فاضي يا أسطي - نعم وطلبت منه أي (العربجي) ألا يتوقف بل يستمر في الدوران علي الشاطئ الجميل للنهر. وسألته: بقالك كام سنة (عربجي). يا عم - قال لي أربعين سنة، وسألته أربعين سنة علي نفس الحنطور ومع نفس الحصان، يعني عمرك كله ضاع في مهمة واحدة. بلا ترقية ولا تعديل في (الكارير)؟ ضحك الأخ العربجي بشدة - وقال أنا متخصص ياأستاذ - أنا سواق عربة، أو حسب المجمع اللغوي ما قال (عربجي) وذلك ( نسبة السائق للعربة). وأنا فخور بالوظيفة والمهنة دي والخبرة الطويلة، أنا أصيل فيها، عاصرت أجيالاً وأجيالاً من لابسي الطرابيش حتي لابسي البراطيش، ومن البشوات بتوع الزمن القديم حتي خنافس الزمن الحالي أعجبني كلامه جداً. ولما عرف وظيفتي كمسرحي قال لي: أحنا يا أستاذ ناس نحترم الوظيفة والتخصص مش زي ناس عندكم الواحد ينط من تخصص لتخصص - ولما تقول له ازاي تبقي عربجي وعاوز تسوق اتوبيس ولا قطر ولا طيارة يقول لك - مش كله سواقة، والسواقة - قيادة - والقيادة إبداع. قال الصديق العربجي - بلا إبداع بلا كلام فارغ، وقال العربجي المفكر. مرة ركب معايا الأستاذ نجيب محفوظ وكان له فيلم بتاع سي السيد عجبني قوي. قلت له حلو قوي الفيلم ده يا أستاذ هوه مش من إخراجك برضه. ضحك عم نجيب وقال لا - الرواية بس من تأليفي - لكن الإخراج لحسن الإمام - قلت له - يبقي البركة فيك - الكلام كلامك. ضحك نجيب وقال لا - الكلام ده كلام واحد تاني. قلت له امال أنت إيه شغلتك، قال عم نجيب أنا عملت الحكاية والسيرة في كتاب وده تخصص أنا راجل «كتاباتي أكتب كتب والثاني راجل «سينماوي» يؤلف رواية للسينما والثالث راجل مخرجاتي - يخرج الفيلم. ولما سألته «وهذا كلام العربجي» يبقي الأخ يحيي شاهين أتعلم من مين فيكم ونفذ تعليمات مين ضحك نجيب وقال الأخ شاهين هو الذي تولي نقل فكرتي وأسلوب السيناريست وتعليمات حسن الإمام هو الذي قام بعمل التوصيلة هو الذي قاد «العربة كلها». قلت له يا سلام يا أستاذ - أنتم عندكم تخصص دقيق جداً كل واحد عارف شغله زينا تمام، قلت للعربجي كيف زيكم. قال طبعاً أنا أسوق الحنطور لكن الحداد وبتاع العربيات هو الذي يصلح العجلات وبتاع الشفخانة عنده دراية لعلاج البهايم التي تجرها، وبتاع التنجيد هو الوحيد القادر علي إصلاح السست والكنب لزوم راحة الزباين كل واحد عارف شغله. وسألني فجأة العربجي مش أنتم برضه عندكم نفس التخصص وكل واحد عارف شغله. وأطرقت من الحرج ولم أجبه علي سؤاله. فقد أصبح التخصص سؤالاً سخيفاًً جداً وأصبح الفالح في شغلة من الأشغال. لا يقنع بها، بل يمد بصره ويده لشغل غيره. فالممثل عاوز يؤلف والمؤلف عاوز يخرج والمخرج عاوز يمثل وبتوع المسرح الوقور عاوزين «يرموا» في المسرح السياحي، وبتوع المسرح السياحي عاوزين يعملوا عروض قومية، وبتوع السينما جري علي المسرح وبتوع الشاشة الصغيرة عاوزين يندلقوا في الشاشة العريضة. ومفيش حد عاوز ينكسف ويتلم، ورغم فشل معظم هذه الطموحات مفيش حد عاوز يعترف بالفشل ومازال التجاوز مستمراً ونزلت من الحنطور ولم أتوقف عن السير وحيداً، والعربة تختفي وفوقها العربجي الفيلسوف، الأستاذ الذي يعرف قيمة نفسه وقدرها، ولا يريد أن يسوق سيارة ولا طيارة حتي لا يكون مبتدئاً في فن لم يتعلمه ولا يعرف أسراره وليس له فيه خبرة وحتي لا يتهمه أحد بالدناوة. وهتفت: إني احترمك جداً يا صديقي العربجي فأنت فعلاً محترم جداً.