كيف فرض الرئيس معايير النزاهة الإعلامية علي حزب الاغلبيه؟ كان موعد وموضوعات المؤتمر السنوي للحزب الوطني محل نقاش واسع خلال أشهر الصيف، بل ربما منذ نهاية مارس الماضي، ولا نكشف سرًا حين نقول إن إحدي وجهات النظر كانت تري أنه يمكن أن ينعقد المؤتمر لمدة نصف يوم.. تلبية لنصوص اللائحة الداخلية بشأن المؤتمر السنوي للحزب.. وفي ضوء أن موعد انعقاده سيكون في خضم الحملة الانتخابية لمجلس الشعب. وقد تقرر عقد المؤتمر بعد تخفيض جلساته من ثلاثة أيام، إلي يوم ونصف اليوم، في مساء يوم 9 نوفمبر وطيلة يوم 10 نوفمبر، وبينما كانت الاستعدادات تجري من أجل هذا الخيار.. فإن الرئيس - بعد مناقشات مستفيضة مع أركان الحزب - كان أن قرر إجراء تعديل جوهري علي خطط المؤتمر وأجله إلي يوم 25 ديسمبر.. أي بعد أن ينتهي الصخب السياسي الكامل للانتخابات.. بل بعد أن ينعقد مجلس الشعب وتتشكل لجانه ويلقي فيه الرئيس خطابه السنوي التقليدي. لقد برر صفوت الشريف الأمين العام التأجيل في تصريحه مساء يوم السبت بأنه يتيح التفرغ التنظيمي للحملة الانتخابية.. وهي عبارة ذات مدلولات كثيرة للغاية.. غير أنه قد يسأل سائل: ألم تكن هذه المواعيد معلنة من قبل؟ ومن المفهوم أن المؤتمر سوف يكون في خضم الحملة الانتخابية لمجلس الشعب.. فلماذا تقرر في نوفمبر ولماذا تأجل إلي نهاية ديسمبر؟ والإجابة عن هذا السؤال تقتضي مجموعة من الملاحظات للاستدلال علي المعني العميق للتأجيل ومبرراته: • تبدأ إجراءات الترشيح للانتخابات يوم 3 نوفمبر وتنتهي يوم 7 من نفس الشهر، أي قبل يومين من انعقاد المؤتمر، وهي عملية تقتضي استعدادات تنظيمية معقدة.. في ذات الوقت الذي يكون فيه علي القيادات التنظيمية في الحزب في مختلف المحافظات أن تقوم بالإعداد للمؤتمر.. وهي عملية معقدة بدورها.. لو تم تبسيطها إلي الحد الأدني لافترضنا أنه علي أمانات المحافظات أن تعقد مؤتمرًا تمهيديًا علي الأقل في كل محافظة قبل المؤتمر السنوي للحزب.. وهو ما يؤدي إلي أعباء مهولة قد لا يمكن الوفاء بها.. في ضوء أن المؤتمر في حد ذاته يحتاج جهدًا كبيرًا.. وهو ليس مجرد جلسات تتم في يومين وينتهي الأمر، وإنما تتم عمليات الإعداد له أسابيع طويلة. • بينما يكون المؤتمر منعقدًا، في الموعد الذي تأجل، فإنه سيكون علي المرشحين خوض المعترك السياسي في الدوائر في حين أنه يفترض فيهم حضور المؤتمر.. خصوصًا إذا كان عليهم التواجد قبل موعده بليلة والسفر في اليوم التالي لانتهائه، ما يعني استنفاد أربعة أيام من توقيت الحملة الانتخابية.. وهي أيام لا تكون مخصومة من أجندة المرشحين وحدهم وإنما من أجندة الجهاز التنظيمي الذي يتحرك معهم ولهم. • وإذا كان المبرر السابق سياسيًا، فإن المبرر القانوني الإضافي له بعدان.. الأول: هو أن أي مرشح سيكون مطلوبًا منه التفرغ لعمليات الطعون التي يتبادلها المرشحون من مختلف الاتجاهات بُعيد إغلاق باب الترشيح.. ودفاع كل منهم عن مقومات ترشيحه واستيفائه للمتطلبات الإجرائية.. ومن جانب آخر فإن المرشح قد يكون نائبًا في مجلس الشعب ومن حقه حضور المؤتمر.. وقد لا يكون نائبًا أي مرشحاً جديداً وليس من حقه- لأنه لا يحمل صفة تنظيمية بالتأكيد - حضور المؤتمر، وهو وضع يمكن قبوله إذا كانت معدلات التغيير في حدود عشرة نواب أو أقل.. لكن إذا كان العدد أكبر من هذا نوعًا ما فإن ذلك يعني أن من سيحضرون المؤتمر ليسوا هم من سوف يعبرون عن سياسات الحزب في العام التالي. • لا شك أن الجميع يلاحظ أن توقيت عقد المؤتمر المؤجل كان سيتلو عملية معقدة جدًا لاختيار مرشحي الحزب تتم لأول مرة بهذه الآلية التي اقتضت من المتقدمين لنيل ترشيح الحزب الوطني أن تكشف عنهم استطلاعات الرأي، وأن تعضدهم التقارير السياسية المختلفة، وأن يمروا من انتخابات شاملة في كل دوائر الجمهورية تمت علي المستوي الحزبي، ناهيك عن عملية الاختيار المعروفة في المجمعات.. وصولاً إلي تقرير هيئة المكتب - بناء علي استخلاصات مختلفة أساسها ما يأتي من أمانة التنظيم - من هم المرشحون.. الذين لن يعلن عنهم إلا في الساعة الأخيرة من يوم 7 نوفمبر.. وهو اليوم الأخير في قبول طلبات الترشيح. ولا بد أن هذه العملية التي تتم لأول مرة بهذا الشكل في تاريخ الحزب سوف يكون لها بعض التبعات التي تقتضي تدخلات عاجلة.. ينبغي تفهم ضرورتها في إطار أن تلك الإجراءات مستجدة.. وترسخ لقواعد فريدة.. تفرض علي من لن يترشحوا أن يقبلوا بأنهم لن يخوضوا التنافس ضد الحزب الوطني كما كانوا يفعلون سابقًا.. ولا بد أن هذه التدخلات تحتاج وقتًا لا ينبغي استنفاده في المؤتمر الذي تقرر تأجيله. • المسألة الجوهرية الأخري ذات أبعاد إعلامية، إذ إن أحد أهم أهداف انعقاد المؤتمر هو أن يحظي الحزب الوطني بتغطية إعلامية واسعة في مختلف الوسائل المطبوعة والمرئية والإلكترونية.. ولا شك أن تأجيل المؤتمر يعني أن الحزب قد قبل بقاعدة المساواة في التغطية الإعلامية مع بقية الأحزاب.. ولا يريد أن يخوض جدلاً حول معايير التغطية إبان الحملة الانتخابية.. وقرر أن يطبق المعايير علي نفسه قبل غيره.. وفيما أعتقد فإن هذا هو أحد الأسباب الجوهرية للتأجيل ويحسب للرئيس مبارك - نتيجة لذلك - حرصه علي هذا البعد السياسي الإعلامي تأكيدًا علي نزاهة العملية الانتخابية من زوايا مختلفة. من الناحية السياسية يظهر القرار إلي أي مدي من الجدية يتعامل الحزب الوطني مع المعركة الانتخابية التي بدأت بطريقة غير رسمية، ولو أنه يستخف بها لما عبئ بكل هذه الأمور.. ولجرت الاستعدادات كما هي دون أن يضطر إلي تأجيل موعد مؤتمر أعلن عنه منذ ما يزيد علي الشهر.. وما راجع نفسه.. وكشف عن مراجعاته للرأي العام.. ومن جانب آخر يشير القرار إلي حيوية وجرأة ومرونة عالية جدًا لدي الحزب الحاكم، من حيث قدرته علي اتخاذ قرارات ذات أبعاد متنوعة في لحظات حاسمة وبشكل يعكس الثقة الحقيقية في إمكاناته.. ومن حيث إنه يفرض القواعد الجديدة علي نفسه بنفسه. www.abkamal.net [email protected]