في تجربة أصبحت شبه نادرة، في وقت احتلت فيه الرواية صدارة المشهد الأدبي عربيا، قدم لنا الكاتب السوري ثائر الناشف نصا مسرحيا بعنوان "ظل الديكتاتور"، صدر حديثا عن منشورات "الفرات"، وناقشه الدكتور عبدالصمد الشرقاوي، مدير المركز العربي للتنمية البشرية، في ندوة بمكتبة "حنين". أكد الناشف أنه كان حريصا علي الكتابة المسرحية، لإيمانه بضرورة إحياء المسرح، الذي يمثل، من وجهة نظره، نهضة الشعوب وليست الرواية، لأنه ينقل الفكرة مباشرة بأسرع طريقة ممكنة، ورأي الكاتب أن هناك مؤامرة تاريخية علي المسرح؛ حيث أراد بعض النقاد أن يمحو مكانته الأدبية، أو دمجه مع فن السينما، باستثناء بعض النقاد الذين تشبثوا به علي أساس أنه نص أدبي يجمع بين الأدب والفن. "ظل الديكتاتور" هي العمل الثاني للكاتب بعد "الزمن الرديء"، التي صدرت عن دار "شمس" عام 2009، وبدأ الناشف كتابة المسرح السياسي في مصر، لوجود هامش من الحرية يلائم هذه الكتابة، قد لا يوجد في الدول العربية الأخري. وقال الناشف: "ظل الديكتاتور" يأتي في سياق تأزم الوضع السياسي العربي، وكتابتي انطلاقا من فكرة تعرض الإنسان العربي لظاهرة الاستبداد التي تصل إلي حد مائة عام، وهي من موروثات الاستعمار الأجنبي والغربي بمختلف مساوئه؛ حيث انتقل هذا الاستبداد لمجتمعاتنا العربية علي مستوي علاقة الافراد بالمجتمعات. تابع: المسرحية مؤلفة من خمسة فصول، كتبت علي الطريقة التقليدية الكلاسيكية الغربية تحديدا، وعدد مشاهدها يصل إلي 35 مشهدا، أي أن المسرحية بحجم عمل تليفزيوني، كما تعتمد طريقة الكتابة علي السرد الدرامي، وأنا لم أقصد في المسرحية جهة أو شعبًا بعينه. أكمل الناشف: موضوع المسرحية تراجيدي بحت، وجاءت الكوميديا تنظيرية علي شخصية الحاكم "الزعيم"، فأغلب المجتمعات التي وقعت في الاستبداد تواجه ظلم الزعيم بالسخرية، وهذا ما استلهمته من الشخصية المصرية البسيطة. يعرض الفصل الأول من المسرحية انقلاب الحاكم علي قادته في الجيش وتصفيتهم. وفي الفصل الثاني جاء بقادة جدد من الرعيل الثاني اعتمد عليهم في الاستبداد. بينما تآمر ابن الزعيم في الفصل الثالث عليه وقام بقتل والده عن طريق دس سم الفئران في طعامه المفضل "لحم الغزال". ثم قام الوريث بالسير علي نفس نهج والده الديكتاتور في الفصل الرابع ولكن بتكتيكات جديدة عن الوالد. وجاء الفصل الخامس كحل لاستهتار هذا الزعيم بشعبه الذي أدي إلي تمردهم عليه، وانتهت المسرحية بنهاية تفاؤلية وليست تشاؤمية كما تعودنا رؤية النهايات الدرامية، وهي أقرب للواقعية الجديدة، وليست الرومانسية أو الكلاسيكية التقليدية؛ حيث انتهت المسرحية بثورة الشعب علي الزعيم، وكان للمرأة دور كبير في ذلك. أشاد عبد الصمد الشرقاوي بفكر الكاتب المتوهج حيث كتب خمسة كتب في عامين فقط، كما أن "ظل الديكتاتور" في نظره أكثر إتقانا من مسرحية "الزمن الرديء"، فلم تلتزم رموزا غير واضحة، بل كانت الكتابة بها واضحة، تصور الواقع أكثر شمولا، ليس في دولة معينة، بل في الدول العربية بشكل شامل، كما أن الكاتب يصور الصراع في الدول بأن هناك أيضا صراعًا في بيت الحاكم، والذي لا يدخل في اهتمامات هؤلاء المتصارعين أداء أي خدمة للشعب، ومن الملاحظ في مشاهد المسرحية تجلي علاقة الأدب بالسياسة والدمج بينهما. ونوه الشرقاوي إلي أن مشاهد المسرحية كثيرة، تبعا للأسلوب الأوروبي أو الحداثة في تعدد المشاهد، وليس كما تعودنا عليه في أسلوب الكتابة العربية، التي تلتزم ثلاثة فصول فقط، وقد يصلح العمل أن يكون فيلما جيدا، أو مسرحية، لكن المسرح العربي لا يتحمل تكلفة هذه المسرحية.