بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر نشطت الدراسات الغربية لكشف خطر الإسلام، وكأنه لم يكن هناك تاريخ مشترك بين المسلمين وأوروبا علي مدي أربعة عشر قرنا، بداية من حركة الفتوح الإسلامية، وانتهاء بعصر التوسع الاستعماري الأوروبي، بدرجة دفعت البعض لوصف الإسلام بالخطر (الأخضر) الذي يعتبر العدو البديل للخطر الشيوعي (الأحمر)، وفي هذا الكتاب الصادر عن المركز القومي للترجمة تحت عنوان (الخطر الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟ للبروفيسور الأمريكي جون لويس إسبوزيتو أستاذ الشئون الدولية والدراسات الإسلامية بجامعة جورج تاون وترجمة إلي العربية الدكتور قاسم عبده قاسم. يري المؤلف أن التفكير النمطي الاتباعي، والركون إلي الأنماط الفكرية الجاهزة أو المعلبة، بدافع من الاستسهال وعدم الرغبة في التعب والاجتهاد، وراء بروز خرافة (الخطر الإسلامي) بديلا عن الخطر الشيوعي السابق، ويقدم المؤلف وصفة جيدة لصناع السياسة في الغرب، وفي الولاياتالمتحدة علي وجه خاص للحفاظ علي مصالحهم، في العالم المسلم من خلال التمييز بين (المتطرفين) و(الإرهابيين) من ناحية، وبين (المنظمات الإسلامية) التي تسعي من خلال النظام السياسي وأدواته لتحقيق وجودها السياسي من ناحية أخري. وما يلفت النظر في الكتاب هو محاولة المؤلف تصحيح النظرة الغربية التي تري أن كل ما يخالف الغرب في رؤاه وأساليبه ونظامه القيمي والأخلاقي متخلف وخطير، ويطرح عددا من الأسئلة منها: هل ينبغي أن تكون الحضارة الغربية هي الحضارة المرجعية للعالم؟ وهل يجب أن تكون الأفكار السياسية التي أفرزها تاريخ طويل من الصراع بين الكنيسة والدولة في أوروبا الكاثوليكية، ثم صراع آخر مرير بين ملوك الحق الإلهي المقدس والقوي البرجوازية ثم الشعبية، فرضا واجبا علي كل مجتمع يريد لنفسه نظاما يدير به شئونه وينظم العلاقات بين القوي السياسية الفاعلة فيه؟ وهل يصح أن تكون المصالح الغربية، وهي أطماع خصما من حساب شعوب العالم العربي والإسلامي؟ وهل يكون انحياز الغرب ضد المسلمين ولصالح القوي الأخري -خاصة إسرائيل- نوعا من القدر الذي يجب أن نرضي به؟ ويرصد المؤلف المخاوف الغربية من الأصولية الإسلامية التي تمثل التهديد الأكبر للاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط وخطرا علي المصالح الغربية، فالثورة الإيرانية، والهجمات علي السفارات الغربية، وخطف الطائرات والرهائن، والأفعال العنيفة، التي تقوم بها جماعات تحمل أسماء مثل: "جند الله"، و"الجهاد"، و"حزب الله"، و"الناجون من النار"، كلها كانت علامات علي أن هناك إسلاما مقاتلا في طريقه إلي الصدام مع الغرب، ومع انتصار عمليات التحول الديمقراطي في شرق أوروبا وانهيار الإمبراطورية السوفيتية، يشكل الإسلام القوة الأممية الأكثر نفوذا وقدرة علي لم الشمل في العالم، إذ يبلغ عدد المؤمنين بالإسلام أكثر من بليون مسلم منتشرون في أرجاء الدنيا ويشكل المسلمون أغلبية في حوالي 56 بلدا تمتد من إفريقيا إلي جنوب شرق آسيا، كما أن وجودهم يتنامي في أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفيتي السابق. ويشير المؤلف إلي ما يكرسه العديد من المعلقين الغربيين لمقولة إن الإسلام والغرب يسيران علي طريق الصدام، حيث يحمل الإسلام تهديدا ثلاثيا: سياسيا وحضاريا، وسكانيا، ومن أبرز الكتابات في هذا الصدد (جذور الهياج المسلم) لبرنارد لويس، و(صدام الحضارات) لصمويل هنتنجتون، حيث قدم الأول صورة صادمة للإسلام والمسلمين باعتبارهم أصولين مقاتلين، يعشقون الحرب، في حين يري الثاني أن الخطر الإسلامي (الأخضر) هو العدو البديل للخطر الشيوعي (الأحمر)، ويصف الإسلام بأنه يعادي الغرب إيديولوجيا، فالأفكار الغربية عن الفردية، والتحرر والدستورية وحقوق الإنسان والمساواة والحرية وحكم القانون والديمقراطية والسوق الحرة، والفصل بين الكنيسة والدولة غالبا ما يكون لها صدي ضئيل في الثقافة الإسلامية. ومن ناحية أخري، حينما يحاول المسلمون مواءمة المفاهيم .. ويضيف: ويمكن للإسلام أن يكون تحديا أو تهديدا لإعجاب المجتمعات الغربية بنفسها روحيا واجتماعيا وسياسيا، فهو في بعض إشكاله تساؤل مباشر عن التقاليد، التي يعتنقها الغرب مثل العلمانية، والاستهلاكية والفردية المطلقة.