ولد روزبه نحو سنة 724 م - 106 ه في قرية بفارس اسهما "جور" وهي فيروز اباد الحالية ومعني اسمه بالفارسية " المبارك" وكان اسم أبيه داذويه وكان داذويه متوليا خراج فارس من قبل الحجاج فضربه الحجاج بالبصرة لمال احتجبه حتي تقفعت يده فعرف بالمقفع وعرف ابنه بعده بابن المقفع ولما اسلم روزبه سمي عبد الله وكني بأبي محمد. هذا من جهة اسمه وأصله أما نشأته فكانت في فارس إلي جنب أبيه يسعي في تحصيل الثقافة الفارسية ويدين بالزرادشتية علي مذهب المجوس ثم انتقل إلي البصرة وكانت مزارا لرجال العلم والأدب وفيها المربد منتدي الأدباء والشعراء واتصل بهم وهم أهل فصاحة فكان مولي لهم يغترف من بلاغتهم ويتصل بالأعراب ويقوم لسانه علي نطقهم وهكذا تعلم العربية وتدرب علي أساليب الفصاحة والبلاغة واجتمع له عاملان مهمان عامل الثقافة الفارسية وفيها ثقافة اليونان والهنود وعامل الفصاحة العربية فقابل العالم الجديد بسلاحين قويين، سلاح الفكر وسلاح اللسان. وما هو إلا زمن قصير حتي طار للشاب الفارسي صيت في العلم والفصاحة وكان الأمويون من اشد الناس التجاء إلي الموالي للاستفادة من أقلامهم لتوليتهم الدواوين فلجئوا إلي ابن المقفع فكتب ليزيد بن عمر بن أبي هبيرة والي العراق من قبل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وقيل انه كتب أيضا بعد موت يزيد لأخيه داود بن عمر بن أبي هبيرة وانه بقي مدة من الزمن يكتب لهذا الأمير في دواوينه بكرمان وهكذا شهد ابن المقفع عن كثب كيف انهارت الدولة الأموية فشهد السعايات والمؤامرات وعرف كيف تتقلب الأيام وتدول الدول وعرف الأدواء الخفية والظاهرة التي تفتك بجسم الأمم والدول وكان أبدا عينا تري وأذنا تسمع ولسانا ينطق وقلما يسجل. ولما كانت دول العرب في هذا العصر بعيدة الأطراف مختلفة الأعمال والعرب علي ذلك أمة أمية قليلة الحظ من الكتابة شديدة الحرص علي مداومتها والاحتفاظ بمضاربها والمغاربون من الفرس والروم أهل دراية بالسياسة وحذق في العلم وبصر بالأجور كانت لهم من ذلك فرصة حرصوا علي أن يستفيدوا منها وينتفعوا بها فتفرغت طائفة منهم لإجادة ما يتصل بأعمال السلطان من كتابة وحساب ومن إدارة ووزارة فنبغ منهم في هذا نفر كثير هم الذين دبروا أمور الدولة ورفعوا مناداها في عصرها الأخير وفي أيام بني العباس فكان من كبار كتابهم ابن المقفع الذي جمع مختلفا من العلوم ومتنوعا من الفنون وأجاد الكتابة السياسية حتي آخر أمره من كتاب الأمراء ولسنا بسبيل القول في رسائل ابن المقفع السياسية وكتاباته المتصلة بأعمال الدولة وإنما نقول انه قد اختص بفنيين أجادهما كل الإجادة واتقنهما جد الإتقان أحدهما الترجمة والثاني تحبير الرسائل الخلقية التي ترجع إلي سياسة الملك للرعية وطاعة الرعية للملك وقد يكون مما ينبغي أن نبين شيئا من حال الأساليب العربية في الكتابة ومن حال التدوين والتأليف في عصر ابن المقفع تمهيداً لبسط القول في الفنين اللذين نبغ فيهما واختص بهما . يلجأ ابن المقفع إلي العقل ليخاطب الإنسان من خلاله، ويحثه علي أداء دوره وتحقيق ماهيته التي يتميز بها عن سائر الخلق: "فإن لكل امرئ لم تدخل عليه آفة نصيبا من اللب يستوجب أن يسمي في ذوي الألباب، ولا أن يوصف بصفاتهم". فالعقل عنده وسيلة وغاية في آن فكما انه الوسيلة لتحقيق إنسانية الإنسان، أيضا به تتحقق غاياته. إذ تجده في كتاباته يخاطب دائما العقل والعاقل، وذا اللب، حتي كاد يكون العقل عنده كل شيء ولا شيء سواه، وهذه المبالغة في دور العقل ووظيفته كانت إحدي الأسباب الموجبة لاتهامه بالفسق والزندقة وبمناهضة الأديان. حيث اعتبر البعض انه قد تجاوز الشرع والوحي بتمجيده المطلق للعقل وتقديسه، وباتخاذه الطريق الوحيد إلي اليقين. إذا لسنا هنا بحاجة لتوضيح اكثر للدور أو للوظيفة التي أعطاها ابن المقفع للعقل من اجل تحقيق الأهداف والغايات التي وضعها له. فهو دائما أساس كل حكمة وتعقل وتدبر، فهو يخاطبه كما يوجه إرشاداته ونصائحه من خلاله إلي كل امرئ، لقد وجد في العقل الذي لا يخلو منه امرؤ، الأداة والوسيلة الصالحة لتحقيق غايات المرء ومراميه. فكان حريا بابن المقفع أن يلجأ إليه ويستعين به لتحقيق أغراضه التربوية والإصلاحية التي سعي إليها أي العقل الذي من طبيعته وسجيته تقبل الأدب أو العلم "الذي به يزكو وينمو".