الإجماع في اصطلاح علماء أصول الفقه: هو اتفاق جميع المجتهدين من الفقهاء المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول - صلي الله عليه وسلم - علي حكم شرعي في واقعة. فإذا وقعت حادثة وعرضت علي جميع المجتهدين من الأمة الإسلامية وقت حدوثها واتفقوا علي حكم فيها سمي اتفاقهم إجماعا، واعتبر إجماعهم علي حكم واحد فيها دليلا علي أن هذا الحكم هو الحكم الشرعي في الواقعة، وإنما قيل في التعريف بعد وفاة الرسول، لأنه في حياة الرسول هو المرجح التشريعي وحده، فلا يتصور اختلاف في حكم شرعي ولا اتفاق إذ الاتفاق لا يتحقق إلا من عدد. كثيرا ما نقرأ في كتب الفقه وكتب التفسير وغالبية كتب التراث الإسلامي قول الفقهاء والمفسرين في مسألة ما من مسائل الشريعة: (هذا بإجماع الأمة)، أو قولهم: (روي فلان الإجماع في هذه المسألة)، أو قولهم: (ولقد أجمعت الأمة علي هذا) وغيرها كثيرا من العبارات التي يفهم القارئ منها أن إجماع الفقهاء علي حل مسألة ما من مسائل الشريعة، أو حرمتها، أو جوازها، أو منعها، هو مصدر من مصادر التشريع الديني في الإسلام، وهذا الفهم أو هذا الاعتقاد يعد جريمة وخطأ عظيماً في حق الدين قد وقع فيه فقهاء أصول الفقه من حيث لا يشعرون، بل إن اعتبار إجماع الفقهاء المسلمين علي رأي ما في مسألة من مسائل الدين مصدرا من مصادر التشريع الديني يعد سابقة سيئة وفرية عظيمة وغريبة لم تحدث من أي من أتباع أي رسالة دينية أخري علي الإطلاق. إنه لمن المعلوم ضرورة أن الدين أي دين والشرائع والأحكام الدينية لأي رسالة دينية مصدرها واحد لا ثاني له ألا وهو الله سبحانه، حتي النبي محمد عليه الصلاة والسلام وغيره من الأنبياء ليسوا مصدرا من مصادر التشريع الديني، وذلك أن الدين وشرائعه وأحكامه لا مصدر لها جميعا سوي الله وحده، وما الأنبياء والرسل إلا مبلغين عن الله وحاملين أمناء لرسالته إلي الناس دون زيادة عليها أو نقصان منها، وذلك لقوله تعالي: (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله)، ولقوله تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل أألله أذن لكم أم علي الله تفترون)، ومن هنا ومن خلال هذه النصوص وغيرها نعي جيدا ويثبت في يقيننا أن الدين بأحكامه وشرائعه لا مصدر له سوي الله سبحانه، وما كان لبشر حتي ولو كان نبيا أو رسولا أن يكون كلامه أو فعله أو إقراره مصدرا للتشريع الديني ما لم يكن يبلغ عن الله رسالة الله التي أمره الله أن يبلغها للناس من دون زيادة عليها أو نقصان. إن خطورة اعتبار إجماع الفقهاء المجتهدين من المسلمين تشريعا دينيا تكمن في أن هناك مصادر أخري للتشريع الديني سوي الله سبحانه، أو مع الله، فقد اعتبر القرآن الكريم أي مصدر آخر للتشريع الديني لم يأذن به الله، اعتبر هذا المصدر شريكا لله في التشريع الديني، قال تعالي: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، فكل مصدر للتشريع الديني لم يأذن له الله بتبليغ شرع الله إلي الناس فهذا المصدر قد نصب نفسه شريكا لله أو نصبه الناس شريكا لله في التشريع الديني. فحين قمت بتتبع كتب أصول الفقه وما قاله علماء أصول الفقه حول الإجماع، وجدت أن هذا الخطأ الجسيم قد وقع فيه الفقهاء قديما وحديثا من التباس بعض النصوص القرآنية وبعض أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام علي معظم الفقهاء في الماضي والحاضر، وأدي هذا الالتباس إلي اعتقاد الفقهاء أن إجماع الفقهاء المجتهدين في أي عصر من العصور علي واقعة ما، أو حدث ما، يعد تشريعاً دينياً يضاهي في قدسيته قدسية القرآن الكريم، وفي المقالات القادمة سوف نتناول قضية إجماع الفقهاء بالنقد والتحليل ومحاولة تتبع النصوص التي التبست علي الفقهاء فظنوا أنها تجعل من إجماع الفقهاء تشريعاً دينياً، وسوف نقوم بإعادة قراءة هذه النصوص مرة أخري لمعرفة الأوجه الدلالية التي تم فهمها فهما خاطئا علي مر عصور التاريخ الإسلامي. باحث إسلامي مقيم بأسيوط