وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    داليا عبد الرحيم: الإخوان أسست حركات لإرهاب الشعب منذ ثورة 30 يونيو    ارتفاع سعر السكر اليوم الجمعة 19 أبريل في مصر    تقليل الاستثمار الحكومي وضم القطاع غير الرسمي للاقتصاد.. أهم ملامح الموازنة الجديدة    «عودة انقطاع الكهرباء».. وزير البترول الأسبق يوضح السبب    إدارة بايدن تمنع مسؤوليها من التعليق على الضربة الإسرائيلية على إيران    موكب نائب المستشار الألماني يمر بجوار عمود دخان بالقرب من أوديسا بعد هجوم روسي    إصابة لؤي وائل.. مجلس المقاولون العرب يشكر وزيري الصحة والشباب    يوفنتوس ينجو من الهزيمة أمام كالياري في الدوري الإيطالي    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم ب المنيا    تسجيل الدخول منصة مدرستي للطلاب والمعلمين 1445    الحامل تقدر ترقص للشهر الكام؟ فيفي عبده تكشف مفاجأة (فيديو)    آمال ماهر تعود لجمهورها ب«أنا برده الأصل» في حفلها بالتجمع الخامس    عاجل.. عبير فؤاد تحذر 5 أبراج خلال ال10 أيام المقبلة.. «خلوا بالكم»    وكيل صحة بنى سويف يزور المرضى الفلسطنيين بمستشفى إهناسيا التخصصي    الأهلي يكتسح أويلرز الأوغندي في افتتاح مبارياته ببطولة الBAL    عاجل.. مفاجأة في تقرير إبراهيم نور الدين لمباراة الأهلي والزمالك    محافظ قنا: بدء استصلاح وزراعة 400 فدان جديد بفول الصويا    الأمم المتحدة: تقارير تشير لانتشار الأوبئة والأمراض بين الفلسطينيين في غزة    «التحالف الوطني» بالقليوبية يشارك في المرحلة ال6 من قوافل المساعدات لغزة    استشهاد امرأة فلسطينية إثر قصف طائرات إسرائيلية لرفح    «القومي للمرأة» ينظم عرض أزياء لحرفة التلي.. 24 قطعة متنوعة    تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة صلاح السعدني.. مات على سريره داخل منزله    مصطفى بكري: تعديل وزاري يشمل 15 منصبًا قريبا .. وحركة المحافظين على الأبواب    أسرع طريقة لعمل الشيبسي في المنزل.. إليك سر القرمشة    حصل على بطاقة صفراء ثانية ولم يطرد.. مارتينيز يثير الجدل في موقعه ليل    افتتاح المؤتمر الدولي الثامن للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان    محافظة الجيزة: قطع المياه عن منطقة منشية البكاري 6 ساعات    الهنود يبدءون التصويت خلال أكبر انتخابات في العالم    وزيرا خارجية مصر وجنوب أفريقيا يترأسان أعمال الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    الحماية المدنية تسيطر على حريق في «مقابر زفتى» ب الغربية    التنسيق الحضاري ينهي أعمال المرحلة الخامسة من مشروع حكاية شارع بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    دعاء يوم الجمعة قبل الغروب.. أفضل أيام الأسبوع وأكثرها خير وبركة    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    ضبط لص الدراجات النارية في الفيوم    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    إعادة مشروع السياحة التدريبية بالمركز الأفريقي لصحة المرأة    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    شكوى من انقطاع المياه لمدة 3 أيام بقرية «خوالد أبوشوشة» بقنا    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 4 مجازر في غزة راح ضحيتها 42 شهيدا و63 مصابا    إسعاد يونس تنعى الفنان صلاح السعدني بصورة من كواليس «فوزية البرجوازية»    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلوا في 2010 ولن يغادرونا

كثيرون هم من تركونا هذا العام الذي يودعنا بعد ساعات، ارتبطوا معًا بتشابهات، تشابهوا في ظروف النشأة والاعتماد علي الذات، تشابهوا في المعاناة، تشابهوا في الإصرار علي خلق مشروع يخصهم وحدهم، وتشابهوا في ارتباطنا بهم.
رحل الباسم الحزين إدريس علي، والصامد المفكر نصر حامد أبو زيد، والشاعر الباحث عن وطن عبد المنعم عواد يوسف، وحارس الضمير الإنساني محمد عفيفي مطر، والناقد المستغني المترفع فاروق عبد القادر، والولد الشقي محمود السعدني،ومؤرق الظلاميين فؤاد زكريا، وصاحب اللغة الهامسة كمال نشأت، كما رحل المفكرون محمد عابد الجابري ومحمد أركون، والروائي الجزائري الطاهر وطار..إليهم جميعا تحية وتقدير
أبوزيد الواقف في وجه العواصف بروح طفل
امتلأت حياته بالمعارضين علي طول الطريق، معارضين أغلبهم لم يقربوا كتاباته، وامتلأت أيضا بمؤيدين اقتربوا من ذاته، ورافقوه في الاقتناع بأهمية التجديد وإعمال العقل، كما واجهته دعاوي الحسبة والتفريق عن زوجته، والإضطرار للهجرة، لكنه استطاع أن يقبض علي صفاء نفسه وتسامحه وتصالحه مع الدنيا والناس، وكأن كل ما حدث من أزمات كانت محض هباء، إذا صادفته ستجده يبتسم في رضا طفل حديث العهد بالدنيا، إذا استمعت إليه ستجده يتحدث ببساطة عالم لم يغرنّه علمه، هو المفكر الدكتور نصر حامد أبوزيد، أو "الشيخ الفقيه" كما أسماه بعض أصدقاءه.
وكما هو حري برجل عصامي، ولد في إحدي قري طنطا في 10 يوليو 1943، وسط أسرة ريفية بسيطة أورثته إحساسا بالجسارة والصمود حتي أمام أشد معارضيه شرًا وخصومة اكتفي في البداية بالحصول علي دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي، ولكنه استمع لطاقاته الإنسانية والفكرية، وتقدم ليحصل علي الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة ، ثم ماجستير في الدراسات الإسلامية، ثم دكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي.
أتُهم بسبب أبحاثه العلمية بالارتداد والإلحاد، ولم يتزعزع قط فتمسك بأرائه وأفكاره دفاعا عن حريته، وكان أول من نادي بضرورة استقلال المثقف، غادر أبو زيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسي، القاهرة نحو المنفي إلي هولندا، ليقيما هناك حيث عمل أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن، أما زوجته التي تمسك بها منذ بداية تعرفهم وحتي آخر لحظة في حياته، فكانت خير داعم ومؤيد ومساند وسط عواصف ورياح تلك المحن. منعوه من إلقاء محاضرتان بالكويت منذ شهور، ومنعوه من دخول إحدي قاعات نقابة الصحفيين، لكنه ظل صامدا كعادته، فسّر هؤلاء الذين يعتمدون علي "السماع" في حياتهم، سبب إصابته بفيروس فشل الأطباء في تحديد طريقة لعلاجه جاءه من إندونيسيا علي أنه إنتقام الرب ودخل في غيبوبة استمرت عدة أيام حتي فارق الحياة صباح الإثنين 5 يوليو 2010.
زكريا.. الذي أرّق الظلاميين حاضراً وغائباً
بسم الله الرحمن الرحيم «فّإنَّهّا لا تّعًمّي الأّبًصّارٍ ولّكٌن تّعًمّي القٍلٍوبٍ التٌي فٌي الصٍَدٍورٌ» صدق الله العظيم.. بهذه الآية الكريمة رقم 46 من صورة الحج استشهد رجل يشبه كثيرين بلحيته وطاقيته وجلبابه، وجلسته الواثقة ونبرة صوته الحاسمة، تحدث الرجل عن الراحل الدكتور فؤاد زكريا، كال له الاتهامات و تحدث عنه بنبرة مستخفة واصفا إياه أنه "بتاع فلسفة".. ثم ختم الرجل حديثه بأمنية كشفت خطابه بالكامل أراد خلالها أن يموت علم و معرفة العالم الجليل كما مات جسده.
كان هذا في فيديو بثه موقع اليوتيوب وتناقلته المنتديات، واحد من مئات يتعرض فيها رجال يقولون عن أنفسهم «متدينون» لرجل رحل عن الدنيا كلها، لم يذكر الرجل الساخط أن العلماء ورثة الأنبياء، وأن للمجتهد أجرين إذا أصاب، وأجر إذا أخطأ، لم يذكر السبب الذي دعاه لهجاء رجل في ذمة الله، لم يذكر أسباب هلعه من معرفة الراحل التي تمني أن تزول كما زال وجوده المادي.. مثل هذا الرجل كثيرون، وقف ضدهم الراحل الكبير الفيلسوف الدكتور فؤاد زكريا، حين أعلي من قيمة العقل والمعرفة، وأفني عمره في إضافة الأعمال الفلسفية والفكرية المؤلفة والمترجمة، و المقالات، والدراسات في الصحف والمجلات، حاول أن يضع يده علي مشاكل فكرية واجتماعية، ونقد السائد في الفكر العربي والواقع المصري، عبر لغة فلسفية رصينة وقدرة فذة علي التحليل والنقد والفهم الدقيق للمصطلح الفلسفي.
أراد للمجتمع أن يخرج من عباءة الشكل لجوهر المضمون، أراد لأبناء مجتمعه أن تكون السلطة العليا لعقولهم، لم يرض لوجوده في الحياة الدنيا أن يمر هكذا مثله مثل كثير من الموجودات تأتي وترحل بلا أثر، اتهمه البعض بأنه من تلك النخبة التي هادنت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولم تعلن عن سوءات عصره ولم تلجأ إلي الثورة من أجل التغيير، ولكن الرجل رد بصورة أبلغ من مجرد الرد الغوغائي.. فأي ثورة أرقي وأعظم من ثورة إعادة السلطة للعقول، واحترام قوة المعرفة، لم ينصب نفسه حاكما يقضي ببطلان حكم فلان وزيف علم علان وسوء نية ترتان.. تحدث عما يعرف، وفعل ما يقدر عليه وبقي الدور علي كثير يتحدثون ويحكمون ولا يعقلون.
عبد القادر.. الذي دعا الجميع لرثاء أنفسهم
"وفاة عبد القادر اليوم بعد فوزه بجائزة الدولة " هكذا طالعتنا الصحف يوم 22 يونيو الماضي، كان عنوانا خادعا لمن لا يعرف الرجل والملابسات التي أحاطت بوفاته، عنوان يشعرك بأنه مات من السعادة بالجائزة الموعودة، في حين أنه قضي عمره رافضا منح المؤسسة الرسمية. رحل فاروق عبد القادر عن عمر ناهز ال72، دون أن يعلم حتي أنه فاز بجائزة الدولة في الآداب، ودون أن يترشح لها من الأساس، رحل تاركا خلفه صخبًا تغني خلاله الجميع ببؤس جوائز الدولة التي تُمنح للمتوفين أو غير المستحقين، وتوالت المقالات ممن قالوا عن أنفسهم أصدقاء، بعضهم لام نفسه وندم صراحة أنه لم يكتب عن الناقد العظيم الذي كتب عن الجميع ولفت إلي مئات من نجوم الحياة الثقافية الحالية، بعضهم أشاد بشجاعة الراحل في تناول القضايا، وطرح الرؤي، وبعضهم أعلن استياءه من قدر الجائزة وأعلن أن الرجل كان يستحق واحدة أكبر وأرفع، وآخرون اعترفوا بفضله في إبراز أعمالهم ولفت الأنظار إليه بكتابته عنهم، الكل أجمع علي أنه رجل شريف، يجدر رثاؤه والبكاء عليه، ولكن واقع الحال أن الجميع كانوا يرثون أنفسهم قبل الرجل.
قبل خبر الوفاة والجائزة بشهر واحد كانت صحيفة الأهرام قد طالعت الجميع بعنوان صادم تساءلت خلاله"من ينقذ فاروق عبد القادر"، في هذا الموضوع أو بالأحري التنويه تم الإشارة إلي أن الرجل يرقد في قسم إنعاش المسنين بمستشفي الدمرداش غائبا عن الوعي والدنيا لا يدري من أمر نفسه شيئا! ويمكننا بمجهود بسيط أن ندرك حجم ما أثاره كل من خبري المرض والوفاة من ردود أفعال؛ تكالبوا جميعا علي الكتابة تعقيبا علي خبر الوفاة، ولم يتكالبوا لينقذوا الرجل، كان لكل من النقاد والكتّاب الذين كتبوا عنه سبب وجيه وخلفية كافية ليقول ما شاء..إلا أن أيا مما قيل لم يكن جديدا أو جدير بالملاحظة، بقدر ما كانت حمية الجميع هي الأمر الذي يدعو للاندهاش، حمية لا يبديها المرء إلا حين يرثي نفسه فقط.
يبدو أن موت عبد القادر، الناقد الوحيد، قد ذكَر الوسط الأدبي الذي لم يتذكره في مرضه، بما قد يصير إليه حالهم في المستقبل حين يفوزون بجائزة دولتهم وهم علي سرير مرضهم.. مات الرجل قائلا في صمت "لا شيء يهم"، تاركا الجميع خلفه يرثون أنفسهم.
إدريس.. الضاحك الذي فشل في إخفاء الحزن
يضحك كثيرا، ويشاغبك أكثر كلما حللت به أو حلّ بك، حتي وإن لم يكن بينكما سابق معرفة أو ود، فهو هكذا "عشري" ويحب الناس.. ورغم ذلك تفضحه نظرة الحزن العميقة في عينيه الضيقتين المتواريتين خلف النظارة الطبية، وتتساءل أنت: كيف لهذه الروح المرحة المشاكسة بهذا الحزن الدفين؟ وتتساءل بإلحاح: ولماذا أصرّ هذا الرجل مرح الروح علي فراقنا عمدا لخمس مرات متفرقة حاول فيها الانتحار؟
إنه الروائي النوبي إدريس علي، الطفل الذي كفّ عن اللعب فوق جبال النوبة أو الرجل الذي وقف واحدا ضد الجميع، كما وصفه أصدقائه وهم يرثونه يوم رحيله عن عمر ناهز السبعين عاما .. كنت تجده جالسا في مقهي معرض الكتاب وسط الأصدقاء.. كنت تجده جالسا وسط أصدقاء آخرين في دار "ميريت".. وأصدقاء مختلفين علي مقهي "زهرة البستان".. قبعته (البيريه)علي رأسه كالتاج، و"عصاته" في يده كفلاح تربطه بالأرض علاقة حب، ورغم ذلك لا تفارقه الوحدة، تلك الوحدة الغائرة التي تتكون لمثل من شقوا طريقهم في الحياة بأنفسهم.
إذا سألته من أنت؟، سيجيبك: أنا كاتب شعبي تستطيع أن تصنفني بسهولة مع الجوركيين مثل شعبان عبد الرحيم ومحمد حافظ رجب، إذا سألته لمن تكتب؟ سيسارع بالقول: جئت من قاع المجتمع لأكتب عن الناس ولهم، لهؤلاء البسطاء جدا الذين يفكون الخط بالعافية، وإذا سألته ماذا تحقق لك الكتابة؟ سيرد: بالكتابة حاولت هزيمة واقعي البائس، لكي أقول للجميع هاأناذا أحقق بعض النجاحات ومازلت. جرّب أن تستعلم منه: لماذا كتبت عن النوبة؟، ولن يخذلك وسيرد: كي أعكس صورتها الحقيقية أمام المجتمع القاهري الذي لا يعرف عنها الكثير، وجرّب أن تنتقده كما فعل الكثيرون وتتهمه بتدعيم استقلال النوبة، وحينها سيوضح لك: تحاشيت النوبة الأسطورة واخترت الكتابة عن النوبة كما هي فدخلت مناطق الحظر والمسكوت عنه وكشف ما يحاولون ستره.. ثمة مجموعة من النوبيين المزايدين في الخارج يلعبون علي الوتر الغربي لتشكيل الأزمات.
ظل يردد: أكتب منذ 30 عاما ولي 8 روايات ولم أنل جائزة الدولة التقديرية، رغم أنني كاتب عصامي محوت أميتي الثقافية، كان يرددها طمعا في حسن تقدير الدولة لقيمة كتّابها، فهل يمكن أن تقدّر الدولة قيمتك الآن يا عم "إدريس" بعد أن رحلت؟.
السعدني.. قانص البسمة من إخفاقات «الغلابة»
رحل في صمت رغم الصخب الذي تسبب به قلمه ورغم أحزانه التي لا يعلمها عنه الكثيرون، هو الكاتب الساخر محمود السعدني أو ملك السخرية والكتابة اللاذعة كما سماه البعض، الذي ولد في 28 فبراير 1928 وتوفي في4 مايو 2010 . لم يكن يعلم الكثيرون عنه أنه برغم تلك الابتسامة التي لا تفارق وجهه، فبداخله حزن دفين سببه وفاة ابنته هبة الله بعد صراع مع المرض، وكذلك مرض ابنته الكبري هالة، حبه لأبنائه وشدة التصاقه بهم خاصة بعد وفاة زوجته، رسّب ذلك الحزن الدفين الذي يكلل وجهه.
آثر حب الناس وداوم علي اكتشاف نقاط قوتهم الدفينة، ولما لا وهو الذي منحه الله أمًا علمته كل ذلك وهو بعد في سن صغيرة، وتعلم السعدني أن يتحسس مواضع الإبداع والقدرات لدي الآخرين ويعمل علي إبرازها وخاصة الضعفاء منهم أو كما يسميهم هو الغلابة، وكأن السعدني بمثابة نقطة النور التي أضاءت الطريق لكثيرين من الكتاب والصحفيين الشباب .
ولد السعدني في منطقة الجيزة بالقاهرة الكبري في حارة صغيرة اسمها "سمكة"، لكنه تعامل معها كأنها أهم مكان في العالم، بل ظل علي صلة وثيقة بكل من فيها حتي آخر حياته، وربما لو علمنا عن أول قصة حب وقع فيها مع فتاة تسكن حارته والتي اكتشف بمرور الوقت أنها كانت علي علاقة بأكثر من عشرة شبان من نفس الحي، لاكتشفنا سبب تعلقه بالحارة برغم الخيانة.
عمل في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة، وبعدها عمل في مجلة "الكشكول" التي كان يصدرها مأمون الشناوي حتي إغلاقها، ثم عمل بالقطعة ببعض الجرائد مثل جريدة "المصري" لسان حال حزب الوفد وعمل أيضاً في دار الهلال كما أصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية أغلقت بعد أعداد قليلة.
نعتبره من رواد الكتابة الساخرة في الصحافة العربية، شارك في تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية في مصر وخارجها، وترأس تحرير مجلة "صباح الخير" المصرية في الستينيات، كما شارك في الحياة السياسية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وسُجن في عهد أنور السادات بعد إدانته بتهمة الاشتراك في محاولة انقلابية، وبداية من عام 2006 وبسبب المرض اعتزل السعدني العمل الصحفي والحياة العامة.
عواد الباحث عن وطن
لصوته رخامة ولطبعه هدوء، ولنظرته نفاذ، ولكلماته أثر تتركه أينما حلّ صاحبها، وأيضا لخلقه دماثة ولنقده موضوعية في البناء، أما أشعاره فتزخر برؤي تصويرية ولمحات فلسفية تحرص علي قدسية الذات الإلهية ومراعاة شعور القراء، هو الشاعر والناقد عبدالمنعم عواد يوسف الذي رحل عنا يوم الجمعة السابع عشر من شهر سبتمبر، والذي يعد من من مؤسسي قصيدة شعر التفعيلة في الشعر العربي المعاصر.
في قصائده غربة شاعر يعانيها منذ ميلاده في عام 1933 بشبين القناطر بمحافظة القليوبية، غربة شاعر ظل يبحث عن وطن في قصيدة يكتبها أو كلمة نقد يوجهها. اختلف عن الآخرين حينما نظر شعراء الستينيات بتشاؤم لما آل إليه حال الشعر المعاصر، ولكن عواد تفائل بالأمل في كل ما هو قادم، فكان يري أن الشعر المعاصر بخير وأن الشعراء يتجددون باستمرار في كل الاتجاهات حتي شعراء قصيدة النثر فمنهم الكثيرون الذين يكتبون من منطلق فني حقيقي وإحساس واع ومرهف.
اعتبره الكثيرون ناقدا قبل أن يكون شاعرًا، بينما اعتبر نفسه شاعرا أولا وهاويا للنقد ثانيا، اتسمت رؤيته المتأملة للأشياء وللصفات بأبعاد غير ما عهدناه، فكان مثلا يري أن للحب أوجه ثلاثة قادرة علي تغيير كل شيء، الوجه الأول هو الحب المتحقق، والثاني هو الحب المحبط، الذي يفجر منابع الإبداع، والثالث هو الحب في معناه المطلق بغير هدف، كما كان يري أن مساحة الحرية الآن متاحة بلا حد لدرجة أن الناس يتجاوزون علي المقدسات الإلهية، احترم عبد المنعم عواد يوسف الحرية المسئولة تلك التي ترفض الحجر علي حرية المبدع ولكنها تحظر المغالاة في الجنس إذا لم يوظف، والاقتراب من القيم الدينية والمساس بالمقدسات.
كان يؤمن أن الشاعر الذي بلا موقف لا يقول شعرا حقيقيا، دون أن يتحول شعره إلي نوع من الخطابة أو التعبير المباشر، الشاعر في رأيه عليه أن يعبر عن الهموم السياسية والاجتماعية ولكن من خلال الفن فلابد أن يكون الفن أولا ثم التوجه السياسي، ومع كونه شاعرا ناقدا للواقع فكانت له أيضا رؤي فيما يدور بهذا الواقع المعاش كأن يشعر أن الإنسان لم يمتهن في فترة بقدر امتهانه الآن علي كل المستويات وفي جميع المجالات.
مطر.. حارس الضمير الإنساني
صاحب وجه خط الزمن خطوطه علي قسماته تاركا لمحات من شقاء ومعاناة رافقته منذ ميلاده في عام 1935 حتي وفاته في 28 يونيو 2010، طوي معه سنوات المرض المريرة ومكابدات الشعر والحياة وحراسة الضمير الإنساني، وهي معاناة لم يكن يخجل من ذكرها والاعتراف بها أمامك، ربما لتكون شاهدا علي معاناة صعود الجيل الذي ينتمي إليه، هو الشاعر محمد عفيفي مطر، الشاعر الإستثناء بين أقرانه.
يمكنك أن تختلف معه، تختلف مع ما يخطه بقلمه الشاعر، لكنك في جميع الأحوال لا يمكنك أن تنكر كون الرجل من أبرز شعراء جيل الستينيات في مصر، ولما لا وهو متنوع العطاء في مجالات تنوّعت ما بين المقالات النقدية وقصص الأطفال وترجمة الشعر، فضلا عن تركه علامات فارقة في حركة الشعر العربي الحديث، وبصمة قوية علي أجيال الشعراء في مصر والعالم العربي.
أثقلت تجارب الرجل فضلا عن فضاءات الهم الفلسفي والفكري، شعره، فصارت القصيدة لديه بمثابة طاقة للتحرر وتحرير العقل والوجدان من سطوة الجمود والتخلف، كما كانت فعل اكتشاف متجدد للذات والوجود والإنسان والعناصر والأشياء، وربما لهذا اتسمت قصائده بكثافة شعرية علي مستوي اللغة والصورة الشعرية كما اتسمت بتعدد الروافد التراثية، وبخاصة التراث العربي الإسلامي والصوفي والتراث اليوناني الفلسفي والفكري، ولأنه فلاح أصيل، يهوي الأرض والماء، فقد اهتم مطر بالتراث الشعبي محولا الخرافة والأساطير الشعبية إلي رموز شعرية حية في قصائده فأحيا رموزا وموروثات لم تكن قائمة بدورها فتميز شعره بخصوصية وفردية لم يمتلكها غيره، ولأنه مكث بمحافظته (كفر الشيخ) ولم يتركها من أجل عيون القاهرة، فقد حاول أن يوجد فيها نشاطا ثقافيا بإصداره مجلة "سنابل" بدعم وتشجيع من محافظ كفر الشيخ آنذاك إبراهيم البغدادي، وكانت منبرا ثقافيا مهما في تلك الفترة ساعده علي التنفيث عن مكنوناته وآرائه من خلال قصائده التي أثارت الكثيرين وألهبت خيال آخرين، قصائد جاءت في دواوين بعنوان «الجوع والقمر» عام 1972، «ويتحدث الطمي» عام 1977، و"رباعية الفرح" عام 1990، و"احتفالية المومياء المتوحشة"عام 1992م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.