غريبة ومثيرة حياة نجوم الكوميديا، إنها أشبه بسلسلة من المتناقضات، فبقدر ما أضحكونا وأسعدونا كانت حياتهم الخاصة أشبه بقارب يرسو علي شاطئ الحزن والجفاف. زينات صدقي علي رأس قائمة الضاحكات الباكيات، علي الرغم من أدائها الذي يفطر صدقاً، وتفوح منه رائحة السعادة، بتلقائية هي أقرب إلي أولئك الذين يبدعون بالفطرة. وهي واحدة من قليلات من جيل العملاقات اللاتي كسرن حاجز احتكار الرجل لدنيا الضحك والابتسامة. زيارة ما أن تدلف من باب شقتها التي لا زالت شاهدة علي ذلك الزمن الجميل، والقريبة جداً من شارع عماد الدين، شارع الفن الأصيل، الذي انطلقت منه عشرات المواهب في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، والذي تفوح منه رائحة الزمن الجميل، ما أن تدلف من باب شقة زينات صدقي، حتي تحتضنك صورة شخصية عتيقة وعريقة لها، ترحب بك بابتسامتها الحلوة، ونظرة عينيها المشاغبتين. وفي مكان بارز تتصدر شهادة تكريم منحها لها الرئيس الراحل أنور السادات في أحد الاحتفالات بعيد الفن، في ركن مهم من صالة الاستقبال البسيطة. كوب شاي هنا كانت تعيش الحاجة انادرة علي اللبانب ابنة شقيقتها، التي تربت بين يدي الفنانة النجمة زينات صدقي، والتي أخذتها زينات من أمها لتعيش معها من صغرها، ولم تفارقها حتي الوفاة.. وكان من حظي انها دعتني لكوب شاي في شقة زينات صدقي في أثناء اعدادي لحلقات تسجيلية عنها. الحاجة نادرة وابنتها اللتين كانتا تعيشان في نفس المكان، شاهدتين علي كثير من الأحداث والوقائع المهمة، وهما أيضاً سجلا لي غضبيهما من قلب الحقائق، ومن الشائعات الجاهلة أو المغرضة، التي تطارد ذكري نجمتنا الكبيرة، إحدي رائدات فن صناعة الضحك في السينما المصرية والعربية، وكأن الحاجة نادرة تترك ذكرياتها امانة بين يدي قبل رحيلها. الميلاد أغلب الظن أن زينات صدقي من مواليد شهر مايو عام 1912، وقد ولدت بحي الجمرك في مدينة الإسكندرية علي ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفاجأها القدر بأول حادث تعس في حياتها، عندما توفي والدها وهي لا تزال طفلة في عامها الثامن. الاسم عليه خلاف! والغريب أن المؤرخين قد اختلفوا حول اسمها الحقيقي، فهناك من يقول إن اسمها الحقيقي هو: زينب محمد سعد، ونجد من يقول علي خلاف ذلك بأن اسمها الحقيقي هو: زينات محمد صدقي، وأصحاب الرأي الأول يؤكدون علي أنها حصلت علي اسم صدقي بعد ذلك من اسم صديقتها الفنانة «خيرية صدقي» التي شاركتها سنوات الشقاء الأولي في مشوار عملهما سوياً بالفن، بينما قال أنصار الاسم الثاني إن خيرية صدقي هي التي أخذت لقبها من لقب زينات. بنات بحري شيء آخر اختلف حوله النقاد، هو مكان ميلاد زينات صدقي، فالبعض يقول إنها من مواليد حي الجمرك كما أشرنا سابقاً، في حين يقول البعض الآخر إنها من مواليد حي بحري الشهير بتخريج بنات البلد الإسكندرانية، الذين خلدهم الفنان التشكيلي المبدع محمود سعيد في لوحاته، بلون بشرتهم المائل للسمرة وزي بنات البلد في ذلك الزمان. وقد التحقت زينات بما كان يسمي وقتها المدرسة الإلزامية، ثم الابتدائية، لكن يبدو أن والدتها قد لاحظت أن جسد ابنتها «يفور» بلغة أولاد البلد، ليصبح أكبر من سنها، فخافت عليها من نظرات القناصة، وجلست في انتظار العريس، الذي جاء بالفعل، وكان أحد أبناء العائلة وتزوجت وهي لا تزال ابنة خمسة عشر ربيعا، ولكنه كان زواجا غير موفق، فلم يستمر سوي عام، وعلي الرغم من انها كانت قد أخذت قراراً في ذلك الوقت ألا تكرر تجربة الزواج إلا أنها عادت وكررتها بعد عدة سنوات حينما تزوجت من موسيقي مغمور اسمه إبراهيم فوزي ولم يكتب لهذه التجربة أيضاً النجاح. ولم ترزق زينات صدقي بأولاد من زوجيها، ولكنها أعطت حنان الأم لأبناء شقيقتها وأحفادها. أنصار التمثيل وقعت زينات صدقي في غرام الفن، ولأنها سيدة جادة، أرادت أن تصقل هوايتها وموهبتها التحقت بمعهد أنصار التمثيل والسينما في مدينة الثغر (الإسكندرية)، وهو المعهد الذي أنشأه وكان يشرف عليه رائد فن التمثيل الراحل زكي طليمات والذي كان يشجع المواهب الجديدة، فيمنحهم راتبا شهريا، ولكن ماذا كان موقف الأسرة من رغبة زينات العمل بالفن؟ الأسرة تعارض عارضت أسرتها هذا الاتجاه ورفضت عملها بالفن خاصة بعد أن بدأت تشارك صديقتها خيرية صدقي الغناء في الأفراح الشعبية داخل مدينة الإسكندرية. وأمام هذا الحصار قررت زينات الهروب إلي الشام، وتحديدا إلي لبنان برفقة والدتها وصديقتها خيرية صدقي، وفي لبنان ذاقت زينات طعم النجاح لأول مرة حتي أصبح لها أغانيها الخاصة بها كما أصبح لها اسم معروف، واشتهرت بأداء المونولوج ووضعت لنفسها مونولوجا تتغني فيها باسمها وبمصريتها كان مطلعه: أنا زينات المصرية.. أرتيست ولكن فنية.. أغني وأتسلطن يا عينية.. تعالي شوف المصرية. وإلي الأسبوع المقبل بإذن الله