للمرة الثانية يلقي الرئيس باراك أوباما خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد نحو عامين من انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. في خطابه الأول، قال: "إننا لا ننوي تصدير ديمقراطيتنا". وفي خطابه الثاني قبل أيام (23 سبتمبر 2010)، أكد ذلك القول، وفصله: "كل دولة تتبع مساراً ديمقراطيا نابعاً من ثقافة شعبها، لأن التجارب أثبتت أن التاريخ هو حليف الحرية وأن الأساس الأقوي للتقدم البشري يكمن في النظم الاقتصادية المفتوحة، والمجتمعات المفتوحة، والحكومات التي تتسم بالانفتاح. بمعني آخر مبسط: إن الديمقراطية، وأكثر من أي نظام حكم آخر، تلبي تطلعات المواطنين. وهذه الحقيقة إنما ستتعاظم في عالم تصبح فيه الحدود بين الدول غير واضحة". هذا الكلام الموزون يندرج في إطار رؤية أوسع هي، استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة 2010، فقد ولت مرحلة الرئيس جورج بوش الابن التي رفعت شعار "مقرطة العالم" بالقوة العسكرية، وقبلها مرحلة الرئيس "بيل كلينتون" عندما كانت حقوق الإنسان رقم واحد. تجري مراجعة هذه الاستراتيجية مرة كل أربع سنوات، وتصدر وثيقة جديدة تأخذ بعين الاعتبار المستجدات التي طرأت داخليا وخارجيا، ومن ثم تعيد صياغة الأهداف والأساليب في ضوء تجربة أربع سنوات من التطبيق. في فترتي حكم الرئيس جورج بوش الابن، صدرت وثيقتان عامي 2002 و2006، تمحورتا حول مبدأ، بالقوة العسكرية تفرض القيم الديمقراطية، وتلك كانت قناعة بوش الشخصية، فضلا عن إدارته ومعظمها من المحافظين الجدد. حاول بوش جاهدا تطبيق هذا المبدأ في بلدان الشرق الأوسط، الذي حل مكان أوروبا كمحور للسياسة العالمية، حتي يحدث تغييراً جذرياً في مجري التاريخ، فقد اعتقد أن اعتماد القيم السياسية الاقتصادية الأمريكية، يمكن أن يعقبها قيم مكملة: أخلاقية وثقافية وحتي دينية، «راجع الاسلام المدني الديمقراطي: شركاء وموارد واستراتيجيات ورقة بحثية مطولة، صادرة عن وحدة البحث في الأمن القومي التابعة لمركز راند بالولاياتالمتحدة». ومثل العراق، في الاستراتيجيتين الأولي والثانية، رأس الجسر لإعادة تركيب الشرق الأوسط علي أساس ديمقراطي، لكن يبدو أن الرياح تأتي عادة بما لا تشتهي السفن، لأن التحولات الديناميكية في أرض الواقع صبت في عكس الاتجاه الذي أرادته أمريكا - لأنها بمحاولاتها نشر أفكار الديمقراطية بالقوة، أضعفت قوي الاعتدال وأنظمة الحكم القائمة، وقوت من ساعد التيارات الدينية المعارضة، وهي في نهاية المطاف، ضد الولاياتالمتحدة نفسها حدث ذلك مع وصول حماس إلي السلطة في غزة، ونجاح 88 عضوا من الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية عام 2005 في مصر . استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة (2010)، نشرت في 28 مايو الماضي، في وثيقة مهمة من (52 صفحة)، بعد مناقشات مستفيضة داخل المطبخ الأمريكي استمرت 16 شهرا منذ تولي الرئيس أوباما الحكم. سجلت الوثيقة للمرة الأولي "بصمة" الرئيس أوباما الخاصة، بالنسبة للسياسة الخارجية: أولا، عدم قيام الولاياتالمتحدة بأي عمل عسكري بشكل منفرد، أو عمل (استباقي) كما هو الحال في وثيقة الرئيس بوش الابن، وإنما ضرورة التعاون مع المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة وحلف الناتو، مع العمل علي إدخال إصلاحات جوهرية في هاتين المنظمتين. ثانيا، التدقيق في تسمية (العدو) الذي تواجهه الولاياتالمتحدة، وشطب عبارة "الإسلام المتطرف" باعتباره ذلك العدو، وهو ما سجلته الوثيقتان السابقتان في عهد الرئيس بوش الابن، فقد التزمت الوثيقة الجديدة بالإشارة إلي أن العدو الذي تواجهه الولاياتالمتحدة، هو (تنظيم القاعدة) والمنظمات الإرهابية المرتبطة بها، دون أن تشير إلي الإسلام من قريب أو بعيد، وهذا يذكر لأوباما وإدارته.