عندما تجتمع الأساليب الفنية المختلفة فى مكان واحد تخلق «حواراً متبايناً»، وهو عنوان معرض الفنانات (إيفلين، نيفين، وحورية) بقاعة خان المغربى بالزمالك. وفيه تظهر العلاقة الحميمة والعشق الغريزى الذى يربط بين الإنسان ومسقط رأسه وخاصة الفنان.. لأن الفنان التشكيلى لكونه مبدعا وحساسا فإن تأثير المكان عليه يكون أكثر وضوحاً وتجليا عن غيره ويخلق لكل فنان خطاً مميزاً وتشكيلاً فريداً به. والمعرض رغم تزاحم الأعمال الفنية فيه فإن الأساليب الفنية به تألفت فى نسيج تعددت ألوانه وتداخلت فى انسجام تام، إضافة إلى أن التباين الواضح فى الاتجاهات ومدارس المشاركين خلق نوعا من التغيير والبعد عن النمطية فى الطرح.
ولأن جغرافية المكان تحتم على الفنان أن يتأثر بمحيطة البيئى بما ينعكس على نتاجه الفنى، فلذلك تمسكت الفنانة إيفلين عشم الله بالمؤثرات الشعبية داخل أعمالها، فهى تنتمى إلى مدينة «دسوق» فى الغرب من فرع رشيد. ومعها نرى عشرات الملامح لوجوه كثيرة تنظر إلينا من لوحاتها المعلقة، وكل لوحة أشبه بنافذة على عالم شعبى بسيط تقدمه الفنانة بكل وجوهه ومشاهده الحياتية برؤيتها المتميزة التى اعتمدت فى أغلبها على وجوه البشر فى صورة لوحات بسيطة عفوية بخلفيات نباتية وأخرى هندسية، احتفلت فيها الفنانة إيفلين بشخوصها بالألوان الصريحة المبهجة وملأت كل سنتيمتر من المسطح بالألوان المشرقة والخطوط السوداء التى حددت ملامح الوجوه كلها، مستخدمة ألوان الجواش على أوراق كرتونية، وهذا ما يحسب للفنانة وهو إنتاجها لفن راقٍ متميز بأقل الخامات تكلفة.
كما كان للفنانة نيفين الرفاعى أيضا مجموعتان عبرت فى أولاهما عن مدينتها الإسكندرية بكل مبانيها وكباريها وبحرها، مستخدمة الألوان الزيتية على التوالى. وقد عملت الفنانة على إبراز معالم المكان فى الإسكندرية برؤية خاصة من إبداعها، ركزت معها على معالم الإسكندرية الشهيرة خاصة كوبرى استانلى بأنواره الذى كررته فى معظم لوحاتها.. وظهرت المبانى والمراكب من منظور علوى وأحيانا سفلى بخطوط رفيعة للغاية تميل إلى التجريد، وجاءت ألوان هذه المجموعة صريحة متداخلة فى حوار متجانس وأحيانا متنافر مع بعضها.. ونرى فى مجموعة الفنانة الثانية وجوهاً كأنها ترتدى أقنعة لتخفى جانبًا من شخصيتها المظلمة فعمدت الفنانة إلى إنارة نصف الوجه بألوان مشرقة وتعتيم النصف الآخر بألوان خافتة، وهو ما زاد وجوهها سحراً وغموضاً، كما استخدمت فى خلفية الوجوه مجموعات لونية باردة ساعدت على إبراز الوجه ذى الملامح الواضحة. أما الفنانة حورية السيد فاستمدت من الأحجار طاقتها الروحية وسعت من خلال منحوتاتها إلى مخاطبة عقل وعاطفة المتلقى.. فمعها تشعر بذوبانك فى القطعة الفنية المنحوتة من الحجر. وتأثرها بالفن المصرى القديم هو ما قادها لعشق تكويناته وسماته الفنية، فعملت معه على خلق علاقات جديدة ببدائياته المقدسة وقوانينه الرياضية مع أسلوبها الخاص فقدمت أعمالا متميزة برؤية فنية معاصرة تجمع بين الحاضر والماضى.