عقب هزيمة يونيو 1967، وانكسارنا ورغم أن ما قيل عن أسباب هذه الهزيمة التي نالت من كرامتنا ومن بنيتنا الأساسية وضياع الحلم الذي كان يعيش فيه كل شاب مصري بل وكل المصريين للإعلام الموجه وغسيل المخ اليومي عن أننا أكبر قوة وأكبر دولة وأكبر اقتصاد وأكبر زعامة في المنطقة!! كل هذه التراكمات انهارت جميعها في نحو (6) ساعات من صباح يوم 5 يونيو الأسود في تاريخ مصر المعاصر ، وسرعان ما عاد شعب مصر إلي جذوره وعدنا لنمسك بتلابيب أنفسنا وترابطنا ، وبدأنا لا نفكر في الماضي -بل أسمينا الهزيمة (بالنكسة) ورددنا " ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة" ، ثم رددنا وراء "جمال عبد الناصر" "يد تبني ويد تحمل السلاح"!! وأخذنا في تصحيح أوضاع طالت في اعوجاجها وسمعنا عن المجهود الحربي، كانت الجبهة تعيد تنظيم نفسها بقواتنا المسلحة التي تبعثرت في صحراء سيناء ، وبعضها مبعثر في جبال اليمن ، والبعض الآخر في القطر الشمالي (سابقاً) سوريا، أخذت قواتنا المسلحة في إعادة تنظيم نفسها وسرعان ما تحركت قواتنا الجوية يوم 15 يوليو بعد العدوان بأيام لكي تقوم بهجوم، يعتبر المواجهة الأولي للقوات المسلحة المصرية أمام قوات إسرائيل وسرعان ما دمرت البحرية المصرية أكبر مدمرة لإسرائيل وهي المدمرة (إيلات)!! وبدأت حرب الاستنزاف التي أدمت "إسرائيل"وقواتها المسلحة، وتحرك الفدائيون المصريون خلف خطوط العدو في سيناء ، وكانت الجبهة المصرية ملتهبة يومياً، لم تتوقف الحرب ساعة واحدة طيلة ست سنوات، منذ هزيمة يونيو 1967 حتي اللحظة المقدسة التي عبرت فيها قواتنا المسلحة بكامل طاقاتها في الساعة "الثانية إلا الثلث" من ظهر يوم 6 أكتوبر 1973. هذه الجبهة وقفت مصر كلها تدفعها وتدعمها وتعمل في الخطوط الخلفية في مدن وقري مصر، وتعدي ذلك برنامج المجهود الحربي الذي شارك فيه كل مصري ومصرية ، من كان لديه شيء يستطيع أن يقدمه لقواتنا المسلحة في الجبهة كان يقدمه دون ضجيج بل ودون طلب، قدمت الأسر المصرية أبناءها القادرين علي حمل السلاح، تقدمت أفواج المؤهلات العليا من الجامعات إلي معسكرات التدريب في شتي الوحدات العسكرية، هندسية ومدنية ومشاة، وطيران، وبحرية ومن تلك المعسكرات إلي جبهات مصر شمالاً وشرقاً، وصدر قرار استثنائي بترقية العقيد "محمد حسني مبارك" عميداً وقائداً لكلية القوات الجوية لكي يعمل علي تفريغْ عشرات ، بل مئات الطيارين القادرين علي إعادة الكرامة المصرية في ضربة جوية منظمة ، ولم يترك فنانو مصر المعركة وعلي رأسهم سيدة الغناء العربي "أم كلثوم" التي جابت محافظات مصر كلها غناء من أجل الحركة وتبرعات من نساء مصر ، ثم نساء العالم العربي ، ذهبت إلي المغرب وتونس وليبيا والكويت والسودان ، كل الدول العربية ، تحمل جواز سفر (أحمر) (دبلوماسي) أهداه لها "جمال عبد الناصر" لكي تجمع الأموال للمجهود الحربي ، وكذلك مجموعة فناني مصر (عبد الحليم حافظ ، عبد الوهاب ، فريد الأطرش ، فايزة أحمد) حتي الفنانات المصاحبات لهؤلاء المطربين (تحية كاريوكا، هند رستم، فاتن حمامة ) وغيرهن عشرات من فناني وفنانات مصر شاركوا في المجهود الحربي، ما أشد احتياجنا للاشتراك فيما يمكن أن نطلق عليه المجهود السلمي، في التعليم والصحة والسكان والغذاء، والمواصلات، نحن في أشد الاحتياج لزمن المجهود الحربي المصري!!