أول من صك تعبير " التعددية الثقافية " وفقا لتاريخ الأفكار والمفاهيم، هو " هوراس م . كولين " عام 1924 ، وهذه الفكرة لم تكن شائعة في أي مكان من الولاياتالمتحدة ، إذ ان الهجرات الواسعة والحرب العالمية الأولي زادت مشاعر الخوف العام من الأجانب ، ومن ثم أصبحت كلمة السر هي " الأمركة والتماثل " لا " التعددية والاختلاف". وبعد سبعين سنة أصبحت كلمة التعددية الثقافية السمة البارزة أمريكيا ، وحسب " ناثان جلازر " في كتاب " نهاية اليوتوبيا " : " كلنا مؤمنون بالتعددية الثقافية ، فالتعددية جاءت لتبقي ، وانتصارها كان تاما " . بيد أن المسألة ليست في التعددية ذاتها ، فأفكار التنوع والاختلاف والتعدد ، ليست أفكارا خاطئة ولا هي محل اعتراض، علي العكس، هي أفكار صحيحة وذات جاذبية، والاختلاف والتنوع يميزان العوالم الطبيعية والفيزيقية والثقافية، ونحن نبتهج للاختلافات أكثر من التماثل، المسألة ليست تفضيل التعددية وإنما (عبادتها) حسب تعبير "راسل جاكوبي" . ويستطرد : " لقد أصبحت أفكار التعددية الثقافية أفكارا مقدسة ، ولم يطرح أحد منا علي نفسه : ما قدر التعدد داخل التعددية الثقافية ؟ ما الفروق الحقيقية بين الثقافات ماذا تعني كلمة ثقافة وماذا تعني كلمة تعدد ؟ .. ما العلاقة بين السياسة والتعددية الثقافية ؟ " . إن أبرز دعاة " التعددية الثقافية اليوم " يؤكدون أنه بين الثقافات صراعات أساسية، وليس بالضرورة حوار وتواصل فضلا عن التفاعل والتلاقح، وهم يحاولون الإجابة عن هذا السؤال الجوهري: كيف يمكن لليبرالية أن توفق بين المطالب المتناقضة بين الثقافات والهويات؟ وفي مقال الفيلسوف " تشارلز تايلور " (سياسات الاعتراف) يقول : "ان الاعتراف ليس مجاملات يتبادلها أحدنا مع الآخر ، لكنه (حاجة انسانية حيوية) تقوم علي أساس أن الحياة ذات طابع حواري ، وأننا نعاين أنفسنا عن طريق الاتصال بالآخرين . وان الاعتراف الخاطئ يتضمن ما هو أكثر من عدم الاحترام ، فهو يمكن أن يحدث جراحا خطيرة ، ويثقل ضحاياه بكراهية معوقة للذات " . كما حدد تايلور الأصالة بأنها: "الفكرة القائلة بأن هناك طريقة معينة كي أكون انسانا علي طريقتي أنا. فأنا مدعو لأن أحيا حياتي بهذه الطريقة .. ولكي أكون صادقا مع نفسي فهذا يعني أن أكون صادقا مع أصولي " . ان الأصالة تغذي الاختلافات ، والتي تشكل بدورها " التعددية الثقافية " ، ولأن الحياة ذات طابع حواري ، ولأنها تتطلب الاعتراف المتبادل ، فإن التوقف عن الاعتراف هو أكثر صور القهر مأساوية " . ان الحوار بين الثقافات وداخلها هو المشكلة الجوهرية لعصرنا، لأن الإنسان خلال تاريخه الطويل - ورغم - انتماءاته المتعددة - ظل ينتمي إلي ثقافة وديانة محددتين، وهنا مكمن مشكلة "التعددية الثقافية" في الألفية الثالثة وعصر العولمة . لقد أصبح لزاما علينا أن نتعامل مع الآخر بوصفه (آخر) وليس صورة مطابقة للذات ، كما هو الحال مع فكرة (التماثل الثقافي) بمختلف تجلياتها ومراحلها ، وهي فكرة لا تسود الفلسفة الغربية وحسب، وإنما كل المجتمعات الدينية والقبائلية والعشائرية، حيث الآخرنسخة كربونية من الذات وليس (آخر) في اختلافه .