المؤسسة الصحفية القومية هي مشروع الشعب.. يمتلكه المواطنون من أبناء الشعب ويولي ادارته لمجموعة مختارة من المحترفين كل في مجاله، والفكر في ادارتها هو عنوان النجاح.. نجاح في اصدار صحيفة متميزة منفردة، ونجاح ايضاً في خلق كيان اقتصادي رابح لا يدخل في عداد المشاريع الخاسرة.. ومنطق الربح والخسارة هو منطق وافد كالنبت الشيطاني لا جذور له في ارض المؤسسة الصحفية، وهو منطق فكري غريب استغله البعض للهجوم علي المشروع الصحفي لوأد الطموحات وقتل الأفكار، ولا يدرك هؤلاء انهم بذلك المنطق المغلوط، وتلك النية المبيتة يخلون ساحة النشر الصحفي للجرائد والاصدارات الصحفية الخاصة التي تعتمد نفس المنطق منهاجاً لعملها، وأكثرها لا يراعي البعد الوطني القومي، في حين ان الحفاظ علي ذلك البعد كان من أول الاهداف التي من أجلها انشئت المؤسسات الصحفية القومية لاصدار وإدارة جرائد الشعب.. وفي سبيل تحقيق اقصي ربح وأقل خسارة للجريدة الخاصة، لا يهم وضع المعايير المهنية او القومية أو الاخلاقية موضع الاعتبار عند تنفيذ الاصدار الصحفي اليومي او الأسبوعي، فلا مانع أبدا من نشر عناوين ومقالات لا تراعي الحفاظ بالقدر الواجب علي الأمن القومي أو الوحدة الوطنية، ولا مانع من نشر العناوين المثيرة أو بعض الصور الصحفية التي لا تراعي الحرمات او تحترم العادات والتقاليد المصرية الأصيلة بدعوي تحقيق السبق الصحفي، ولا حائل يقف دون ممارسة الابتزاز علي رجال الأعمال لنشر الاعلانات علي صفحات الجريدة عربوناً لايقاف حملات التشويه المنشورة ضد اشخاصهم ومنتجات شركاتهم.. وهكذا، تنتهك اصول المهنة بدعوي استثمار الصحيفة في تحقيق أعلي معدلات الربح، ولا شيء يهم بعد ذلك.. وفكر الربح والخسارة، كان هو قاعدة الهجوم للانطلاق نحو اجهاض المشروع الصحفي في مؤسسات الفكر والتنوير الصحفية القومية، فأصبح ميزان التقييم لمؤسسة الثقافة القومية كمثل ميزان إدارة محل المانيفاتورة لبيع وشراء مختلف انواع الاقمشة، وأصبح دفتر استاذ المحاسبة القديم المتهالك هو من يحدد تطوير الجريدة من عدمه، أو اضافة الملاحق الصحفية الاخبارية او حذفها وبذلك الفكر الاداري الحجري الجامد محدود الرؤية ضيق الأفق خضع الفكر الصحفي القومي لكشف حساب "منه وله" قبل البدء في تنفيذ صفحات الجريدة، مع ان ذلك الفكر كان يهدف الي الانطلاق بجريدته كإضافة صحفية متميزة تنفرد بها المؤسسة القومية عن زميلاتها الأخريات.. ومع تعاظم التكاليف الاقتصادية التي تتحملها المؤسسة القومية بمختلف اشكالها، إلا أن ذلك التعاظم قابله نمو مطرد في الدخل الإعلاني للمؤسسة يفوقه ويزيد عليه، لتبقي مشكلة الفكر الاداري في توجيه الموارد هي العائق الجوهري الذي يحول دون تحقيق إنتاج اصدار صحفي ناجح مهنياً واقتصادياً وجماهيرياً.. فالهدف الأساسي للمؤسسة الصحفية القومية هو اخراج اصدار صحفي وطني يراعي مصلحة الوطن ويضعها قبل اي مصلحة دونها، وفي سبيل ذلك الهدف القومي يلزم أن تكون إدارة المؤسسة الصحفية القومية في خدمة الاصدار الصحفي، وليس مقبولاً أن يكون الأمر هو عكس ذلك تحت أي ظرف اياً كان.. فطبع ونشر الثقافة والتنوير في مؤسسة الشعب لا يجب أن يخضع لمنهج فكر إداري يساوي بينه وبين طبع دفاتر الفواتير وأظرف الخطابات وعلب الكروت الشخصية في احدي مطابع الزنكوغراف بشارع محمد علي.. في المؤسسة الصحفية القومية اوجه مصارف كثيرة جداً معروفة واضحة لكل العاملين فيها - هي التي يجب اخضاعها للالغاء والتقليص وتوجيه الجزء الأكبر منها لدعم المشروع الصحفي وتنميته وتطويره حتي يتم تقديم اصدار يتم تدريسه كاصدار نموذج لمن يريد ان يصنع اصداراً صحفياً ناجحاً، ومن الغريب أن العنصر البشري المتميز وهو العامل الأساسي في البنيان الصحفي للاصدار متواجد بوفرة في المؤسسة الصحفية القومية، ومع ذلك لا يتم خلق اصدارات تستوعب كل تلك الطاقات بدعوي ارتفاع تكلفة الورق والطباعة لانتاج اصدار ورقي ، وهي دعوة كنبت الصحراء الشيطاني ظهرت في الفترة الأخيرة في سبيل الترويج لاصدار الكتروني لا يحتاج إنتاجه الي تكلفة كمثل تكلفة الاصدار الورقي.. ولا يعي انبياء دعوة الاصدار الالكتروني انها انتشرت وتوسعت لانها لا تخضع لأي معايير مهنية او وطنية أو أخلاقية ولا تلتزم بمراعاة مصلحة الشعب ولا عاداته ولا قيمه ولا تقاليده، وعن كل تلك "المؤاخذات الالكترونية" غشيت الظلمة اعين أهل الإدارة.. مؤسسة الصحافة القومية لها دور محوري في صياغة وتشكيل الفكر، قبل ان تكون لها وظيفة إدارية تقتصر علي حسابات المصروف والإيراد والتكاليف تختصر أوراق الفكر والتثقيف والتنوير في دفاتر الفواتير وكشوف الايراد والمصروف. مؤسسة الصحافة القومية لها دور جوهري أنشئت من أجله.. لها دور صحفي سياسي كبير في توجيه الرأي وتشكيل الفكر، ولها دور اجتماعي لقيادة جموع الشعب نحو صالح الوطن.. ويبقي عائق تحقيق ذلك الدور متجسداً في فكر الإدارة الوظيفي ضيق الافق.. للأسف تحت مظلة الفكر الإداري لمؤسسة الصحافة القومية حققت الاصدارات الصحفية اسوأ وأدني معدلات التوزيع في تاريخها الصحفي!! رئيس تحرير مجلة أبطال اليوم الصادرة عن مؤسسة أخبار اليوم