مصر تربة سوداء وشجرة خضراء فيها نهر مبارك يسيل بالذهب كمجارى الشمس والقمر.. تمده عيون الأرض وينابيعها مأمورة بذلك، وهى ثلاثة أشهر بيضاء وثلاثة أشهر مسكة سوداء وثلاثة أشهر زمردة خضراء.. وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء.هكذا كتب عمرو بن العاص فى رسالة إلى عمر بن الخطاب يصف له مصر كأنه ينظر إليها.. وكان يوضح أن النيل والزراعة يجلبان فيضاً عظيماً وخيراً وفيراً لأهلها.
∎ عيد أمنا لنحتفل احتفالاً خاصاً بعيد الأم هذا العام، ليكن لأمنا جميعا.. مصر.. لنهديها باقة كبيرة من زهور الاعتذار.. لنربت عليها لنزيل قلقها ونمسح دموعها، هى الأم الحنونة التى ربتنا كلنا، لنقرأ تاريخ مصر العظيم لنفهم لماذا سميت أم الدنيا ولنفهم لماذا مصر أعجوبة الدنيا والدهر مصر أقدم وأعرق الحضارات وأن أولية مصر فى الرسالات السماوية شاهد على أن حضارتها هذه قد اقترنت بالدين الإلهى والتوحيد الدينى، الأمر الذى جعلها الأم فى المدينة الدنيوية وفى التوحيد الدينى أيضا.. فى مصر ارتفعت رايات دعوة التوحيد الدينى كأثر من آثار النبوات والرسالات السماوية وفى مناجاة أمنحتب الثالث لله الواحد الأحد:
«أيها الموجد دون أن توجد.. مصور دون أن تصور.. هادى الملايين إلى السبل.. الخالد فى آثاره التى لا يحيط بها مصر».. وقد دعا «إخناتون» إلى رسالة التوحيد: «أنت إله يا أوحد ولا شبيه لك.. لقد خلقت الأرض حسبما تهوى أنت وحدك خلقتها ولا شريك لك».. لقد عرفت مصر عقيدة التوحيد منذ فجر الإنسانية وكان المصرى يقول فى شهادته يوم الحساب بين يدى الواحد الأحد.. كما جاء فى أتون الأهرم:
«أنا لم أشرك بالله.. أنا لم أعق والدى.. أنا لم ألوث ماء النيل.. أنا لم أطفف الميزان.. أنا لم أطرد الماشية من مراعيها.. أنا لم أتسبب فى بكاء أحد.. أنا لم أحرم إنسانا من حق له.. أنا لم أخطف اللبن من فم رضيع.. أنا لم أطفئ شعلة فى وقت الحاجة إليها.. أنا لم أعترض على إرادة الله»
∎ من تاريخ مصر
كتب الدبلوماسى والكاتب الكبير يحيى حقى صفحات من تاريخ مصر.. منها «سجل هذا الشعب».. أى عجب لم يترك هذا الشعب المصرى سجلا كاملا باقيا على الدهر مستوعبا لجميع معيشته ومعتقداته علومه وفنونه عمله لهوه ما من ساعة من عمره إلا قلنا كيف كان يقضيها وما من مهنة مهما هانت إلا كان لها نصيب فى هذا السجل يشرح التدرب عليها ثم أداءها خطوة خطوة بحشد من قوى البدن تنطق بالصبر والتجلد والصمود تتبين فى الحركة وبحشد من قوى الروح تضىء وتهلل وفرح على ملامح الوجه هيهات أن ترى وجها عابسا أو محنقا أو مجهدا.. ولأن الحياة على الأرض مرحلة عابرة مؤدية إلى عالم الحق فإنها اتقدت بين يديه وتفجرت وقد بلغت حياة المصرى ذروة الحياة».
ويتأمل الكاتب يحيى حقى فى تاريخ هذا السجل المرسوم على الجدران ومنقول لكتب التاريخ القديم والحديث لمصر: «أتأمل صورته وهو عارى الرأس غير متشح إلا بإزار قصير لم يشأ إلا أن يقدم لنا شبابه لأن الشباب هو الصلابة والنضارة معا عدة اليوم وأمل المستقبل.
الرأس مرفوع والنظرة دائما إلى الأمام، شعب يهيم بالمثل العليا والحدود القصوى يأنف القليل والدنئ.. إن مقبرة فهى الهرم الأكبر، إن معبد فهو الذى تراه فى الأقصر بمساحته الشاسعة وأعمدته الفخمة، إن تمثال فالذى تراه فى «أبى سنبل» ولم يتضخم رأس إنسان ألف مرة إلا فى أبى الهول».
ويكمل الأستاذ حقى أن هذه الخصلة لصقت بطبع الشعب المصرى فبعد أن أشرق فى سمائه نور الإسلام فنرى مسجد ابن طولون كأنه معد لمن أراد أن يصلى الجمعة من أهل العاصمة جميعا.. ومسجد السلطان حسن بمئذنته التى علت جميع مآذن العالم الإسلامى.. لم يعش شعب كما عاش الشعب المصرى منذ فجر الوجود والضمير، فى أرض حددتها له الطبيعة لم تحددها معاهدة أو اتفاق.. وتاريخه متصل بلا انقطاع.. شعب حمال الأعباء والمسئولية مهما ثقلت حفاظا على استقلاله وحرمة وطنه.
هكذا كتب الأستاذ من مقالاته المهمة عن تاريخ مصر وشعبها.. تذكروا تاريخ مصر العظيم.. وعودوا لتكونوا شعبا عظيما.. لنحتفى بأمنا العظيمة.. مصر.. لا نجلب لها أى سوء.. بل تدافع عنها من كل سوء.. فأمنا.. ليست للبيع.
∎ مصر يا ولاد
عنوان مقال رائع للكاتبة المبدعة سناء البيسى ضمن كتابها بنفس العنوان.. من هذا المقال: «مصر يا ولاد.. مصر السلام وأرض السلام وليست أرض البلطجية والمطاوى والسيوف والتكفير وسب الأديان.. مصر النهارده ناقصها الحب.. مصر تحكم على القليل وعايزة الكثير.. عايزة التئام الشرخ، عايزة الشرخ يبقى سطحى قبل ما تمتد الجذور سرية تحت الأرض متاهات وتنظيمات وتطرف وإرهاب وسلاح أبيض وأسود وناسف ومخطط وشبكات جنون»
«لابد لنا من التخوف والانتباه وعدم إلقاء مصائبنا فوق كاهل عساكر الأمن الغلابة وحدهم، المسلمين والمسيحيين وذلك بحقن عقول العيال بمفاهيم خاطئة.. طول عمر مصر بيتنا ووطنيتنا ما شعرت به فتنخر فى جذور البراعم البريئة الجاهزة للتلقى.. تتحول إلى أشجار شوك قبيحة لاتسر النظر تنشر سمومها فى الهواء يكدسها التلوث يتنفسها مجتمع عايش فى وطن مفتوح الذراعين رايح عليه وجاى تيار المؤامرات وإشعال فتيل الفتن»
«مصر يا ولاد.. افشوا السلام.. فإن الحال إذا ما استفحل عما يجرى الآن من سوء الحال فعلى الدنيا السلام». بهذه العبارات ختمت الكاتبة العزيزة سناء البيسى مقالها الرائع الذى قدمت منه بعض الفقرات وقد كتبته سناء منذ عدة سنوات قبل ثورة 25 يناير بسبب حدث جلل فى مدينة الإسكندرية عن فتنة طائفية.. وقد وجدت أنه يصلح جدا الآن فى هذا الوضع الغريب المريب لأمنا الحبيبة مصر.
∎ ابتسامة
أهديها لأمنا الحنون.. من أشعار الشاعر الفرنسى «بول إيلوار»: ما كان الليل ظلاما حالكا فى كل حين فهناك فى آخر الحزن نافذة مفتوحة نافذة مضاءة دائما هى هناك ثمة - دائما - حلم يسهر قطرة للمنال جوع للإشباع قلب كريم يد ممدودة.. يد مفتوحة أعين منتبهة.. حياة. الحياة التى وجدت كى نتقاسمها. ريشة: ايهاب شاكر