عندما أفكر في كثير من تصاريف الحياة القاسية ، وأحاول تدبر المعاني التي ربما تقبع وراء دلالاتها الظاهرة ، أجد أن ما كان " أرحم بنا" مما لم يكن .. وما وقع ألطف علي الناس مما لم يقع .. ذلك أن كاتب السيناريو الأعظم ، وخالق الكون الأكرم ، قد جعل كل الأقدار مغموسة قبل تنفيذها في معين رحمته ، وفي مداد عفوه ، وبدأها باسمه "الرحمن الرحيم" .. كما أن قوانين الكون كلها محكومة برحمته ، ومرهونة بعفوه " ورحمتي وسعت كل شيء" .. عندما أتدبر صفة " الرحمن" التي خص بها الله نفسه، وألقي ببعض ظلالها علي الأرض وعلي الناس لكي يتراحموا فيما بينهم ، أجد أننا، وإن لم نرزق نعمة أخري، ولم يمن الله علينا بشيء آخر غير رحمته ، لأسعد المخلوقات ، وأكثر الكائنات حظاً في الدنيا والآخرة.." ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك له وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم".. ولذلك أتعجب من كثير من الناس حين يعلنون يأسهم من الحياة ، ويصفون الحياة بالقسوة ، ويصورون الأمور علي أنها " سوداء" لا طاقة نور بها.. حيث لا يستقيم هذا ، في تصوري، مع ما سبق أن ما وعد الله به عباده من " أن رحمتي سبقت غضبي.. وعفوي سبق عقابي " .. فالله سبحانه وتعالي لا يحتاج إلي عقابنا ، ولا ينفعه شقاؤنا ، فهو "العزيز"، وهو "الغني".. وهو إضافة إلي ذلك ، ومع ذلك " الرحمن الرحيم" .. ثم إنه ، سبحانه وتعالي، جعل اليأس من صفات الذين لا يعقلون الحياة، ولا يفهمون أسرارها .. قالها إبراهيم عليه السلام "قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" ، وأكدها حفيده يعقوب " ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون" .. الرحمة هي صفة الله التي سبقت كل صفاته " ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما" ، وهي التي اختارها دون سواها في إعلان استوائه علي العرش " الرحمن علي العرش استوي" .. الرحمة في موضع القوة أوجب .. والرحمة عند المقدرة أجمل وأكرم. ولقد وصف رسولنا الكريم رحمة ربنا فأحسن الوصف ، إذ أشار إلي أن امرأة وقعت في السبي ففقدت صبيها وتضررت من اجتماع اللبن في ثدييها فكانت إذا وجدت صبياً أرضعته ليخفف عنها فلما وجدت صبيها بعينه أخذته فالتزمته فألصقته ببطنها وأرضعته .. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فقال لنا النبي صلي الله عليه وسلم : أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ قلنا: لا. وهي تقدر علي أن لاتطرحه . فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها.. اللهم، يا من وسعت رحمتك كل شيء، واتسعت مغفرتك لكل البشر، ارحمنا واغفر لنا يا رحمن يا رحيم.. يا الله .