لم يعد يمر أسبوع دون أن أقرأ قصة أو أسمع خبرًا أو حتي أنصت إلي حكاية.. يرويها الرجال قبل السيدات.. بشأن أحاديث التحرش التي تتعرض لها الفتيات في الطريق العام.. دون أن تقتصر الوقائع علي نوعية معينة من الإناث.. فهي تشمل المحجبات وغيرهن.. اللواتي يتحركن في أحياء فقيرة أو متوسطة أو حتي ثرية.. ليلاً أو نهارًا. سمعت قصة فتاة عاملة، فوجئت بشخص لاحقها حتي سلم بيتها، ثم ما إن تبين له أنه وحده حتي لمس جسمها.. وفر جاريًا، وسمعت قصة متكررة لنساء يتحركن في الشارع.. يفاجئهن أشخاص بالتعدي علي أجسادهن.. ويمضون في طريقهم.. وبعض هؤلاء المتحرشين يكونون في سيارات متحركة تعبر عن مستوي اجتماعي معقول.. ناهيك عما تسمعه عن احتكاكات الصبية والمراهقين بالفتيات في الأعياد. بل إن الأمر لا يقتصر علي مواقف من هذا النوع.. بل إن مواقف أخري تتطور إلي أن تصل في التفاعل بين رجل وامرأة في الطريق العام إلي حد التحرش بها.. وقبل نحو شهر.. اصطدمت مطربة بسيارة شخص في طريق المريوطية.. فنزل من عربته.. وتهجم عليها.. بكل أنواع الألفاظ المنحطة.. وبدأ من عند وصفها بأنها زانية.. وحاول أن يتعدي عليها بيده داخل السيارة.. علمًا بأنها مطربة غير معروفة.. وملابسها في وقت الواقعة كانت عادية. وفي الأعياد عادة ما تجد وقائع مختلفة في المراكز التجارية.. ومن المدهش أنك تجد بعض تلك المراكز يفرض إجراءات لمنع دخول الشباب منفردًا دون عائلاتهم في الأعياد.. وقبل يومين نشرت جريدة «الدستور» صورًا مؤسفة في إحدي الحدائق العامة.. ما يعني أننا أمام أمور تتصاعد.. ولم يعد الأمر يقتصر علي واقعة جرت في وسط المدينة قبل سنوات. إن مناقشة هذه الأمور ضرورية جدًا، علي الرغم من أن المناقشة العلنية تسيء إلي سمعة المناخ الأخلاقي في البلد.. الذي ترسخ لسنوات أنه يتعامل بقدر مهول من اللياقة وال(جدعنة) والأريحية في الشوارع.. ولا بد أن علينا أن نسعي إلي إعادة هذا ومنع الظاهرة المتصاعدة من الانتشار.. خصوصًا أن البعض يقول إن عددًا من المنتقبات والمحجبات يلجئن إلي هذه الأزياء علي سبيل التخلص من مخاوف مماثلة. لا يجب تبرير الأمر بأنه أزمة زواج، وأن الشباب يعاني جنسيًا، من قال إن المتحرشين ليس بينهم متزوجون؟ في حقيقة الأمر هذا موضوع يتعلق بالثقافة في عمقها.. ويعود هذا الذي يجري إلي أسباب تتعلق بأفكار دينية وثقافية انتشرت جعلت من المرأة حين تخرج إلي الشارع إنما تقوم بأمر غريب.. وإنها تصبح بالتالي مباحة.. وإن من لم يقرن في البيوت إنما يسمحن للآخرين بالتعدي عليهن ويقبلن هذا التحرش المتزايد. هذا نتاج الثقافة المتطرفة.. ونتاج تصوير المرأة علي أنها كائن مستباح إذا عري رأسه.. وأنها لا تكون أخلاقية إن لم تتغط.. وحين يكون مسموحًا وفق هذا المنطق بالتعدي اللفظي علي صورة تلك المرأة.. فإن القول يجر الفعل.. وحين تمتد الأيادي القذرة إلي النساء غير المحجبات.. فإنه لا توجد ضمانة علي الإطلاق أن يقتصر الأمر عليهن.. بدليل أن محجبات كثيرات يتعرضن لذلك الآن. ناهيك عن أن التطرف يروج أن كل غير محجبة هي غير مسلمة.. وأن الأفكار الطائفية تعطي السماح لابن هذا الدين أو ذاك بأن يتعدي.. قولاً.. ثم فعلاً.. ثم عنفًا.. علي ابن أي دين آخر. لا أريد أن أتحدث عن أخلاق الشارع المصري التي كانت معروفة.. هذا كلام ليس له معني.. خصوصًا إذا كانت الأعمال الفنية تصور الحارة المصرية الآن علي أنها لم تعد بيتًا للأخلاق الشعبية الكريمة.. وإنما منبع للجريمة.. ومنبت للعنف الذي تشرع له هذه الأعمال أن يمارسه ضد المجتمع.. بل وتمجده.. وتثني عليه.. وتبرره.. وتمنحه الشرعية. لا بد أن المجلس القومي للمرأة سوف ينتبه إلي هذه الظاهرة.. هو وجهات إعلامية وثقافية مختلفة.. ولا بد أن يتم اتخاذ إجراء أمني عنيف ضد بعض مرتكبي هذه الأفعال.. وينشر ذلك العقاب القانوني في وسائل الإعلام علي نطاق واسع، فيتحقق الردع الذي لا ينفي ضرورة حل المشكلة الثقافية.. وفيما مضي كانت الشرطة تحلق شعر الشاب الذي يعاكس فتاة في الشارع.. ولا أظن هذا بعيب علي الإطلاق أن يعود مجددًا.. فإن لم يكن رادعًا فلا بد أن هناك إجراء قانونيًا غيره. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]