إن اللبس والخلط الذي يتخبط فيه معظم الناس بين معاني كلمات القرآن الكريم لا يخرج صاحبه عن شخص من اثنين، إما أن يكون من الذين يلبسون الحق بالباطل عن عمد، كالذين يبذلون قصاري جهدهم في تشويه كتاب الله باللغو فيه وتشويه آياته وأحكامه وكلماته، عن عمد وعدم علم، وإما أن يكون شخصًا لم يتدبر كتاب الله حق تدبره، أو انطلق في فهمه لكتاب الله من رواسب كتب التراث التي ما زالت تقبع في نفسه ولم يتخلص منها بعد، وبين هذا وذاك تضيع الحقائق، وتنقلب المفاهيم، فيلتبس علي الناس دينهم. إن اللغو واللبس بين دلالة مصطلحات القرآن الكريم، قد جعل الناس في لبس من دينهم، وأصبح أكثر الناس من أتباع الرسالات الإلهية لا يفرقون بين الإسلام لله وهو الدين الذي لا يتغير ولا يتبدل، وبين الشرائع والأحكام والنسك والشعائر، وقد أدي ذلك إلي أن رجال الكهنوت أصبحوا يدينون الله بالشريعة والأحكام، وليس بالإسلام لله وحده، والحنف عن الشرك به سبحانه، وبدلا من أن يدعوا الناس إلي الدين القيم الإسلام لله، والحنف عن الشرك به، أصبحوا يدعون الناس إلي الشرائع والأحكام والشعائر والنسك، وقلوبهم خاوية من الإيمان بالله وحده. فنري مثلا دعاة الدين الإسلامي يدعون الناس إلي شريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، المتمثلة في جملة الأحكام ومحتويات الشريعة والشعائر والنسك، مع ما أضافوه من اختلاقات وظن وشريعة وقول علي الله بلا علم، ونبذوا دين الله وراء ظهورهم، ظنا منهم أن الأحكام ومحتويات الشريعة وجملة الشعائر والنسك هي الدين. ومن هناك سوف يكون موضوع هذا البحث حول بيان بعض المصطلحات التي كثيرا ما تلتبس علي الناس معانيها وحقيقتها. ومن أهم المصطلحات الواردة في القرآن الكريم والتي ينبغي علي الإنسان إدراك حقائقها هي: «الدين، الحكمة، الشريعة، الحكم والجزاء، الملة»، فكل اسم من هذه الأسماء له دلالة خاصة في القرآن الكريم، لا ينبغي الخلط بينها. إن المتدبر لكتاب الله والباحث علي دلالة المصطلحات سالفة الذكر يتبين أن كلمة «الدين» هي اسم جامع لعدة موضوعات، هي: «الحكمة، الشريعة ، الحكم والجزاء، الملة»، وكل منها دين أيضًا، حيث إن كل موضوع من هذه الموضوعات له مادته المستقلة والمختلفة في موضوعها، فالحكمة دين، والملة دين، والشريعة دين، والحكم والجزاء دين، وكل منها موضوع مختلف في مادته، إلا أنها جميعها وردت في القرآن الكريم تحت مسمي الدين، ويجمعها جميعا كلمة الدين، ونفصل ذلك علي النحو التالي: الدين الاسم العام الشامل لموضوعات الرسالة: إن الدين، جنس يدل علي الانقياد والخضوع، والدين في كتاب الله، سواء كان دينا حقا أو دينا باطلا، يدل علي عدة موضوعات، هي: الحكمة، الشريعة، والحكم والجزاء، والملة، ويعد كل منها موضوعًا من موضوعات الدين العام الشامل الوارد في الرسالة الإلهية، ويختلف كل موضوع منها عن الموضوع الآخر، في مادته، واستمراريته، فالحكمة ليس موضوعها كموضوع الملة، والملة ليس موضوعها كموضوع الشريعة، والشريعة ليس موضوعها كموضوع الحكم والجزاء، والحكم والجزاء، ليس من موضوعه كل من الحكمة والملة والشريعة. هذا من جانب المادة الموضوعية لكل موضوع منها، أم من جانب الاستمرار، فالشريعة متغيرة من رسالة لأخري ومن رسول أو نبي لآخر، وكذلك الحكم والجزاء، فهو متغير من رسالة لأخري ومن نبي أو رسول لآخر، أما الملة والحكمة فهما موضوعا الدين الوحيدان اللذان لم يتغيرا في أية رسالة، ولم يغيرهما الله في أية رسالة من رسالات الأنبياء والرسل علي الإطلاق، وذلك منذ آدم وإلي آخر الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. ونفصل ما سبق في المقال المقبل