كتبت ساخراً هنا قبل أسبوعين عن "منظر" سمكة القرش التي قيل إنهم اصطادوها بعد ساعات من الحادثة الأولي علي السائحتين في شرم الشيخ، واستغربت أن السمكة تخرج من الماء ميتة دون أي مقاومة علي أساس أن حتي أسماك القراميط والبلطي والبوري والدنيس والسلطان إبراهيم وكذلك السبيط والكابوريا والجمبري والاستاكوزة كلها "تلعب" و"تتنطط" وتقاوم بعد خروجها من الماء لفترة، وتساءلت: هل هي سمكة حقيقية أم ماكيت لزوم التصوير؟ واليوم أعود للموضوع، ولكن من زاوية أخري بعدما صار "اللت والعجن" في موضوع أسماك القرش لا يتوقف. أصبحت الصحف وبرامج التليفزيون تجد في الموضوع مادة خصبة تلوكها هرباً من مناقشة موضوعات أخري، أو للبحث عن تفسيرات للجدل بين الخبراء والعلماء والمسئولين حول أسباب هجمات القرش وسبل الحل ومستقبل السياحة في تلك المنطقة. لفت نظري تحقيق صحفي قيم نشرته صحيفة "الدستور" في صفحتها الأولي يوم الأحد الماضي وكتبه الزميل محمد عبد السلام نقل فيه عن خبراء في معهد علوم البحار قولهم، كما ورد في عنوان الموضوع: "لم نصطد سمكة القرش التي هاجمت السائحتين في شرم الشيخ.. بل اصطدنا سمكة مجمدة للشو الإعلامي"!!. هكذا تحول ما كنت اعتبره مزحة إلي حقيقة، وما تساءلت عنه بدافع السخرية، إلي واقع علماً بأن لا أحد في وزارة البيئة أو أي وزارة أخري أو "السبع اتلاف" جهة التي "تعك" في موضوع هجمات أسماك القرش تطوع ونفي ما ورد في الدستور، وعلي ذلك سأتعامل مع ما نشر باعتباره الحقيقة. ولنترك مسألة الأسماك والهجمات والسياحة ونظريات المؤامرة أو المغامرة لأهلها حتي يتم الإعلان عن الصلح مع أسماك القرش أو هزيمتها، لكن الواقعة عكست المأساة التي نعيشها وأوصلتنا إلي الأحوال التي أصبحنا عليها. فإذا كنت تجيد فنون النفاق واللعب ب "الثلاث" ورقات وتتقن الخداع ولديك مهارات في إظهار ما لا تبطن لم يعد مهماً أن تتقن ما تفعل أو يسند إليك، أو تتفاني في وظيفتك، أو أن تشعر بأنك تؤدي خدمة نافعة للآخرين، أو أن ترضي ضميرك وتتأكد من أن ما تكسبه حلال، أو أن تحب عملك وتخلص له وتتقرب إلي الله به أو أن تنتظر مكافأة علي ما أنجزته أو أبدعت فيه. المهم أن يعتقد رئيسك أنك تفعل شيئاً نافعاً حتي لو كنت تضر الجميع وأن يصدقك ويكذب عينيه وأذنيه وكل حواسه، وأن يثق فيك حتي لو لم تكن محل ثقة أي مخلوق آخر حتي نفسك، وأن يكافئك حتي لو كنت تستحق العقاب، وأن يشيد بك أمام الآخرين حتي لو كنت تستحق "التهزيئ"، وأن يستقر في ذهنه أنك نزيه حتي وإن كنت فاسداً، وأنك عادل حتي لو كنت ظالماً، وأنك أمين حتي لو كنت خائناً، وأنك صادق حتي لو عشت كاذباً، وأنك صالح حتي ولو كنت مخرباً، وأن يتوهم أنك تبني حين تهدم، وأنك تعمّر عندما تهدم، وأنك تزرع وأنت تبور الأرض وتفسدها، وأنك تنشر الجمال وأنت توزع القبح، وأنك تخطط وأنت "تعك"، وأن يتصور أنك عالم وأنت جاهل ولا تفرق بين حرف الألف و"كوز الذرة"، وأنك شهم مع إن الجبن لديك سيد الأخلاق، وأنك قوي وأنت ضعيف، وأنك سليم وأنت مريض. وأنك عقلية معملية فذة في حين أن عقلك أبيض من "الصيني بعد غسيله"، وأن يصدق أنك صاحب قلب أبيض حين يكون قلبك أسود من قرن الخروب، وأنك رجل خير وأنت لا تضمر إلا الشر، وأنك اصطدت سمكة القرش وتم تصويرها ونشرها علي الناس في حين أنك لم تصطد لا قرش ولا سردين. هكذا بقي كبار المسئولين يعيشون في وهم أن "كل شيء تمام" لأن صغار المسئولين صوروا لهم الأمور كذلك، وهكذا تعشوأت البلد أسبوعاً بعد آخر وشهراً بعد شهر وسنة بعد أخري، وهكذا لم يعد القانون يحترم من الجميع أو يطبق بحسب المعايير. اللافت أن مواقع علي شبكة الانترنت وزعت صوراً لسمكة اخري قيل أيضاً إنها هي التي التهمت بعدها أرجل وأيادي سائحين في شربين بعدما تم إفراغ ما في جوفها لكن تلك قضية أخري فلا أحد "اتكسف" علي دمه بعد فضيحة السمكة الأولي فالدماء لدينا أصبحت تجف بسرعة أو تغيرت تركيبتها، وأصبحت نادرة الوجود.