تعلقت في صباي بالمعلم جيهان العطار وصادقته رغم فارق السن وقد قربني إليه العطار وبدأ في تعليمي الحكمة ومازالت تعلق في ذهني دراسته المهمة في طبائع الأغنام وأمزجة السادة والعوام. وكان لكل «تيب» لديه لون فالناس عند شيخي ألوان فيهم الرجل الأصفر والرجل الأخضر «ولعل الغرب سوف يقتبس منه شخصية الرجل الأخضر في الأفلام» وكذلك يوجد الرجل الأبيض دلالة علي النظافة وأحيانا خلو الدماغ من المهارة ويوجد الرجل الرملي والرجل الحجري والرجل الطوبي والرجل الذهبي والرجل الفضي والرجل السمكي والرجل البغلي لقد «نسب» أستاذي الناس للأشياء والألوان والحيوان سبحان الله المنان وكان يدافع عن نظريته بعمق وعنف وأسند لي أستاذي «تدريباً» إن وفقت فيه أعطاني رخصة المرور أو شهادة الوصول. فقال: حدد لي يا ولدي شخصية الرجل الأصفر؟ ولم أجد صعوبة بالغة فأنا أعرف مجموعة صفراء اللون من البشر يجمعها طابع واحد وكأن الكل ليسوا جماعة بل مجرد «نفر» أصفر والرجل الأصفر الجسم ناحل نحيل والوجه مسحوب وضئيل واللون أصفر والأسنان مثل الوجه بل أشد صفاراً وابتسامة بلون الوجه والأسنان صفراء كذلك حتي عيونه صفراء والصوت «أصفر» خافت باهت والفكر أصفر ميت والشعور أشد صفرة من الموت ذاته والرجل الأصفر مذبوح الصحة يكح كل كحة وهو ضعيف البنية لا ينام الليل ولا يهدأ بالنهار تحلق عيناه ليلاً ونهاراً بحثاً عن مصيبة لأي منافس أو لمن لا ينافس وهو نهم للأوراق قراءة وكتابة ويفتش عن أي سر أو فضيحة ولهذا يمكن أن يعمل بسهولة في الكتابة والتأليف سواء بالصحافة أو كاتب علي الرصيف أو «مخبر» وخلال الشتاء أو الصيف يلبس ملابس ثقيلة يحب المصائب ويسعد للنوائب كاره للحياة والأحياء ويصاب بمرض لو نجح أحد أو لو تزوج شخص من امرأة جميلة يموت حباً في الفشل ويعشق بإخلاص هباب الحلل وهو يمشي مثل الخيال ولا تسمع له صوتاً يصادق من يحتقرونه وينالون منه ويكره من يحترمونه لمجرد أنه إنسان أو خلقة ربنا يعني كرجل أصفر مدهون بالمهانة والذل والكراهية الصفراء لا يحب لعب الكرة ولا الهندسة ولا السباحة ولا نجوم السينما ولا كبار الكتاب ولا الفنانين ولا العازفين ويكره الصحة والراحة يهمس دائما في وجهك برائحة صفراء ويميل حتي كأنه سوف ينال منك قبلة أو يهمس لك بسر وبصوف خافت يسألك مثلاً «كم الساعة» أو هل الجو حار؟ هو يفعل ذلك لكي يعطي للناس فكرة أنه صديق لك أو أنه يمنحك سراً ليثير غيظ الآخرين أو ليمثل أنه صديق لأي أحد وهو ليس صديقاً لأحد وليس مدعواً عند أحد ومع ذلك تجده دوماً في كل عزومة ومسارعاً لأي وليمة تتوقعه وسط الجميلات وفي لمة الستات.. سخيف التعبير شديد التنفير كريه ومكروه ومع ذلك يتلطف إن كانت له مصلحة عند بلاعة أو بردعة يهجوك بلا داع وبلا فائدة ويسبك غيابياً وبلا أي موجدة وما إن يلقاك حتي يأخذك بالأحضان وكأنك تتلفح بثعبان فأنت معه ليس في أمان فهو الرجل الأصفر البهتان الكهرمان. هنا هلل أستاذي العطار العظيم وصاح: لقد نجحت في التحصيل لقد عرفت من تقصد بهذا الوصف الشامخ إنه «قصير الأنفاس بن سبانخ». قلت لأستاذي: كلا.. فالآخر أخضر لأنه سبانخ وهو مختلف لكنه كذلك «بايخ» أما من عنيت به فهو صفران الوجه الكالح من تقف عنده كل المصالح ومن يكره الناجح ويؤمن بالخصام ولا يعرف التصالح.. وصاح أستاذي: «كنت حاقولها» عرفته.. إنه ألف ألف ألف شخص صالح لهذا الوصف المالح إنه الأصفر الأصفر أوي!!