في قاعة "يوسف إدريس" الضيقة نسبيا وبإمكانيات بسيطة قدم المخرج المسرحي محمد أبو السعود "قداس جنائزي لموتسارت" وهو العرض الذي سبق وأنتجه مسرح الشباب وكان ضمن العروض المشاركة علي هامش مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي واعتمد العرض بالدرجة الأولي علي الموسيقي والصورة المسرحية أكثر من الحوار بشكل واضح ، فالموسيقي كانت البطل الأول للعرض لذلك تعمد أبو السعود اختيار البطل عازفًا موسيقيا في الأساس وهو المايسترو محمد صالح الذي تفوق في تقديم شخصية "سالييري" عدو موتسارت الذي يدبر في العرض مكيدة لقتله. العرض مأخوذ في الأساس عن رواية "أماديوس موتسارت" التي سبق وقدمت في مسرحية وفيلم سينمائي بأوروبا لكن المخرج قدمها لمصر بمعالجة مسرحية جديدة حيث أضاف شخصية الحارس التي لعبها محمد شندي ثم شخصية شبح موتسارت التي أدته الممثلة الروسية أليكساندرا بازيك فالعرض رؤية وتركيبة مسرحية مختلفة يقدمها مسرح الشباب مع المخرج محمد أبو السعود الذي يتعاون مع مسرح الدولة لأول مرة بعد إغلاق مسرح الهناجر عن العرض وحول رؤيته في هذا التعاون قال أبو السعود: النص مشهور جدا وسبق أن وقدم في مسرحية بعنوان "أماديوس" ثم تحولت فيما بعد إلي فيلم، وفي العرض عدنا للترجمة الأصلية ل"بوشكيني" لكنني حاولت أن أترجمها للغة العامية حتي تكون أسهل علي الجمهور وهو عبارة عن مشهدين بين "موتسارت" و"سالييري" وفي إعدادي للنص أضفت الحارس والشبح ، لأن كل مخرج يقدم نصًا لابد أن يضيف رؤيته للموضوع خاصة وأن النص الأصلي عبارة عن مشهدين فقط بين موتسارت وسالييري ويحمل جمل حوارية بسيطة للغاية، وكان اختياري لمحمد صالح علي وجه التحديد مهمًا للغاية لأنه ممثل وقادر علي العزف علي البيانو وهذا ما كنت أريده فكان من الصعب بالنسبة لي أن أقدم هذا العمل بلا ممثل يستطيع العزف علي البيانو وفي حالة عدم وجوده أعتقد أنني كنت سأصرف نظر عن العرض، لأن العرض يعتمد بشكل أساسي علي الموسيقي والمقطوعات الموجودة للعزف أمام الجمهور توازي مقطوعات "موتسارت" وصالح دارس موسيقي إلي جانب أنه ساعدني في ترجمة النص. أما عن رفضه العمل بالبيت الفني للمسرح طوال السنوات الماضية فيقول: طوال السنوات الماضية لم يسبق لي العمل مع هيئة المسرح "البيت الفني للمسرح" لأنني كنت أعمل في مسرح جيد هو مسرح الهناجر، فكان بالنسبة لي بيتا جميلا لكنهم للأسف هدموه !!، وبصراحة القاعة جيدة وتحمست عندما عرض علي مدير مسرح الشباب شادي سرور العمل معهم خاصة وكنت أريد أن أقدم عرضًا في القاعة منذ سنوات عديدة لأنها لا تحتمل عروضاً كبيرة بل هي فقط تحتمل هذه العروض الصغيرة ومنذ فترة طويلة لم يسبق لي تقديم هذا الشكل من العروض . وأكمل : عدم تعاوني مع الهيئة طوال السنوات الماضية كان بسبب إتفاقي علي أكثر من مشروع من قبل مع أكثر من رئيس بيت فني ثم أكتشف إلغاءه فمثلا توقف عمل مع الفنانة سميحة أيوب لظروف هم وحدهم الأعلم بها!، ومشروع آخر مع هاني مطاوع منذ عشر سنوات، لذلك هذه المرة كنت أقصد تقديم عمل له علاقة بالفن والجمال وبعيد تماما عن السياسة لأنني في الهناجر كانت لدي فرقة مستقلة ومسرح تربيت فيه إلي جانب أن هناك حالة تفاهم شديدة مع الدكتورة هدي وصفي مديرة المركز، فنحن لم نضع ميزانية العمل ضمن حساباتنا فكان همنا هو المضمون الذي نقدمه وسبق وقدمنا عروضا ذات إنتاج قليل جدا لكنها عالية القيمة الفنية ، كما قدمنا كتابًا مثل "كونديرا" و"ميللر" و"اسخيلوس"، وهؤلاء لم يسبق تقديمهم في أي مكان إلا علي مسرح الهناجر . ويقول: فهذا المكان علي مدار عشرين عاما تميز بالأعمال التي قدمها لا أنكر أن هيئة المسرح لديها إمكانيات وميزانيات ضخمة لكنهم لا يعملون بناء علي منهج ، وهناك الكثير من البيروقراطية ، وليس هناك أفق للاختلاف وحوار فمثلا الهناجر ميزانيته تعتبر ضعيفة مقارنة بهيئة المسرح ، لكنهم في النهاية كانوا ينتجون أعمالا كثيرة ومتميزة إلي جانب الورش التي كان ينظمها المسرح بشكل منتظم مع مخرجين أجانب، ففي رأيي المسرح يحتاج إلي منهج وفلسفة أكثر من الإمكانيات فالفلسفة والمنهج يخلقان جيلاً والهناجر خلق جيلين من المسرحيين مختلفين ومهمين وقدم علي الساحة نجومًا عديدة في السينما والتليفزيون والمسرح . ويضيف: وإذا كان الهناجر متاحا حتي هذه اللحظة أعتقد أنني كنت سأتفرغ لإنجاز مشروعات كثيرة مع الدكتورة هدي وصفي وقد لا تتاح لي فرصة العمل مع مسرح الشباب وإذا عاد كما نحلم سوف نستعد لعمل مشروعات متنوعة خاصة لأن الدكتورة هدي وصفي دائما تقف في المطبخ ولا تجلس علي المكتب فقط ، فهي ليست روتينية ، لأنهم للأسف في هيئة المسرح لم يستفيدوا بعد من التجارب الجيدة وفي رأيي أن هناك بلدان عربية كثيرة بدأت بعدنا وتفوقت علينا علي سبيل المثال هناك حركة مسرحية قوية جدا في تونس والمغرب ولبنان لأن هذه الدول منحت المستقلين حرية التواجد والمسرح يحتاج لهذا المناخ من الحرية والمرونة لكننا هنا ندير المسرح بأسلوب السبعينيات ولو نظرنا للمسرح حاليا لن نجد سوي الهناجر والفرق الحرة فقط ، وهم دائما ممثلون لمصر في الدول العربية، فمن النادر أن نجد إنتاج البيت الفني للمسرح ، المسرح الذي يحمل نوعًا من التجديد ليس له وجود لديهم فهم يديرون المنظومة بأعمال مستهلكة. وقال الهناجر كان أفضل مسرح في مصر ليس فقط علي المستوي التقني والإدارة لكنه كان يشبه المعهد لأنه قدم ورشًا واستضافات وعلي المستوي الشخصي استفدت من أشخاص كثيرين، جاءت للهناجر في بداياتي منهم فرنسيون وبولنديون وتعلمت منهم الكثير فأذكر أنه في المرحلة الأولي لعملي بالهناجر كان يتواجد بها كل من كرم مطاوع وجميل راتب وجواد الأسدي وروجيه عساف كنا نوضع ضمن هؤلاء الكبار علي جدول العروض بالمسرح وبالطبع استفدت منهم استفادة كبيرة حيث نتجول مع أعلام كبيرة علي المستوي التأهيلي والتعليمي لم يكن صعبا محاورتهم أو التعلم منهم والله يكون في عون الجيل الحالي الذي نشأ والهناجر غير موجود.