اسمحوا لي بوقت مستقطع اليوم من متابعة الانتخابات البرلمانية.. فالتصريحات الغريبة والمفاجئة التي نقلتها وكالة رويترز نقلا عن رئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي تستأهل التوقف عندها قليلا.. هي تصريحات غريبة ومفاجئة لأنها تأتي مخالفة للسياق الذي كانت تنحو نحوه تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي من قبل، وهي التصريحات التي كانت تتحدث دائما عن أن إثيوبيا لا يمكن أبدا أن تلحق أي ضرر لمصر في موضوع مياه النيل، وأن كل ما يعنيها فقط هو استفادتها هي الأخري من هذه المياه. فهذه التصريحات الجديدة يقول فيها زيناوي إن مصر لا يمكنها كسب حرب مع إثيوبيا علي مياه نهر النيل، ويتهم فيها مصر بأنها تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار بلاده. وغرابة هذه التصريحات أنها تأتي في وقت تؤكد فيه مصر ليلاً ونهاراً منذ اندلاع أزمة خلافات النيل بين دول المنبع ودول المصب أنها اعتمدت سياسة الحوار والتفاهم ومزيدًا من التعاون لاحتواء هذه الخلافات.. هذا ما أعلنه أكبر مسئول في مصر وهو الرئيس مبارك شخصيا.. ولاقي ما أعلنه تجاوبا داخلها من الجهات المعنية رسمية وشعبية.. متخصصة أو إعلامية. ويزيد من غرابة هذه التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي، إن كان ما نقلته عنه رويترز دقيقا، أن مصر منذ سنوات طويلة لا تنتهج سياسات التدخل في الشئون الداخلية للدول المحيطة بها، سواء كانت عربية أو أفريقية، هذا مبدأ ثابت في السياسة الخارجية المصرية لم تتخل عنه حتي في أصعب الأوقات، مثلما حدث بعد أن تعرض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال في إثيوبيا شاركت فيها عناصر انطلقت من الأراضي السودانية. ويزيد أكثر من غرابة تصريحات زيناوي أنها تأتي في وقت أبدت فيه الحكومة المصرية اهتماما كبيرا بزيادة حجم التعاون مع إثيوبيا في شتي المجالات الاقتصادية، سواء مجالات التجارة أو الاستثمار، وهو ما أنتج زيادة في واردات مصر من إثيوبيا خاصة اللحوم، وزيادة في الاستثمارات المصرية فيها. ولا تفسير لهذه التصريحات الغريبة إلا ما تجمع لدي من معلومات حول تطورات الخلاف حول مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب.. وهذه المعلومات تشير إلي أن ثمة تغيرا ايجابيا لمصلحة مصر في أمر هذا الخلاف.. ويتمثل ذلك في تفهم وجهة النظر المصرية من قبل عدد من دول المنبع، سواء التي لم توقع علي الاتفاق الأخير لدول المنبع الذي رفضته مصر والسودان، أو الدول التي لم توقع هذا الاتفاق وترفض التوقيع حتي الآن بدون مشاركة مصر والسودان علي أي اتفاق.. وهذا التفهم يستوعب ما تطالب به مصر من إعادة فتح باب الحوار والنقاش حول الأمور والقضايا الخلافية للوصول إلي توافق حولها بين جميع دول حوض النيل بلا استثناء. وترتبط بهذه المعلومات معلومات أخري عن تفهم الدول والمنظمات المانحة لوجهة النظر المصرية أيضًا.. وفي ضوء ذلك فقط يمكننا أن نفهم التصريحات الغريبة والمفاجئة لرئيس الوزراء الإثيوبي، التي نتمني أن يعيد النظر فيها.