الإنسان اجتماعي بطبعه، أو هكذا نعتقد، والإنسان يميل إلي التجمعات وإلي مشاركة الآخرين حتي في الهم "جنة من غير ناس ما تنداس"، وقد يكون أقصي عقاب لفرد هو "الحبس الانفرادي"، أو أن يكون العقاب علي طريقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين أراد أن يعاقب شخصاً عذاباً شديداً فقال له" سأجعلك وسط قوم لا تفهمهم ولا يفهمونك"! ماذا عندما تتوافر وسيلة للتجمع ولجعل الناس في موضع التقاء تراهم يرجعون، بعد فترة الانبهار والاستكشاف الأولي، إلي الوراء، ويميلون مرة أخري إلي الوحدة، وإلي الانعزال، وإلي التقوقع سواء علي النفس، أو وسط جماعات صغيرة؟! عندما ظهر الراديو في بداية القرن العشرين، وبدأ استخدامه علي نطاق واسع منذ الثلاثينيات كان الاستماع إليه عادة اجتماعية في الأساس، حيث لا يحلو الاستماع إلا وسط "اللمة".. وسرعان بعد ذلك ما تغير المزاج العام، وأصبح الاستماع الفردي هو الأساس.. وتقسم الناس إلي جماعات صغيرة وإلي أفراد أشبه بالجزر المنعزلة.. الشيء نفسه عندما ظهر التليفزيون.. إذ كانت تلتف حوله الأسرة، ويصبح موضع اهتمام الكل.. ثم أصبح التليفزيون وسيلة فردية، لأفراد لا لجماعات. وما ينطبق علي الوسائل المحلية ينطبق علي الوسائل العالمية.. فمنذ سنوات معدودات ظهرت مملكة الفيس بوك، والتي أصبحت المملكة الفضائية العظمي، التي تجمع الناس حولها من كل حدب وصوب، ونتيجة لذلك أصبح صاحباها من أكثر أغني عشرة أشخاص في العالم (24 مليار دولار).. ثم وبعدها مباشرة رأينا التحولات إلي التقوقع بشكل سريع.. في أمريكا الشمالية (حيث ظهر الفيس بوك) يميلون إلي استخدام شبكتين أخريين هما ماي سبيس ولينكيدين، وفي كندا يتم استخدام شبكة نيكسوبيا ، وفي هولندا يتم استخدام شبكة بيبو ، وفي إسبانيا يتم استخدام شبكة توينتي.. أما في البلاد العربية فقد بدأ يتم الالتفات إلي شبكات أخري مثل عربيز، وفرينديور وغيرهما.. معني هذا، أن ظاهرة الالتفاف حول ظاهرة واحدة قد بدأت في الرجوع.. بحيث سنري قريباً شبكة اجتماعية لأهل الوجه البحري، وأخري لأهل الصعيد.. ومن يدري فقد تضيق الشبكات وتصبح مقصورة علي بعض الشوارع في مصر! الظاهرة التي أريد التأكيد عليها هي أنه في الوقت الذي تزداد الوسائل المؤدية إلي التواصل والوحدة يميل الإنسان إلي الانعزال والتقوقع.. فهل حقاً إن الإنسان كائن اجتماعي مثلما نقول؟ أم أن الإنسان خلق وحيداً، ويحب أن يعيش وحيدا رغم أنفس وسائل الاتصال الحديثة وشبكات العلاقات الاجتماعية؟!