يمثل المخرج الكبير صلاح السقا الراحل عن عمر يناهز الثامنة والسبعين عاماً علامة مضيئة في تاريخ المسرح المصري المعاصر. كانت ميزته الأساسية رحمه الله هي أصالته الخاصة في كل سلوكياته المحبة للحياة والناس. والتي تبرز في طبيعة اختياراته الفنية، فعقب حصوله علي ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس 1957 عمل لمدة عام واحد بالمحاماة، ثم اكتشف موهبته في القدرة علي تقديم عالم افتراضي يحاكي الحياة علي خشبة المسرح ولكن عبر العرائس. كان حبه لهذا العالم نابعًا من طبيعة تكوينه الذي لا يقبل إلا الأدوار الأولي في مسرح الحياة. كان ككل أبناء البلد الأصلاء يملك طاقة من التطوع الإنساني النبيل لتعديل ما قد يصادفه في الحياة من قبح، كان يهوي معرفة البشر، وله كتيبة من الأصدقاء من أدني السلم الاجتماعي لأعلاه، يعاملهم جميعاً سواسية بكل قدرته علي عنف وخشونة لا تجرح لأنها تصدر عن طفل كبير رقيق عاشق للحياة. وقد كانت الحياة مشروعه الأساسي، فقد عرف كيف يعيشها كما يهوي، سمر دائم وتجوال لا ينقطع في ليل القاهرة، مع انضباط مثالي في العمل، وأبوة مسئولة تعرف كيف تربي الأبناء. كان صلاح السقا شخصاً حقيقياً في كل شيء، ولأنه كان حقيقيا في اختياره الفني فقد ظل علي عشقه لتخصصه الدقيق في الإخراج لفن العرائس، لم تغيره أي مغريات أخري نحو مجالات عمل أخري أوسع، كانت متاحة له بحكم علاقاته القوية مع مصادر القوة والنفوذ في الوسطين الثقافي والإعلامي، والتي أتاحتها له كرامته الفنية الأنيقة بصبغة ابن البلد المتهور. فقد منح عمره المهني كله لمسرح العرائس، واستطاع عبر إيمانه بتخصصه الدقيق غير المفهوم في أوائل الستينيات في مصر، أن يصنع منه تخصصاً قادراً علي اجتذاب الجماهير العريضة، فقد قدم عرضاً للعرائس شاهده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أوائل الستينيات، هكذا كان يملك تلك الإرادة في تنفيذ أحلامه، وهي إرادة لا ترضي بالشخوص الحية لتنفيذ الأحلام الفنية، لذلك تحلم عبر العرائس،وهنا يظهر دور المفكر راجي عنايت في دعم لاعب العرائس الماهر آنذلك صلاح السقا فقد تابع راجي عنايت حلم إنشاء مسرح القاهرة للعرائس ، وأخذ صلاح السقا في حضنه الدافئ ليجعله مديرا لمسرح العرائس كما أرسله للحصول علي دورة في فن العرائس، فكانت دبلومته علي يد الخبير العالمي الروماني سيرجي أورازوف، فكانت القاهرة عبر الإرادة والعلم هي رائدة فن العرائس في الوطن العربي كله. وعرفه الجمهور العريض في كل مكان عبر الليلة الكبيرة لصلاح جاهين وسيد مكاوي وعرائس ناجي شاكر الفذة التي تعد نموذجاً أصيلاً في فن نحت العرائس المعاصر. وعندما نذكر فن العرائس في مصر نتذكر الليلة الكبيرة وعندم نتذكر الليلة الكبيرة نتذكر وجه صلاح السقا المندهش كالأطفال أصحاب الحكمة الإنسانية البسيطة كن أنت تحصل علي ما تشاء وقد ظل السقا يلعب مع الأطفال والعرائس في مصر والسودان وقطر والعراق وتونس ليحمل لقب مؤسس مسرح العرائس في كل تلك البلاد العربية. وليواصل مساراً مهنياً منتظماً ويستطيع أن يجتذب المبدعين الكبار لمجال الإبداع العرائسي للأطفال فيكتب له عبد الرحمن الأبنودي مسرحية مقالب صحصح وتابعه دندش ويكتب سيد حجاب أشعاره الجميلة في مسرحية أبو علي وسمير عبد الباقي يكتب له خصيصاً حكاية سقا. مسار مهني جاد نذكر منه أشهر ما فيه مثل مسرحية صحصح لما ينجح، وعقلة الصباع وعودة الشاطر حسن، والديك العجيب أمتعت أطفال مصر وكبارها علي مدي عدة أجيال منذ 1960 وحتي الآن، عندما حققت الليلة الكبيرة إيرادات كبيرة عند عرضها بعيد الفطر المبارك الماضي علي مسرح القاهرة للعرائس، فهي الأغنية الحميمة التي نحفظها جميعاً في القلب، ولا نمل من مشاهدتها كلما أمكن ذلك، شأنها شأن كل الإبداعات العظيمة القادرة علي إعادة إنتاج نفسها عبر السنين، أما إنجازه الإنساني غير المرئي فهو عمله كمنشط ثقافي ومدير لعدد من المؤسسات المسرحية منها هيئة المسرح (1987 - 1992 ) وأبحاثه في فن العرائس وتدريسه له في مصر والوطن العربي، وأثره الإيجابي علي كل من صادفهم في مساره المهني. وأثره الباقي في ولده النجم أحمد السقا الذي يري أن أهم ملمح في حياته كونه ابن طاقة المحبة والحنان والإرادة الحديدية الأب الفنان متفرد الأصالة الفنية صلاح السقا رحمه الله.