا أن كفاءة استهلاك الطاقة التى تحققها تجعل هذه التكلفة مناسبة جدا وليست مرتفعة بسبب كم الأموال التى توفرها للصناعة من خفض تكلفة فاتورة الطاقة التى ترتفع أسعار منتجاتها كل يوم.
وللأسف لم يعرف المسئولون وكذلك القائمون على الصناعات الكبيرة أن ترشيد الطاقة هو أحد أهم ملفات إدارة الطاقة لمواجهة الزيادة المرتفعة فى معدلات النمو والحفاظ على حق الأجيال القادمة فى المصادر الطبيعية للطاقة ومواجهة التحديات من عجز إمدادات الغاز ومنتجات البترول، وكذلك التوافق مع القوانين البيئية عن طريق خفض الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود فى محطات التوليد وخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى، لذلك فالعائد من الترشيد وتحسين كفاءة استخدام الطاقة يفوق العائد من الاستثمار فى مشروعات إنتاج الكهرباء وتصنيع منتجات البترول والغاز أو حتى استيرادها من الخارج بأسعار خاصة مثل الاتفاق الأخير مع قطر باستيراد الغاز منها بتيسيرات كبيرة فى الأسعار وطريقة الدفع.