محرر الكتب.. كلمة قد تبدو غريبة علي البعض فالكتب يقدمها لنا مبدع، ومن بعده مخرج فني يصمم الغلاف والصفحات، وناشر ينشره، وموزع إن وجد، وأحيانا مراجع لغوي للتأكد من سلامة اللغة، أما "محرر الكتب" فهي وظيفة غريبة علي آذان الكثيرين.. يعمل خلالها المحرر لدي إحدي دور النشر كي يجهز عمل المؤلف للنشر، وظيفته التأكد من أن العمل الأدبي جدير أدبيا، خال من التناقضات والأخطاء، بما فيها السقطات الإملائية والنحوية، وهو قادر علي الاختصار من العمل، وهو ما حدث مع غابرييل جارسيا ماركيز، حين قام المحرر في دار النشر التي أصدرت له إحدي رواياته باختصار كم هائل من الرواية، وحين رأها ماركيز سعد بالاختصار وتساءل عن العبقري الذي قام بذلك. الأمريكي لاري أشميد، هو أحد أشهر محرري الكتب في أمريكا توفي هذا الأسبوع عن عمر ناهز ال 78عاما، بسبب إلتهاب رئوي ألم به قبل فترة.. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا عنه بقلم دوجلاس مارتن، روي فيه قصة عمل أشميد كمحرر كتب، وسيرته المهنية المميزة التي تستحق التخليد. حين كان لاري لا يزال في التاسعة من عمره، ذهب إلي مكتبته المحلية في روشستر، ليستمع إلي كاتبته المفضلة وهي تقرأ كتابا لها، وقد هاله أن يعرف أن عمل كاتبته المفضلة اليومي هو تحرير الكتب" حيث تجلس في إحدي ناطحات سحاب منهاتن تقرأ المخطوطات وتعمل عليها، حينها أراد أن يكون مثلها، وبالفعل، شب، ليصبح أحد أهم محرري الكتب في أكبر دور النشر الأمريكية مثل دوبلداي، سيمون أن شوستر، وهيربر كولينز، وكان من بين الكتاب الذين يعتمدون عليه في تحرير كتبهم سوزان إيزاك، توني هيلرمان، إيزاك أسيموف، وكوينتين كريسب. لعل الغريب في سيرة أشميد أن دراسته الأصلية كانت الجيولوجيا، في جامعة روشستر، قضي عامين في الجيش، وأكمل الدكتوراه في الجيولوجيا، بجامعة يال، وقد كان من المنتظر أن يعمل لدي إحدي شركات البترول، التي مولت دراسته العليا، ولكنه خرج من الصفقة، وقال عن هذا"حينها اتخذت القرار الوحيد الأجرأ في حياتي"، بعدها حصل علي وظيفة مساعد محرر في دوبليداي،قدم له رئيسه أسيموف مخطوطة، وحينها اكتشف أشميد العديد من الأخطاء بسبب خلفيته العلمية، واعترف أسيموف بخطئه الذي أخرجه له أشميد، وطلب منه أن يكون محررا لكتبه. ليس هذا وحسب، كان أشميد مكتشف الكتًاب أيضا، يشم رائحتهم ولو لم يكونوا يكتبون، ففي إحدي المرات كان علي العشاء مع مصممة أزياء تدعي هيلين فان، وحين سمعها تقول أنها قد تكتب كتابا فيما بعد، فإذا به يوظب علي إرسال الروايات الرومانسية لها، حتي قالت له: هذا رهيب.. فرد عليها: هل لديك أفضل؟؟ وبالفعل كتبت كتابها حول قوة السيدات في منتصف العمر، وهو الكتاب الذي وزعت منه ملايين النسخ. ومنذ ذاك الحين، ذاع صيت أشميد، في وقت كان محررو الكتب فيه يشعرون بفخر لأنهم حرروا 20 كتاباً في العام، بينما هو كان ينجز 100كتاب سنويا، وقد شهد له البعض أنه لم يكن يعثر علي الأخطاء وحسب، بل كان يعلم الأجزاء المفقودة التي كان يجب أن يضيفها المؤلف إلي عمله. عقب مسيرة مهنية طويلة وحافلة تقاعد لاري عام 2003 من دار نشر هيربر كولينز، وفي عام 2007 قام بتأليف كتاب بعنوان" بيرثا فينشن: ومئات من الأسماء المضحكة الأخري لأناس حقيقيين".