تحت هذا العنوان اللافت عقد المؤتمر الختامي لمشروع الحد من الفقر يوم الثلاثاء الماضي بحضور كوكبة من الوزراء المصريين والإيطاليين والمحافظين. أحد أهم أبعاد المشروع هو مكافحة الفقر بمساعدة الفقراء علي إمتلاك ما يعرف بالأوراق الثبوتية، وأعني شهادة ميلاد، وبطاقة رقم قومي وخلافه. فمن ناحية يتعلق المشروع بالحق في المواطنة، والتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمدنية السياسية من ناحية، ومن ناحية أخري يمكن الفئات الفقيرة والمهمشة خاصة من النساء والاطفال من الحصول علي الخدمات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية التي تقدمها الدولة لمواطنيها. ربما قد يكون غريبا- كما ذكرت مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان- في افتتاح المؤتمر أن يكون هناك من هم لا يمتلكون أوراقًا ثبوتية في القرن الحادي والعشرين، وهؤلاء كثيرون. في دراسة ميدانية نفذت في 21 قرية من القري التي طبق فيها المشروع، وشملت أكثر من ثلاثة آلاف اسرة بتلك المحافظات أشارت النتائج إلي أن 11.6% من الأفراد الذين يبلغون 16 سنة أو أكثر ليس لديهم بطاقة رقم قومي، وأن أكثر من 85% من الأفراد الذين ليس لديهم رقم قومي من الإناث، وان نسبة ساقطي القيد بلغت 6.1% من اجمالي افراد العينة. واكد حوالي 29% ممن شملتهم الدراسة تعرضهم لمشكلات بسبب عدم إمتلاكهم لأوراق ثبوتية مثل عدم القدرة علي استخراج بطاقة التموين أو الحصول علي عمل دائم أو التعرض لمشكلات أمنية نتيجة عدم حمل بطاقة هوية للبالغين كذلك عدم توثيق الزواج بسبب عدم ملكية الفتيات أو الأزواج لبطاقة هوية بما يضطر معه الأهالي للجوء لأساليب أخري لإتمام الزواج مثل زواج السنة أي يتم الزواج والإشهار دون توثيق العقد، وهو يترتب عليه عدم تسجيل الأطفال (أي زيادة أعداد ساقطي القيد)، كما أظهرت نتائج الدراسة العلاقة الوثيقة بين الاحجام عن استخراج الاوراق الثبوتية وارتفاع متوسط حجم الأسرة في قري المشروع، حيث بلغ متوسط حجم الأسرة 5.3 فرد وفضلا عن تدني المستوي الاقتصادي لهذه الأسر، وأن نسبة الأسر التي تعولها سيدة في هذه القري وصلت الي 14%. وإذا نظرنا لأسباب واحجام بعض الاسر عن تسجيل ابنائهم نجدها متنوعة منها قلة الوعي باهمية الاوراق الثبوتية أو صعوبة الوصول إلي الوحدات الصحية، أو السكن في مناطق نائية، ومنها ما يتعلق بالعادات والتقاليد كالتمييز ضد الإناث، أو أن يكون المولود بصحة ضعيفة وتتوقع الأسرة موته، أو لتسهيل زواج البنات من دون التقيد بالسن القانونية حيث يتم الاكتفاء عند ذلك باستخراج شهادة تسنين كبديل لشهادة الميلاد وإتمام الزواج علي هذا الأساس. والمواطن الذي لا يمتلك أوراقا ثبوتية يعيش علي هامش المجتمع، لا يتفاعل معه، ولا يسهم في تطوره، ولا يستفيد من خيراته. فهو ليس في إمكانه التعلم، أو تعليم أبنائه إذا كانوا من سواقط القيد، ولا يستطيع أن يعمل عملا دائما، أو يمتع بمظلة التأمين الاجتماعي، أو العلاج الحكومي، أو الحصول علي السلع المدعمة، أو التعامل مع الجهات الحكومية، أو الحصول علي قرض، فضلا عن أنه لا يستطيع المشاركة في العملية الانتخابية ترشيحا وانتخابا، وبالتالي فهو شخص مقيم في مجتمع، يعيش في غربة تجاهه، وقد يحمل مشاعر سلبية له. وخلال ثلاث سنوات من عمر المشروع تمكنت وزارة الأسرة والسكان بالتعاون مع وزارتي الصحة والداخلية وعدد من الجمعيات الأهلية من تحقيق نتائج مهمة كان الهدف استخراج 40 الف ورقة ثبوتية مابين رقم قومي وشهادة ميلاد وفي نهاية المشروع تحقق ثلاثة اضعاف هذا الرقم لكي يصل المتحقق إلي أكثر من 128 ألف ورقة ثبوتية. انتهي المشروع الممول من المعونة الإيطالية، ولكن المستقبل سيكون بجهود مصرية، كما ذكرت سمية الألفي مديرة المشروع حيث سيجري التوسع في اعداد المستفيدين من خلال مد نطاق العمل إلي عدد من المحافظات الجديدة، والعمل علي محورين أساسيين: المحور الاول : التنسيق مع وزارتي الصحة والداخلية في بلورة مسودة خطة العمل التي تطرحها الوزراة للتصدي لمشكلة تسجيل المواليد وساقطي القيد في مصر ووضع الآليات الكفيلة بتنفيذها ونظم متابعة جيدة للتأكد من جودة تنفيذها. المحور الثاني: الاستمرار في جهد تنفيذ المشروع في اكثر المناطق احتياجًا واستهداف اكثر الفئات فقرا وتهميشًا. مشروع مهم يمكن أن يشارك فيه الناس جميعا بدلا من مناخ المناكفات والمساجلات.