ما يتعرض له لبنان حاليا يتجاوز حدود الوطن الصغير. فعندما يطلب الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله من المواطن اللبناني ومن المسئولين في الدولة مقاطعة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي الجرائم الأخري التي استهدفت تغطية تلك الجريمة ومنع قيام المحكمة الدولية، فإن مثل هذا الطلب يجب أن يوضع برسم العرب. فالمحكمة تحد للعرب أوّلا. ما يريد أن يؤكده الأمين العام للحزب، الذي يمتلك ميليشيا خاصة به تسيطر علي أجزاء من الأرض اللبنانية، بما في ذلك مطار بيروت والعاصمة نفسها والجنوب، هو أن لبنان ليس بلدا عربيا مستقلا وعضوا مؤسسا في جامعة الدول العربية وإنما هو دويلة تابعة لإيران ليس إلاّ. كل ما تبقي تفاصيل. لكنها تفاصيل مهمة. ولعل اخطر ما في هذه التفاصيل، كما يبدو واضحا الآن، أنه لا يوجد بلد عربي واحد علي استعداد لاتخاذ موقف واضح مما يتعرض له الوطن الصغير بسبب الخوف من النظام الإيراني وسطوته وقدرته علي التصرف من دون حسيب أو رقيب في كل المنطقة العربية الممتدة من المحيط الهادر إلي الخليج الثائر! ما يحصل في لبنان تعبير صارخ علي حالة العجز العربية التي يجسدها الموقف من الوطن الصغير الذي لا يجد في الوقت الراهن من يواجه معه الحملة الشرسة التي يتعرض لها والتي تستهدف إزالته عن خريطة الشرق الأوسط. عندما يدافع العرب عن لبنان وعن المحكمة الدولية التي يتوقف عليها مصيره، فهم يدافعون عن أمنهم وعن مستقبلهم وعن الواجهة الحضارية التي يطلون من خلالها علي العالم. إنها قبل كل شيء واجهة الانفتاح علي كل ما هو حضاري علي وجه الكرة الأرضية. إن لبنان يمثل، إلي إشعار آخر، الوجه الحقيقي لما يفترض أن يكون عليه العرب في مواجهة كل أنواع التزمت والتطرف الديني والشعارات الرنانة التي لا تخدم في نهاية المطاف سوي دولة عنصرية اسمها إسرائيل. لا حاجة إلي ادعاء أي عربي أكان مسئولا كبيرا أو مجرد مواطن عادي انه يحارب الإرهاب فعلا في حال الاستمرار في التغاضي عن الذي يحصل في لبنان، خصوصا عن الحملة علي المحكمة الدولية. لماذا المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مهمة عربيا قبل أن تكون مهمة لبنانيا؟ الجواب إن الموقف من المحكمة سيكشف ما إذا كان العرب قادرين علي اتخاذ موقف شجاع يتوقف عليه مستقبلهم ككتلة فاعلة في الشرق الأوسط قادرة علي تقرير مصيرها والدفاع عن مصالحها وأمنها. هل لا يزال للعرب مكان في الشرق الأوسط أم لا؟ في النهاية لا تستهدف الحملة علي المحكمة الدولية تأكيد أن لبنان بلد مستباح فحسب، بل المطلوب أيضا وقبل أي شيء آخر تكريس لبنان "ساحة" تستخدم لضرب العرب من خلف وعقد صفقات مع إسرائيل... أو مع "الشيطان الأكبر" الأمريكي علي حسابهم وعلي حساب الشعب اللبناني وعلي حساب كل ما هو عربي في المنطقة! من حسن الحظ أن الشعب اللبناني يقاوم ويصمد علي الرغم من الحصار المفروض عليه من كل حدب وصوب. الشعب اللبناني يقاوم السلاح المذهبي الذي تتحكم به إيران والذي يستهدف إخضاعه. يفترض في العرب، جميع العرب الالتحاق ب"ثورة الأرز" لأنها ثورتهم أولا. إنها ثورة حقيقية، علي الرغم من خيانة بعض المشاركين فيها. لقد واجه اللبنانيون بصدورهم العارية السلاح الموجه إليهم والذي لا هدف له سوي القضاء علي مستقبل أبنائهم. اللبنانيون يعرفون جيدا من قتل رفيق الحريري ورفاقه، علي رأسهم باسل فليحان. ويعرفون من قتل سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار أمين الجميل وانطوان غانم والمقدم وسام عيد واللواء فرنسوا الحاج والنقيب سامر حنا. ويعرفون من حاول اغتيال مروان حمادة وإلياس المر ومي شدياق والرائد سمير شحادة. ويعرفون خصوصا ان المحكمة الدولية تمثل الامل وذلك ليس بالنسبة اليهم فقط. إنه الأمل بالنسبة إلي العرب أيضا. الأمل بأن تكون هناك عدالة في المنطقة وبألا تعتبر الجرائم بمثابة حق شرعي يمارسه كل من يحمل السلاح باسم قضية ما ليست في واقع الحال سوي ذريعة للقضاء علي المنظومة العربية والاستعاضة عنها بمنظومة تتحكم بها كل الدول غير العربية في المنطقة، خصوصا إيران وإسرائيل. لا شيء شوفينيا في هذا الكلام. علي العكس من ذلك، مطلوب أن تكون هناك أفضل العلاقات بين العرب وإيران ولكن في ظل الاحترام المتبادل وليس علاقات بين دولة تسمح لنفسها بالتحكم بمصير أي شعب عربي من دون أن يمتلك هذا الشعب حتي حق الاعتراض. كيف يمكن الكلام عن علاقات سليمة بين أي دولة عربية وإيران عندما يسمح الرئيس محمود أحمدي نجاد لنفسه بزيارة لبنان بالطريقة التي زاره فيها والتي ضربت عرض الحائط بكل مؤسسات الدولة اللبنانية وقوانينها وأعرافها؟ يمثل الوقوف مع المحكمة الدولية اشارة عربية إلي إيران بأن العرب لن يرضخوا لها وأنهم لا يخافون كشف الحقيقة، حقيقة الجرائم التي استهدفت أشرف اللبنانيين العرب الذين رفضوا الخنوع والاستسلام. فهؤلاء الشهداء دافعوا عن العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين ورفضوا أن يكون المسيحيون أهل ذمة كما تسعي إلي ذلك تلك الاداة التي اسمها النائب ميشال عون ومن علي شاكلته من أدوات الادوات التي لا همّ لها سوي افلات المجرمين من العقاب او تغطية الجرائم التي ترتكب علي ارض لبنان. لبنان ليس لقمة سائغة. اللبنانيون، من كل الطوائف والملل ليسوا بالغباء الذي يتصوره الإيرانيون والناطقون باسمهم هنا وهناك وهنالك. مَنْ مِنْ بين العرب يقف مع لبنان ومع المحكمة الدولية انما يقف مع نفسه أوّلا واخيرا... يقف مع البحرين، والكويت، والسعودية، واليمن، وفلسطين، ومصر، وسوريا، والعراق خصوصا، ومع كل أرض عربية يمكن أن تكون معرضة لهزة ذات طابع طائفي أو مذهبي لا تصب سوي في مصلحة المشروع العنصري الإسرائيلي...