حالة من الأسف انتابت العديد من رجال القانون والدستور عقب إصدار الرئيس الدكتور محمد مرسى قراره بعودة مجلس الشعب المنحل بقرار من المحكمة الدستورية فى 14 يونيو الماضى إلى ممارسة اختصاصاته؛ وذلك إلى حين انتخاب مجلس جديد خلال 60 يوما من وضع الدستور، وبهذا القرار تخطى الرئيس المنتخب السلطة القضائية، وحكم المحكمة الدستورية أعلى سلطة قضائية فى البلاد؛ وهى المحكمة التى حلف الرئيس المنتخب أمامها القسم الجمهورى ليكون رئيسا للبلاد؛ كما نددت العديد من الشخصيات بهذا القرار الصادم الذى يؤكد للشعب عدم احترام الرئيس الجديد للقانون وللسلطة القضائية، وتساءل الجميع ماذا نقول لرئيس الدولة الذى أضاع هيبة القضاء بإصداره هذا القرار الذى يدفع كل معترض إلى عدم تنفيذ أحكام القضاء.
ووصف العديد من رجال السياسة والقانون القرار بأنه قرار خطير، وقد يؤدى إلى حدوث صدامات فى الفترة المقبلة بين الجيش والشعب والرئيس.
وكان من تداعيات هذا القرار أن قام المجلس العسكرى بعقد اجتماع طارئ برئاسة المشير محمد حسين طنطاوى و«المجلة ماثلة للطبع» لبحث تداعيات هذا القرار الجمهورى، بإعادة البرلمان المنحل لممارسة اختصاصاته، وكان المجلس العسكرى قد حل مجلس الشعب تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية العليا التى قضت ببطلان البرلمان.
كما قامت المحكمة الدستورية العليا بدعوة جميع قضاة المحكمة لعقد جمعية عمومية طارئة أمس الاثنين لمناقشة أزمة قرار الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية بإعادة مجلس الشعب للانعقاد، وبالتالى وقف تنفيذ الحكم الذى أصدرته المحكمة فى 41 يونيو الماضى بحل مجلس الشعب.
(تكسير عظام)
قرار رئيس الجمهورية، يعيد إلى الأذهان، سياسة «المجلس سيد قراره»، التى اتبعها نظام مبارك على مدار 03 عاماً، حتى لا ينفذ أى حكم قضائى ضد المجلس، فأين احترام القانون، والالتزام بقرار الدستوريه، بحل المجلس.
وترد المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستوريه العليا على قرار رئيس الجمهورية بإعادة عمل مجلس الشعب وانعقاد جلساته أن ما فعله الرئيس محمد مرسى يعتبر انتهاكاً لسيادة القانون، مؤكدة أن القرار هو بداية الحرب بين السلطات، وقالت إن قرارات المحكمة الدستورية العليا لا رجعة فيها، ولا احد فوق قرارات الدستورية حتى لو كان رئيس الجمهورية نفسه، وأضافت أن ما فعله الرئيس استغلال لحق ليس من حقه.
وقالت الجبالى: الآن دخلنا دائرة تكسير العظام وما يحدث انتهاك صريح للقانون لأن قرار محمد مرسى رئيس الجمهورية مخالف لحكم المحكمة الدستورية الصادر فى 14 يونيو الماضى بعدم قانونية بعض مواد قانون انتخابات مجلس الشعب، مما يقضى بحل البرلمان.
وقال الدكتور حسام عيسى أستاذ القانون الدستورى بجامعة عين شمس: لا يجوز لرئيس الجمهورية إعادة مجلس الشعب لأن المجلس فى حكم القانون غير موجود، موضحاً أن حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب الذى نشأ بمقتضاه المجلس جعل الانتخابات كأنها لم تكن، ومن ثم جعل مجلس الشعب «كأن لم يكن»، وهو ما لا يمكن معه استدعاء كيان غير موجود أصلا.
وقال عيسى: «القرار غريب ولا أستطيع أن أفهمه، فى ظل وجود حكم قضائى ينفذ على رئيس الجمهورية».
وحول حق رئيس الجمهورية استدعاء البرلمان للانعقاد فى حالة الضرورة، قال عيسى إن هذا الحق يسرى حين يكون البرلمان قائمًا لكنه فى حالة عدم انعقاد بسبب الإجازة، أما فى هذه الحالة التى نحن بصددها، فالبرلمان ليس موجودًا وعدم دستورية قانون الانتخابات جعلته كأن لم يكن.
(تفسير)
وأكد لنا المستشار حسنى السلامونى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس هيئة مفوضى الدولة بالإسكندرية أن كل الاحتمالات واردة فى كيفية الرد على هذا القرار، وقال لا أستطيع أن أتوقع رد فعل معينا، ولكن هناك بعض الردود القانونية المتوقع اتباع أحدها ومنها أن يتم الطعن على قرار رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى وطلب إلغائه، كما أن هناك طعنا فى محكمة القضاء الإدارى للطعن على قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة لوقف تنفيذ حل البرلمان، وأضاف أن هذا هو الرأى القانونى مؤكداً أن ما يحدث الآن من الرئيس مرسى أمور لا علاقة لها بدولة القانون.
ووصف المستشار حسنى السلامونى القرار بأنه انتهاك صارخ لأحكام القضاء، ولسلطة القضاء الدستورى والإدارى، وكذلك إنهاء للشرعية ودولة القانون، وقال إن الجمعية التأسيسية وحدها هى التى يجوز لها أن تقرر ما إذا كانت المجالس المنتخبة يجوز لها أن تبقى بعد وضع الدستور الجديد أم لا، مضيفاً أنه فى باب الأحكام الانتقالية إذا عاد مجلس الشعب بالطريق القانونى، فإن من سلطة اللجنة التأسيسية أن تضع نصاً فى باب الأحكام الانتقالية يحفظ للرئيس، والمجالس المنتخبة حقها فى البقاء واستكمال مدتها، حتى لو تم تغيير القواعد فى الدستور الجديد.
وطالب نائب رئيس مجلس الدولة المحكمة الدستورية العليا بتفسير حكمها الصادر بحل المجلس وهل كانت تقصد حل الثلث الفردى، أم حل المجلس كله، كما طالب بانتظار حكم القضاء الإدارى فى الدعوى الأصلية المطالبة بإعادة المجلس المنحل لمباشرة عمله؛ مؤكدا أن استباق الأمور والدعوى مازالت منظورة أمام القضاء الإدارى إهانة لسلطة القضاء، وقال فى الوقت الذى ندعو فيه إلى أهمية المعالجة للقضايا والأحداث بالقانون، يأتى قرار الدكتور مرسى ليؤكد به انهيار دولة القانون
(تناقض)
قرار الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية بإعادة مجلس الشعب هو اختلاق أزمة مع المجلس العسكرى والشارع المصرى، كما أنه يمثل اعتداءً واضحًا وصارخاً على حكم المحكمة الدستورية العليا؛ وسيادة القانون بالدولة، وبالتالى يعتبر القرار مناقضًا للقسم الذى أقسمه الدكتور مرسى باحترام الدستور والقانون، هذا ما أكده لنا الفقيه الدستورى الدكتور فؤاد عبدالنبى أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة المنوفية والذى قال لنا أن القرار الذى أصدره الدكتور مرسى لا سند له فى الواقع أو القانون، كما أعلن اتفاقه مع أغلب الفقهاء الدستوريين بأن هذا القرار انتهاك للشرعية الدستورية؛ مؤكدا أن الهدف من ذلك هو الاعتداء على المحكمة الدستورية العليا؛ التى نصبت مرسى نفسه رئيساً للبلاد، وأعطته الشرعية بعد القسم أمامها وفقاً للمادة 03 من الإعلان الدستورى المكمل.
وقال وفقاً للإعلان الدستورى المكمل الذى على أساسه اعترف مرسى صراحة بالإعلان الدستورى والإعلان المكمل؛ كما اعترف بحق المحكمة كجهة قضائية عليا فى البلاد، وبالتالى فإصدار مثل هذا القرار المشئوم يعد التفافاً على الدستور.
وأضاف أستاذ القانون أن هذا القرار يبرر للمجلس العسكرى أحقيته وفقاً للمادة 53 من الإعلان الدستورى المكمل فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، واحترام سيادة القانون والقضاء، واستعادة الفصل بين السلطات خاصة القضائية ، التى قام الرئيس مرسى بقراره هذا بالاعتداء عليها وعلى محكمتها الدستورية التى لم يسبق لأى رئيس سابق أن قام بهذا الاعتداء عليها.
وأوضح الدكتور عبدالنبى أن ما يصدر من تصريحات أو تصرفات من دكتور سعد الكتاتنى أو أى من الأعضاء السابقين فى المجلس المنحل من المنتمين لحزب الحرية والعدالة يعد انتهاكا وخرقا للشرعية الدستورية والقانونية.
(عدم فهم)
إذا كان الرئيس يعتقد أن حل البرلمان جاء بقرار من المجلس العسكرى كما أعلن بعض المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين؛ وهذا غير صحيح، لأن القرار جاء من أعلى جهة قضائية بالدولة، وبالتالى فهذا يعتبر تحديًا للإعلان الدستورى المكمل الذى أقسم الرئيس على تنفيذ بنوده وقام بإعطاء السلطة التشريعية ل «المجلس العسكرى»، لإحالة أى مواد للدستورية العليا إذا كانت تتناقض مع مدنية الدولة وهذا يعنى عدم فهم قيادات الجماعة لحكم المحكمة الدستورية وتنفيذه من قبل المجلس العسكرى.
وفى هذا الشأن كان المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية السابق قد صرح بأن قرار الدكتور محمد مرسى بإعادة مجلس الشعب للانعقاد لا يستند لأى أساس قانونى، مشيرًا إلى أن القرار يخالف قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب.
وانتقد سلطان أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار قرار جمهورى يخالف قرارات المحكمة الدستورية، مضيفًا أنه فى غاية الاستغراب أن يقوم رئيس الجمهورية الذى أقسم على احترام القانون بإصدار قرار يخالف القانون، بل أعلى محكمة فى البلاد وهى المحكمة الدستورية العليا.
كما شن المستشار فاروق سلطان الهجوم على القرار الصادر من جانب د.محمد مرسى الرئيس المنتخب الخاص بعودة مجلس الشعب، قائلا: «فى ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بشأن مخالفة قانون الانتخابات للإعلان الدستورى فقرار الرئيس محمد مرسى باطل100٪».
وأضاف سلطان أن قرار عودة البرلمان لا يستند إلى أى شرعية قانونية أو دستورية ومخالف للقانون والإعلان الدستورى الصادر من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب توليه مسئولية إدارة البلاد بعد تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك قائلا: «هذا القرار باطل ومخالف للأعراف القانونية والدستورية». وقال الفقيه الدستورى الدكتور إبراهيم درويش أن القرار الذى أصدره الدكتور مرسى باطل، ولا يملكه رئيس الجمهورية، ولكنه قرار إخوانى صرف جاء بعد اجتماع مجلس شورى الإخوان يوم السبت الماضى، وقال إن المحكمة الدستورية لم يسبق لها حل البرلمان لكنها تبطل النظام الانتخابى فيسقط البرلمان، مؤكدا أنه بهذا القرار سوف تنهار الدولة القانونية وسيكون الكلام الذى قاله حول احترام القضاء كأن لم يكن.
وشدد الدكتور درويش على أن القانون ليس وجهات نظر، موضحا أن مرسى يقول الكلمة وعكسها، فيتحدث عن احترام القانون والدستور ثم يخالفه بالقرار الذى أعاد به مجلس الشعب بعد أن حلته المحكمة الدستورية العليا؛ معتبراً أننا بذلك نعيش فى فوضى فكرية وفترة عبثية.
وقال درويش: الإعلان الدستورى المكمل للمجلس العسكرى صحيح؛ مؤكدا أن القوات المسلحة حمت مصر داخليا وخارجيا وأوفت بما وعدت به، وسوف تكشف الوثائق «الأفاقين»؛ وأضاف إن الأصل فى الدستور الجديد أن يعيد انتخاب رئيس الجمهورية أو يضع مادة تنص على استمراره فى منصبه حتى انتهاء فترته.