بدأ رئيس تحرير «روزاليوسف» منذ الثلاثاء سلسلة مقالات بعنوان «مستقبل الصحافة القومية»، لا أعرف ماذا سيقول فيها بعد المقال الأول الذي افتتح به هذا الملف الشائك، لكن توقيت ومبررات فتح هذه القضية يستدعيان المشاركة بالرأي والأفكار، وصياغة رؤية مستقبلية لصالح هذا الكيان الضخم الذي أعتبره رمانة ميزان الصحافة المصرية، وضابط إيقاعها حتي الآن. ومع إيماني الشديد بأن الأصل في الصحافة أن تكون خاصة، وليست قومية ولا حزبية، فإن تجربة الصحافة الخاصة في الأعوام الخمسة الماضية، وتعارضها مع الأجندة الوطنية في كثير من الأحيان، ودعمها فوضي غير مبررة في أحيان أخري، تجعل الانتقال إلي عصر الصحافة الخاصة بالكامل في غير وقته، وهو ما تستدعي إعادة تشريع القوانين المنظمة لإصدار الصحف، وتشديد العقوبات المالية في حالة النشر غير الموثق. ورغم ذلك ينبغي التأكيد أيضا أن الصحافة القومية هي من وضعت نفسها في مرمي نيران النقد، لأن بعضها لم يكن علي قدر التحدي والمسئولية، لم تأخذ بأدوات العصر، من حيث السرعة في نقل الخبر، وتطوير طرق الكتابة، والانتقال من عصر الخبر إلي القصة الصحفية المحكمة والموثقة، والدخول في عصر صناعة الإعلام المتكامل الذي يجمع بين االمكتوب والمسموع والمرئي علي مواقعها الإلكترونية. ومن الصواب أيضا القول إن مستقبل الصحف القومية رهن بوجود إدارة إعلامية اقتصادية للمؤسسات القومية، وهو ما يستدعي اتخاذ حزمة إجراءات يستصعبها القائمون علي أمر المؤسسات القومية ومنها: عدم وجود نظرة اقتصادية للإصدارات الخاسرة داخل المؤسسات القومية، ومن المعروف أن المؤسسات القومية لجأت في تسعينيات القرن الماضي إلي التوسع في إصدارات أسبوعية وشهرية وفصلية جديدة، فعلي سبيل المثال صدر عن الأهرام "الأهرام الرياضي، والاقتصادي، والعربي، ونص الدنيا، والبيت، والديمقراطية، ولغة العصر وغيرها، وفي دار التحرير صدرت «عقديتي وحريتي والكورة والملاعب» وغيرها، وفي أخبار اليوم صدرت أخبار الرياضة والسيارات و«الحوادث والأدب» وغيرها. والملاحظة المهمة أن عديداً من هذه الإصدارات غير ذي جدوي، اقتصاديا وإعلاميا، بمعني أنها تحقق خسائر، ولا تسجل حضورا ملحوظا في سوق التوزيع.. وبالتالي يصبح السؤال المشروع: ما جدوي صدور مجلة أو صحيفة لا يقرؤها الناس ولا تحقق عوائد اقتصادية، بل تتسبب في الخسائر؟ وثمة سؤال آخر أكثر أهمية: هل تملك مجالس إدارات والجمعيات العمومية لهذه المؤسسات القومية اتخاذ قرارات بإغلاق هذه النوعية من الصحف والمجلات، التي تحمل المؤسسات القومية أعباء اقتصادية تقيد حركتها، وتؤثر علي التطوير المالي والمهني للصحف اليومية الكبيرة التي تصدر عن هذه المؤسسات؟ أعتقد أن أي بداية لتطوير المؤسسات الصحفية القومية يجب أن تضع في اعتبارها المردود الاقتصادي والإعلامي لما يصدر عنها من إصدارات، ودون الدخول في هذا الملف الشائك يبقي مستقبل تلك المؤسسات غائماً، والقدرة علي الإصلاح محدودة، لكن هذا ليس سوي رأس جبل الجليد الظاهر فقط، بينما الإصلاح تنتظره مشاكل أخري.. تتعلق بالجبل المختفي تحت المياه الراكدة.. وهو ما نتعرض له بعد ذلك دون حساسيات .. أو حسابات.